الرحلة معاً

هل المجتمع السعودي يقرأ؟

هل يقرأ المجتمع السعودي؟ تلك الطوابير من البشر التي تحتشد في معرض الكتاب بالرياض كل عام، وتغرف من صنوف الكتب والمؤلفات، هل تقرأ وتهضم ما تقرأه؟ هل تؤثر تلك الأدوات المعرفية في أفكار الناس صغاراً وكباراً وفي سلوكهم ووعيهم؟ وهل تشفع لنا في الدخول إلى عصر المعرفة؟.
عليّ أن أشير ابتداءً إلى أن الكتاب، ورقياً كان أو رقمياً، هو سلعة، وهو لدى الأمم الأخرى صناعة ضخمة ومتكاملة لها منتجوها ومصنّعوها ومستهلكوها، ولم تصبح سلعة لدينا إلَّا في العقد الأخير، وهذه السلعة كباقي السلع تتعرَّض للاستهلاك زاد أم نقص، وأظن أن في شرائنا المبالغ فيه للكتب والمطبوعات الأخرى شيء من الطابع الاستهلاكي الذي غلب على حياتنا منذ طفرة السبعينيات وحتى اليوم. ولهذا نجد في بيوتنا كتباً ودوريات مكدسة منذ عقد وأكثر دون أن تمْسَسها يد، والفرق بين الكتب التي نراكمها فوق الرفوف وبين غيرها من الأصناف الاستهلاكية هو تاريخ الصلاحية، فنحن نعتقد أن الكتب هي أدوات مطلقة الصلاحية لكن الحقيقة هي أن بعض الكتب التي يمضي عليها بضع سنوات قبل أن تُفتح، ينتهي تاريخ صلاحيتها وتصبح في حكم الغائب!.
بين أيدينا الآن دراسة مسحية شاملة، هي أدق مرجع عن الحالة القرائية في السعودية، أنجزها مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي، وهو من المبادرات المعرفية لأرامكو السعودية، وصدرت تحت عنوان: «القراءة ومجتمع المعرفة-اتجاهات القراءة وأنماطها في المجتمع السعودي». هذه الدراسة التي تقرؤون ملخصها في تقرير هذا العدد، أُنجزت بروح علمية ومنهجية، وعمل عليها فريق متنوّع في جميع مدن المملكة وقراها، ولم توفر شريحة اجتماعية أو مهنية أو فئة عمرية دون أن تطرق أبوابها.
كان الهدف شفافاَ وصادقاً لا دعائياً هو التعرف على اتجاهات القراءة وأنماطها وبيان مصادر التزود بالمعرفة لدى المجتمع عبر مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية، وتشخيص العوامل التي تسهم في اندماج أفراد المجتمع في القراءة. والمركز، الذي تبنى هذه الدراسة، لم يكن يطمح إلَّا إلى قراءة الأفق المعرفي والقرائي لشرائح المجتمع بكل واقعية لكي يضع برامجه ونشاطاته في سياق رؤيته كنموذج وطني يحتذى في عصر التحولات المعرفية والرقمية الكبرى.
والدراسة المسحية هذه لم تستثن أحداً من رياض الأطفال وحتى المدارس بكل مراحلها والجامعات، وذهبت إلى المكتبات، وإلى المؤسسات الثقافية، وإلى العاملين في الصحافة الثقافية والمعرفية الورقية والرقمية وإلى الناشرين والأفراد العاملين في الحياة الثقافية، وركزت على القراءة الإثرائية الحرة لا القراءة المنهجية أو المتخصصة في حقل علمي أو دراسي ما.
بين ثنايا الدراسة ظهرت معوقات القراءة جليّة ومنها، ضعف جاهزية الفرد للقراءة، وتردّي البناء المعرفي للفرد، وضعف المؤسسات التعليمية في بناء جيل يرى أن العلم والقراءة أساسين للتقدم الحضاري، وفقر البنية التحتية المعرفية، وندرة المناسبات الثقافية المحفّزة، وغياب القدوة المشجِّعة على القراءة، وهجر المكتبات العامة بالنظر إلى قدم مجموعاتها، وغياب التعاون بين المدرسة والبيت، واستئثار القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي بالوقت، يضاف إلى ذلك أن الحالة الاقتصادية للناس جعلتهم أكثر ميلاً إلى التسلية والترفيه وحالت دون اعتبار أن القراءة والمعرفة قطبين محركين للنموّ الاجتماعي المستدام.
التقرير مكتظّ بالإحصاءات والمعلومات والأرقام إلى الدرجة التي تجعل منه مرشداً للجهات والمؤسسات المسؤولة عن الارتقاء بوعي الناس ومعارفهم ومسالكهم الحياتية، وأظن أن بعض الشرائح المستهدفة في هذا المسح لم تكن شفَّافة بما يكفي في إجاباتها، وهو ما أثر سلباً على مصداقية عدد من النتائج التي خلصت إليها هذه الدراسة، ولعل أهم مكافأة يمكن منحها للفريق الذي أنجز الدراسة هو نشرها ووضعها في التداول الإعلامي العام وعقد الحلقات النقاشية حول مضامينها.

أضف تعليق

التعليقات

محمد عبد الجليل

الامة السعودية تقرأ كغيرها من الامم و لكنها لا تطبق ما تقرا ليس جهلا ولكن وجود الملهيات الاخرى – الايفون والتوتيتر والفيس بوك جعل الناس تفضل المعلومة السريعة – السلق – وليست الناضجة
هذا رائيي المتواو