يكاد يكون علم الفضاء أكثر العلوم تشعباً وغموضاً أيضاً، إذ كلما اكتشف العلماء والباحثون في هذا الشأن كوكباً أو نجماً أو أديماً، تكشفت لهم مؤشرات ودلائل على وجود كواكب أخرى ما يفتح أفقاً جديداً أكثر اتساعاً للبحث والاستكشاف. وعلى رغم المراصد المتطورة والحديثة والبعثات الفضائية، لا تزال في الكون أجزاء مظلمة لم يتمكن العلماء من كشف كل أسرارها إلا أن المحاولات لسبر أغوارها لا تزال مستمرة. وهنا مقال للباحث في قسم الفيزياء والفلك في جامعة أوسالا في السويد مازن عبد العزيز، يحاول فيه الإجابة عن كثير من الأسئلة حول أعداد النجوم وحجم وطبيعة مكونات سمائنا وكوننا.
عندما ننظر إلى سمائنا في ليلة صيفية صافية ونرى حشد النجوم التي رصّع بها الله سبحانه وتعالى صفحة السماء، فإن كثرتها تبهرنا دون شك.
وقد نتساءل كم عدد النجوم التي نراها في ليلة غاب عنها القمر؟ والجواب، ليس هناك رقم محدد بالضبط، ربما ألفين أو أكثر من هذا بقليل. وبعض الفلكيين يقول إن هذا العدد قد يرتفع إلى نحو 6 آلاف نجمة لو أحصِيَتْ في جو صاف بعيداً تماماً عن أضواء المدينة. وإذا رصدناها من خارج غلاف الأرض الجوي، فإن عددها سيتضاعف عشرات المرات.
ولكن هل هذه كل نجوم السماء؟ وهل كوننا محصور بما نراه فقط؟ الحقيقة إن عدد النجوم مذهل وأكبر مما نتصور بكثير. وإذا أردنا معرفة عددها والحجم الذي تشغله ربما نحتاج إلى أن نـُلم ببعض الحقائق الأولية في علم الفلك.
موقعنا البداية
لنبدأ من موقعنا، فنحن نعيش على كوكب الأرض وهو جزء من المجموعة الشمسية التي تتضمن الشمس وتسعة كواكب. وتقع مجموعتنا الشمسية في مجرة درب التبانة أو الطريق اللبني (Milky Way) ضمن دائرة قطرها تقريباً 9,09 مليار كيلومتر وحجمها لا يشغل أكثر من نقطة على طرف مجرتنا التي يبلغ قطرها حوالي 30 ألف فرسخ (1)، أو 100 ألف سنة ضوئية إلى 120 ألفاً (2)، أو 900 كوادرليون كيلومتر (17 10 * 9 كم).
ومنظر النجوم الذي نراه في ليلة صيفية صافية لا يعدو سوى «رشـّة» ضئيلة من النجوم على أديم درب التبانة، إذ تحتوي مجرتنا على ما بين 200 مليار نجم و400 مليار تقريبا، وهي بحجم شمسنا أو دونها أو أكبر منها، ولها قمران يدوران في فلكها (مجرتان هما السحابة الماجلانية الكبرى والصغرى)
الأرقام الفلكية
الآن سنأخذ خطوة خارج مجرتنا ونحاول معرفة عدد النجوم في المجرات الأخرى؟ في الحقيقة أن عددها كبير جداً ويفوق الأرقام التي ألفـْنا التعامل معها، فالعالم الفلكي كارل ساجان يقدرها بأكثر من عدد ذرات رمال صحاري الأرض وسواحلها مجتمعة. و بلغة الأرقام فإنها تقدر بـ 1022 * 5 نجم، أي 50 مليار ترليون (أو 50 سكستليون) نجم تقريبا! هل أذهلك هذا العدد؟.. وهل عرفت الآن لماذا يطلقون على الأرقام الكبيرة عبارة أرقام فلكية؟
ربما سيوحي لنا هذا العدد الهائل بأن الكون مكتظ بالنجوم، كلا أبداً، فحجم الكون من الضخامة بحيث إن معدل توزيع كل هذه النجوم فيه يماثل المسافة بين ثلاث نحلات يطرن في سماء قارة أوروبا!
دأب الراصدون منذ اختراع التلسكوبات البصرية وبعدها الراديوية، على التنقيب في كل زوايا الكون فكشفوا كثيراً من المجرات (يقدر عددها بأكثر من 500 مليار مجرة)، وقسّموها إلى 4 أنواع رئيسة لا نحتاج إلى تفصيلها وسنتجاوزها لنركز على نقطتين أساسيتين هما: حجم هذه المجرات ومادتها.
حشود المجرات
المجرات عادة لا توجد منفردة، ولكنها تَنتظم في حشود يبلغ عددها عشرات أو مئات وأحياناً آلافاً في المجموعة الواحدة. وتسيطر على هذه التجمعات قوة الجاذبية التي تهيمن على حركاتها ومواقعها. وتصنـَّف تكتلات المجرات حسب تقاربها بعضها من بعض كما يلي:
•
التجمعات المجرية (Group of Galaxies)، وهي مجموعات عددها قليل ـ بحدود 50 مجرة تقريباًـ حجمها بحجم كرة صغيرة (بالنسبة إلى الكون) قطرها بحدود 1 إلى 2 مليون فرسخ تقريباً (31 ترليون إلى 62 ترليون كلم) وكتلتها تقدر بعشرة تريليونات كتلة شمسنا (3). وتنتمي مجرتنا إلى تجمع اسمه المجموعة المحلية الذي يحتوي على حوالي 45 مجرة.
•
العناقيد المجرية (Galaxy Clusters)، وهي تتكون من 50 تجمعاً مجرياً على الأقل ـ قد يصل عددها إلى آلاف ـ وهي بحجم كرة قطرها بحدود 2 إلى 10 ملايين فرسخ (31 ترليون إلى 310 ترليونات كلم) وتـُقدّر كتلتها بمائة ترليون إلى كوادرليون كتلة شمسنا، ويقدّر عددها في الكون بحوالي 25 مليار عنقود. وكتلة الغازات المنتشرة بين مجرات العنقود أثقل من كتلة كل نجومها مجتمعة. ويرجح العلماء وجود كمية كبيرة من المادة المظلمة أو «السوداء» (Dark Matter) منتشرة في أرجائها لتمنع العنقود من التمزق عند دورانه حول نفسه.
•
العناقيد المجرية العملاقة (Galaxies Super Clusters)، وهذه تُعد أكبر التراكيب الكونية وهي عبارة عن تكتلات للعناقيد المجرية، ويُرجّح أن عددها في الكون يصل إلى نحو 10 ملايين عملاق. حجمها كبير جداً وقد يمتد إلى مسافة مئات ملايين السنين الضوئية. ومنها مثلاً عنقود بريسوس – بيسيس، وهو من أكثرالعناقيد وضوحاً في السماء على الرغم من أنه لا يرى بالعين المجردة، وهو بمثابة حائط طويل وكثيف من المجرات يبلغ طوله 300 مليون سنة ضوئية تقريباً.
ما خفي أعظم
والآن يا ترى هل هذا كل شيء؟ وهل كوننا لا يحتوي غير هذه التجمعات المجرية؟ كلا، فبعض العلماء يرجّح وجود تراكيب أكبر تدعى بـ «الخيوط» أو «الجدران»، وهي تجمعات للعناقيد العملاقة. وقد تمتد هذه الجدران إلى مسافات هائلة تبلغ مليار سنة ضوئية (مسافة تتجاوز %5 من طول كوننا المنظور). إلا أن هذه الجدران لا تزال محل خلاف لدى العلماء ما بين مؤيد ورافض لها.
هذه فكرة موجزة عن حجم كوننا ومادته اللذين نراهما بأعيننا ومراصدنا. ولكن يبقى السؤال، هل هذا كل شيء؟ وهل كوننا هو ما نراه ونحسه فقط؟ الجواب: لا، فما خفي كان أعظم. ولكي ندرك طبيعة هذا الجزء الخفي، لا بد من توضيح بعض الأفكار والنظريات الفيزيائية والفلكية لنفهم كوننا بشكل أدق ونعرف عظمة الخالق وبديع صنعه.
المادة المظلمة أو السوداء
مرّ بنا في العناقيد المجرية ذكر المادة المظلمة، يا ترى ما هي هذه المادة؟ وما ضرورتها؟ ولماذا سُمّيت بهذا الاسم، المظلمة؟
هناك ظاهرة تسري على كل جسم موجود في الكون من الذرة حتى أكبر العناقيد المجرية؛ وهي أن كل جسم حر ويمتلك سرعة انطلاق ذاتية يأخذ، إذا ما وقع في أسر قوة جاذبية جسماً أثقل منه، بالدوران حول هذا الجسم الأثقل، ككواكب المجموعة الشمسية، ومجرتنا درب التبانة، والتجمعات المجرية الخ.. وقد وضع الفيزيائيون عدة قوانين تربط بين سرعة وكتل الأجسام التي يدور بعضها حول بعض، فإذا عُرفت سرعة دوران الأجسام أُمكن استنتاج كتلتها وبالعكس (4)؛ وتوصلوا أيضاً إلى معرفة كتلة الأجسام المضيئة (كالنجوم مثلاً) بقوانين أخرى تربط بين سطوع الجسم وكتلة (Mass–Luminosity relation). لكن عندما رصد الفلكيون التجمعات والعناقيد المجرية وحسبوا من خلال هذه القوانين كتلتها وسرعة دوران مجراتها حول مركز العنقود، وجدوا تناقضاً أثار حيرتهم، وهو أن السرعة الهائلة التي تدور بها هذه المجرات لا تتناسب مع قوة جاذبية كتلة العنقود المرصودة أو المحسوبة.
العنقود المجري
فالقاعدة تنص على أن سرعة دوران الجسم حول مركز الدوران أو حول الجسم الأثقل تختلف تبعاً لبعده عنه، فإذا كان قريباً سيدور بسرعة أكبر، وكلما زاد بعده كلما قلت سرعة دورانه (5). لكننا نرى، على سبيل المثال، في العنقود المجري فيرجو (Virgo) الذي يحتوي على حوالي 2000 مجرة، أن بعض مجراته التي على حافته تدور حول مركزه بسرعة 1600 كم/ثانية تقريباً، وهذه سرعة عالية جداً، في حين أن الحسابات تفيد بأن سرعة هذه المجرات لا يجب أن تتجاوز حتى عُشر هذه السرعة لتبقى في فلك فيرجو، لأن قوة جاذبية الكتلة المرصودة (للعنقود المجري فيرجو أو غيره) غير كافية للاحتفاظ بالمجرات الدائرة بهذه السرعة حول مركزه. المشكلة أننا إذا سلمنا بوجود قوة جاذبية الكتلة المرصودة فقط، لتمزق العنقود وتناثرت كل مجراته السريعة في أرجاء الكون منذ مليارات السنين ولم يبق منه إلا الفتات؛ وتكرر هذا التناقض مع عناقيد أخرى.
فالاحتفاظ بمثل هذه المجرات السريعة ضمن العنقود يتطلب وجود عشرات أضعاف الكتلة التي نراها، إذن لا بُد من وجود كتلة خفية لا تـُرى هي التي تمسك بمثل هذه العناقيد بقبضة حديدية وتحميها من التناثر في أصقاع الفضاء. لهذا السبب ابتكر العالم السويسري فرتززويكي في سنة 1933م المادة المظلمة وقال إنها منتشرة بشكل خفي في ثنايا المجرات وغيرها لتعويض نقص الكتلة اللازم لتبرير احتفاظ العناقيد المجرية والكيانات الأخرى بتماسكها وبقائها متراصة بالشكل الذي نراها عليه. وما زاد في تعقيد الموضوع هو أن تكوين هذه المادة مجهول تماماً وهو لا يشبه المادة العادية (Baryonic Matter) التي تكوّن أجسامنا والأرض وكل ما نراه؛ فهي غير متاحة لنا لتـُدرس وتـُخضع للتجارب المختبرية. وفوق هذا، فهي لا تتفاعل مع الأشعة الكهرومغناطيسية (لا تمتصها ولا تشعها) ولهذا يستحيل رؤيتها بالمراصد البصرية أو الراديوية، والدليل الوحيد على وجودها هو تأثيرها الجذبي على المادة العادية المرئية المجاورة لها.
وأحد أهم الوسائل التي استـُدل بها على وجودها هي عدسات الجاذبية (Gravitational Lenses) التي تنبأ بها آينشتاين في نظريته النسبية.
المادة المظلمة
إلا أن بعض العلماء لم يؤمن بوجود شيء خارج نطاق المادة الاعتيادية أو ما اصطلح على تسميته بـ (Non-Baryonic Matter)، وقالوا إن المادة المظلمة ليست سوى مادة اعتيادية لكنها ترزح تحت ظروف قاهرة غير اعتيادية أجبرتها على الاحتجاب عن أنظارنا؛ وطرحوا ـ حتى الآن ـ أكثر من مرشح ليكون المادة المظلمة، وهو واحد من ثلاثة، فهو إما أن يكون النجوم الأقزام البنيّة أو الثقوب السوداء أو الجسيمات الشبحية التي تدعى بـ «النيوترينو»، ولكل واحدة من هذه قصة يطول شرحها لا مجال لها هنا، ولكن حتى يومنا هذا لم تتوصل الأبحاث إلى دليل حاسم يرجّح كفة أي من هذه الكيانات الثلاثة على الأخرى وبقيت المادة المظلمة كابوساً يقض مضاجع الفلكيين. على أي حال، فقد بينت الحسابات أن المادة المظلمة تشكل نسبة %83 من الكمية الكلية لمادّة الكون و%23 من الكمية الكلية لـ (المادة + الطاقة) في الكون.
الانفجار العظيم
والحديث عن هيكل الكون وبُنيته يجرنا إلى نقطة البداية، أو إلى الكلام عن اليوم الوحيد في الدنيا الذي ليس له يوم أمس، إنه يوم خـَلـْق الكون والانفجار العظيم. تقول نظرية الانفجار العظيم إن الكون قد نشأ من حالة ساخنة شديدة الكثافة قبل حوالي 13.7 مليار سنة تقريباً، وإن حجمه قبل الانفجار العظيم كان بحجم نقطة بالغة الصغر، وبعد الانفجار بدأ بالتمدد والتوسع حتى صار بالحجم الذي نراه اليوم. وبتقدير سرعة تمدده تمكن العلماء من التنبؤ بالزمن الذي احتاجه الكون ليصير بحجمه الحالي. وقد أثبت عالم الفلك الأمريكي أدوين هابل (من خلال انزياح طيف الضوء الصادر من المجرات البعيدة نحو اللون الأحمر) أن كل مجرات الكون تتباعد بعضها عن بعض بتناسق يشبه تباعد النقاط المرسومة على سطح بالونه تـُنفخ باستمرار، وفي سنة 1929م طرح هابل قانونه الذي برهن فيه على أن الكون يتوسع للخارج بمعدل سرعة تبلغ حوالي (67 إلى 77) كم/ثانية لكل مليون فرسخ (3,26 مليون سنة ضوئية) من حجمه الشاسع.
تنبأت معادلات نظرية النسبية العامة لآينشتاين بأن كوننا متحرك (ديناميكي)؛ ولكن آينشتاين كان يميل للاعتقاد بأن كوننا ثابت وساكن ولهذا أضاف قيمة الثابت الكوني لمعادلاته لتكبح جماح الكون وتجعله يخلد للسكون. ولكن النتائج التي توصل إليها هابل حول تمدد الكون اتفقت مع معادلات النسبية العامة التي طورها الرياضي الروسي فريدمان، وهذا ما جعل آينشتاين يقر بأنه ارتكب أكبر غلطة عندما لم يصدق بمعادلاته التي أقرت بتمدد الكون وفسّرها على تقييد حركته (قبل أن يعلن هابل النتائج التي توصل إليها). ولكن على الرغم من هذا ظل الثابت الكوني موضع بحث ودراسة حتى يومنا هذا.
الطاقة المظلمة
بعدما ثبتت حقيقة توسع الكون أراد الفلكيون معرفة طبيعة تغيّره مع الزمن، فبدأوا بقياس سرعة تمدده، خصوصاً أن النظريات التقليدية أكدت تناقص سرعة تمدد الكون بمرور الزمن بسبب قوة الجاذبية التي تفرضها مكوناته بعضها على بعض. ولكن في سنة 1998م تفاجأ الفلكيون عندما اكتشفوا شيئاً غير متوقع وهو أن سرعة تمدد الكون تتزايد بدلاً من أن تتناقص. ولكن هذا التسارع بالتأكيد لا يأتي من فراغ، أي لا بد من أن يحدث بتأثير طاقة دافعة هائلة قادرة على دفع الكون كله. وأطلق العلماء على هذه الطاقة اسم «الطاقة المظلمة» لأنها ـ كأختها المادة المظلمة ـ غير معروفة ولا تشبه أي واحدة من أشكال الطاقة المعهودة. ويُرجّح أنها لا تتفاعل مع كل أشكال الطاقة المعروفة باستثناء قوة الجاذبية. وأفرز غموض الموضوع أكثر من تكهن، وجعل العلماء يطرحون أكثر من بديل لتفسير توسع الكون المتسارع، بل إن بعضهم نفى حتى وجود مثل هذا التسارع وما ترتـّب عليه من وجود الطاقة المظلمة. والموضوع لا يزال محل دراسة ولم يحسم حتى يومنا هذا، إلا أن أغلب العلماء يميل لترجيح كفة الطاقة المظلمة.
ولكن لو سلمنا بوجود الطاقة المظلمة، هل نستطيع معرفة كميتها في كوننا؟ في الحقيقة الإجابة ليست بسيطة لكن الفلكيين استطاعوا التوصل إلى قيم ربما ستبدو مذهلة بالنسبة إلينا، حيث تمكن العلماء بعد رصد ودراسة الإشعاعات المنتشرة في كل أرجاء الكون (تدعى أشعة المايكرو- ويف على الخلفية الكونية CMB) من معرفة الكثافة الحرجة لكوننا أي نسبة كثافة المادة/الطاقة فيه واستنتجوا منها كمية المادة الموجودة في الكون (المادة الاعتيادية + المادة المظلمة). وتبيّن بعد دراسة وتحليل امتد لأكثر من سنوات خمس أن المادة تشكـّل نسبة %27 من الكثافة الحرجة، هذا يعني أن كمية الطاقة المظلمة المنتشرة في الكون تشكل النسبة الباقية %73!
التمزق العظيم
هذه الكمية الهائلة من الطاقة يمكن تسميتها أيضاً بطاقة ضد الجاذبية، وهي المسؤولة منذ خَمسة مليارات سنة تقريباً عن دفع كل مادة الكون بسرعة كبيرة إلى الفضاء المجهول المحيط بالكون، ولا أحد يعرف حتى متى ستستمر هذه العملية. لكن يا ترى ما مصير الكون مع وجود هذه الطاقة المظلمة، يبدو أن الأمر لا يبشر بخير، فهي ستستمر بالدفع حتى تصل لمرحلة تـُمزق فيها كل روابط قوة الجاذبية الحاضنة للمجرات والعناقيد العملاقة، وبعدها يأتي دور القوى الكهربائية والنووية فتحطمهما أيضاً بكل ضراوة لينتهي الكون إلى حالة تدعى بـ «التمزق العظيم». ولكن لا داعي للقلق الآن، فهذه التوقعات لن تحدث قريباً، بل ـ إذا صحّ تخمين العلماء بوجود مثل هذا السيناريو ـ سيحدث بعد 22 مليار سنة فقط.
جزء ضئيل
بعد عرضنا السريع للعمالقة الخفية (المادة والطاقة المظلمتان) المسيطرة على كوننا بقبضتها الفولاذية لا بد من توضيحهما بصورة تبرز ملامحهما، والصورة كما قيل تغني عن ألف كلمة. القرص البياني في الصورة المرفقة يلخص كل ما قلناه ويوضح توزيع المادة والطاقة في الكون. ومن خلاله نلاحظ أن الجزء المرئي الذي أذهلنا بكل تكويناته الكبيرة وأحجامه المترامية الأطراف وأبعاده الهائلة (مجرات، عناقيد، الخ..) لا يعدو أن يكون إلا جزءاً ضئيلاً من مجمل تركيبة الكون.. نعم، فحجمه وكتلته لا تتعدى الـ %0,4 من كل هذه التركيبة وتشكـّل الغازات المنتشرة في فضاء ما بين المجرات والعناقيد باقي الكتلة المادية المرئية %3,6.
يبدو كأنّ عبارة «ما خفي كان أعظم» قد صيغت بالذات لوصف كوننا.. وبعدما كنا نقف دون الجبال والمحيطات مأسورين بعِظم حجمها، ها نحن الآن نقف أمام الجزء الظاهر فقط من كل هذا الكون خاشعين ومبهورين أمام هذا الجلال الذي اتضح أنه لا يزيد على %0,4 من كل الكون. يا ترى ماذا سنقول لو تمكنا من إدراك وإحساس كوننا كله؟ أنا أقر بأن لساني يعجز عن العثور على كلمة أو عبارة تناسب وصف عظمة حجم كوننا وأسرار مادته وطاقته، وهو ليس إلا السماء الدنيا من بين سبع سموات خلقهنّ الله. فسبحان الله الذي خلـَق كل هذه السماوات، بل قال إنّ إعادة خلقها وتكوينها أهون عليه من خلقها الأول.
وبهذه المناسبة أود أن أشير إلى أن في العام الماضي 2011م فاز ثلاثة علماء بجائزة نوبل في الفيزياء لاكتشافهم الذي أثبت تسارع التمدد الكوني من خلال رصد نجوم المستعرات العظمى (Supernovae) البعيدة؛ وهم الأمريكي سول بيرلماتر وفريق ثان قام بنفس العمل يضم بريان شميت الأمريكي المولد المقيم في أستراليا والعالم الأمريكي آدم ريس.
1 – الفرسخ: وحدة قياس مسافات فلكية يبلغ مقدارها 31 ترليون كيلومتر (الترليون = واحد على يمينه 12 صفر). ولتقريب تصور هذه المسافة فإن الفرسخ الواحد يساوي تقريباً 3410 مرة قطر مجموعتنا الشمسية.
2 – السنة الضوئية: وحدة قياس مسافات فلكية يبلغ مقدارها 10 ترليونات كيلومتر تقريباً. وللتقريب السنة الضوئية الواحدة تساوي 1100 مرة قطر مجموعتنا الشمسية.
3 – تقدر كتلة شمسنا بحدود 1.99 × 1030 كيلوغراماً (أو تقريباً 2 نونليون كغم). وهي أثقل من كتلة الأرض بـ 332946 مرة.
4 – يتم حساب كتلة الجسم وسرعته من خلال تطبيق عدة قوانين، منها مثلاً قانون الجذب العام (ناموس الجاذبية) لنيوتن، وقانون كبلر الثاني في وصف حركة الكواكب، وقانون حساب القوة الطاردة المركزية.(بالإمكان)
5 – مثلاً، يدور كوكب عطارد (أقرب كوكب للشمس في مجموعتنا الشمسية) حول الشمس بسرعة دورانية تبلغ 48 كم/ثانية تقريباً، في حين يدور كوكب بلوتو (أبعد كوكب عن الشمس في مجموعتنا الشمسية) حول الشمس بسرعة دورانية تبلغ 4.8 كم/ثانية تقريباً.