وسط المراجعات المختلفة التي تتناول التعليم التقليدي ومناهجه بغية تطويره ليواكب احتياجات العصر، تبرز تجربة هولندية فريدة من نوعها، تحررت بشكل شبه كامل، ليس فقط من المنهاج التقليدي، بل أيضاً من الدور التقليدي للمعلِّم، والواجبات التقليدية التي كانت مطلوبة من التلميذ. وخلال سنوات ثلاث فقط على تأسيس المدرسة النموذجية الأولى، تكاثرت المدارس المشابهة، فوصل عددها إلى 40 مدرسة يؤمها 8000 تلميذ. وأكثر من ذلك، بدأت هذه التجربة تثير اهتمام الدوائر التربوية خارج هولندا.
قبل سنوات ثلاث، كان رجل هولندي يدعى ماوريس دو هوند يبحث عن مدرسة ابتدائية مناسبة لابنته، فوجد أن كل المدارس في بلاده تسير على المنهاج نفسه الذي كانت عليه عندما كان هو نفسه طفلاً، قبل أكثر من ستين عاماً، فقرر أن يؤسس مدرسة تتبنَّى تعليماً لعصر جديد، وهي المدرسة التي وقع الاختيار عليها لاحقاً، لتكون واحدة من أكثر المدارس ابتكاراً في العالم. وحملت اسم «مدرسة ستيف جوبز» تكريماً له، دون أن تكون له أية علاقة بها.
المدرسة كما لم يعهدها أحد
مدرسة دون معلمين، بل بمدربين، ويحق للطالب فيها أن يسافر في عطلة أثناء العام الدراسي، ويسري الأمر نفسه على المدربين. ليس فيها صفوف دراسية، بل مجموعات تضم تلاميذ من أعمار مختلفة. لا يحتاج المدربون فيها إلى تحضير الدروس، ولا يضيّعون وقتاً في فرض النظام على الصف، ولذلك فكل وقتهم مخصص للمهمة الأساسية، وهي اكتشاف مهارات الطفل وتنميتها.
ليس هناك جدول زمني لتطبيق المنهاج الدراسي الموضوع من الوزارة والمفروض على الجميع أن يدرسوه، بل لكل طالب جدول دراسي (على مقاسه)، هو الذي يختار المواد والنشاطات التي يريدها، والوقت الذي يرغب أن يخصصه لها. ويقتصر دور الوالدين على الإشراف من بعيد على هذا الاختيار. ويتابع المدرِّب المسؤول مستوى الطالب بصورة مكثفة. وفي الاجتماع الذي يُعقد كل ستة أسابيع، بمشاركة التلميذ وولي الأمر والمدرِّب، تجري مناقشة ما تحقق خلال هذه المدة، وما ينبغي أن يتم في الأسابيع الستة التالية.
كثير من التقارير الإعلامية الأوروبية التي تناولت هذه المدرسة، ركزت جلّ اهتمامها على الاستخدام المكثف للآيباد، الذي يحمل البرامج التعليمية بصورة حديثة وشيِّقة، وهي البرامج التي تتيح للطالب أن يتعلَّم كثيراً بنفسه. لكن من يتأمَّل الأوضاع عن كثب، ويتحدث مع كل الأطراف، يدرك أن القضية أكبر من وسيلة تعلم تستخدم التقنية الحديثة، بل يتعلَّق الأمر بقلب المعادلة التي استمرت طويلاً، والتي تقوم على منهاج موضوع من جهات عليا يجب أن تتم برمجة الطالب ليتماشى معه، فهنا تنطلق المعادلة الجديدة من الطفل وليس من النظام، بحيث يصبح الإنسان هو الأساس.
فهل يمكن لرجل لا علاقة له بمجال التعليم، أن يتوصل إلى حل المعضلات، التي استعصى حلّها على وزارات التعليم في كثير من دول العالم؟
ليست مدارس للنخبة
توجد في العاصمة الهولندية أمستردام أحياء يسكن فيها مهاجرون بنسبة تفوق نسبة الهولنديين. ولا تتمتع هذه الأحياء بسمعة جيدة، إذ غالباً ما ترتفع فيها نسبة الجريمة، وتكون غالبية مبانيها مرتفعة وعلى نمط واحد لأن سكانها من ذوي المداخيل المحدودة، الذين لا يملكون رفاهية الانتقال إلى الأحياء الراقية.
في أحد هذه الأحياء، وتحديداً في غرب أمستردام، تقع «مدرسة ستيف جوبز»، يقابلها على الطرف الآخر من الميدان، مسجد كبير، وقسم للشرطة، وكاميرات المراقبة مثبتة في وسط الميدان، وغالبية السيدات اللاتي يأتين بأطفالهن هن محجّبات ويتحدثن باللهجة المغربية.
وضمن بناء واحد توجد مدرستان؛ الأولى غالبيتها من أبناء المهاجرين المغاربة، والثانية تبلغ نسبتهم فيها 15 في المئة فقط، وهي «مدرسة ستيف جوبز» التي يرأس مجلس إدارتها دو هوند نفسه.
يقول مؤسس هذه المدرسة إن الحي كان يعاني من نسبة جريمة مرتفعة، فأرادت بلدية أمستردام الارتقاء بالحي، فأجرت تعديلات من بينها، إنشاء هذا المبنى والمسجد وقسم الشرطة. ونقلت تلاميذ مدرسة ابتدائية، غالبية طلابها من أبناء المهاجرين، إلى جزء من هذا المبنى الجديد، ولم تكن المدرسة تتمتع بسمعة جيدة.
بعد حصوله على التصريح بإنشاء مدرسة، قبل ثلاثة أعوام، قدَّمت له البلدية جزءاً آخر من المبنى نفسه ليؤسس فيها «مدرسة ستيف جوبز»، وعندما رأت إدارة المدرسة الأخرى -ذات الأغلبية من المهاجرين- الأوضاع في مدرسته، قررت تطبيق الأسلوب التعليمي نفسه.
بعد حصوله على التصريح بإنشاء مدرسة، قبل ثلاثة أعوام، قدَّمت له البلدية جزءاً آخر من المبنى نفسه ليؤسس فيها «مدرسة ستيف جوبز»، وعندما رأت إدارة المدرسة الأخرى – ذات الأغلبية من المهاجرين – الأوضاع في مدرسته، قررت تطبيق الأسلوب التعليمي نفسه. ومنذ ذلك الحين، تبدلت الأوضاع في المدرسة وفي الحي. ويكفي للتدليل على ذلك، أنه لم يتعرض أي جهاز «آيباد» للسرقة، رغم أن الأطفال يأخذونه معهم إلى البيت، ويسيرون به في الشارع.
بدا الكلام مبالغاً فيه، وكأن مدرسة واحدة، قادرة على كسب التلاميذ والارتقاء بقدراتهم، ليس ذلك فحسب، بل وكسب أولياء أمورهم، ليكونوا شركاء في العملية التعليمية بحق. وفوق كل ذلك، فإنها مدرسة تترك بصمتها على المجتمع المحيط، فتتراجع معدلات الجريمة، ويحدث نوع من الانسجام بين الأطفال من ذوي الأصول المهاجرة، والأطفال من أبناء العائلات الهولندية، فكيف حدث كل ذلك؟
مؤسسها يروي الحكاية من البداية
اكتشف ماوريس دو هوند – وهو من مواليد 1947م -، أن ابنته الصغرى، المولودة في عام 2009م، قادرة على التعامل مع الآيباد ببراعة منذ أن كان عمرها عامين ونصف العام، وتستخدم برامج مخصصة للأطفال تجعلها قادرة على تصميم أزياء، وتكوين أشكال هندسية. فتساءل عما إذا كانت هناك مدرسة في أمستردام، قادرة على اكتشاف ما في ابنته وغيرها من مواهب وقدرات، فزار المدرسة الابتدائية تلو الأخرى، وقارن ما شاهده بالصور المرسومة في ذهنه عن مدرسته، من خمسينيات القرن الماضي، ومدرسة ابنه مارك من ثمانينيات القرن الماضي، ووجد أنها تعتمد كلها من حيث المبدأ على معلمة واقفة أمام الصف، هي التي تتولى تدريس غالبية المواد.
يوضح دو هوند في حديثه إلى «القافلة» أنه على قناعة بأن المدارس في الماضي، عندما كان الصف يضم 50 تلميذاً، وفيما بعد حوالي 30 تلميذاً، لم يكن أمامها بدائل أخرى تتيح لها التعامل مع كل تلميذ على حدة. وكان المعلم يلتزم بالجدول الزمني المفروض عليه من وزارة التعليم، الذي ينص مثلاً على أن يتم في الشهر الأول من العام الدراسي، تدريس تلاميذ الصف الأول، الدروس من كذا إلى كذا..، وكان المعلم يعد أن قيامه بشرح الدرس، يعني تلقائياً أن التلاميذ قد درسوه وفهموه.
ويتساءل دو هوند مستنكراً عن مصير حوالي 20 في المئة من التلاميذ، الذين يعرفون من قبل، ما يشرحه المعلم في هذه الحصة، فيشعرون بالملل، وثلاثين في المئة يجدون صعوبة في فهم ما يقوله المعلم، لأنه يفوق مستواهم. أي إن حوالي نصف الصف فقط هو الذي يستوعب ما يقوله المعلم، والنصف الآخر، يبدي تضجره بكثرة الحركة، أو الحديث مع جاره، أو أي تصرفات أخرى، تُغضب المعلم، فيترك الشرح، ويطالب هذا التلميذ أو ذلك أن ينصت له، ولكن الحقيقة أن العيب ليس في التلميذ، بل في النظام، الذي يعد أن تساوي العمر، يعني تساوي القدرات والميول.
ويضيف أن التقنيات الحديثة توفر إمكانية تعليم كل تلميذ حسب مستواه، بغض النظر عن عمره. وأطفال اليوم قادرون على التعامل مع هذه التقنيات، التي توفر الشرح والتدريبات في مستويات متعددة، والأولى أن نستفيد منها. وبدلاً من الاعتماد على معلم الصف، الذي لا يكون متخصصاً في مادة دراسية معينة، فمن الأفضل الاعتماد على معلم ماهر في مادة دراسية بعينها يتجه إليه التلميذ، ليناقش معه ما لم يفهمه، ويتابع مستوى التلميذ باستمرار، من خلال برامج الآيباد، التي تتيح للمعلم الاطلاع باستمرار على أداء التلميذ.
كل ذلك جعله يوقن أن الأمر يحتاج إلى حل جوهري، وهو إنشاء مدرسة جديدة مختلفة تماماً عن كل المدارس الموجودة. مدرسة لا تضع نموذجاً للطالب الذي تريد إنتاج بقية الطلاب حسب مواصفاته القياسية، بل تريد أولاً أن يكون إنساناً سعيداً. وهذه السعادة لا تتحقق، إلا من خلال الانطلاق من داخله، أي باكتشاف تفرده ومواهبه ومهاراته وقدراته وميوله، وتقديم المادة العلمية التي ينبغي أن يتعلمها في المرحلة الابتدائية، على جرعات يحدد التلميذ نفسه كميتها ووقتها كما يحلو له. المهم أن يصل في نهاية هذه المرحلة إلى امتلاك هذه المعارف، بالطريقة التي تناسبه.
تحدث دو هوند آنذاك مع المسؤولين في وزارة التعليم الهولندية، وشرح لهم فكرته، فشجعوه، وطلبوا منه بلورة هذه الفكرة، من خلال التعاون مع خبراء في التربية والتعليم، ومعلمين من الميدان يؤمنون مثله بضرورة إحداث تغيير حقيقي في مجال التعليم. واختار لمدرسته اسم (ستيف جوبز) المؤسس الشريك لشركة أبل، الذي يرجع له الفضل في انتشار أجهزة الآيباد في العالم كله.
ومن خلال عمله على نشر فكرته، وظهوره في برامج تلفزيونية وحديثه عن تعليم مختلف، بدأت مدارس هولندية عديدة، تطبِّق أفكار مدرسته، حتى قبل أن تتأسس هذه المدرسة، وأشرفت شركة اسمها (O4NT)، وهو اختصار لاسمها الذي يعني «تعليم لعصر جديد»، على هذا التحول، الذي يستغرق ستة أشهر في كل مدرسة. وبلغ عدد المدارس التي تطبِّق هذه الفكرة حالياً حوالي 40 مدرسة، يبلغ عدد طلابها 8000 تلميذ وتلميذة، تتراوح أعمارهم بين أربع سنوات واثنتي عشرة سنة.
نظام التدريس اليومي
والمدرسة من الداخل
يمكن للتلاميذ أن يأتوا في الساعة الثامنة والنصف، أو التاسعة والنصف صباحاً. ومن يأت دوماً مبكراً، يحق له الانصراف يوم الخميس والجمعة بعد نصف الدوام، الذي يستمر عادة حتى الساعة الثالثة ظهراً. والطريف أن المدرسة مفتوحة طوال العام، إلا في أيام العطلات الحكومية الرسمية. أي حين تحصل المدارس الأخرى على العطلات في الصيف أو في الربيع، فإن «مدرسة ستيف جوبز»، تظل مفتوحة أمام تلاميذها. وفي المقابل، يمكن للتلميذ فيها أن يحصل على عطلة مدرسية في أي وقت طوال العام الدراسي، لأنه قادر على توزيع جدوله الدراسي، بما يتناسب مع ميوله وظروفه. وينطبق الأمر نفسه على المدرِّبين، الذين لا يكون عندهم تلاميذ أثناء العام الدراسي، فيكون من حقهم أيضاً أن يحصلوا على عطلتهم وقتما يشاؤون.
ينتمي كل تلميذ إلى مجموعة أفرادها من أعمار مختلفة، شرط ألا يزيد الفرق بينهم على سنوات أربع. يجتمعون مع مشرف عليهم صباح كل يوم من التاسعة والنصف وحتى العاشرة، لمناقشة كل أمورهم، مع التركيز على المهارات الاجتماعية، مثل امتلاك روح الفريق، والتعاون مع الآخرين، والاحتكاك بذوي الأعمار المختلفة، وتجري هذه اللقاءات الصباحية في قاعات مريحة، يختار فيها كل تلميذ المكان الذي يحلو له، دون تدخل من المشرف.
بعد هذه الجلسة الصباحية مع المجموعة، وتحديداً من الساعة العاشرة والنصف وحتى الثانية عشرة، ينفصل كل تلميذ عن المجموعة، ليذهب إلى المكان الذي اختاره، حسب الخطة الدراسية الخاصة به، فإما أن يذهب إلى قاعة اللغات أو الرياضيات أو العلوم أو أي مادة دراسية، ليجد في انتظاره معلماً متخصصاً في هذه المادة، يشرف على التلاميذ الذين اختاروا التوجه إليه، لتعلم درس ما، وتكون مستوياتهم متقاربة، بغض النظر عن أعمارهم. فيما يقرر آخرون أن يتعلموا بمفردهم باستخدام الآيباد، والتمارين التي تتناسب مع مستوى كل واحد.
بعد استراحة لمدة نصف ساعة، تقام ما بين الثانية عشرة والنصف والثانية والنصف من بعد الظهر، ورش عمل ومشروعات دراسية وأعمال فردية وتمارين رياضية. وهنا أيضاً يكون التلميذ قد حدد سلفاً في جدوله الدراسي الخاص به، ما الذي يريد أن يفعله، ويجد مشرفاً في انتظاره، أو زملاء له سيتعاونون معه.
وفي نهاية اليوم تجلس المجموعة من جديد مع المشرف عليها، لمناقشة أي أمر يشغل بال أفرادها، ولمتابعة أوضاع كل تلميذ منها، لأن تفريغ المعلم من المهام الروتينية، يجعله يجد الوقت للاهتمام الشامل بالتلميذ، والتواصل المستمر مع الأهل.
ويلعب الآيباد دوراً مهماً في العملية التعليمية، ويتابع الأهل من خلاله، كل ما يقوم به ابنهم أو ابنتهم، ويتواصلون باستمرار مع المشرف على التلميذ، وكل المدرِّبين الذين يتولون تدريس المواد الدراسية المختلفة.
ويلاحظ الزائر أن التلاميذ لا يرتدون أحذية، وأنهم لا يشربون شيئاً سوى الماء، فلا عصير ولا مشروبات غازية ويتناولون الفواكه والأطعمة الصحية فقط. ويوضح دو هوند أن قرار المشي حفاة الأقدام، يرجع إلى أن بعض التلاميذ يستلقون أرضاً، وتلمس أيديهم الأرض، وأما السماح بشرب الماء فقط، فيهدف إلى رفع الوعي لدى التلاميذ، لأضرار المشروبات الغازية، وكذلك الأمر بالنسبة للطعام الصحي.
يلاحظ الزائر أن التلاميذ لا يرتدون أحذية، وأنهم لا يشربون شيئاً سوى الماء، فلا عصير ولا مشروبات غازية ويتناولون الفواكه والأطعمة الصحية فقط.
وفي هذه المدرسة، يتحدث التلاميذ مع الذين هم من حولهم بثقة كبيرة في النفس، ولا يستغربون وجود غرباء في المدرسة، كما أن التلميذ الذي يدرس على الآيباد، يركز بشدة، ولا يحتاج إلى من يطلب منه الانتباه إلى الشرح، ويستخدم البرامج التفاعلية بمنتهى الإتقان.
ومن الأمور الأخرى اللافتة للنظر، الهدوء الذي يعم المكان طوال وقت الدراسة. فلا صراخ ولا شجار ولا طالب معاقب بالوقوف أمام الصف، ولا معلم ثائر. لكن في وقت الاستراحة، يتحول هؤلاء التلاميذ الهادئون في قاعات الدراسة، إلى أطفال يفيضون بالطاقة والحيوية والنشاط، وبعد أن ترك كل واحد منهم الآيباد، الذي كان يعمل عليه بمفرده، عاد إلى الجماعة من دون أي مشكلة، ولم يؤثر ذلك سلباً على سلوكه الاجتماعي على الإطلاق.
«امنحوا التلميذ الثقة»
ولدى السؤال عن الصعوبة التي تواجه المعلمين في المدارس الأخرى، خلال التحول إلى هذه الطريقة في التدريس، يقول دو هوند إنها تكمن في تخلص المعلم من الرغبة في التحكم والسيطرة على التلاميذ، وأن يتعلم أن يثق في الطفل، وأن يؤمن بأن هذا الطفل قادر على أن يتعلم كيفية وضع برنامج دراسي خاص به، وفق ميوله ومهاراته، وأن ينتقل من قاعة إلى أخرى، ومن مادة إلى مادة، ومن ورشة عمل إلى تدريب رياضي، دون الحاجة إلى جرس يقرع، ولا معلم يمشي أمامه ليدله على المكان، فكل المعلومات متوفرة على الآيباد، وداخل كل طالب قدرات أكبر بكثير مما نعتقد.
وتقول والدة أحد التلاميذ إن ابنها في الحادية عشرة من عمره، وأصبح يحب المدرسة كثيراً، ويطلب منها أن يذهب إلى المدرسة في يوم السبت، وأنه أصبح يتقن البرمجة. وتضيف أن إشراك الأهل في العملية التعليمية، يجعلهم يعرفون كل التفاصيل، ويسهمون عن طيب خاطر في كل الأنشطة، خصوصاً أن المدرسة تتيح لمن يرغب من الأهل، أن يأتي بعد الظهر، ويتعلَّم على آيباد الابن أو البنت، المهارات المطلوبة للتعامل مع هذا الجهاز.
المعلمون والمعلمات قالوا إن هذه المدرسة، ردت إليهم حب التعليم، وأعادتهم إلى الوظيفة التي كانوا يرغبون فيها، وهي التربية والتعليم، وليس العمل الإداري السقيم، والتوتر القائم على مشكلات طلابية لا تنتهي، لأسباب تبين لهم الآن أنها نابعة من النظام الخطأ للتعليم التقليدي.
وإلى هذه الآراء في هذه التجربة، نضيف أن مدير مدرسة تلتزم نظام «البكالوريا الدولية»، ويشغل حالياً منصباً قيادياً في منظمة عالمية تسعى لتطوير التعليم في القارة الإفريقية بأسرها، يقول إنه يتابع تطورات تجربة «مدرسة ستيف جوبز»، وأنه معجب بها، خاصة لجهة انطلاقها من الطالب وليس من النظام التعليمي، ويعدها بديلاً مستقبلياً جيداً للتعليم التقليدي.
صحيح أن «مدرسة ستيف جوبز» حديثة العهد نسبياً، لأنها حالياً في العام الدراسي الثالث فقط، وأنها تقتصر حتى الآن على المرحلة الابتدائية، ولا يمكن التكهن بما سيشعر به الطالب الذي سينتقل منها إلى مدرسة تقليدية في المراحل الدراسية التالية، أو حتى إلى الجامعة، لكن مؤسسها على يقين من أن المدارس والجامعات، لن تبقى على ما هي عليه الآن، ولا يستبعد أن تتراجع مكانة التعليم الجامعي، لأن المعرفة والعلم لن يبقيا في أسر مؤسسات التعليم العالي، ولأن عالم الغد سيبحث عن الشباب الذين يمتلكون هذه المعرفة المتخصصة، ومهارات التعامل مع تقنيات القرن الحادي والعشرين وروحه، من خلال التجربة الفعلية وليس من خلال شهادات جامعية.