قول آخر

وللكرتون كلمة .. عربية

خفة الظل وجذب الانتباه والتشويق أهم ما يميِّز الرسوم الكرتونية أو الكرتون، الأمر الذي يجعله المفضل في إثارة حواس الصغار والكبار على حد سواء، ففي الوقت الذي كانت تعجز فيه وسائل الإعلام الأخرى عن إيصال رسالة ما إلى الصغار، كان الكرتون هو الجسر المثير الذي مهَّد لتدفق مختلف الرسائل إلى عقول الأطفال واليافعين، وحتى الكبار، بكل يسر ومن دون أي تعقيدات.. بل وفتح المجال لمخيلة المؤلفين أمام نمط جديد من المؤثرات الكرتونية التي لم تكن مألوفة من قبل، وبفضلها أُدخلت البهجة والمرح إلى وسائل إعلام الصغار. من هنا، اكتسب الكرتون شعبيته وأهميته، فأسهم في نشر الكثير من الأفكار والأهداف على شكل قصص مصورة وأفلام ومسلسلات مثيرة. وبفضله امتلأت خزائن كثيرة، ليس فقط من ريع شباك التذاكر، ولكن أيضاً جرَّاء مبيعات التجزئة التي رافقت ظهور أبطال هذه القصص.

هذا التدفق الهائل من الكرتون حمل في طياته مختلف المدارس والأفكار الإيجابية والسلبية. وللأسف، حتى الجيد منه لم يخل من تأثير ثقافة منتجه. ولذلك أصبحت الحاجة ملحة أكثر من قبل لتكون لنا كمسلمين وعرب كلمة في هذا المجال، فعلى عكس وسائل الإعلام الأخرى، يكمن سحر الكرتون في سهولة نشره وتقبله والتأثير به بين مختلف الشعوب، سواء المنتجة منها أو المتلقية. فبالإضافة إلى إيصال الأفكار والأخلاق النبيلة التي نريدها لصغارنا من دون تشويه أو تحريف، سنتمكن حتى من التأثير على الآخرين وذلك بتعرفهم إلى سماحة ديننا وثقافات شعوبنا ولقطات من أسلوب حياتنا بطريقة مشوِّقة ومثيرة لم يعهدوها من قبل عنا. وليست هذه سوى مقتطفات مما يمكن أن تجنيه صناعة كرتون محلي بمعايير عالمية.

إن المفهوم السائد عن الكرتون (الكرتون للأطفال والأطفال للكرتون) أثر سلباً على التفكير في الخوض في رسم أو صناعة الكرتون. إذ لا يزال الوزن الوظيفي لمجالات الكرتون هشاً في عقول المجتمعات المحلية، ومعظم الجهود المبذولة تبقى فردية وتخرج باستحياء وتندرج تحت إطار الهواية وتخشى مخاطر وعواقب الاحتراف.

قد يكون وزن الكرتون بشيء من المرونة أكثر إنصافاً من تهميشه كلياً. فمن الكرتون ما لا يغني ولا يسمن. وهناك ما هو صاحب رسالة أصيلة وأهداف نبيلة. فثقل كل من يخوض هذا المجال تحدده أهدافه التي وضعها من البداية. فإذا كان مؤمناً بها بما يكفي للخوض في غمار التجربة، فلن يهمه إن لم ينصفه مجتمعه ومن حوله لأن رسالته أهم من ذلك، ولأن التاريخ سيقف في صفه في النهاية.

إلا أن الأمر ليس سهلاً كما يبدو، فالتكاليف العالية لإنتاج الكرتون وندرة المهارات المحلية كانت من أبرز العوائق التي واجهت إنتاج الكرتون محلياً، ولذلك نجد أن معظم الاتجاه السائد هو الإنتاج والإشراف على العمل في الدول الأخرى. كما أثر إغراء انخفاض التكاليف في بعض الاستوديوهات على جودة الأعمال المنتجة وبالتالي عدم انتشار الرسالة التي تم إنتاج العمل من أجلها. وفي ظل عدم وجود استراتيجية واضحة للتسويق أو لتغطية التكاليف.. ذهبت معظمها أدراج الرياح، واكتفت بانتشار محدود لا يتجاوز في كثير من الأحيان تواجد خجول على أرفف محلات معدودة.

من ناحية أخرى ، أسهمت العولمة وزيادة الإنتاج العالمي من القصص المصورة والأفلام الكرتونية إلى الرقي بالمعايير إلى مستويات أصبح من الصعب مجاراتها، أو مجرد التفكير بنيل حصة من السوق معها باستثمارات محدودة. لأن الأطفال ليسوا سذجاً كما كنا نعتقد، وأصبح بمقدورهم الآن بكل سهولة المقارنة والتعرف والانصراف عن أي إنتاج متواضع أو غير جذَّاب.

التخطيط الذكي وتبني استراتيجيات واضحة المعالم تتضمَّن مطابقة معايير الصناعة والإبداع في تشكيل عناصر الجذب والتشويق المطلوبة والتسويق المستمر، واستثمار منظومة هذا النجاح في اقتحام محلات التجزئة من شأنه أن يغطي تكاليف العمل أو أكثر.. وفي الوقت نفسه تشكيل وإيصال الرسالة التي نريدها لأبنائنا ولشعوب العالم بأنفسنا. فمن لها؟

أضف تعليق

التعليقات