قرأت في عدد مايو/يونيو 2015 من مجلة القافلة في باب «قول في مقال» حديثاً عن قيمة الأستاذ الجامعي. ولاهتمامي بشأن العلم والتعلم لكوني ما زلت في منظومة التعليم متلقياً له في مرحلة الدراسات العليا، وددت أن أعقِّب على هذا المقال.
إن موضوع التعليم والمعلِّمين والمدارس هو أهم المواضيع في حياة المجتمعات. والأفكار والأسئلة والقرارات التي تصب في طرق وأساليب التعليم هي التي تصنع قدر المجتمع في مستقبله وحاضره. إن جوهر التعليم ولا شك هو الارتقاء بالطالب، الطالب الذي هو عماد المستقبل ولبنة بناء الأمة. وتحيط به عناصر تسهم في هذا الهدف لا تقل أهمية، كالمناهج والمرافق، والتدريب والخبرات والنشاطات الثقافية واللاصفية، وتتوج كل تلك العناصر بالعنصر الذي يحكمها، ألا وهو المعلِّم. ولست بالخبير والمنظر في هذا المجال، لكنني وددت أن أدلي بدلوي من باب أنني خضت -ولا أزال- مراحل التعليم بكل مستوياته في بلادنا العزيزة، ذلك بدءاً من المراحل الأولية وصولاً إلى الدراسات العليا.
وحتى أقترب من إيضاح فكرتي حول الأمر، أستشهد بفكرة طريفة ذكرها الأديب عباس محمود العقاد في معرض انتقاده للصورة النمطية للمعلِّم. فعلى الرغم من أن المعلِّمين في فترات مضت، كانوا قادة الأمة ونبراس الحكمة والتربية، والدليل أن مدارسهم تلك التي درسوا فيها أنجبت لنا كل أولئك السراة الذين لا يصلح الناس إلا بهم، يقول العقاد لأحد تلاميذ صالونه: «لا أنصحك أن تكون معلِّماً، إن المعلِّم هو الإنسان الذي اختار أن ينفخ في قربة مقطوعة. اختار أن ينقش على الصخر وعلى الماء! واختار أن يعيش كريهاً بين تلامذته، وأن يموت تعيساً بين أولاده وزوجته، لقد جربت التدريس -والقول للعقاد- وجربت كراهية أن يكون الإنسان مملاً، وأن يدور في حلقة مفرغة! وأن يكون بعد ذلك مظلوماً لا يدري أنه يدور ويدور بلانهاية! ولا أنصحك أن تكون مدرساً في الجامعة يا مولانا، قد تتوهم أن مدرس الجامعة أحسن حالاً، إنه يعيش الدور نفسه أيضاً، لكنه يدور في حلقة مفرغة كبيرة جداً، ومجال سيره أكبر بكثير من مدرس المدرسة حتى ليخيل إليه أنه يمشي في طريق مستقيم ولكنه في الحقيقة اختار مداراً واسعاً!».
ورأيي في التعليم، أن المعلِّم، الذي هو المشرف على العملية التعليمية، إذا لم يمزج خبرته التربوية وعلمه بكل الشغف اللازم لإثارة الأسئلة وتمكين الطالب من القدرات البحثية والتعبيرية وقدرات التواصل وإدارة الذات، فإنه يحكم على نفسه بالفشل من أوسع أبوابه، بوابة الملل وكراهية العلم. فمعلوم أن الأسئلة أهم من الأجوبة. الأجوبة في بطون الكتب وجدها من وجدها وجهلها من جهلها. لكن الأسئلة هي أشياء لم تولد بعد، الأسئلة فيها مفاتيح المستقبل، وتحتاج لمهارات الاستنباط والبحث، حتى تسهم في رقي الذات والمجتمع والأمم والإنسانية جمعاء. أما الأجوبة فهي فخاخ ومصائد توحي بأننا نعلم، والحقيقة هي إذا ظننا أننا نعلم فقد جهلنا، خُلق الإنسان متسائلاً متطلعاً باحثاً، وهذا لحكمة فيها خير البشر، ذلك حتى يعمر الأرض ويحمل الأمانة وينجز المهمة. لذا فالرأي أن التعليم يحتاج إلى أن يثير شغف الطلاب، وإلا نبذوه وغضوا الطرف عنه ومجّوه وقلَّ احترامهم له ولأثره في نفوسهم.
م.علي عبدالرزاق الضويلع
جامعة الملك سعود – الرياض