يعرف المستمعون إلى الراديو أن إذاعتهم المفضَّلة تبث على موجة ترددها «كذا كيلو هيرتز». كما أن الذي يكون بصدد شراء جهاز كمبيوتر جديد، يكون مهتماً جداً بسرعة المعالج التي تقاس بالـ «غيغا هيرتز». هذا الـ (هيرتز)، منسوب إلى الفيزيائي الألماني هاينريش رودلف هيرتز (1857-1894م) الذي غدا اسمه معياراً لقياس معدل تردد -أو تذبذب- الموجات خلال الثانية الواحدة. لكن عن أية موجات نتحدث؟ وما أهمية إنجاز هيرتز بالضبط؟ فيزيائياً، ثمة كثير من الظواهر من حولنا التي تحدث بشكل تيَّاري، أو ترددي، أو موجي. فالضوء يتحرك موجياً، وكذلك الصوت. وهناك نوع آخر أكثر تعقيداً من الموجات هو الموجات الكهرومغناطيسية. هذه الموجات تفسر ظواهر كونية عديدة. ولها سمات من قبيل قدرتها على نقل الطاقة والمعلومة عبر المسافات. وهذا الفهم لطبيعة الموجات قادنا لابتكار شبكات الكهرباء والراديو والهواتف الجوالة وسواها.
حين نشرح الموجة الفيزيائية فإننا نعتمد الشكل أدناه:
تبدأ الموجة من النقطة «صفر»، تتصاعد في مداها حتى تصل إلى أقصى قيمة لها فيما يعرف بالقمة، ثم تنحدر في قيمتها إلى أن تصل إلى القاع قبل أن تصعد مجدداً في طريقها إلى القمة مارّة بالنقطة صفر. وفي رحلتها من الصفر إلى الصفر تكمل الموجة ما يعرف بـ «الدورة». إذا كانت الموجة تكمل دورة واحدة خلال ثانية واحدة فإننا سنقول إن معدل ذبذبة (أو تردد) هذه الموجة يساوى 1 هيرتز. أما إذا كانت هذه الإشارة الموجيّة تكمل مئة دورة خلال الثانية الواحدة فسنقول إن ترددها يساوي 100 هيرتز. ولأن الساعة التي تنظّم عمل الدارات المنطقية في معالج الحاسب الآلي تتردد بمعدل يبلغ آلاف ملايين المرات في الثانية الواحدة، فإننا نقيس سرعة المعالج بالـ «غيغا هيرتز».
تاريخياً، بدأ استيعاب النظريات الخاصة بالموجات يتبلور منتصف القرن التاسع عشر بفضل علماء أبرزهم البريطاني جيمس كلارك ماكسويل، الذي خلّف معادلات رياضية مدهشة في تفرّدها مثلت تحدياً للفيزيائيين التجريبيين الذين أخذوا على عواتقهم مهمة التحقق ممَّا أثبته ماكسويل على الورق أو هدمه.
أحد هؤلاء كان هيرتز الذي نجح بين عاميّ 1886 و1889م في إرسال واستقبال الموجات الراديوية لأول مرة، مثبتاً أن هذه الموجات هي ذات طبيعة كهرومغناطيسية. ويحسب لهيرتز كذلك إثباته أن بالإمكان نقل الكهرباء بين نقطتين على هيئة موجات كهرومغناطيسية، إضافة إلى تطويره لنظريات الطبيعة الكهرومغناطيسية للضوء، ما مكّن الجيل التالي من الفيزيائيين من ابتكار الراديو والرادار، ومكّن من تلاهم من ابتكار البث التلفازي.
توفي هيرتز قبل أن يتم الأربعين. لكن أبحاثه غيَّرت وجه التاريخ وأسست لحضارتنا اللاسلكية. وفي العام 1960م، تم اعتماد اسمه كوحدة معيارية مساوية لـ (دورة في الثانية) لقياس مدى تردد كل أشكال الوجود الموجي الذي يحفل به هذا الكون.