بيئة وعلوم

العناصر الأرضية النادرة

وصناعة الأجهزة الحديثة..

  • table2
  • chart
  • elements
  • RAREEA~32
  • shutterstock_61795789
  • table1

شهدت السنوات القليلة الماضية، قفزة كبيرة في صناعة بعض أنواع الأجهزة الحديثة، كالهواتف النقالة الذكية، وشاشات التلفاز المسطحة، ومحركات السيارات الهجينة، وأجهزة التسلية المتنقلة، وأجهزة الحاسوب المحمولة واللوحية، وغيرها من الأجهزة الحديثة التي لم يكن في الإمكان إنتاجها لو لم يتم استخدام عدد من العناصر الكيميائية النادرة في صناعتها.
عرف العالم لأول مرة العناصر الأرضية النادرة قبل 225 عاماً «في العام 1787م»، لكن التقدم التكنولوجي أعطى هذه العناصر أهمية خاصة، فقد استخدم عنصر «اليوروبيوم» في العام 1949م في تصنيع أول تلفاز قادر على البث بالألوان، لكنها في ظل الثورة الصناعية التكنولوجية أصبحت تلعب دوراً حاسماً في صناعة الأجهزة الإلكترونية والحواسيب المحمولة، والكاميرات الرقمية، والهواتف النقالة الذكية، وشاشات التلفاز المسطحة، وإنتاج أقراص الدي في دي.
في المقال التالي يسلِّط المهندس أمجد قاسم الضوء على هذه العناصر الأرضية النادرة، ودورها في إنتاج أنواع جديدة من الأجهزة ذات الكفاءة العالية، صغيرة الحجم وقليلة الوزن.

سبعة عشر عنصراً نادراً
شاع حديثاً استخدام مصطلح العناصر الأرضية النادرة Rare earth elements or Rare earth metals بشكل كبير وذلك مع التقدم التكنولوجي الذي أسفر عن إنتاج نوع جديد من الأجهزة ذات الكفاءة العالية، صغيرة الحجم وقليلة الوزن.

وهذه العناصر يبلغ عددها 17 عنصراً كيميائياً حسب تعريف الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية IUPAC، منها 15 عنصراً في مجموعة اللانثانيدات في الجدول الدوري بالإضافة إلى السكانديوم والإيتريوم، وقد اعتبر العنصران الأخيران من العناصر النادرة نظرا لظهورهما في الفلزات مع عناصر اللانثانيدات، وبسبب خواصهما الكيميائية المشابهة، وقد استمد عدد من العناصر النادرة اسمه من المناطق التي اكتشف فيها، وهذه العناصر هي: السكانديوم، الإيتريوم، اللنثانيوم، السيريوم، البريزيوديميوم، النيوديميوم، البروميثيوم، السماريوم، اليوروبيوم، الجادولينيوم، التيربيوم، الدسبروزيوم، الهولميوم، الإربيوم، الثوليوم، الإيتربيوم، اللوتيتيوم.

ويعود اكتشاف أول تلك العناصر إلى عام 1787م، حيث اكتشف أول عنصر نادر وهو الإيتريوم في منجم بمنطقة إيتيربي السويدية، وأعقبها اكتشاف عدد آخر من تلك المعادن المؤكسدة التي يطلق عليها أحياناً اسم الأتربة النادرة والتي هي عبارة عن فلزات معدنية، ليست نادرة كما يوحي اسمها، لكنها موجودة في أماكن شتى في العالم، متناثرة وبكميات متفاوتة، إذ إن الكميات المناسبة والمجدية اقتصادياً من تلك المعادن والقابلة للتعدين موجودة في أماكن محددة وقليلة في العالم، كمنطقة منغوليا الداخلية في الصين والتي تنتج نسبة كبيرة من تلك المعادن، كما توجد احتياطيات منها في أمريكا وروسيا وكندا وأستراليا، ويمكن القول إن معظم هذه العناصر أكثر وفرة من الذهب.

عناصر مهمة لصناعة الأجهزة الحديثة
تتميز هذه العناصر بعدد من الخصائص الفيزيائية والكيميائية المهمة التي تؤهلها لأن تدخل في صناعة عدد كبير من الأجهزة الإلكترونية الحديثة والمتطورة، فبعضها ذو إيصالية كهربائية فائقة عند درجات الحرارة العالية، وبعضها مقاوم للتآكل ويمتاز بصلابته العالية، كما أن عدداً منها يستخدم كعوامل مؤكسدة ممتازة تدخل في بعض الصناعات الكيميائية، كتكرير النفط ومشتقاته، وبعض العناصر النادرة تستخدم كعوامل محفزة يتم استغلالها لإنجاز بعض العمليات الكيميائية خلال زمن قصير نسبياً وعلى أكمل وجه.

إن التركيب الإلكتروني لذرات العناصر الأرضية النادرة، يلعب دوراً مهماً في إبراز بعض الصفات الكيميائية والفيزيائية لها، إذ إن التوزيع الإلكتروني لمعظمها يكون ضمن مدار 4 اف والذي يلعب دوراً مهماً في إكسابها لعدد من الخصائص الفريدة.

هذه الصفات أهلت هذه العناصر لأن تتبوأ مركز الصدارة في صناعة الأجهزة الإلكترونية الحديثة، فمنذ عام 1949م اكتسبت هذه العناصر أهمية كبيرة عندما تم استخدام عنصر اليوروبيوم المنتج من منجم «ماونتين باس» في كاليفورنيا في تصنيع أول تلفاز قادر على البث بالألوان، أما حالياً فتدخل هذه العناصر في صناعة الحواسيب المحمولة، والكاميرات الرقمية، والهواتف النقالة الذكية، وشاشات التلفاز المسطحة، وإنتاج أقراص الدي في دي، كما أن عدداً منها يستخدم في صناعة السيارات الهجينة «الهايبرد الكهربائية» والبطاريات المنمنمة والمغانط القوية ذات الأداء العالي والتي تستخدم في صناعة توربينات توليد الكهرباء من حركة الرياح، كما أن بعض تلك العناصر يستخدم لإنتاج أنواع خاصة من أشعة الليزر.

كذلك فإن هذه العناصر تكتسب أهمية خاصة في مجال صناعة مصابيح توفير الطاقة الكهربائية وفي كوابل الألياف الضوئية وأجهزة تصوير الرنين المغناطيسي والأقمار الصناعية، أما في المجال العسكري، فتستخدم العناصر الأرضية النادرة في تصنيع كثير من المعدات العسكرية، كنظارات الرؤية الليلية والصواريخ دقيقة التوجيه وأنظمة الرادارات والاتصالات المتطورة ومعدات الطيران والملاحة الجوية.

وللتدليل على أهمية مثل هذه العناصر، يقول الخبراء في مجال صناعة الأجهزة الإلكترونية الحديثة، أن الهاتف النقال الذكي يستخدم في صناعته ستة عناصر أرضية نادرة، وأنه لولا تلك العناصر لكان حجم الهاتف النقال بحجم جهاز الحاسوب الشخصي، وأن جهاز مثل الآي باد وأجهزة الحاسوب اللوحية ما كان يمكن إنتاجها – دون استخدام العناصر الأرضية النادرة – بهذا الحجم الصغير المضغوط والتي تذهل في أدائها الفائق كل من يستعملها.

استخدامات العناصر الأرضية النادرة
تتفاوت العناصر النادرة في صفاتها الفيزيائية والكيميائية، ويُعد عنصر السكانديوم من أقل العناصر النادرة في العدد الذري، وقد اكتشف في عام 1879م وهو عنصر معدني انتقالي، أبيض اللون، يتفاعل مع الماء والهواء الجوي، ويستخدم السكانديوم لإنتاج سبائك مع الألمنيوم لصناعة مركبات الفضاء والطائرات، كما يستخدم أكسيد السكانديوم في صناعة المصابيح الكهربائية ذات الإضاءة العالية. أما عنصر الإيتريوم فهو فلز انتقالي فضي، اكتشف في عام 1843م ويستخدم في شاشات أنابيب الأشعة المهبطية، وفي إنتاج نوع من أنواع العقيق الصناعي الذي يعمل على ترشيح الموجات الدقيقة للميكروويف وأجهزة الرادار كما يدخل في صناعة المفاعلات النووية بسبب قلة تفاعله مع النيترونات.

أما عنصر اللنثانيوم فيوجد في عدد من الخامات الأرضية المعدنية كالمونازيت والباستنازيت، وقد اكتشفه الكيميائي السويدي كارل كوستاف موساندر في عام 1839م، ويستخدم اللنثانيوم في عدد من الصناعات، كإنتاج خليط معدني يسمى بمعدن ميش Misch Metal وهذا المعدن له تطبيقات كثيرة في الصناعة، منها صناعة أحجار القداحات، كذلك يستخدم اللنثانيوم في صناعة عدسات الكاميرات والتلسكوبات الفضائية وفي بطاريات نيكل – فلز الهجينة المستخدمة في السيارات الكهربائية، كما يستعمل هذا العنصر في صناعة سبائك الهيدروجين الأسفنجية والتي يمكنها تخزين مقادير كبيرة من الهيدروجين فيها، كذلك فإن فلوريد اللنثانيوم يدخل في صناعة الألياف الضوئية المستخدمة في الاتصالات، وذلك نظراً لقدرته الجيدة على نقل الأشعة، أضف إلى ذلك أن لعنصر اللنثانيوم استخدامات متعددة في مجال تحضير السبائك المعدنية وفي عدد من العمليات الكيميائية كالتحفيز والتكسير.

ومن العناصر النادرة عنصر اليوروبيوم، وهو من أكثر العناصر الأرضية النادرة قدرة على التفاعل إذ يتأكسد بشكل سريع في الهواء ويتفاعل مع الماء وله صلادة كالرصاص ويتميز بقدرته على امتصاص النيوترونات، لذلك يستخدم في المفاعلات النووية، أيضاً يستخدم اليوروبيوم في عدد كبير من الصناعات كصناعة بعض أنواع الزجاج وأجهزة التلفاز ومصابيح الفلوروسنت وأجهزة الرنين المغناطيسي، كذلك فلهذا العنصر أهمية في الدراسات الجيولوجية والتي يتم إجراؤها على الصخور والحمم البركانية.

ويعد اللوتيتيوم من أحد أهم العناصر الأرضية النادرة، وقد اكتشف في عام 1907م من قبل العالم الفرنسي جورج أوربان والعالم الأسترالي البارون كارل أوير فون ويلسباخ، وهو فلز ثلاثي أبيض اللون مقاوم للتآكل وثابت نسبياً في الهواء، ويُعد من أصلب وأثقل العناصر الأرضية النادرة واستخراجه مكلف مادياً، وهو من أقل العناصر وفرة في الطبيعة ويتجاوز سعره سعر الذهب عدة مرات، ويتم الحصول عليه بواسطة عملية التبادل الأيوني، ومن أهم خاماته فوسفات المونازايت، لذلك يستخدم في عدد محدد من الصناعات، وخصوصاً في الصناعات الكيميائية وعمليات تكرير النفط الخام.

كذلك فإن بعض تلك العناصر تدخل في تركيب المغانط القوية ذات الأداء الفائق، فالنيوديميوم مثلاً يشكل مع الحديد والبورون مغناطيساً قوياً يحتفظ بخصائصه حتى عندما يبلغ سمكه نحو ميكروناً واحداً، لذلك تستخدم هذه السبيكة في إنتاج عدد كبير من المعدات والأجهزة المهمة، كأجهزة التصوير الطبية، وأقراص الحاسوب الصلبة ومحركات توليد الطاقة الكهربائية وغيرها.

سيطرة صينية
تهيمن الصين حالياً على سوق العناصر الأرضية النادرة، فهي تنتج نحو %97 من احتياجات دول العالم من هذه العناصر، وقد صدٌرت في عام 2008 نحو 60 ألف طن من الأتربة النادرة، كما أنها تنتج كميات كبيرة لتلبية حاجات مصانعها المتزايدة من تلك العناصر، لتصنيع الأجهزة الإلكترونية الصينية الحديثة التي غزت أسواق العالم، فمنجم واحد في باوتو في منطقة منغوليا الداخلية في جمهورية الصين ينتج نصف كمية العناصر النادرة في العالم، وتكشف التقارير أن الصين تنتج مثلا %99 من كمية الديسبروسيوم والإيتربيوم، كما أنها تنتج %95 من كمية النيوديميوم، وهذه العناصر مهمة في صناعة الأجهزة والمعدات المنتجة للطاقة الصديقة للبيئة.

وحتى عام 1948م فإن معظم العناصر النادرة في العالم كان يتم استخراجها من الرواسب الطينية في الهند والبرازيل، وفي عقد الخمسينيات من القرن الماضي، برزت جنوب إفريقيا كأحد أهم الدول المنتجة لهذه العناصر، ومن ستينيات حتى ثمانينيات القرن العشرين تمكنت شركة «موليكورب» من إنتاج عدد من العناصر النادرة من منجم «ماونتين باس» الذي يقع في صحراء «موجا» في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وقد استطاعت هذه الشركة من أن تلبي جانباً لا بأس به من الاحتياجات العالمية لتلك العناصر، إلا أن المنافسة الشديدة التي قادتها الصين وانخفاض الأسعار بسبب إغراق الأسواق بالعناصر الأرضية النادرة، وابتكار الصين لطرق خاصة لاستخراج العناصر النادرة من التربة والتي تتشابه كثيراً في خواصها الكيميائية، أدى إلى توقف منجم «ماونتين باس» من العمل وذلك في عام 2002م وتعليق نشاطات الشركة المشرفة على تشغيله، وهي تحاول حالياً العودة إلى العمل بعد أن ازدهرت سوق تجارة هذه العناصر.

ويبين الشكل التالي الدول المنتجة لأكاسيد العناصر الأرضية النادرة منذ عام 1950 حتى عام 2000م:

تكلفة باهظة
يتطلب استخراج العناصر الأرضية النادرة استثمارات مالية كبيرة تناهز مليار دولار لاستغلال وتشغيل منجم واحد لتلك العناصر وتأسيس معامل خاصة لاستخلاص المعادن النادرة من خاماتها الطبيعية وهذا يتطلب مدة زمنية قد تصل إلى سنوات خمس.

لقد تمكنت الصين من التفوق على كل من نافسها في هذا المجال، مما حدا بعدد من دول العالم إلى التوقف عن منافستها في الأسواق العالمية، وتبلغ احتياطات الصين من هذه العناصر نحو %37 من مجمل الاحتياطات العالمية، تليها الولايات المتحدة الأمريكية بحصة %13 والنسبة المتبقية موزعة بين كندا وروسيا وأستراليا وعدد آخر من دول العالم، إلا أن تصدير الصين لهذه العناصر المهمة شهد مؤخراً تراجعاً واضحاً في ظل تصاعد الاهتمام بالبيئة عالمياً، فإنتاج العناصر النادرة يكون في العادة مصاحباً لتلويث وتجريف مساحات شاسعة من الأرض، وهذا أدى إلى فرض قيود على عمليات التنجيم، بالإضافة إلى أن الطلب العالمي في تزايد مستمر مما أدى إلى وجود فجوة بين العرض والطلب، وحول ذلك قال نائب مدير الأبحاث بمعهد باوتو الصيني للمعادن الأرضية النادرة تشانغ بتشين «إن إنتاج الصين من معادن الأرض النادرة، لا يمكن زيادته بسرعة كافية لتلبية احتياجات العالم كله، كما أن هناك عوامل بيئية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار مع زيادة إنتاج هذه المعادن».

وتتفاوت أسعار المعادن النادرة بشكل كبير فيما بينها، وقد شهدت أسعارها ارتفاعاً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية، وخصوصاً أن عدداً منها يستخدم في صناعة الأجهزة التكنولوجية الحديثة كالآي باد والآي فون والهواتف النقالة الذكية وأجهزة الحاسوب المحمولة واللوحية، ويبين الجدول التالي أسعار عدد من هذه العناصر الأرضية النادرة كما نشر على موقع mineralprices.com في شهر مارس – آذار 2012م:

أما الطلب العالمي على كافة العناصر الأرضية النادرة فقد تضاعف عدة مرات، ويتوقع أن يتجاوز في عام 2015 مائتي ألف طن متري، أي بزيادة كبيرة عما كان عليه الحال في عام 2011م. ويسعى حالياً عدد كبير من الشركات العالمية كشركة تويوتا وميتسوبيشي وسوميتومو اليابانية وغيرها إلى البحث عن مناجم جديدة للعناصر الأرضية النادرة في عدد كبير من دول العالم، كفيتنام ومنغوليا والبرازيل وكازاخستان، وذلك لسد حاجة العالم المتزايدة من هذه العناصر، التي أصبحت مطلباً أساسياً وركيزة مهمة في الصناعات التكنولوجية ذات التقنية العالية التي غزت كافة مناحي حياتنا اليومية.

أضف تعليق

التعليقات