شهد صيف 2015 حدثين علميين شيقين، كلاهما مرتبطان بوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا). الحدث الأول هو وصول مركبة«نيوهورايزن» (الأفق الجديد) إلى الكوكب القزم بلوتو، في رحلة استغرقت سنوات تسع! والثاني هو اكتشاف كوكب شبيه بالأرض يبعد عن مجموعتنا الشمسية حوالي 1400 سنة ضوئية، اسمه العلمي (كبلر 452)، أما المهتمون من الجمهور فسمُّوه (الأرض − 2).
مع هذه المنجزات، يتجدَّد حلم الإنسان بالترحال في رحاب الكون. ولكن، بالتقنية الحالية، فإن مركبة نيوهورايزن تحتاج لما يقترب من 26 مليون سنة للوصول إلى تلك الأرض الثانية. ولك أن تتصور الزمن المهول الذي قد تستغرقه إذا ما أرسلناها إلى أقرب مجرة لنا، التي تبعد عنَّا حوالي 2.5 مليون سنة ضوئية!
حتى لو تمكنا من الوصول إلى تقنيات تؤهل المركبات للسير بسرعات قريبة من سرعة الضوء، وهي السرعة القصوى للانتقال عبر الفضاء حسب النظرية النسبية الخاصة، فإن رحلة بين طرفيّ مجرتنا ستتطلب 100 ألف سنة!
الخيال العلمي
لولا أن الخيال أهم من المعرفة كما يُنقل عن آينشتاين، لانتهت هذه المقالة هنا. ولكن عقل الإنسان قادر على الخروج عن قيود الواقع وتخيّل عالم افتراضي جديد. فهناك عدة طرق في أدبيات الخيال العلمي لقطع المسافات الكونية بسرعات تفوق سرعة الضوء.
مثلاً، لو وُجدت ما تسمى بالثقوب الدودية (Wormholes) وكان بمقدورنا الانتقال عبرها، فإن الوصول إلى مجرة بعيدة قد يستغرق بضع ساعات وليس ملايين السنين! ولو كانت مركباتنا قادرة على فتح نافذة إلى فضاء آخر أو بُعد جديد -يعرف بـ «Hyperdrive»- فقد نختصر المسافات الشاسعة في فضائنا العادي. وهناك طرق أخرى، ولكن معظمها يتناقض تماماً مع قوانين الطبيعة ولذلك يصعب تخيل انتقالها من عالم الخيال إلى عالم الواقع.
آلة طي الفضاء أو آلة آلكوبايير
ولكن هل توجد طريقة للانتقال بسرعات تتجاوز سرعة الضوء ولا تتناقض مع قوانين الفيزياء؟ الجواب هو نعم!
حسب النظرية النسبية العامة، هناك علاقة وطيدة بين توزيع المادة في الفضاء وشكل الفضاء حول تلك المادة. فما تُعلمنا إياه هذه النظرية هو أن الفضاء له كينونة ديناميكية. مثلاً فضاء كوننا المرصود يتمدد! ولكن بطريقة خارجة عن المألوف في حياتنا اليومية. فأحد التشبيهات الشائعة لتمدد الكون يتمثل في انتفاخ البالون. وهو وإن كان تشبيهاً مناسباً كوسيلة تعليمية، غير أنه يفتقر للدقة لأن البالون يتمزق بعد تجاوز حد ما من التمدد. أما الفضاء فإنه يستحيل أن يتمزق مهما تمدد، وكأن فضاءً جديداً يُخلق أثناء التمدد.
وهنا تأتي قصة الفيزيائي المكسيكي ميجيل آلكوبايير الذي كان في عام 1994م في السنة الأخيرة من مرحلة الدكتوراة بجامعة ويلز في بريطانيا، ومجال اختصاصه هو النسبية العامة. وفي الوقت نفسه، كان من محبي الخيال العلمي. وفي يوم ما، بعد مشاهدة إحدى حلقات مسلسل «Star Trec» الشهير، فكّر في السؤال التالي: هل بالإمكان أن نغير شكل الفضاء حول مركبة فضائية بحيث ننقلها من مكان إلى آخر بسرعة تتجاوز سرعة الضوء، وفي الوقت نفسه لا نخالف مبادئ النسبية العامة؟
بعد جهد، توصل إلى معادلة تصف هندسة خاصة لـ «الزمكان» لا تخالف النظرية، وتفترض السماح بـ «طيّ» أو «لفّ» الفضاء بطريقة تمكِّن من الوصول إلى أهداف على مسافات كونية خلال أيام أو أشهر. وهذا زمن أقصر بكثير من ذاك الذي يستغرقه الضوء نفسه.
فكرة آلة آلكوبايير أو آلة طي الفضاء (Space Wrap Drive) تعتمد على جعل الفضاء يتمدد خلف المركبة ويتقلص أمامها. أما الفضاء الذي تقع فيه المركبة نفسها فإنه يظل فضاءً مسطحاً وتسمى هذه المنطقة بالفقاعة.
إن هذا الترتيب الخاص يؤدي لنشوء موجة في «الزمكان». يتمدد الفضاء من وراء الفقاعة فيدفعها بعيداً عن محطة الانطلاق ونحو وجهتها، وفي الوقت نفسه يتقلص الفضاء أمام الفقاعة ليجُرَّها نحو نقطة الوصول وبعيداً عن محطة الانطلاق. ولأن الفضاء نفسه هو الذي يتمدد أو يتقلص فإن سرعة الضوء ليست هي الحد الأقصى كما تخبرنا النسبية العامة. وبالتالي يمكن للتمدد والتقلص أن يحصل بسرعة تتجاوز سرعة الضوء.
أما داخل الفقاعة، فلا يمكن لشيء التنقل بين جنباتها بسرعة تتجاوز الضوء، بل تقف المركبة ثابتة، فيما تأخذها موجة «الزمكان» إلى المكان المطلوب في زمن قياسي!
مصاعب وآمال متجددة
لكن ما كُل ما يتمناه المرء يدركه! لأن إيجاد تلك الظروف يتطلب توزيعاً خاصاً لنوع غريب من المادة حول المركبة. فالمطلوب هو مادة ذات كتلة سالبة! ولا يوجد حتى اليوم دليل يؤكد وجودها. فضلاً عن ذلك، فإن الكتلة المطلوبة تتجاوز ما يمكن أن نتخيله في الكون كله! بالإضافة لإشكالات أخرى. ولولا سعة خيالنا لانتهى المقال هنا أيضاً!
لحسن الحظ، فإن أحد أكثر الفيزيائيين تحمساً لآلة طي الفضاء يعمل في وكالة ناسا، واسمه هارولد وايت. وفي العام 2011م، قام وايت بحسابات تبين أن الطاقة/الكتلة اللازمة لتشغيل طاوية الفضاء يمكن خفضها إلى ما يقترب من 700 كيلوجرام فقط. واقترح تعديلات على معادلة آلكوبايير بحيث تتحول الفقاعة إلى شكل يشبه الطارة أو قطعة (الدونات). وأخيراً فإنه يقوم حالياً وفريق عمله على دراسة لاختبار أثر طي الفضاء بآلة نموذجية صغيرة، وما زال عملهم قيد البحث حتى اليوم في معامل وكالة ناسا.
هل ستنجح التجربة ويتم تأكيد مبدأ عمل آلة طي الفضاء؟ ستبدي لنا الأيام ذلك! ولكن حتى وإن لم تنجح فلن يتوقف شغفنا كبشر بالخيال والحلم بمغامرات جديدة، ولا طموحنا العلمي لاستكشاف الكون الذي يضمنا!
الرمز لامدا
الرمز لامدا (λ) هو الحرف الحادي عشر في الأبجدية الإغريقية، ووفقاً للنظام الرقمي الإغريقي القديم فإن هذا الرمز يحمل القيمة الرقمية 30.
ولهذا الحرف الذي يقوم مقام اللام في العربية أهمية بالغة في عوالم الميثولوجيا والأساطير. فهو بصيغته الكبرى () نُقش على دروع محاربي أسبرطة الأشاوس تخليداً لذكرى (لاكديمون بن زيوس) الذي أسس هذه المملكة الحربيّة وفقاً للأساطير. ولا تزال لامدا الكبرى -المعروفة كذلك بـ (شيڤرون)- تُرسم على متون المركبات العسكرية لقوات حلف الناتو، ويحدِّد عددها على الأكتاف رتب الضباط في الجيش.
فيما يتعلق بالعلوم، فإن لامدا الكبرى () ترمز إلى نوعية خاصة من الجزيئات دون الذرية في الفيزياء. ويستخدم الرمز نفسه في المنطق كاسم لمجموعة من البديهيات المنطقية في أسلوب الدرجة الأولى من الاستنتاج المنطقي. وفي علوم الكمبيوتر، فإن لامدا الكبرى ترمز للنافذة الزمنية اللازمة لقياس وتحديد فعالية الذاكرة الافتراضية للحاسوب.
في الفيزياء الفلكية، تمثل لامدا الكبرى احتمال تلاقي جسيم بكوكب أو كويكب في الفضاء، مما يقتضي حصول هذا الأخير على مدار مستقل لا يتقاطع مع أي جسم آخر ويحدد ما إذا كان يستحق لقب «كوكب».
أما لامدا الصغرى () فلها حضور كبير في شتَّى مجالات العلوم. أشهرها في الفيزياء حيث ترمز للطول الموجي للموجة وهي المسافة بين قمتين متتاليتين أو قاعين متتاليين. وتستخدم لامدا كذلك في حساب (القيمة الذاتية – Eigenvalue) في الجبر الخطي، وفي الإحصاء لحساب تكرارية الوقوع خلال فترة زمنية، فضلاً عن استخدامات أخرى متعددة في علوم الاتصالات والبيئة، واعتماد الرياضي فيثاغورس لها رمزاً لمتوالية عددية من الرقمين 2 و3 مرفوعين لقوى ثابتة.