يمكن بكثير من الثقة الجزم بأن دورة سوق عكاظ لهذا العام تمثل ولادة حقيقية للمهرجان الذي بدأ قبل ست سنوات، وأخذ ينمو حتى خرج إلى النور هذه السنة في شكل يمكن اعتباره الأساس التنظيمي والإداري لكثير من فعالياته. فهل هذه الدورة هي الخطوة الأولى في المسار الصحيح؟.
إذا نظرنا إلى المسابقات وشروطها، فما زالت الكثير من الآراء تتساءل متعجبة من آلية اختيار الفائزين وشروط المسابقات، فهل الأصح أن تنتظر اللجان المنظمة من يتقدم إليها رغبة في الاشتراك أو العمل على ترشيح من قبل لجان متخصصة في كل نوع المسابقات؟
فعاليات جادة عكاظ بدت حيوية بأوجه نشاط تنهل من تراث المنطقة، وهي أنشطة تلقى قبولاً كبيراً من الزوار، فهي تحاكي ما كان يجري حقيقة بسوق عكاظ القديم لتعيد للأذهان أيامه التاريخية. فالدراما التمثيلة تعرض صوراًمن الحياة القديمة في الجزيرة العربية، وعروض الشعر العربي في المسارح المفتوحة على طول الجادة لا تتوقف. عروض قوافل الإبل والخيل والحرفيون اليدويون يصنعون أدواتهم على مرأى من الجميع. إبداعات الأسر المنتجة تزهو بعفويتها. متطوعون ومسوقو المنتجات الزراعية، والمأكولات الشعبية، مجموعات تحاكي أساليب الحياة القديمة، البيع والشراء وتبادل الأحاديث، رواة يلقون الشعر.. كل ذلك يوفر متعة في الفرجة والتعرف والاقتناء، لكن ماهي الإضافة التي تخلق قيمة حضارية للسوق؟
في نشاط المعارض أقيمت أربعة عشر معرضاً لجهات رسمية ووطنية جذبت الزوار واسترعت اهتمامهم، منها معرض الهيئة العامة للسياحة والآثار، ومعرض دارة الملك عبد العزيزـ المملكة وطن وتاريخ.ومعرض إمارة منطقة القصيم بما حواه من صور لمنطقة الجواء التي عاش بها عنترة بن شداد، وعرض فلم تسجيلي عن المنطقة حظي باهتمام وإقبال جماهيري متزايد طوال أيام السوق، فهل السينما هي الجاذب الأكبر للجماهير وهي الغائب عن السوق؟.
ثم مفاجأة السوق في زيارة وفد من دولة الكويت قوامه نحو ستمائة شخص من الرجال والنساء والشباب والشابات، هم أعضاء في جمعية الروضة التعاونية بالكويت. جاءت المجموعة خصيصاً لزيارة السوق وحضور فعالياته الثقافية والشعبية. وكان أهم ما خرج به الوفد التمتع بمعروضات الجادة وزيارة المعارض لا سيما جناح مجلة القافلة التي حرص المستقبلون فيه على إهداء كل زائر نسخة من المجلة.. والسؤال هنا هل نُظمت مثل هذه الزيارات وتم تنسيقها مع اللجان المنظمة؟
من تابع وحضر البرنامج الثقافي الذي أقيم على مدار الأيام الخمسة، يلحظ أمرين أحدثا شعوراً بعدم القبول لما تم تقديمه، وبالتالي أديا إلى عزوف الجماهير عن الحضور سواء كان من النخبة أو الجمهور المهتم. وهذان الأمران ينصبان على النواحي الشكلية والأسلوبية والتجهيزية للندوات. فما زالت الندوات في عكاظ (كما في الأندية الأدبية) تقدَّم بالأسلوب نفسه القديم الذي بدأه حمزة شحاتة ومحمد العواد، وهو أن يجلس المتحدثون على طاولة ويتولى مدير الندوة التعريف والتقديم ونقل دفة الحديث من متحدث إلى آخر. يعطي كل متحدث قدراً من الزمن، فيشرع هذا في القراءة من ورقة يمسكها بيده ويقرأها بطريقة آلية جامدة وكأنه يقرأ بياناً رسمياً. ثم يشكره وينتقل إلى المتحدث الثاني والثالث. وبعد قراءة الأوراق التي قد تصل إلى حدود الساعة يتيح للجمهور المداخلات.. هكذا هو الحال في جميع الندوات والمحاضرات والملتقيات بلا استثناء في جميع الندوات التي أقامها سوق عكاظ.
وقد أثبتت التجارب السابقة سواء في السوق أو في الأندية عقم هذه الطريقة ونفور الجماهير العريضة من حضور الندوات من هذا النوع، والغريب أنه دائماً يتساءل القائمون على هذه الندوات: أين هو الجمهور؟. لذا فإنه آن الأوان لانتهاج طرق أخرى أكثر جذباً وحيويةً.
إذن لا بد أولاً أن تبدأ الندوات بعرض مرئي يقدِّمه مدير الندوة واقفاً يتنقل بحرية على خشبة المنصة، يعرض موضوع الندوة ويثير التفكير والمشاركة فيهم، ثم يقدِّم المتحدثين الواقفين بجانبه، بحيث يبدأ كل واحد منهم بطرح ورقته المدعمة بعرض غرافيكي أو تصويري لجذب الانتباه، على ألاَّ يقرأ من ورقة قدر المستطاع، فالقراءة الآلية تؤدي إلى الملل وعدم التركيز، لا سيما إذا كانت ورقته تتطرق إلى موضوع نظري، فالأجدر أن تقدَّم بطريقة تفعالية تخلق اهتماماً متيقظاً لدى الجمهور بمخاطبته المباشرة.
وأخيراً فإن ندرة الحضور التي تُعد إحدى سقطات اللجان المنظمة يمكن تلافيها بالاتفاق مع عمداء الكليات والمعاهد والجامعات، والتنسيق مع المراكز العلمية المختلفة لإحضار الطلاب وأعضاء هيئات التدريس للندوات بشكل مبرمج ورسمي لا بشكل ودي أو تفضيلي.