عين وعدسة

الأشهر الخضراء في «الضواحي»

موسم الأرز في الأحساء

image-8_1على الرغم من تراجع زراعة الأرز الحساوي خلال العقود الأخيرة عما كانت عليه تاريخياً، فقد بقي منها ما يكفي لوضعها في المرتبة الثانية بين الزراعات الحساوية بعد النخيل. كما أن ما بقي يكفي لكسوة كثير من الأراضي الزراعية بطبقة خضراء ندية، تتمايل سنابلها الطرية مع نسمات الهواء طوال أشهر الصيف قبل أن يحين موعد حصادها في فصل الخريف.

تُصنّف الأحساء على أنها أكبر واحة زراعية في العالم، وتشتهر بإنتاج الأرز الحساوي، أو ما يُعرف في اللهجة المحلية بـ «العيش الحساوي»، الذي يُعد من أهم محاصيلها الزراعية منذ القدم.

0i9a8836فالمنطقة تشهد في فصل الصيف درجة حرارة عالية قد تصل إلى 50 درجة مئوية، وتحت هذه الحرارة يُزرع «الأرز الحساوي»، وهو نبات عشبي حولي صيفي، يتميز بحبته الحمراء التي يمكن أن يصل طولها إلى 10ملم.

ويحتاج الأرز خلال مراحل نموه إلى 48 درجة مئوية، كما يحتاج إلى وفرة في المياه وإلى التربة الطينية الثقيلة ذات الحموضة الخفيفة التي تحتفظ بالماء، وهذا ما توفره تربة الأحساء.

مواعيد زراعته وحصاده
تبقي الصيف بطوله أخضر
image-2يروي المزارع صالح العباس طريقة زراعة الأرز في الأحساء على الوجه التالي: في البداية، يتم استصلاح الأرض بحرثها وتنظيفها من بقايا النباتات، ثم تُرش بالمبيدات الحشرية، ومن ثم تسميدها لتصبح جاهزة لزرع الشتلات، وهذا يكون خلال شهري مايو ويونيو. ويتم الحصول على الشتلات بزراعة البذور بصورة مركَّزة في قطعة أرض خصبة، حتى ينبت أول الأرز. ويتم تركيز الماء عليه، من 8 إلى 14 يوماً، وبعد هذه المدة

«الموسمية» هي عبارة عن كيسين كبيرين من الأرز، يزن الكيس حوالي 60 كيلو جراماً (ويصل معدل إنتاج المزرعة الواحدة تقريباً إلى ما بين 10 و15موسمية) حسب المساحة المزروعة…

يُسقى بطريقة اعتيادية طيلة 40 يوماً، ثم يُرفع عنه الماء 10 أيام، وتبدأ عملية نقل الشتلات في شهري يوليو وأغسطس إلى الأراضي الرئيسة المسماة «الضواحي»، وهي الأراضي الشاسعة التي تتعرَّض للشمس بشكل مباشر، وتكون عادة محاطة عند أطرافها بالنخيل. وفي هذه «الضواحي»، تتم زراعة الأرز بشكل نهائي إلى حين حصاده. ويفضل عند زراعة الشتلات الصغيرة أن تكون الأرض جافة وتغرس على هيئة خطوط. غير أنه بنمو الشتلات، تضيع ملامح الخطوط الفاصلة ما بينها، لتتحول حقول الأرز إلى بسط ذات اخضرار صارخ طوال أشهر الصيف، لا تميل إلا قليلاً إلى الاصفرار عند دنو موعد الحصاد.

image-9ويطلق مزارعو الأحساء على موسم حصاد الأرز اسم «الوسمي»، وتكون أيام الوسمي هذا ما بين شهري سبتمبر وأكتوبر. ويُعد الوسمي من الأيام السعيدة في الأحساء، وتكون عملية الحصاد يدوياً، ويترك معرّضاً للشمس لبضعة أيام حتى يجف نهائياً. وبعد ذلك تأتي عملية الدِّراس أو (التذرية)، وهي عملية فصل الشلْب عن النبتة الأصلية للأرز.

أصنافه وقيمته الغذائية
وحجم إنتاجه
والأرز الذي يزرع اليوم في الأحساء ثلاثة أصناف: المحلي، والحساوي رقم 1، والحساوي رقم 2، ويطلق على الأخيرين اسم (هجين)، تختلف هذه الأصناف فيما بينها لجهة وقت الزراعة وحجم الحبة وكذلك حجم المجموع الخضري ودرجة اللون. فالأرز المحلي يكون لونه أحمر داكناً، والهجين يميل إلى اللون الأحمر الفاتح ويخالطه شيء من اللون الأبيض.

image-5وإضافة إلى الاختلاف بين الأنواع الثلاثة في مواعيد الزراعة ومدة النمو، حيث يزرع الحساوي المحلي من آواخر أبريل إلى أوائل يونيو بمدة نمو تمتد من 160 إلى 180يوماً، والنوعان الآخران يزرعان من أوائل يونيو إلى أوائل يوليو بمدة نمو تمتد من 100 إلى 120يوماً، ويقول المهندس حجي العاشور إنه قام شخصياً بعملية تحليل مخبري للأرز الحساوي وأصنافه، وتبيَّنت له فيها أوجه الاختلاف بين الحساوي الأصلي والهجين، كما تبيَّنت له القيمة الغذائية العالية في الأرز الأصلي، لا سيما لجهة محتواه من الألياف.

فالأرز الحساوي يحتوي على مواد غذائية كثيرة عالية الجودة أبرزها الحديد، والكربوهيدرات، والفيتامينات، وخاصة فيتامين (B)، وكذلك الزيوت والألياف ذات الأهمية القصوى في الغذاء، وتتركز تلك المواد في القشرة الداخلية لحبة الأرز.

يحتاج الأرز خلال مراحل نموه إلى 48 درجة مئوية ووفرة في المياه وإلى التربة الطينية الثقيلة ذات الحموضة الخفيفة التي تحتفظ بالماء

أما النسبة المئوية للكربوهيدرات في الأرز الحساوي فتبلغ 65.978، ويقدَّر محتواه من السعرات الحرارية بحوالي 1800 وحدة حرارية في الليبرة (ثلاثة أرباع الكيلوجرام)، ولهذا السبب يُنصح بتناوله لكبار السن المصابين بكسور في العظام وآلام المفاصل.

وكانت الأحساء تنتج من الأرز الحساوي في العام 1962م حوالي 20 ألف طن، وانخفضت كمية الإنتاج إلى ما بين 400 أو 500 طن في وقتنا الحاضر، بسبب قلة المياه وتقلّص الرقعة الزراعية.

image-3وفي هذا الجانب يوضّح المهندس العاشور أن الأحساء باتت في السنوات الأخيرة تنتج سنوياً من الأرز المقشر ما يعادل 400 طن، إلا أن هذه الكمية ليست ثابتة فهي تتغير من عام إلى عام. فعلى سبيل المثال، ووفقاً لإحصائية «هيئة مشروع الري والصرف بالأحساء» بلغت كمية المساحة المزروعة أرزاً في عام 2003م نحو 1569 دونماً، وبلغت نسبة الإنتاج 392 طناً، وفي عام 2004م كانت المساحة المزروعة 1414دونماً، وبلغت كمية الإنتاج 353 طناً.

ويقدِّر مزارعون يعملون حالياً في زراعة الأرز الحساوي أن الإنتاج في السنة يصل إلى قرابة 4000 «موسمية». والموسمية هي عبارة عن كيسين كبيرين من الأرز، يزن الكيس حوالي 60 كيلو جراماً (ويصل معدل إنتاج المزرعة الواحدة تقريباً إلى ما بين 10 و15موسمية) حسب المساحة المزروعة. أي إن إنتاج الأحساء حالياً يقدّر بنحو 480 طناً في السنة الواحدة.

image-7قيمته التسويقية ومكانته
وبسبب خصائصه وقلة إنتاجه مقارنة بكثرة الطلب عليه، بات الأرز الحساوي يتمتع بقيمة تسويقية مرتفعة. فقد وصل سعره في السنوات الأخيرة إلى 43 ريالاً للكيلو الواحد.

يقدِّر مزارعون يعملون في زراعة الأرز الحساوي أن الإنتاج في السنة يصل إلى قرابة 4000 «موسمية»…

والواقع، أن الأرز الحساوي ارتبط تاريخياً بالكرم وحسن الضيافة، فكان يقدَّم للضيوف دلالة على الغِنى والخير وكقيمة اجتماعية. وحتى خمسين سنة خلت، كان هذا الأرز المحصول الذي يُعتمد عليه بشكل رئيس في الغذاء، وكان يتم تخزينه طوال أيام السنة، وبكميات كبيرة، ولا يكاد يخلو منه بيت، خاصة للمزارعين المقتدرين، أما الأقل اقتداراً فما كانوا يأكلونه إلا في المناسبات لعدم مقدرتهم على شرائه.

image-1وحالياً، يكثر الطلب على شرائه في شهر رمضان، حيث يفضله البعض كوجبة رئيسة على مائدة السحور. أما في باقي أشهر السنة، فإنه لا يؤكل إلا على فترات متباعدة أو حسب الرغبة. غير أن تناوله يولّد لحظات سعيدة في جوّ العائلة، لما يعيده من ذكريات حول الصِّلات القوية والحميمة مع الأرض، بوصفه منتجاً محلياً فريداً ليس له مثيل في العالم، يحرص الآباء على أن ينقلوا مكانته في وجدانهم إلى الأبناء.

تصوير: فتحي العيسى

أضف تعليق

التعليقات

Redha Saleh

بالفعل العيش الحساوي احد اهم المحاصيل الزراعية في الأحساء بعد التمر, ويوجد عليه اقبال كبير من جميع الطبقات بالأحساء لشعبيته وطعمة اللذيذ والفوائد الصحية التي يحملها و الأهم من ذلك هو للأرث الأحسائي