لم يصلنا من التاريخ الحديث والقديم، أن اجتمع عدد من قادة العالم لتدشين صرح علمي. أو اتجهت أنظار المحافل العلمية في العالم بأسره وإعلامه صوب افتتاح جامعة جديدة، كما هو الحال لمناسبة افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في الثالث والعشرين من سبتمبر من هذا العام.
نسوق هذه الملاحظة لنهيئ القارئ إلى ما يستوجب التهيئة. فنحن أمام حدث استثنائي بكل المقاييس، ويكاد يخرج عن كل المقاييس. ولذا قد تبدو رحلة فريق القافلة في هذا الملف إلى جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع.
ففي العمق، علماً بأنه قد لا يجوز التعمق في هذه المقدمة، نحن أمام ما هو أكثر من جامعة.. إنه منعطف تاريخي تسلكه المملكة ومن خلفها العرب والمسلمون على طريق العلم والتطور، لا للحاق بالعصر، بل للمشاركة في صناعته وقيادته. وهذا المنعطف، ليس معنوي الشكل، بل أصبح حقيقة مادية، مبنية بالحجر وتعج بالناس، في تجسيد واقعي لطموح ما كان الكثيرون يجرأون حتى على أن يحلموا به، وما كان الكثيرون قبل سنوات معدودة يتصورون أنه قابل للتنفيذ. ولكنه، نفذ وأصبح حقيقة.
لقد صَدَقوا.. فهيا بنا إلى جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية لنصدِّق.
مهما كان المرء حذراً في استخدامه لأفعل التفضيل ومقاوماً لاستخدام مفردات مثل الأضخم، الأسرع، الأجمل، الأهم.. حرصاً منه على الدقة وصدقيته أمام القارئ، فإن هذه المقاومة تتهاوى منذ الإطلالة الأولى على جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وتنهار تماماً عند اطلاعه على التفاصيل،
لا لضعفٍ، بل من باب الأمانة في الحديث عن هذا الصرح العلمي الذي لا يشبهه شيء تقريباً لا على صعيد الرؤية التي صاغته،
ولا على صعيد فلسفته التعليمية، ولا بمنشآته وتجهيزاتها، ولا بالسرعة الخيالية التي قام فيها.
فبخلاف الصورة النمطية التي نعرفها عن معظم جامعات العالم، التي تأسست صغيرة، وسعت لاحقاً إلى التطور واللحاق بركب الجامعات المرموقة، تأسست جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية انطلاقاً من أحدث ما وصل إليه التعليم العالي، ليس في المملكة ومحيطها العربي، بل على مستوى العالم وما وصلت إليه العلوم في أرقى جامعاته ومراكزه البحثية. بحيث لم يعد من المبالغة في شيء القول إن الآمال المعلَّقة على الجامعة تفتح أبواب المستقبل على تطورات علمية واقتصادية غير مسبوقة، يرجح جداً أن تشع تأثيراتها إلى ما يتجاوز حدود المملكة.
وإذا كان في هذا التقديم ما قد يثير شكوك القارئ، أو ما قد يبدو له «مبالغة»، فلنترك الوصف الحي يؤكد الحقائق.
زيارة إلى الجامعة عشية بدء الدراسة
على بعد 88 كيلومتراً شمالي مدينة جدة، تقع بلدة صغيرة تدعى «ثول»، قلَّما سمع باسمها الكثيرون. أما اليوم، وبعدما قامت عليها جامعة الملك عبدالله، فقد أصبح اسمها على كل لسان.
عندما تقترب السيارة من ثول، يشاهد الزائر عدداً من البيوت المتواضعة ذات الدور الواحد في معظم الأحيان تمتد أفقياً فوق السهل الصحراوي المحاذي لشاطئ البحر الأحمر. ولكن باقترابه أكثر يلحظ فوق هذه البيوت في الأفق البعيد شبح مبنى عملاق داكن اللون نسبياً يعلوه برجان ينطحان الفضاء. لا شك في أنه مبنى الجامعة.
نقترب بالسيارة عشوائياً باتجاه هذا المبنى الذي لا يغيب عن النظر لضخامته وعلوه، ولم تكن شارات التوجيه قد رفعت آنذاك في محيط الجامعة. ولكن توجيهات العمال أرشدتنا إلى المدخل الرسمي الواقع على بعد كيلومترات، فكان ذلك بمثابة إشعار بضخامة الحرم الجامعي ولو على صعيد المساحة أولاً.
بعد اجتياز المدخل الذي كان في عهدة رجال من أمن أرامكو السعودية، قمنا بجولة مبدئية في رحاب الحرم الجامعي.
شاهدنا مئات البيوت الصغيرة التي بنيت لإقامة الطلبة والمدرسين والموظفين، واستوقفتنا أناقة تصميمها التي تجمع الطابع المحلي السعودي وشخصية الهندسة الإسلامية التقليدية، وأيضاً الحدائق الصغيرة المحيطة بها.
وشاهدنا عدداً لا يحصى من المباني متوسطة الحجم تحيط بالمبنى الضخم.. كانت التشطيبات النهائية قائمة على قدم وساق آنذاك، قبل أيام من بدء الدراسة. حتى إننا عندما اتصلنا بمضيفنا ليدلنا إلى الطريق إليه، وقلنا له إننا قرب محطة الوقود والمصرف، اندهش مضيفنا لأنه لم يكن قد عرف أنه تم إنشاء محطة الوقود والمصرف.
نتجه إلى المبنى المركزي الضخم الذي علمنا لاحقاً أنه هو الذي يضم أقسام التدريس والمختبرات ومراكز الأبحاث، وأيضاً المكاتب الإدارية حيث كان ينتظرنا مضيفونا في العلاقات العامة.
مهابة ساحقة ورمزية تهمس بالكثير
تزداد مهابة المبنى المركزي أمام نظر الزائر كلما اقترب منه، والأصح أن نقول كلما صعد باتجاهه، لأنه يقع فوق تل يشرف على الحرم الجامعي بكامله.وهذا المبنى المركزي هو في الواقع مبنيان متصلان ببعضهما يحيطان بساحة مشتركة، تنفتح من فوق المنحدر على البحر، ليبدوا وكأنهما ذراعان يريدان احتضان العالم الآتي من البحر وخلف أفقه البعيد. ولهذه الرمزية ما يؤكد حقيقتها في صميم رسالة الجامعة وأهدافها. أما هندسة المبنى بحد ذاتها القائمة في واجهاته على الحديد والزجاج، فبدت بطغيان الخطوط المستقيمة المتقاطعة أفقياً وعمودياً، وبطغيان اللونين البني والرمادي عليها، صارمة، جدية، محتسبة بدقة، تمجد التقنية والحسابات الباردة، مثلها في ذلك مثل العلوم التي ستحتضنها في داخلها.
وعند مضيفينا في قسم العلاقات العامة، كان من أولى المعلومات التي حصلنا عليها حول الجامعة ما يتعلق بمساحتها: 36 مليون متر مربع، يشغل الحرم الجامعي منها ما يزيد على 16 مليون متر مربع على اليابسة، وتتألف المساحة الباقية من منظومة بيئية طبيعية بحرية، لتكون محمية طبيعية، وأحد مجالات الأبحاث التي تهتم بها الجامعة. أما مساحة المباني والمرافق فتزيد على 500 ألف متر مربع.
فمنذ البداية، تتوالى الأرقام المسببة للدوار.. ولكن قبل الغوص في التفاصيل لا بد من التوقف، والعودة إلى الوراء لاستطلاع الرؤية التي صاغت الشخصية الفريدة لهذه الجامعة، وسخرت من الطاقات ما لا يمكن أن يخطر على البال أو أن يقاس، في سبيل تحقيق هذا الإنجاز.
أساسها طموح ملك
قبل أن تبصر هذه الجامعة النور، أو حتى أن يُطرح إنشاؤها على بساط البحث، كان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قد عُرف من قبل شعبه والعالم بإيلائه للعلم والتعليم اهتماماً عز نظيره.
فمنذ أن تسنم سدة الحكم في العام 2005م، قاد خادم الحرمين الشريفين ثورة تعليمية حقيقية، فشهدت السنوات الأولى من عهده بدء العمل على إنشاء ثلاث عشرة جامعة جديدة وعدداً من الكليات في مختلف مناطق المملكة، أي مضاعفة عدد الجامعات الحكومية نحو 3 مرات. كما أعيد في عهد الملك عبدالله تدريب عشرات الآلاف من المعلمين، وابتعث عشرات الآلاف من السعوديين والسعوديات للدراسة في الخارج، ونقِّحت المناهج الدراسية للتركيز على العلوم بشكل أعمق، وغير ذلك الكثير مما لا مجال للتوسع فيه هنا.
أما مشروع الجامعة هذا، فليس وليد ساعته. بل كان حلماً راود الملك عبدالله منذ أكثر من عقدين، وكان ينتظر توافر الظروف والإمكانات اللازمة لتحقيقه، كما قال الملك بنفسه لرئيس الجامعة البروفيسور تشون فون شي.
في شهر ديسمبر من العام 2005م، أي قبل نحو سبعة أشهر من وضع الحلم موضع التنفيذ، ألقى خادم الحرمين الشريفين خطاباً أمام قادة الدول الإسلامية المجتمعين في قمتهم بمكة المكرمة، أشار فيه إلى العصر الذهبي الذي عرفته الحضارة الإسلامية في ماضيها بوصفه «منارة إشعاع» أخرجت البشرية من عصورها المظلمة، معبراً بذلك عن طموح إلى إحياء مرحلة مشرقة من تاريخ العلوم في العالم الإسلامي، ألا وهي «العصر الذهبي» الممتد من القرن التاسع حتى نهاية القرن الثالث عشر، الذي شهد منجزات علمية غيَّرت مجرى الحضارات الإنسانية، بعبارة أخرى بدا واضحاً أن طموح خادم الحرمين الشريفين يهدف إلى إنشاء «بيت حكمة» جديد، يقوم بما قام به «بيت الحكمة» في عهد الخليفة العباسي المأمون.
وفي مايو من العام 2006م، كلَّف الملك عبدالله أربعة من كبار مستشاريه ذوي الخبرات الكبيرة في التعليم والتنمية الاقتصادية، بإعداد دراسة عن تصورهم لبيت الحكمة الجديد. وفي شهر يوليو من العام نفسه عهد الملك إلى وزير البترول والثروة المعدنية علي بن إبراهيم النعيمي مهمة الإشراف على تأسيس الجامعة
كـ «مؤسسة بحثية عالمية للدراسات العليا». ولاحقاً، توضحت صورة المشروع في رسالة من خادم الحرمين الشريفين، ومما جاء فيها:
«رغبة مني في إحياء ونشر فضيلة العلم العظيمة التي ميَّزت العالَمَين العربي والإسلامي في العصور الأولى، فقد رأيت أن أؤسس جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية على ساحل البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية.
وستمثِّل الجامعة، باعتبارها «بيتاً جديداً للحكمة»، منارة للسلام والأمل والوفاق وستعمل لخدمة أبناء المملكة ولنفع جميع شعوب العالَم عملاً بأحكام ديننا الحنيف حيث يبين لنا القرآن العظيم أن الله تعالى خلق بني آدم من أجل أن يتعارفوا «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا».
وإنني أرغب أن تصبح هذه الجامعة الجديدة واحدة من مؤسسات العالَمْ الكبرى للبحوث؛ وأن تُعلِّم أجيال المستقبل من العلماء والمهندسين والتقنيين وتدرِّبهم؛ وأن تعزِّز المشاركة والتعاون مع غيرها من جامعات البحوث الكبرى ومؤسسات القطاع الخاص على أساس الجدارة والتميز.
وسوف تتوافر للجامعة كل الموارد التي تحتاجها لتحقيق هذه الأهداف، حيث يجري حالياً إنشاء وقف دائم يديره لصالحها مجلس أمناء مستقل تتمثل فيه الإدارة الحكيمة والمسؤولة دعماً لروح الإبداع التي تعبِّر عنها الجامعة….».
التحدي أمام أرامكو السعودية
إضافة إلى ضخامة المشروع ومتطلباته الكثيرة، تضخم حجم التحدي أضعافاً مضاعفة عندما حدَّد خادم الحرمين الشريفين مهلة التنفيذ بسنوات ثلاث.. سنوات ثلاث فقط لمشروع يتطلب حسبما يقول المهندسون ما لا يقل عن خمس أو ست سنوات على صعيد الإنشاءات فقط.
حمل الوزير النعيمي التحدي إلى أرامكو السعودية. فإذا كان هذا المشروع قابلاً للتنفيذ، فإن أكبر شركة نفط في العالم هي أفضل جهة يمكن اختيارها لذلك، نظراً لخبراتها في إنشاء المشاريع الصناعية الضخمة، وحتى إنشاء الأحياء السكنية وصيانتها.
ولم تكن العمليات الإنشائية، على ضخامتها، التحدي الأكبر الذي واجهه قادة الشركة، إذ إن الجانب الأكاديمي ومتطلباته وحتى ظلاله التي تحدِّد خريطة المنشآت، تتطلب خبرات واستشارات في مجال التعليم العالي مبعثرة في شتى أنحاء العالم. خاصة وأن القرار واضح: ليس مجرد جامعة جديدة، بل بيت حكمة جديد يليق بما وصل إليه العالم في القرن الواحد والعشرين.
تشكلت لجان عديدة من قادة الشركة وكبار المسؤولين وأصحاب الاختصاص فيها. وانصرفت كل لجنة إلى مهماتها. وفيما كان بعضها يعقد لقاءات مع مهندسين في الرياض، كان بعضها يجوب عواصم العالم بحثاً عن الخبرات والمتعاونين من كبار المتخصصين في التعليم العالي في مجال العلوم الدقيقة والتقنية.
وبحلول أوائل العام 2007م، تشكَّل المجلس الاستشاري العالمي لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وضم عدداً من قادة الشركات العالمية ورؤساء الجامعات والمعاهد التقنية وكبار الاختصاصيين، لاستعراض الخطط والأفكار وتقديم المشورة والرأي للوزير النعيمي وقيادة الجامعة حول جوانب تنظيمها ومهمتها. وتوالت اجتماعات هذا المجلس بمعدل مرتين في السنة، وكان آخرها في شهر فبراير من العام الجاري.
السباق مع الزمن.. 45 ألف عامل ليل نهار
بدأ السباق مع الزمن، والأصح أن نقول مع عقارب الساعة واستمر لنحو سنتين ونصف السنة.
أوكلت إلى شركة هيلموث، أوباتا آند كاسابوم (HOK)، وهي إحدى كبريات الشركات المعمارية، مهمة التخطيط للحرم الجامعي، وعهد بتنفيذ الأعمال الرئيسة إلى اثنتين من أكبر شركات الهندسة والمقاولات في المملكة وهما «سعودي أوجيه» و«مجموعة بن لادن». وتم تقسيم المشروع إلى ثلاثة أقسام هي الحرم الجامعي والأحياء السكنية والخدمات والبنى التحتية.
ويروي نائب الرئيس المكلَّف للمرافق وأحياء السكن بجامعة الملك عبدالله، ناصر عبدالرزاق النفيسي، الذي واكب مختلف مراحل المشروع، أن عدد العمال على المشروع وصل في وقت من الأوقات إلى 45 ألف عامل، يعملون في نوبتين نهارية وليلية لإنجاز المشروع وفي وقته المحدَّد. وقد تطلَّب العمل استخدام 380 رافعة ضخمة و8 آلاف معدة وشاحنة ثقيلة.
ويضيف: إن الأرض السبخة كانت أكبر التحديات التي واجهتها عملية الإنشاء. إذ لم يكن من السهل ردم 2.8 مليون متر مربع من الأرضيات، ووضع 5000 ركيزة أساسات لتقوية التربة، وحفر 2.2 مليون متر مكعب في إطار تطوير الموقع. وقد بلغ ضغط عامل الوقت حداً دفع إلى انطلاق الأعمال الإنشائية قبل اكتمال التصاميم النهائية. واعتمد فريق الإنشاءات بعض أساليب البناء المتطورة المساعدة على اختصار الوقت، مثل تركيب الألواح الخرسانية الجاهزة بمعدل 1100 لوح يومياً!!
وحول ما إذا كان الإسراع قد انقلب تسرعاً مؤثراً على النوعية، يقول النفيسي: روعي في تصميم منشآت الجامعة أفضل وأعلى مقاييس الأمن والسلامة للمحافظة على الأرواح والممتلكات، مع مراعاة خصائص وظروف المنطقة. كما تم استخدام العديد من الأنظمة المتطورة مثل نظام إدارة المباني الذي يربط جميع الأنظمة المتخصصة مثل الأمن والسلامة والتحكم تحت نظام واحد متكامل. وكذلك نظام الأمن للمركبات الذي يتعرَّف إلى المركبات آلياً بمجرد اقترابها من مدخل الجامعة، وأيضاً التعرف إلى قائدها وما إذا كان مصرحاً له بالدخول. فقد نجح العاملون على هذا المشروع في الحفاظ على الجودة وفق المعايير العالمية حتى في ظل السعي إلى الإسراع في الإنجاز. وروعي في تصميم الجامعة وإنشائها أن تحقق اكتفاءً ذاتياً بالخدمات والمرافق وبطاقة استيعابية تواكب النمو المستقبلي المتوقَّع في أعداد الطلبة والعاملين وأنشطة الجامعة المتنوعة.
ويختتم النفيسي حديثه بالإشارة إلى التركيز على نظم الحفاظ على البيئة من خلال اعتماد المواد الصديقة للبيئة، والبرامج الإدارية للتعامل مع المخلفات والمواد المستهلكة، والحفاظ على الطاقة عبر استخدام المواد العازلة في الأبنية، والاستفادة إلى أقصى حد ممكن من الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية.. ومثل هذا الاهتمام بالمسائل البيئية هو ما أهَّل الجامعة لتكون أول منشأة في الشرق الأوسط تحوز تصنيف هيئة المباني الخضراء (LEED)، المعروفة بالريادة في تصاميم البيئة والطاقة. وهناك خمسة معايير رئيسة لهذا التصنيف تتركز على تطوير دائم للمواقع والفاعلية في استخدام المياه والطاقة، وانتقاء المواد وجودة البيئة داخل المباني. وقد حازت الجامعة حالياً الدرجة الذهبية بحصولها على 45 نقطة، وتخطط للوصول إلى الدرجة البلاتينية عند 52 نقطة أو أكثر.
في أواخر أغسطس من العام الجاري، كان عدد العمال على الجامعة قد انخفض بشكل ملحوظ عما كان عليه في أيام الذروة خلال السنتين الماضيتين. فالمباني ومرافق الخدمات الأساسية باتت جاهزة. وبموازاة أعمال التشطيبات المتفرقة هنا وهناك، بدأ 400 طالب من أكثر من خمسين دولة يتوافدون على الجامعة استعداداً ليوم الخامس من سبتمبر، تاريخ انطلاق الموسم الدراسي الأول في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.
للدراسات العليا فقط
أما مجالات الدراسة فهي..
توخياً منها لأن تكون فعلاً «بيت حكمة» جديد، وليس مجرد جامعة تؤهل طلابها بالحد الأدنى الضروري لدخول سوق العمل، حدَّدت جامعة الملك عبدالله مهمتها في إطار الدراسات العليا فقط التي تشمل عدداً محدداً بدقة، ولكنه كبير، من العلوم الأساسية والتطبيقية.
واعتباراً من تاريخ بدء الدراسة فيها، سوف تمنح الجامعة درجتين علميتين وهما:
–
درجة الماجستير في العلوم، التي قد تكون درجة دراسات عليا نهائية، أو مرحلية في الطريق إلى برنامج الدكتوراة. وتمنح هذه الشهادة للطلاب المتفرغين، وغير المتفرغين، مثل المبتعثين من القطاع الصناعي وما شابه، ويستغرق إتمام الدراسة اللازمة لها نحو 18 شهراً.
–
درجة الدكتوراة، التي تتطلب عادة ما بين ثلاث وأربع سنوات بعد درجة الماجستير، ويشترط للحصول عليها إجراء بحث أصلي في أحد مراكز أبحاث الجامعة، ينتهي بتقديم أطروحة بحث.
أما مجالات الدراسة فهي 11 مجالاً:
1 – الرياضيات التطبيقية.
2 – العلوم البيولوجية.
3 – الهندسة الكيميائية والبيولوجية.
4 – العلوم الكيميائية.
5 – علوم الكمبيوتر.
6 – علوم وهندسة الأرض.
7 – الهندسة الكهربائية.
8 – العلوم والهندسة البيئية.
9 – العلوم والهندسة البحرية.
10 – علوم وهندسة المواد.
11 – الهندسة الميكانيكية.
وكل مقررات التدريس في الجامعة هي باللغة الإنجليزية.
مراكز الأبحاث
حالياً من 9 إلى 20 في العام 2020م
لا تتضح نوعية الدراسة في جامعة الملك عبدالله، إلا من خلال إطلالة سريعة على ما توفِّره الجامعة للباحثين والطلبة في رحابها من مختبرات ومراكز أبحاث تدغدغ أحلام أشد الباحثين طموحاً. انطلقت الدراسة في الخامس من سبتمبر بوجود 9 مراكز أبحاث في الجامعة تشكِّل في الواقع الوحدات الأساسية للأبحاث في الجامعة.
وينصبُّ الاهتمام في مراكز الأبحاث الأولى على المجالات التالية:
• الحفر الكيميائي
• العلوم الحيوية الحاسوبية
• النمذجة الهندسية والتصوير العلمي
• الأغشية
• جينيومات الإجهاد في النبات
• الطاقة الشمسية والطاقة البديلة
• علوم وهندسة البحر الأحمر
• مركز أبحاث كيمياء النانو
• الاحتراق النظيف
• المواد المركَّبة والمتناهية الصغر
• الاستشعار الأرضي وتحت سطح الأرض
• تحلية المياه وإعادة استخدامها
• تكنولوجيا ألترا هرتز
ويضم مركز الأبحاث النمطي ما بين 8 و10 أعضاء من هيئة التدريس والطلاب والباحثين الزائرين والموظفين الإداريين والفنيين. وتلقى هذه المراكز الدعم اللازم في مرافق عديدة خاصة بكل مركز ومجموعة مختبرات مركزية تدعم هيئة التدريس في كافة أنحاء الجامعة.
اجتماع أجهزة نادر من نوعه
ولتوضيح صورة مجريات الأمور في مراكز الأبحاث هذه، نشير على سبيل المثال إلى ما ذكره نائب رئيس الجامعة للأبحاث الدكتور محمد سماحة عشية انطلاق الدراسة، من أن 21 باحثاً كانوا قد وصلوا إلى الجامعة ودخلوا في سباق مع الوقت في إظهار أبحاث تطبيقات النانو وتقنياته، بهدف تحقيق إنجازات علمية في مجالاتهم البحثية، وقد بدأ دور كل منهم لحظة وصوله إلى المملكة في تصميم وإعداد مختبره الخاص وفق متطلبات مشروع بحثه. وبالنمو المستمر المخطَّط جيداً له في المستقبل القريب، يتوقع أن يرتفع عدد مراكز الأبحاث في الجامعة إلى 20 بحلول العام 2020م.
ولمناسبة الحديث عن تقنية النانو التي توليها الجامعة اهتماماً كبيراً نظراً لانعكاساتها الكبيرة على الصناعة والاقتصاد عموماً، وعلى سبيل المثال الموضح لنوعية التجهيزات العلمية التي استقدمتها الجامعة تدعيماً لمراكز الأبحاث، نذكر ما كشفه مدير المختبرات المركزية المكلَّف الدكتور يحيى الجنبي حول حصول الجامعة على أحدث جهازي رنين مغناطيسي نووي في تطبيقات النانو، يستخدمان عالمياً في تحليل وتوصيف جزيئات الذرة.
ويقول الجنبي إن كثيراً من الخبراء والباحثين أكدوا أن اجتماع كل هذه الأجهزة، تحت سقف واحد هو أمر نادر في جامعات العالم، وهو ما يميِّز جامعة الملك عبدالله عالمياً، ويمثل نقلة نوعية في أبحاث تقنيات النانو في مختلف المجالات العلمية والبحثية والريادة في مراقبة وتوصيف جزيئات الذرة وفك شفراتها علمياً. وفي شيء من التفصيل، يضيف الجنبي إن جامعة الملك عبدالله هي أول من يستقطب هذين الجهازين في العالم، وذلك ضمن حوالي ثلاثة آلاف جهاز تحليل وتوصيف وفصل تعمل بمقياس النانو في مراكز الجامعة ومختبراتها ومرافقها. كما يشير إلى توافر أكثر من ثمانية عشر جهازاً مجهرياً متقدماً للمسح والتوصيف تخدم مراكز الأبحاث المركزية، إضافة إلى أجهزة متطوِّرة في تقنية الرنين المغناطيسي لوصف وتحليل جزيئات المواد العضوية وغير العضوية.. وصولاً إلى المجاهر العملاقة وهي ثلاثة: مجهر النفاد الإلكتروني، ومجهر المسح الإلكتروني، ومجهر المسح الإلكتروني ثنائي الشعاع.
ويلخِّص الجنبي هذا الاهتمام اللافت بتكنولوجيا النانو بقوله: «إن أهداف مركز أبحاث الجامعة التي تعمل في إطار أبحاث تكنولوجيا النانو تتماشى مع أهداف التنمية الاقتصادية للمملكة من حيث إيجاد وسائل وأساليب تسهم في تنويع مصادر الاقتصاد الوطني وتحويل المجتمع إلى مجتمع معرفي ومعلوماتي، وذلك بالتركيز على أهداف ترتبط بالصحة العامة للمجتمع، وتطوير قطاع الزراعة في المملكة بالتمكين من الزراعة في ظروف قاسية، والتركيز على هندسة المواد الخام المتوافرة بشكل كبير في المملكة، ومنها معادن السليكون وغير ذلك، وأيضاً التركيز على علوم الأحياء الدقيقة الطبية الحيوية».
ولأن المستطلع في جامعة الملك عبدالله يتأرجح باستمرار ما بين حديث عما هو متناهي الصغر مثل النانو، وما هو عملاق يتحدى المألوف في وسائل القياس، وطالما أننا هنا في مجال التكنولوجيا، يمكننا أن نزور الكمبيوتر المركزي في الجامعة.
«شاهين»
سادس أقوى كمبيوتر في العالم نقلته طائرتان إلى جدة
في مركز أبحاث الخوارزمي المتخصص في علوم الرياضيات التطبيقية المتقدِّمة داخل مقر الجامعة، تقبع جوهرة التقنية الكبرى، ليس على مستوى الجامعة فقط، بل على مستوى العالَمْ بأسره، إنه الكمبيوتر العملاق «شاهين».
تطلَّب حصول الجامعة على هذا الكمبيوتر الذي لا مثيل له إلا في دول خمس، مفاوضات طويلة تجاوزت الأشهر الستة مع وزارة التجارة الأمريكية وشركة «آي. بي. أم»، حسبما يقول كبير مسؤولي معلومات التقنية المكلَّف في الجامعة المهندس ماجد الغسلان، مشيراً إلى أن تقدير العالَمْ للجهود التي يبذلها خادم الحرمين الشريفين في نشر العلم والمعرفة أسهمت في تذليل عقبات كثيرة وإجراءات طويلة الأمد واجهتها الجامعة من أجل امتلاك هذا الكمبيوتر العملاق.
فما هي مواصفات هذا الكمبيوتر العملاق الذي نُقلت أجزاؤه على متن طائرتين ضخمتين من ولاية إلينوي في الولايات المتحدة الأمريكية إلى جدة؟ وما قدراته لكي يحاط الحصول عليه بمثل هذه الصعوبات؟
بعض مواصفات شاهين
يشرح المهندس الغسلان طريقة عمل شاهين بقوله: «يعمل هذا الكمبيوتر العملاق بنظام يعرف باسم «بلوجين/بي» من «آي. بي. ام»، وهو نظام قابل للتعديل والتطوير يتكون من 16 إطاراً. وهو قادر على العمل بسرعة 222 تيرافلوب في الثانية، ما يجعله أحد أسرع الحواسيب في العالم».
ويضيف: إن جميع أجهزة الحاسب في مركز أبحاث الجامعة قد تم ربطها في منظومة متكاملة بالكمبيوتر شاهين، بعدما تم تصنيعها في الشركات المصممة لها وفقاً لمواصفات خاصة حددتها الجامعة. واعتمدنا على طاقم وسيط يعمل على تشغيل تلك الأجهزة بالتعاون مع جامعة كاليفورنيا، حيث ستجري من خلال تلك الأجهزة تجارب بحثية عديدة من النانو إلكترون، إلى الهندسة الجينية وهندسة البترول، وستتم جميعها بالمحاكاة البصرية.
فقد صممت البنية التحتية للشبكة الحاسوبية في الجامعة لدعم تقنية المعلومات المتقدِّمة إضافة إلى الحوسبة فائقة السرعة، بالتواصل المباشر بين جميع مرافق الجامعة بشبكة سلكية ولا سلكية تقوم على كابل رئيس سرعته 40 جيجابايت في الثانية، ووصلات سرعتها 10 جيجابايت في الثانية بين مباني الحرم الجامعي.
وسيتم ربط شبكة الجامعة عن طريق الشبكة الوطنية المتطوِّرة للأبحاث والتقنية «سارن»، بشبكة البحوث العالمية، لنقل بيانات بسرعة 10 جيجابايت في الثانية مباشرة إلى الشبكات العالمية مثل إنترنت 2 وجيانت 2.
وقد صممت البنية التحتية لاستيعاب متطلبات وتطورات تقنية المعلومات في المستقبل، بما في ذلك إنشاء 100 ألف وصلة إنترنت و500 كيلومتر من الكابلات، إضافة إلى وفرة في الكابلات الليفية غير المستخدمة حالياً، ولكنها جاهزة للاستخدام عند الحاجة.
مفترق تاريخي والمستفيدون كثر
يُعد البدء بتشغيل هذا الكمبيوتر عند انطلاق الدراسة في الجامعة لحظة تاريخية في علاقة المملكة والعرب والمسلمين عموماً بذروة ما وصلت إليه التكنولوجيا، لا لما يمثله حصول الجامعة على مثل هذا الكمبيوتر فقط، بل أيضاً للفائدة الكبرى المرجوة منه. إذ سيستفيد منه العلماء والباحثون والطلبة في الجامعة، كما ستستفيد منه معاهد وشركات عالمية ومحلية ضمن أطر التعاون البحثي والاستثماري والصناعي المشتركة الهادفة إلى تطوير تقنيات الحوسبة الفائقة.
إنه بعبارة أخرى بوابة المنجزات العلمية العربية والإسلامية المستقبلية على العالم. وهذا ما يجعل قيمة العوائد البحثية والاستثمارية المنتظرة من مراكز أبحاث الجامعة تفوق حجم الاستثمار في الكمبيوتر شاهين رغم ضخامته.
حمايته الأمنية
وختاماً يشير الغسلان إلى أن مثل هذا الكمبيوتر «يخضع بطبيعة الحال لأنظمة أمنية دولية على أعلى المستويات، ومضادة لأي اختراقات. وتطبق في المبنى الذي يحتوي على «شاهين» أنظمة أمن وسلامة بالغة الصرامة. فالمبنى يخضع لآلية متطوِّرة في الإطفاء، إذ تبادر أجهزة خاصة إلى سحب الأكسجين من الجو لوقف انتشار أي حريق في حال نشوبه. وفيما تم زرع ملايين الوصلات السلكية والألياف البصرية في أرضية وحوائط المبنى، جُهِّزت جميع جدرانه بطبقات سميكة ومواد عازلة للحرارة ومضادة للموجات الكهرومغناطيسية.
مركز القرنية
حيث التقنية تصبح فناً يبهر العين
ولا يتمكن مستطلع الجامعة من أن يفلت بسهولة من جاذبية الحديث عن التجهيزات التقنية التي تبدو وكأنها هبطت على الجامعة من كتب الخيال العلمي، ومنها «مركز القرنية».
الاسم يبدو غامضاً، ويستدعي شرح حقيقته. وفي هذا الصدد يقول المهندس الغسلان إن هذا المركز يضم مختبر المحاكاة البصرية ثلاثية الأبعاد، وهي تقنية تدمج العالم الافتراضي بالتجارب البحثية. ولتنفيذ هذا المختبر، استعانت الجامعة بشركات عالمية في صناعة المرئيات والصوتيات المتطوِّرة، لتمكين العلماء والباحثين من إجراء تجاربهم الحسابية والعملية بتصوير مشاهد حية للجزيئات، كما أنها تمكن جمهور الباحثين من رؤية ما يجريه باحثون وطلبة من أبحاث على غرار تجارب انقسام الخلية الواحدة على سبيل المثال.
ويضيف الغسلان: إن مختبر المحاكاة البصرية ثلاثية الأبعاد يتفوق على مراكز المحاكاة البصرية الأخرى في العالم، من خلال ربط الصورة بالصوت إما لخلية متفاعلة مع خلية أخرى، أو بتصوير مقاطع لمركبات هندسية في الهندسة المعمارية أو الجينية.. فمشاهد الخيال العلمي لم تعد تشكِّل سوى خطوة في مراحل التطور. وبعدما كانت تمثل المرئيات ثلاثية الأبعاد دوراً سينمائياً لإثارة خيال مشاهد الأفلام، استفادت الجامعة من كبريات شركات الإنتاج العالمية في مجال صناعة المرئيات والصوتيات وحتى صناعة السينما العالمية، لتطوير التقنية التي يحتويها المختبر اليوم.
ويضم مختبر القرنية 4 صالات عرض، تبلغ مقاييس أكبرها 10 * 20 أمتار، وتستوعب 25 مقعداً، ومزوَّدة بشاشة عرض رئيسة تصل دقتها إلى 32 مليون بكسل، وهي مخصصة لعرض الأبحاث على عدد كبير نسبياً من جمهور الباحثين والعلماء. في حين أن القاعات الأخرى، الأصغر حجماً، مُعدَّة لكي يحضِّر الطلاب فيها مشاريعهم البحثية قبل عرضها في القاعة الكبرى.
أما المجالات العلمية التي يمكن أن تستفيد من مختبرات القرنية هذه فهي متنوعة وعديدة وتشمل الطاقة وهندسة البترول، الهندسة الوراثية والنانو إلكترون والعلوم الحيوية. وكل ما تبثه الشاشات من أفلام تصويرية وسمعيات يتم تسجيله تلقائياً ليبث مباشرة أو لاحقاً إلى 40 مركزاً ومعهداً بحثياً حول العالم، ترتبط بها مراكز الجامعة حالياً.
من ثول إلى العالَمْ
على شبكة «سارن»
ويقودنا الحديث عن الروابط التي تجمع مجريات الأبحاث في الجامعة بمراكز الأبحاث والجامعات العالمية، إلى مشروع «سارن» المتزامن مع افتتاح الجامعة، ويربط ثلاثاً من أهم الجامعات السعودية في إطار شبكة أكاديمية عملاقة.
ومعلوم أن شبكة «سارن» تحمي وتكفل في الوقت نفسه سلامة المعلومات الحساسة وخصوصية المستخدمين، وتوفر فضاء تواصل مفتوح وسريع إلى أقصى حد مع الجامعات والمعاهد العالمية الكبرى. الأمر الذي يوفر لطلاب الجامعة والأكاديميين العاملين فيها الفرصة الكاملة للإبداع البحثي الذي سيعود عليهم وعلى محيطهم بدءاً بالمجتمع السعودي بفوائد كبيرة. وستكون سرعة شبكة «سارن» الأعلى في المنطقة كلها، إذ تصل داخل حرم الجامعة إلى 40 ميغابايت في الثانية.
ويقول الغسلان: «في العلم، نحتاج إلى أن ننقل معلومات عن أشياء دقيقة ومهمة مثل اختبار تحليل بروتين معيَّن، أو كيفية تفاعل خلية مع خلية.. ولو اعتمدنا على الإنترنت المحلي كنا سنحتاج إلى شهر لإتمام عملية واحدة، أما في ظل وجود الشبكة الخاصة، فالإرسال والرد لا يستغرق سوى ثوانٍ، مهما كان مكان المركز الآخر».
عندما كانت الجامعة
قيد الإنشاء
شراكات تؤكد الاعتراف العالمي برفعة المستوى
لم يحصل، على حد علمنا، أن استقطبت جامعة في العالم، وهي لا تزال قيد الإنشاء، اهتماماً حقيقياً بالتعاون معها من قِبَل كبريات المؤسسات الأكاديمية والصناعية والاقتصادية في العالم، ما استقطبته جامعة الملك عبدالله قبل أن تنطلق الدراسة فيها في عامها الأول. وذلك من خلال برامج التعاون الاقتصادي وشراكات الأبحاث المختلفة.
فعلى صعيد شراكات الأبحاث الأكاديمية الهادفة إلى استكشاف مجالات البحوث ذات الاهتمام المشترك، وذات الأهمية البالغة لبدء تشغيل حرم جامعة الملك عبدالله، دخلت الجامعة، حتى عشية بدء الدراسة فيها في شراكات مع كل من:
• معهد وودر هول لعلوم المحيطات
• المعهد الفرنسي للبترول
• جامعة سنغافورة الوطنية
• جامعة هونغ كونغ للعلوم والتقنية
• الجامعة الأمريكية في القاهرة
• جامعة ميونيخ التقنية
• جامعة الملك فهد للبترول والمعادن
• جامعة كاليفورنيا في سان دييغو
وبموجب أحكام الاتفاقيات، يبدأ البحث العلمي في المؤسسة الشريكة، لينتقل لاحقاً مع الباحثين إلى حرم جامعة الملك عبدالله. وبذلك تساعد الشراكات الأكاديمية في بناء مراكز الأبحاث في الجامعة، وأيضاً بناء مجمع من الباحثين ورؤساء فرق الأبحاث.
أما شراكات الأبحاث مع القطاع الخاص فتقوم على عدد من البرامج تهدف إلى تحويل الأفكار والتقنيات والمهنيين المدربين تدريباً عالياً إلى مشاريع تجارية، ومنها:
• برنامج الجامعة للتعاون مع الشركات الصناعية
•
مكتب جامعة الملك عبدالله لنقل التقنية وإدارة الملكية الفكرية
• مكتب جامعة الملك عبدالله لاستثمار المشاريع
• برنامج تأسيس الأعمال التجارية
ومن كبريات الشركات والمؤسسات التي دخلت في شراكات مع الجامعة في إطار برامج التعاون المختلفة نذكر: أرامكو السعودية، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ومركز أبحاث شركة جنرال إلكتريك العالمي، وسابك، وشركة آي بي ام، وشركة داو كيميكال، وشلمبرجير، وبوينغ…
وفيما أعلنت شركة داو كيميكال عن عزمها على إنشاء هيئة بحوث مشتركة مع الجامعة بكلفة تبلغ ملايين الدولارات على مدى سنوات عشر، وتهدف إلى استخدام المحفزات لإيجاد سبل جديدة لإنتاج المشتقات الكيميائية، قال بيتر هوفمان، مدير البحوث العالمية واستراتيجية التنمية في قسم البحوث والتكنولوجيا لدى شركة «بوينغ»: «إن الشركة تتطلَّع إلى الدخول في شراكة فاعلة مع أفضل الباحثين من جميع أنحاء العالم في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، لإيجاد وتطوير أفضل الحلول التقنية لعملائنا». وجاء هذا التصريح عقب انضمام «بوينغ» إلى برنامج التعاون الصناعي لتصبح بذلك عضواً مؤسساً في برنامج التنمية الاقتصادية الذي تديره الجامعة. ويهدف برنامج الجامعة للتعاون الصناعي إلى توسعة فرص التعاون الصناعي داخل المملكة وعلى الصعيد الدولي عن طريق العمل مع الشركاء الرئيسين الذين يجمعهم الاهتمام بترجمة المعارف إلى واقع عملي يحقق النمو الاقتصادي ويوجد فرص العمل.
وأخيراً، وقد لا يكون آخراً تجدر الإشارة إلى «شراكة الأبحاث العالمية» التي تقوم على برنامج تُمول بموجبه الأبحاث العالمية، ويساعد العلماء والباحثين في المؤسسات المرموقة على التعاون لحل المشكلات العلمية والتقنية الصعبة التي تواجه المملكة العربية السعودية والمنطقة والعالم.
وتُعتمد لهذه الشراكة ثلاث قنوات رئيسة هي:
–
مراكز الأبحاث والمراكز قيد التطوير: تقدِّم جامعة الملك عبدالله منحة على مدى سنوات خمس لدعم المراكز التي يعمل فيها باحثون متعددون ومقرها الجامعات مع إمكانية مشاركة القطاع الصناعي. كما تقدِّم منح مدتها سنوات ثلاث لمراكز جامعة الملك عبدالله قيد التطوير للمجموعات الصغيرة التي تسعى لجمع الموارد لإنشاء مركز أبحاث لجامعة الملك عبدالله.
–
الباحثون: تقدِّم جامعة الملك عبدالله منحاً على مدى سنوات خمس لأفراد من العلماء أو المهندسين البارعين الواعدين الذين يعملون في مختبرات مقرها الجامعات المرموقة.
ويتوقَّع من كل باحث أن يقضي على الأقل ثلاثة أسابيع كل سنة في حرم جامعة الملك عبدالله مشاركاً في الأبحاث والحياة الجامعية.
–
زملاء الأبحاث: تقدِّم جامعة الملك عبدالله دعماً على مدى سنوات ثلاث لباحثي ما بعد الدكتوراة المتميزين. ومن المأمول أن يقضي الكثير من هؤلاء الباحثين بعض الوقت في جامعة الملك عبدالله قبل أن يبدأوا حياتهم المهنية بالانضمام إلى هيئة التدريس فيها.
ومن دون أن نزعم أننا أشبعنا الحديث عن الشراكات وما سبقها من موضوعات أكاديمية وتقنية، فنخرج من المكاتب الإدارية وأروقة المباني إلى الحي السكني، حيث الكثير من الضوء والأشجار والأزهار والبيوت الجميلة.
الحي السكني.. مدينة متكاملة
عند سفح التل الذي يقوم عليه المبنى المركزي الخاص بالتدريس والمختبرات والإدارة، يلتف الحي السكني مثل الحزام، ووصفه بأمانة يفرض القول إنه مدينة جامعية متكاملة.
فالجامعة توفِّر لمنسوبيها وأعضاء هيئة التدريس والموظفين والمستحقين من الطلاب مساكن ومرافق خدمية وترفيهية راقية لمجتمع متعدد الثقافات. وتتوزع أنماط هذه المساكن ما بين الفيلا، والمسكن المستقل والبيت من طراز تاون هاوس، والشقة. أما الأجور فهي رمزية.
وكل هذه المساكن مفروشة ومجهَّزة بالأجهزة الإلكترونية والكهربائية وكل المستلزمات الضرورية. وتشمل الخدمات التي توفِّرها الجامعة للحي السكني: تدوير القمامة، وخدمة الهاتف المحلي، وخدمة الصيانة المستمرة للبيوت.
وكما هو الحال في الحرم الجامعي كله، فإن المساكن مجهَّزة للاستخدامات اللاسلكية وتحتوي على وصلات لاستقبال الإرسال التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية من دون مقابل.
وتتوزع المجمعات السكنية على ثلاث مناطق هي: منطقة ملعب الغولف السكنية، ومنطقة الميناء السكنية، ومنطقة جزيرة الصفا السكنية على امتداد شاطئ البحر الأحمر. ولكل منطقة منها مميزاتها الخاصة، وبها نوادٍ للياقة البدنية، ومراكز لرعاية الأطفال، ومراكز للتسوق ووسائل للنقل العام.
مدارس العلم في الصغر
وتنبَّه مشروع إنشاء الجامعة الحاجة إلى مدارس لأبناء الموظفين والأساتذة. فتقرر تنفيذ برنامج مدارس الملك عبدالله الدولية التعليمي، الذي يقضي بإنشاء ثلاث مدارس لمراحل الدراسة من المرحلة التمهيدية إلى المرحلة الثانوية. وهذه المدارس الثلاث هي: المدرسة الدولية، ومدرسة البنين، ومدرسة البنات.
وتنفِّذ الجامعة هذا المشروع بالشراكة مع «مؤسسة خدمات المدارس الدولية» التي عملت مع أكثر من 300 مدرسة دولية، وتتمتع بسمعة عالية بالتفوق في مجال التعليم. ولا تتضح صورة تكامل هذه المدينة الجامعية إلا من خلال جولة عبر أرجائها.. ففي منطقة تتوسط المدينة الجامعية تطالعك مآذن جامع الملك عبدالله الذي اختير موقعه بعناية ليسهل الوصول إليه من كافة أرجاء الجامعة.
ويتمتع هذا المسجد بتصميم أنيق مستوحى من العمارة الإسلامية التقليدية، ويتسع لأكثر من 1500 مصلٍ في الداخل وما يزيد على الألف في باحته الخارجية.
وفي مكان لا يبعد كثيراً عن المسجد، يطالعك فرع لمصرف، وقبالته مستوصف، ومركز الإطفاء، ومحطة الوقود وغير ذلك من مستلزمات الحياة في المدينة.. أية مدينة..
ولأن المثل الإنجليزي يقول: «العمل طوال الوقت من دون لعب يجعل جاك ولداًحزيناً»، حرص مشروع الجامعة على توافر مرافق ترفيهية للمقيمين في المدينة الجامعية تتراوح بين ميادين الرياضة واللياقة البدنية وصولاً إلى المرح والتسلية. وتشمل هذه المرافق:
• 3 برك سباحة كاملة التجهيز
• جدران لهواة تسلق الصخور
• طاولات بلياردو وسنوكر
• ملاعب سكواش
• ملاعب كرة مضرب وبادمنتون
• مجمع بولنغ، 24 حارة
• ملاعب كرة قدم
• ملاعب بيسبول ومضامير ألعاب قوى
• قاعات تدريب لياقة ورفع أثقال بإشراف مختصين
• ملاعب تنس
• ملاعب كرة سلة
• ملعب غولف عشبي بمواصفات عالمية، 9 حفر
• مارينا بحرية مزوَّدة بمرافق كاملة لليخوت والمراكب الشراعية
وإضافة إلى كل ما تقدَّم، هناك برامج عديدة للياقة الصحية، تهدف إلى تلبية الاهتمامات والأهداف الفردية والخاصة.
مجلس الأمناء
تشكَّل مجلس أمناء الجامعة من إحدى وعشرين شخصية عالمية رائدة في الأوساط الأكاديمية والعلمية والمالية والصناعية والحياة العامة، ليتولى من ضمن مهماته العديدة تعيين رئيس الجامعة، والموافقة على تعيين كبار المسؤولين الإداريين وأعضاء هيئة التدريس بناء على توصية من رئيس الجامعة. وتتضمن مسؤوليات هذا المجلس اعتماد القواعد التي تنظم شؤون الجامعة على كافة الصعد، وتقديم الدعم للمسؤولين عن إدارة أعمالها اليومية، وتأسيس الشراكات مع المؤسسات المختلفة، والإشراف على أصول الجامعة، بما في ذلك الوقت المخصص لها وحرمها الجامعي ومرافقها. ووفقاً للنظام الأساسي يجتمع أعضاء مجلس الأمناء ثلاث مرات على الأقل كل عام، للإشراف على أنشطة الجامعة ومراقبة تقدمها وتطورها.
والأعضاء الحاليون لمجلس الأمناء هم:
معالي المهندس علي بن إبراهيم النعيمي
رئيس مجلس أمناء الجامعة، وزير البترول والثروة المعدنية، المملكة العربية السعودية
صاحب السمو الملكي الأمير خالد ابن عبد الله بن عبد العزيز
المملكة العربية السعودية
صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن عبد الله ابن عبد العزيز
المملكة العربية السعودية
صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن عبد الله ابن عبد العزيز
المملكة العربية السعودية
معالي الدكتور أحمد محمد علي
رئيس البنك الإسلامي للتنمية
السيد جون ج. برينان
رئيس مجلس إدارة مجموعة فانغارد
الأستاذ خالد بن عبد العزيز الفالح
رئيس أرامكو السعودية وكبير إدارييها التنفيذيين
السيد أندرو غولد
رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لشركة شلمبرجير المحدودة
البروفيسور رولف ديتر أور
المدير العام، المنظمة الأوروبية للبحوث النووية
الأستاذ محمد عبد اللطيف جميل
رئيس مجموعة عبد اللطيف جميل
السيدة لبنى العليان
كبير المسؤولين التنفيذيين ورئيس مجموعة العليان للتمويل
معالي الدكتور عبد الله الربيعة
وزير الصحة
المملكة العربية السعودية
البروفسور فرانك هـ. ت. رودس
الرئيس الفخري، جامعة كورنيل
السيدة ماري روبنسون
رئيس لجنة إعمال الحقوق: مبادرة العولمة الأخلاقية، ورئيسة جمهورية أيرلندا سابقاً
البروفيسور تشون فونغ شيه
رئيس جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية
معالي الدكتور خالد السلطان
مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن
الدكتور توني تان
رئيس مؤسسة البحوث الوطنية في سنغافورة
الدكتورة شيرلي تايلمان
رئيس جامعة برينستون
الدكتور إلياس زرهوني
المدير السابق للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة الأمريكية
البروفيسور جى تشانغ
رئيس جامعة شنغهاي جياو تونغ
برنامج زمالة جامعة الملك عبدالله
تقدِّم الجامعة «برنامج زمالة جامعة الملك عبدالله» للمنح الدراسية، الذي يوفِّر الدعم الكامل لرسوم الدراسة وراتباً شهرياً للطلاب الذين يسعون إلى الحصول على شهادات الماجستير أو الدكتوراة خلال دراساتهم العليا.
كما يؤمِّن البرنامج للطلاب الفائزين بالمنحة سكناً مجانياً في الحرم الجامعي، وتكاليف السفر.
وتتضمن شروط التأهل للزمالة استكمال درجة البكالوريوس في مجال ذي صلة بمجالات الدراسة في الجامعة قبل نهاية يونيو 2009م بمعدل تراكمي 3.5 GPA على الأقل، أو ما يعادله في نظم التقدير الدولية الأخرى، والقدرة على التسجيل في سبتمبر من العام الجاري.
المكتبة
حيث الحصول على أي كتاب
في العالم خلال دقيقتين
في كل جامعة مكتبة، وعندما تكون الجامعة جملة وتفصيلاً غير تقليدية لا بد وأن تكون مكتبتها كذلك. وهذا هو حال مكتبة جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.
أول ما يلفت النظر في هذه المكتبة هو تميز مبناها عن باقي مباني الحرم الجامعي، برخامه الأبيض الشفاف، ومن المرجح أن المصمم شاء هذا البياض كدلالة إلى رمزية المكتبة كجوهرة ترصع الحرم الجامعي ككل.
ولكن ما أن يدخل الزائر إلى هذه المكتبة، حتى تتراجع «الرمزية» لصالح الحدود القصوى من الجدوى والفاعلية.
من الانطلاق إلى الاكتمال
عند بدء الدراسة في الجامعة في الخامس من سبتمبر، كانت المكتبة تحتوي على 15 ألف مطبوع و1200 مجلة علمية إلكترونية متخصصة. الرقم لا يبدو كبيراً جداً بالنسبة لمكتبة جامعية. فأين المدهش؟
أولاً، يقوم إنشاء هذه المكتبة على خطة ستنتهي في العام 2013م، حين يُتوقع لها أن تحتوي على 80 ألف عنوان كتاب و1500 اشتراك في المجلات العلمية، إلى جانب رصيد رقمي كبير من مجموعات البيانات وأنواع أخرى من المعلومات العلمية.
ونمو المكتبة الذي سيزداد زخماً بمجرد بدء الدراسة وتفاعلها مع الطلاب الذين سيطلبون هذا الكتاب أو تلك المجلة، لن يتوقف في العام 2013م.
المبنى المستعد للمستقبل
يتألف مبنى المكتبة من ثلاثة طوابق، وتبلغ مساحته 13,890 متراً مربعاً. وتتسع قاعاتها لجلوس 400 شخص، وتضم رفوفاً قادرة على استقبال نصف مليون كتاب مطبوع (رقم هائل إذا علمنا بأن الجامعة متخصصة في العلوم والتقنية بخلاف الحال في المكتبات العامة الأخرى). وتنتشر في جميع أرجاء المبنى محطات العمل العامة، ومساحات للتعلم التعاوني ومناطق هادئة للدراسة، إضافة إلى مرافق الخدمات التقليدية مثل النسخ والمسح الضوئي وما شابه ذلك.
ويشير الأمين المكلَّف للمكتبة عدنان الشريف إلى أن المكتبة تضم غرفتي دراسة للتعلم عن بعد، إضافة إلى وحدة موارد تعلم مشتركة، ومساحات للعرض، وغرف للوسائط الإعلامية، ومقهى يتسع لـ 64 شخصاً، إضافة إلى غرفة فريدة للقراءة مطلة على البحر الأحمر.
الشراكات مع المكتبات العالمية
ولكن الأرقام والتفاصيل التي ذكرناها حتى الآن حول المكتبة، على أهميتها، لا تعبِّر عن قوة هذه المكتبة وفاعليتها الكامنة في مكان آخر.
يقول الدكتور جو برانن، مدير مكتبة جامعة الملك عبدالله: «إن هذه المكتبة لن تكون تقليدية. فبفعل ما يمكن أن تؤمنه التقنية الحديثة، ينصب اهتمام المكتبة على الشراكات والتحالفات بهدف توفير المعلومات وجلبها لمن يحتاجها في الجامعة. ولهذا بنت المكتبة شراكات مع عدد من أكبر مراكز المعلومات والمكتبات والجامعات المشهود لها بغزارة المحتوى. ويمكن لمكتبة جامعة الملك عبدالله أن تحصل على ما تشاء من كتب ودراسات وأبحاث في أقل من دقيقتين.. إن هدفنا الأكبر هو إنجاز بيئة معلوماتية رقمية تؤسس نموذجاً جديداً لأحدث علوم المكتبات والمعارف».
وفي التفاصيل أن الجامعة كانت قد وقَّعت قبيل بدء الدراسة فيها ما مجموعه 20 اتفاقية مع مكتبات وجامعات ومؤسسات ذات طابع معلوماتي، من بينها برنامج شراكة متميز مع الأونيسكو ومكتبة الكونغرس. كما ستشهد الأيام المقبلة توقيع المزيد من الاتفاقيات بهدف الوصول إلى مكتبة فريدة شكلاً ومضموناً.
ويشير الشريف إلى أن المكتبة تتبع لإدارة تقنية المعلومات في الجامعة، وتتيح لأعضاء هيئة التدريس التعامل عن بعد مع الباحثين. ويستطيع كل من في الجامعة من أساتذة وطلاب وموظفين بناء مكتبات خاصة بتخصصاتهم الدقيقة، مستفيدين من المكتبة الرقمية الضخمة التي توفرها الجامعة. إذ يستطيع الباحث الوصول إلى مصادر المعلومات المتاحة على المكتبة الإلكترونية من أي مكان في العالم، وكذلك الاتصال بدور النشر العالمية. وهذا يعني أن بيئة التعامل سوف تكون بيئة رقمية تدعم عدة لغات. وهذه ميزة تنفرد بها مكتبة جامعة الملك عبدالله عن غيرها من مكتبات العالم.
مثل عن الأبحاث
زراعة القمح في المياه المالحة؟
ضمن كوكبة العلماء والباحثين الذين يحتضنهم مركز الأبحاث الجينومية في الجامعة، يبرز اسم البروفيسور نيكولاس بول هاربرد، الساعي إلى تطوير حلول تقنية وبيئية تساعد المحاصيل الزراعية على تحمل ظروف القحط والملوحة. الأمر الذي يعزز الأمن الغذائي في المملكة والعالم، ويوسِّع المساحات الزراعية في الأراضي غير المنتجة في الوقت الحاضر، ويخفِّف الضغط على استخدام المياه العذبة.
وكان اسم البروفيسور هاربرد قد لمع منذ عمله أستاذاً لقسم النبات في جامعة أوكسفورد، وبدئه العمل على بحث يهدف إلى تحقيق حلم الملايين من المزارعين في العالم بزراعة القمح في الأراضي المالحة، بعد معالجة بذوره جينياً.
ويقول هاربرد إن المنتج العالمي من القمح الذي يمثل القوت الرئيس لسكان العالم بات مهدداً بالتناقص رغم النمو السكاني، نتيجة انحسار الأراضي الصالحة للزراعة بسبب تدهور البيئة والتغيرات المناخية.. فالأراضي الصالحة لزراعة المحاصيل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تزيد على %8، وتنخفض هذه النسبة إلى %1.8 فقط في المملكة، بينما تصل هذه النسبة في أنحاء العالم إلى %11.3.
وبتخيل الآثار العظيمة لهذا البحث فيما لو قُدِّر له النجاح، على اقتصاد المملكة وإنتاج الغذاء في العالم بأسره وما يعنيه ذلك للشعوب الفقيرة، ترتسم أمامنا صورة الغاية من إنشاء هذه الجامعة وأهدافها، وما يرتجى منها.
أولى عائدات الجامعة
من حظ القرية المضيفة ثول
عندما يخرج الزائر من الجامعة يلحظ الاختلاف الكبير بين ما شاهده داخل الحرم الجامعي، ومحيطه على الصعيد العمراني.
فبلدة ثول الصغيرة التي كان من حسن حظها أن وقع عليها الاختيار لتكون مقراً للجامعة، كانت منذ القدم تعتمد على الزراعة التقليدية وعلى صيد الأسماك في اقتصادها المتواضع الذي ينعكس على طابعها العمراني ككل. أما اليوم، وبعدما تابع سكانها البالغ عددهم قرابة 15 ألف نسمة بشغف قيام هذه الجامعة العملاقة بجوارهم، بدأوا يتلمسون الملامح الأولى لعملية تطوير ضخمة ستنتقل بهم من حال إلى حال.
فبعد اعتماد جملة توصيات تأخذ بالحسبان رغبات سكان المنطقة وتلبي حاجاتهم، من خلال دراسات أجرتها أرامكو السعودية، وضعت خطة على مراحل لتطوير المنطقة. وقد أوشكت المرحلة الأولى من هذه الخطة على الانتهاء، لتتضمن تطويراً سريعاً شمل الكورنيش ومرفأ الصيادين ومقر الحرس الوطني، وحرس الحدود، وبعض المرافق الترفيهية على البحر.
أما المرحلة التالية فتشمل تطوير البنية التحتية مثل الصرف الصحي وشبكة مياه الشرب والطرق والمدارس والمساجد، وبناء مستوصف ومركز تاريخي للإسهام في تنشيط الحركة السياحية والاقتصادية في البلدة التي يتوقع لها أن تتفاعل أكثر فأكثر مع الجامعة ومنسوبيها على المستويات السياحية والتجارية والخدماتية.
وكشف رئيس بلدية ثول المهندس مرعي المغربي في حديث صحافي أن أمانة جدة تشجع التمدد العمراني باتجاه الشمال حيث تقع البلدة للاستفادة من المساحات الشاسعة في إقامة المشاريع التنموية والإسكانية، مشيراً إلى قيام الأمانة بإنشاء وحدات سكنية متكاملة الخدمات متوافقة مع النهضة العمرانية التي تشهدها ثول بعد إنشاء الجامعة.
ومن جهته أكد أمين محافظة جدة المهندس عادل فقيه قدرة المشروع التنموي على تحويل بلدة ثول إلى مركز استثماري مهم، سينعكس أداؤه على مستوى حياة السكان، ويؤدي إلى رفع مستوى المعيشة، خاصة أن معظم السكان يعملون في مهنة صيد الأسماك، مشيراً إلى أن ثول التي تعد تاريخياً مركزاً لاستراحة قوافل الحجاج سيكون لها شأن كبير بعد الانتهاء من المشاريع التي تنفَّذ حالياً.
الرئيس الأول للجـامعة
هو البروفيسور تشون فون شي، الحاصل على درجة الدكتوراة من جامعة هارفارد، وعمل سابقاً رئيساً لجامعة سنغافورة الوطنية. كما كان على مدى ثلاثين سنة أستاذاً في جامعة براون بالولايات المتحدة الأمريكية، وترأس مجموعة أبحاث التصدع في مختبر أبحاث شركة جنرال إلكتريك.
وكان البروفيسور تشي أول سنغافوري ينتخب عضواً مشاركاً أجنبياً في الأكاديمية الوطنية الأمريكية للهندسة، كما أنه عضو فخري في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم.
ومن خبراته العملية الأخرى نذكر عضويته في مجلس إدارة مؤسسة الأبحاث الوطنية التي يرأسها نائب رئيس الوزراء سابقاً توني تان، وعضويته في مؤسسة سنغافورة الدولية، ورئاسته لمجلس الإشراف على تحالف جامعة سنغافورة ومعهد ماساتشوستس للتقنية، وإسهامه في تشكيل التحالف الدولي لجامعات الأبحاث، الذي يضم عشر جامعات من جامعات الأبحاث الكبرى في أربع قارات.
وقد حاز البروفيسور تشي على وسام جوقة الشرف الفرنسية من رتبة فارس، وكان أول آسيوي يتلقى جائزة القيادة التي يمنحها «مجلس تطوير ودعم التعليم» لكبار المسؤولين التنفيذيين، وهو منظمة عالمية يشترك في عضويتها أكثر من ألفي مؤسسة تعليمية.
متحف الجامعة
لتاريخ العلوم والتقنية الإسلامية
لوهلة، تبدو فكرة وجود متحف في جامعة كل ما فيها يتطلع إلى الأمام وإلى المستقبل، فكرة مثيرة للاستغراب بعض الشيء. ولكن التأمل في هذه الفكرة يؤكد جدوى المشروع، لا بل يكتشف فيما يتوخى منه فوائد لا تحصى، خاصة للرؤية التي صيغ هذا المتحف وفقها، والتي لا تشبه في شيء، كما هو حال الجامعة التي تحتضنه، الصورة النمطية التي نملكها عن المتاحف.
حول هذا المتحف، أدلى نائب الرئيس التنفيذي في الجامعة، نظمي النصر، ونائب الرئيس المكلَّف للتنمية الاقتصادية، أحمد الخويطر، بحديث صحافي شرحا فيه الغاية من إنشاء المتحف وأبرز ملامحه وأهدافه.
قال النصر إن فكرة المتحف انبثقت حين شرعت الجامعة في إنشاء مركز لدراسة مخترعات المسلمين، على غرار بيت الحكمة الذي أنشأه الخليفة العباسي المأمون، حيث يشارك علماء من مختلف أنحاء العالم في إجراء البحوث والترجمة لتحقيق هذا الغرض. لكن الرأي استقر أخيراً على إقامة متحف لمكتشفات واختراعات العلماء المسلمين تحت اسم «متحف تاريخ العلوم والتقنية الإسلامية» يغطي المرحلة التي شهدت ازدهار العلوم، بدءاً من القرن الرابع وحتى القرن السابع ومروراً بما أنتجته الحضارة الإسلامية في الأندلس، ومن ثم ربط المتحف بمكتبة الجامعة الإلكترونية، بحيث يمكن للباحثين الاستفادة من محتوياته من كتب ومخطوطات.
متحف ذو رسالتين
حول الغاية الأساس من إنشاء المتحف ورسالته، يقول الخويطر: «هناك رسالتان للمتحف، الرسالة الأولى هي بث المعرفة فيما يتعلق باختصاصات علماء المسلمين. فالعالِم كان طبيباً وعالم فلك ومفكراً.. وكل هذه المعارف كانت تنعكس على مخترعاته. وفي العقود الأخيرة كانت العلوم تركز على التخصصات الدقيقة، ولكن هذا التركيز بات خاضعاً للمراجعة، وهناك عودة إلى توسعة المعارف عند الطلبة والباحثين، وإيلاء اهتمام متزايد لترابط العلوم. لهذا يشكل متحفنا رسالة قوية إلى طلبة الجامعة. أما الرسالة الثانية فهي جذب الجمهور من طلبة المدارس والمعاهد والجامعات والباحثين والمجتمعات التعليمية للتعريف بمعروضات المتحف ومحتوياته التعليمية والتثقيفية من مجسمات ومخطوطات وأفلام حول مخترعات العلماء المسلمين وتاريخها».
ويضيف: «ليس في سياسة المتحف تملُّك القطع الأثرية.. فامتلاك القطع مكلف جداً، ويمكن الاستفادة من هذه الكلفة في مرافق أخرى. لقد سخرنا التقنية المتطورة لخدمة المجتمع تعليمياً وترفيهياً، لأن العالم بات ينتظر كل جديد، ويستمتع بالتكنولوجيا المتقدمة لخدمة كافة الأغراض الحياتية.. إن زائر هذا المتحف سيتمكن من رؤية مخترعات علماء ومخترعين ملأوا السمع ولم تبصرهم العين».
أقسام المتحف ومحتوياته..
إلكترونية وسمعية بصرية
يضم المتحف عدداً من الأقسام، منها المدخل والمخرج حيث يتعرف الزائر إلى المحتوى والمعروضات، وقسم علوم الحياة والبيئة وعلوم الجبر والرياضيات وقسم معهد التعليم والدراسات وقسم علم الفلك والملاحة وقسم التكنولوجيا والكيمياء وعلوم الطاقة والصناعة.
وتضم محتويات المتحف مجسمات طبق الأصل لمخترعات علماء مسلمين ومخطوطات بالإضافة إلى كتب وأفلام علمية ووثائقية أنتجت خصيصاً للمتحف.
ويضم المتحف ثلاثة أبراج طول كل منها حوالي ستة أمتار، تعرض أفلاماً تعليمية ووثائقية قصيرة أنتجت سينمائياً خصيصاً للمتحف. وفي هذه الأبراج، يمكن للزوار تصفح أي موضوع عن أي من العلماء المسلمين وإنجازاتهم خلال عشرين دقيقة. وحينما يكون الزائر يقرأ أو يستمع للمعلومات، سيشاهد محاكاة بصرية ثلاثية الأبعاد، تساعده على الاستيعاب والفهم. كما أن هناك عدداً كبيراً من الكتب بمختلف اللغات يمكن قراءتها والاطلاع عليها بالمحاكاة البصرية.
ويرى الخويطر أن هناك فوائد جمة لا تحصى لهذا النوع المبتكر في عالم القراءة. فبواسطة التقنية تظهر أساليب جديدة للتعلم يمكن للمدارس والجامعات أن تستفيد منها كثيراً.
تسع ساعات لزيارة المتحف!
ويقول النصر إن المتحف يحتوي على كم هائل من الأوعية المعلوماتية التي تغطي الجانبين العلمي والتاريخي. فهناك مثلاً معلومات ضخمة عن البيولوجيا والطبيعة وعلوم الحيوان والجغرافيا والفلك والحياة والهندسة المعمارية، بحيث يحتاج زائر المتحف إلى تسع ساعات متواصلة للاطلاع على كافة محتوياته. ويضيف: إن الزائر يتمكن من رؤية كل هذه المعلومات إما عبر الصور، أو من خلال المحاكاة البصرية للمكتشفات والعلماء المسلمين أنفسهم، من خلال شاشات تعمل باللمس.. وسيشاهد مثلاً مؤسس علم الميكانيكا وأول من ابتكر إنساناً آلياً وهو العالم المسلم الجزري، كما سيشاهد الكثير من مجسمات أعمال المخترعين المسلمين وطريقة عملها مثل الاسطرلاب وغيره الكثير.
لنا، قبل أن يكون للأجانب
مما لا شك فيه أن هذا المتحف سيلعب دوراً كبيراً في تنوير الطلاب الأجانب في الجامعة (وربما بعض أساتذتهم أيضاً)، من خلال اطلاعهم على منجزات الحضارة العربية الإسلامية في عصرها الذهبي والدور العظيم الذي أدته في تطور الإنسانية. ولكن بشيء من الصدق مع الذات، لا بد أن نعترف أننا نحن أبناء هذه الحضارة وَوَرَثَتُها نجهل الكثير عن هذه المنجزات، وتكتنف صورها في أذهاننا ضبابية تبقيها في إطار العموميات.
وعليه سيلعب هذا المتحف دوراً كبيراً في توضيح الصورة المشرقة لتاريخ العلوم عند العرب بكل زخارفها الدقيقة. ولكي يتمكن متحف الجامعة من لعب دوره على هذا الصعيد، رُسمت له سياسة تختلف تماماً عن سياسة المتاحف التقليدية.
متحف يستقبل الجمهور ويزوره
فقد جرت العادة أن يزور الناس المتاحف. أما متحف الجامعة، فقد قرر زيارة الناس الذين تتعذر عليهم زيارته، وحيث هم.
وفي هذا الشأن يقول الخويطر: «إن الهدف من إنشاء المتحف هو بث الوعي في فضاءات المجتمع، واطلاع الأجيال على إنجازات المسلمين. لذلك قررنا الذهاب إلى الناس في أماكن تجمعاتهم، حيث سنعرض بعض محتويات المتحف بالمستويات نفسها في الأسواق الكبرى، وسنزور المدارس وننظِّم الرحلات للطلبة والطالبات إلى المتحف، وسنشارك في المناسبات العامة والاحتفالات التراثية والتاريخية، وسيكون لنا أيضاً دور في تقديم تاريخنا العلمي إلى العالم من خلال المشاركات الدولية».
ختاماً
الغد الذي بدأ اليوم
في مطلع سبتمبر من العام 2009م، كانت الحياة قد دبت فيما كان حلماً ومن ثم مشروعاً. طلاب وأساتذة من عشرات الجنسيات وآلاف الموظفين في المكاتب والمختبرات والأروقة يملأون المكان حياة ينتظر منها الكثير.. ومع ذلك فإن اكتمال الجامعة لن يتم قبل العام 2020م حسبما سبق لرئيسها أن أعلن، بحيث يصل عدد الطلاب إلى نحو 2000 طالب، وعدد الأساتذة إلى نحو 225 أستاذاً.
الله وحده يعلم ما يخبئه الغد، من تحولات وتطورات، و من نتائج أبحاث.
ما نعرفه اليوم، هو أن أضخم مشروع علمي وتعليمي في تاريخ العرب والمسلمين، منذ «بيت الحكمة»، قد أصبح واقعاً ملموساً. وكل شبر في شخصيته المادية والمعنوية صيغ صياغة بالغة الدقة على أيدي أكبر علماء عصرنا.. وليس بإمكان أي عاقل أن يتصور ما هو أفضل مما كان.
وفي انتظار الغد، وما سيخرج من ثنايا جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، ليطوِّر حياتنا اليومية واقتصادنا في المملكة وبلاد العرب والمسلمين والعالم، تصبح ابتسامة الرضا عن واقعنا العلمي من حقنا، والتفاؤل بالمستقبل مبرراً، وربما للمرة الأولى في تاريخ العرب والمسلمين المعاصر.
بيت الحكمة
الذي به تجوز المقارنة
ما هو «بيت الحكمة» الذي أراده خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أن يكون ملهمه في إنشاء هذا الصرح العلمي؟
إن تعبير «بيت الحكمة» مألوف عند كل من درس التاريخ العربي والإسلامي، وبشكل خاص تاريخ العلوم عند العرب. ومع ذلك، فإن المعلومات الدقيقة حول حقيقة بيت الحكمة والأدوار المختلفة التي لعبها، تكاد تكون مجهولة تماماً من قبل الكثيرين، وذلك لقلة الدراسات العلمية التي تناولت بيت الحكمة بحد ذاته.
واحدة من هذه الدراسات القليلة، هي تلك التي أعدتها الباحثة الفرنسية م. ج. بالتي-غيدسون، وقدَّمتها في «الندوة العالمية لتاريخ العلوم والفلسفة عند العرب» التي عقدت في معهد العالم العربي في باريس بين 22 و24 نوفمبر من العام 1989م، وشكَّلت لنا مُعيناً على رسم الصورة الآتية لأشهر صرح علمي في التاريخ العربي والإسلامي، شعَّ تأثيره حتى ليقال إنه غيَّر مجرى التاريخ.
في عصر الرشيد
استناداً إلى المصادر والمراجع العربية القديمة، عُرف «بيت الحكمة» أولاً بأسماء عديدة منها: «خزانة الحكمة» و«خزانة كتب الحكمة»، لأن هذا الصرح كان أولاً مكتبة.
وقد أعطيت هذه المكتبة اسم «بيت الحكمة» في عهد الخليفة هارون الرشيد، عندما اكتسبت العلوم الفلسفية أهمية متزايدة. واستناداً إلى كتاب «الفهرست» لابن النديم، فإن حركة الترجمة بدأت تنشط منذ تلك الفترة، إذ يورد ذكر شخصين: الأول هو علَّان الشعوبي الذي كان يعمل ناسخاً في بيت الحكمة لحساب الخليفة هارون الرشيد ومن ثم المأمون والبرامكة، والثاني هو عالم الفلك الفضل ابن نوبخت الذي كان يترجم لهارون الرشيد كتباً عن اللغة الفارسية.
ويروي لنا القفطي أن يحيى بن خالد بن برمك، لم تعجبه بعض الأفكار الواردة في أحد الكتب الأعجمية، فطلب ترجمته على يد أبو حسن وسَلْم الحراني صاحب بيت الحكمة.. وأيضاً لحساب يحيى ابن خالد نفسه، ترجم سَلْم الحراني كتب أرسطو عن اليونانية.
ففي عهد هارون الرشيد، يبدو أن «بيت الحكمة» كان مكتبة شبه خاصة بالخليفة وبالمقربين منه، يؤتى على ذكرهم في كل مرة يدور الحديث عن المستفيدين من الأعمال الجارية في المكتبة. ولكن الحال تبدل جذرياً في عهد المأمون.
صرح علمي للجميع
عرف بيت الحكمة في عهد المأمون توسعاً وتطوراً تمثل أساساً في تحوله إلى ملتقى للعلماء الذين استخدموا هذا الصرح لأبحاثهم ودراساتهم. وهذا ما دفع بعض الباحثين والمؤرخين إلى ربط إنشاء «بيت الحكمة» بهذا الخليفة دون غيره، وتحديدتاريخ إنشائه بالعام 830 أو 832م. وقد ظهر هذا التاريخ أولاً عند المستشرق ماكس مايرهوف في المقدمة التي كتبها لمؤلف حُنين «عشر دراسات حول العين». والذين يزعمون أن بيت الحكمة تأسس في عهد المأمون، لا يعتمدون على أكثر من مقاطع تروي سياسة الترجمة في عهد المأمون أو مساعيه الشهيرة إلى اقتناء المؤلفات اليونانية القديمة، أو استقرار بنو موسى مع يحيى ابن منصور في بيت الحكمة، أو تسمية حُنين مترجماً وما شابه ذلك. ولكننا بتنا متأكدين اليوم أن «بيت الحكمة» في عهد المأمون هو نفسه بيت الحكمة في عصر هارون الرشيد، غير أن الرؤية الموجهة له تغيرت تماماً.
البيت الذي أضاء مشعل العلوم
اشتهر المأمون بولعه الشديد بالكتاب. وسعى طوال فترة حكمه إلى جمع كل المؤلفات المهمة أياً كان موضعها. فكان يرسل السعاة والسفراء لهذه الغاية. والروايات في هذا الصدد أكثر من أن تحصى. فابن النديم يروي قصة بعثة أوفدها الخليفة المأمون إلى بيزنطة للحصول على الكتب. والمقريزي يحدِّد تاريخ هذه البعثة بالعام 210هـ / 815م. وفي رواية ثانية منسوبة إلى المترجم يحيى ابن البطريق أنه عثر في معبد قديم على نسخة قديمة من كتاب «السياسة» لأرسطو، فأمر الخليفة بإحضارها إلى بغداد.
ويحدثنا سعيد الأندلسي عن تبادل للهدايا ما بين المأمون وامبراطور الروم حصل بموجبه الخليفة على نسخ من كتب أفلاطون، أرسطو، أبوقراط، إقليدس، وبطليموس.
وبموازاة هذه المصادر الخارجية، كانت هناك مصادر داخلية عديدة للكتب التي جمعها المأمون: من حلب ودمشق وفلسطين والجزيرة العربية والإسكندرية. ويروي حنين في «الرسالة» طرق الحصول على بعض أمهات الكتب من المكتبات الكثيرة التي كانت منتشرة في الديار الإسلامية، وغِنى هذه المكتبات المتفرقة بالمؤلفات اليونانية النادرة.
ولكن، إذا كانت الديار الإسلامية قد شكَّلت بالفعل المصدر الرئيس لتجمع الكتب في «بيت الحكمة»، فلماذا كان هذا الجهد المبذول لاستيراد بعضها من بيزنطية، ولماذا حظيت هذه الأخيرة بهذه الشهرة؟
الجواب هو بكل بساطة أن المأمون أراد أن ينظر العالم إلى الحضارة العربية الإسلامية على أنها حاملة مشعل العلوم الذي هوى في الإمبراطورية البيزنطية منذ عهد الإمبراطور قسطنطين الكبير في القرن الميلادي الرابع. وكان «بيت الحكمة» في بغداد سلاحه الأكبر في تحقيق هذا الطموح.
بيت العلم لكل من يطلب العلم
يرتبط اسم بيت الحكمة أكثر ما يرتبط بالترجمة. ولكن هل كانت كل أعمال الترجمة تتم فيه ولحساب الخليفة فقط كما تزعم بعض الكتب المدرسية؟
يؤكد البحث المدقَّق أن الكثير من أعمال الترجمة كانت تُطلب من بيت الحكمة لصالح جهات مختلفة، شملت بعض رجالات الدولة مثل يحيى بن خالد ابن برمك، وطاهر بن الحسين، وإسحق بن سليمان، وبعض العلماء مثل الطبري، وبنو موسى، والكندي، وأيضاً بعض المثقفين من رعاة الحياة الأدبية مثل علي بن يحيى ابن أبي منصور.
فالحركة العلمية التي أزهرت في بيت الحكمة كانت تقوم على قاعدة اجتماعية وعلمية أعرض من أسوار هذا البيت. فبخلاف ما كان عليه الحال في أيام هارون الرشيد، شرع بيت الحكمة في عهد المأمون أبوابه أمام كل طالبي العلم والبحث.
والمؤكد أن الترجمة لم تكن حكراً على موظفي بيت الحكمة داخل أسواره، بل إن مترجمين كثيرين كانوا يعملون خارجه، حتى إن البعض يذهب إلى حد القول إن كبار مترجمي القرنين التاسع والعاشر الميلاديين لم تثبت المراجع وجود أية علاقة ما بينهم وبين بيت الحكمة. علماً بأن الخلفاء أبقوا على إشرافهم المباشر على أعمال الترجمة ومسارها في هذه المؤسسة.
وفي إطار هذا الإشراف، عيَّن الخليفة المتوكل حُنين ابن إسحق «أميناً على الترجمة»، ليتولى تصحيح ترجمات الآخرين. ولكن أهمية الترجمة في بيت الحكمة تكمن في الدرجة الأولى في كونها منطلقاً لظاهرة رائدة لم يكن العلم قد عرفها.
ففي عهد المأمون تحوَّل بيت الحكمة إلى مكان لاجتماعات العلماء والمناقشات. وفي كتابه «نوادر الفلاسفة» يستخدم حنين تعبير «بيوت الحكمة» لتسمية أماكن اجتماع الفلاسفة، حتى إن فصلاً من كتابه هذا حمل العنوان «اجتماعات الفلاسفة في بيوت الحكمة في الأعياد وتفاوت الحكمة بينهم».
هذه الوظيفة لبيت الحكمة، والتي ميَّزته خلال عهد المأمون، قامت على فلسفة تقول بوجوب انفتاح ما في داخل المؤسسة على ما في خارجها، وبتوقع الكثير من النتائج الناجمة عن تفاعل العلماء والفلاسفة مع بعضهم. إنها الفلسفة ذاتها التي نجدها معصرنة وواضحة في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.
مدرسة.. غير مدرسة
ويذهب بعض الباحثين إلى تصنيف بيت الحكمة كمعهد أو كمدرسة، وينفي هذه الصفة باحثون آخرون.
فلأن ابن العبري يروي لنا أن أبناء موسى بن شاكر الثلاثة درسوا العلوم مع يحيى بن منصور في بيت الحكمة، اعتبر هذا الصرح كمركز تعليمي، حتى ذهب البعض إلى اعتباره كلية جامعية مع عميد هو سَلْم وأمين مكتبة هو محمد بن موسى الخوارزمي.
كما يستند البعض الآخر إلى أن حُنين بن إسحق يقول إن «بيت الحكمة» هو الاسم الذي أطلق منذ عصر اليونان القديمة على المكان الذي يتلقى فيه أولاد الملوك علومهم. ولكن علماء آخرين يقولون إنهم لم يعثروا على ما يؤكد أن طلاباً درسوا في بيت الحكمة غير الأولاد الثلاثة المذكورين سابقاً.
وبشيء من الجهد للتوفيق بين النظريتين يأخذ فريق ثالث بشتى الحجج ليخلص إلى أن بيت الحكمة كان مركزاً للبحث العلمي وإن خرج في ذلك على نمط التعليم الذي كان سائداً في ذلك العصر. حيث كان المعلمون ينشرون علومهم بين تلاميذهم انطلاقاً من بيوتهم الخاصة. في بيت الحكمة، تركزت الترجمة والبحوث بشكل خاص على ثلاثة علوم هي: الرياضيات وعلم الفلك والفلسفة. وبصفته مركزاً للبحث العلمي، تم إلحاق مرصدين فلكيين أحدهما في شمالي بغداد، والآخر في جبل قاسيون قرب دمشق ببيت الحكمة.
ومن خضم النقاش الفلسفي فيه خرجت عشرات بل مئات المؤلفات. وفي مجال الرياضيات، كان الخوارزمي واحداً من روَّاد بيت الحكمة، وهو صاحب المؤلفات العديدة في علم الفلك والجغرافيا والرياضيات، ومن الروَّاد في ابتكار الاسطرلاب وتطويره، دخل تاريخ العلوم بفضل كتابه الشهير «كتاب الجبر والمقابلة» الذي جعل منه مؤسساً لعلم الجبر.
وعلى أيدي عشرات العلماء المماثلين صيغت العلوم والمعارف في حلة جديدة وصلت خلال سنوات إلى مستويات لم تكن الإنسانية قد عرفتها من قبل، فعرفت الحضارة العربية والإسلامية عصرها الذهبي، ومهَّدت لاحقاً لنهضة شعوب بأكملها، وما النهضة الأوروبية في القرن الخامس عشر إلا واحدة منها.
نهاية بيت الحكمة
يختلف المؤرخون في تحديد زمن اندثار بيت الحكمة. فاستناداً إلى المستشرق سورديل، اختفى هذا الصرح في عهد المتوكل. وبالنسبة إلى المستشرقين م. مايرهوف و أو. ليري، أعاد المتوكل فتح بيت الحكمة. ويؤكد آخرون أن بيت الحكمة دمِّر خلال الغزو المغولي لبغداد في العام 656هـ / 1258م، مستندين إلى القلقشندي الذي تحدث عن «حرق مكتبة العباسيين».
والمؤكد أن بيت الحكمة كان قائماً حتى القرن العاشر استناداً إلى شهادات من ذلك العصر. وفي القرن العاشر لم يعد يشار إليه باسم بيت الحكمة، بل باسم «خزانة المأمون» كما يقول ابن النديم الذي يروي أنه تردد عليه عدة مرات.
وإطلاق هذا الاسم الجديد يشير إلى أن بيت الحكمة صار منفصلاً عن مكتبة الخليفة، وأنه تحوَّل إلى مجرد مكتبة تحمل اسم الخليفة الذي عرفت في عهده أوج ازدهارها. ولو عدنا إلى ابن النديم وحاولنا استخلاص شيء حول ما آل إليه بيت الحكمة كما عرفه هو، لبدا لنا مجرد مستودع كتب.
كاوست في طلب العلم
أليس تأسيس جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست KAUST) ضرباً آخر من ضروب «اطلب العلم، ولو في الصين»؟
أليست هذه الجامعة التي نبتت كشجرة مباركة بين عشية وضحاها على شاطئ «ثول» شمال جدة، هي الإقدام على المستحيل في طلب العلم؟
اطلب العلم، مهما كلَّف من العناء والجهد ومن مواجهة الصعاب والتحديات. اطلب العلم مهما كان الثمن، ومهما تطلَّب تجاوزاً للمعتاد والمتوافر السهل.
اطلب العلم، ولو استدعى ذلك الانتشار في أصقاع الأرض بحثاً عن العلماء والباحثين.
اطلب العلم، وليس من أجل العلم فقط بل لأن لديك أهدافاً وحاجات واختيارات. وفي طلب العلم نكتسب ونكسب، ونحقق ما يفي ويفيد لليوم وللغد، وخاصة الغد! وإذا كانت الصين رمزاً للمكان القصي البعيد المنال الذي يستحق العلم أن يُطلب ولو كان فيها، فها نحن قد ذهبنا إلى الصين، وحملناها إلى شاطئنا.
وليست «صيناً» واحدة، بل كل صين فيها عالم تجاوب مع نداء طلب العلم، وشعر بأن هناك أمة لديها رغبة صادقة في الالتحاق بالعصر والإسهام في تقدم الإنسانية، عبر خلق بيئة متفاعلة للبحث والدراسة والتأمل والابتكار.
اطلب العلم في كاوست.