يومياً، تطالعنا أسماء مئات الشركات.. شركات نتعامل معها، أو نقرأ أسماءها في الشوارع، أو نتابع أخبارها على شاشة التلفزيون. نعرف بعضها، ولا نعرف عن بعضها الآخر غير الاسم. وفيما لا يستوقفنا بعضها في شيء، تثير بعض الأسماء حيرتنا لجهة مصدرها وسبب اعتمادها.
تامر حسين يجوب بنا على أبرز العوامل المؤثرة في اختيار الشركات لأسمائها المحددة دون غيرها، من خلال ما صار علماً وفناً قائماً بحد ذاته، ازدادت أهميته بازدياد المنافسة في الأسواق خلال العقود الأخيرة.
تكمن قيمة اسم الشركة في دلالته على أشياء أعمق بكثير من مجرد اطلاع العملاء على مجال عملها. فطبقاً لإيرا باكراك مؤسس نيم لاب ، وهو مكتب استشاري متخصص في اختيار أسماء للشركات المؤسسة حديثاً، فإن أحد أسباب تأسيس شركة جديدة، هو كونها تحمل قيمة مستجدة، وفكرة فريدة. وما لم تنأَ بشركتك عن الأسماء التقليدية، فستفشل في الإعلان عن الجديد الذي تأتي به.
لقد أدى انفتاح الأسواق وعولمتها جنباً إلى جنب، مع تخفيف قبضة الدولة على أسواقها الداخلية، إلى اكتظاظ السوق الواحدة بعشرات -بل مئات- المتنافسين على جذب انتباه العميل إلى سلعهم وخدماتهم على الرغم من تشابهها. ومن ينظر كيف تنوء أرفف مراكز التسوّق الحديثة اليوم بما عليها من سلع، وما يرافقها من عروض ترويج، ليدرك كيف أدى هذا التعدد إلى نقيض ما قُصد به أساساً ألا وهو حرية الاختيار.
فحرية الاختيار هي في قدرة المشتري على المقارنة بين البدائل المتنافسة سعراً وجودة، ومن ثم انحيازه إلى البديل الذي يوفر له أعظم منفعة. أما إن زاد تنوع البدائل شكلاً وموضوعاً وسعراً وعروض ترويج على حد معيّن، فسيؤدي ذلك إلى الحيرة، وربما الاختيار كيفما اتفق،
ما دامت جميعاً تخدم الغرض الذي خرجت أساساً للتسوق من أجله.
يدرك أصحاب الأعمال هذا تماماً مثلما يدركه المستهلك العادي. ولهذا يلجأون إلى وسيلة قلما تخطئ في جذب اهتمام المشتري، وإن كثرت البدائل المتنافسة على شد انتباهه، ألا وهي الاسم.
لقد فطنت الشركات الكبرى أولاً لما للاسم المميز من قدرة على استيقاف العميل واستمالته. فاختارت أسماء، لا تدل على مجال عملٍ قد تشترك فيه مع غيرها وحسب، بل تجاوزت ذلك إلى حالة شعورية وصورة ذهنية محببة تطالع العميل فور سماعه اسمها. من ذلك على سبيل المثال آبل للحاسبات، التي قرنت في اسمها تصوراً مألوفاً وحالة معنوية استمالت على الفور أذهان عملاء قطاع الحاسبات الآلية. فأول حرف من اسم الشركة هو حرف A ، أول حروف الأبجدية الإنجليزية. وفيه من الدلالة على الالتصاق بالحالة المعرفية التي روّج لها عصر المعلومات ما فيه. كذلك رمزية الاسم العلمية (تفاحة نيوتن)، إضافة إلى كون التفاحة شيئاً عضوياً تخاطب لذته المزاج، مما يلطِّف من برودة الآلة التي لا تحرِّك أية عاطفة.
وهناك مثل آخر لا يقل براعة في المعنى نفسه، وهو حالة شركة فيزا لبطاقات الائتمان. فهذا الاسم يطرح نفسه في صيغة متميزة شكلاً وموضوعاً عن نظيريه: أمريكان إكسبريس و ماستر كارد . إذ يولِّدُ انطباعاً بأنه سيزيل الحدود من أمام حامله، تماماً كما تفتح تأشيرة السفر لصاحبها أبواب السفر إلى أرجاء العالم. وهو لا يعبِّر عن المعني الجغرافي المحدود الذي تعبِّر عنه أمريكان إكسبريس ، ولا الغامض قليلاً الذي تعبر عنه ماستر كارد . فإذا نظرنا إلى تواضع ملكة التحليل المالي العميقة عند جموع المتعاملين ببطاقات الائتمان، وتقارب الخدمات التي تقدمها الشركات الثلاث، مع بهاء الطريقة التي تطرح بها فيزا نفسها على الجمهور، فأي الثلاث في رأيك ستكون أقرب إلى الاختيار؟ هكذا يسهم الاسم في كلا الحالتين (حالة آبل للحاسبات، وفيزا لبطاقات الائتمان) في شد انتباه العميل ضمن سوقين يتبارى فيهما متنافسان شرسان، وربط سلعة الشركة أو خدمتها بحالة شعور محببة ميزتهما عن المنافسين.
قبل مزيد من التفصيل، ثمة حقيقة مهمة، هي أنْ ليس بوسع اسم بمفرده مهما كانت عبقريته، أن يرفع شركتك إلى قمة النجاح أو أن يقوّضها. وإنما هو أحد أهم عوامل جذب عميلك، في سوق غصَّت بالمتقاتلين على انتباهه وعلى نقوده. فدعنا لا نتغاضَ عن هذه الحقيقة البديهية. وفي ضوئها، نورد فيما يلي خصائص الاسم الناجح، مستقين ما استخلصناه من زبدة تجارب منظمات الأعمال.
اسم الخدمة اسماً للمؤسسة
مقبول في حالة السلع أن يمنح العميل ولاءه لعلامة تجارية، احتلت موقعاً في السوق وروَّجت لنفسها بمهارة، دون اعتماد قرار الشراء على الشركة الأم المنتجة لهذه السلعة. فقد يُـقبل العملاء على شراء حفاظات بامبرز أو أقراص ألكاسلتزر ويرتبطون بتلك العلامات التجارية، دون التعويل عند اتخاذ قرار الشراء على ما إذا كانت هذه الحفاظات أو تلك الأقراص قد أنتجت في مصانع بروكتر أند جامبل أو مختبرات مايلز أم لا. لكن ذلك غير مقبول إطلاقاً عند كون المؤسسة شركة خدمات. فهنا لا بد من أن ينطبق الاسم على المسمَّى، والعلامة على العروض التجارية المطروحة. ولنجعل من Federal Express مثالنا، وهي شركة لا تبيع سلعة وإنما تقدم خدمات. لقد وُفقت الشركة أولاً في انتقاء الاسم الأنسب لجوهر الخدمة التي تقدمها. إذ تصوِّر لفظة Express ، ومعناها عاجل أو على جناح العجلة، طبيعة الخدمة وسرعة تنفيذها، فيما تصوِّر لفظة Federal رحابة ساحة عمل هذه المؤسسة، ولربما رمزت إلى شموليتها لكل الولايات المتحدة الأمريكية.. ولأن هذا الاسم لم يكن مناقضاً للقدرة على تسليم طرود العملاء في ميقاتها، قدمت الشركة نفسها إلى العميل بأوضح صورة، شكلاً ومضموناً. ورسخت الانطباع المبدئي الذي نقله اسمها إلى العميل منذ البداية.
لقد أجرت مجلة علم النفس الأمريكية استطلاعاً عن الأسماء التي تتناسب أكثر مع وظائف معينة، فوجدت أن الناس يثقون بميكانيكي يدعى برونو، أكثر من آخر يدعى تومي، وأن ممرضة تحمل اسم إيمي، أفضل من أخرى تدعى بات، لا لشيء إلا لما للأسماء من تصور استقر في أذهان الناس. وبحسب ما تقضي نصيحة وولي أولينز، وهو من الاستشاريين البارزين في علم هوية الشركات، يـُعد اختيار الاسم موفقاً إن التزمت الشركة بدلالته. ويجانبها التوفيق إن خالفتها.
الاسم الموجه إلى قطاع مستهدف
يُعرف قطاع السوق بأنه مجموعة فرعية من المستهلكين، تتجانس خصائصهم الفردية والسكانية وميولهم الشرائية. أما الدور الذي يلعبه اختيار الاسم الموفق هنا، فهو تسريع تعرُّف العميل على الشركة، ولو عبر صفحات دليل المتاجر.
في عام 1984م، افتتح وليام فان دوميلين أول فرع في سلسلة Hot’N Now للمطاعم السريعة، بكلامازو في ولاية متشجان. أقدم دوميلين على افتتاح هذه السلسلة مؤمناً بأنها تقدم خدمة صارت أغلب مطاعم الوجبات السريعة مفتقرة إليها، وهي تقديم طعام ساخن وسريع. وإذ أدرك الرجل أن قطاعه المقصود من الدعاية، لا يهتم بالتزويق ولا الزخارف الداخلية، استغنى عنها، ليستطيع بهذا تقديم وجبة همبرجر ساخنة وسريعة بسعر منخفض جداً. ولم يكن مستغرباً أن يجذب اسم المطعم (ومعناه: ساخن وفوراً) قطاع الباحثين عن هذه الخدمة تحديداً، ولا أن يستوقف اسمه عين الباحث في دليل المتاجر عن متجر للوجبات السريعة. فتكاثرت فروعه لتبلغ مئة فرع في خمس عشرة ولاية عام 1990م. وتحلَّت مطاعم أخرى بالذكاء نفسه، فاختارت لنفسها أسماء مثل خالي الدسم و مراقب الوزن .
اتسَّام الاسم بالمرونة
بدأت شركة مينيسوتا للتعدين والصناعة -كما يظهر من الاسم- في ولاية مينيسوتا وبقيت هناك عقوداً. لكن بعدما تبوَّأ وليام ماكنايت رئاستها، دخلت الشركة في مجالات تجاوزت كثيراً أعمال التعدين والتصنيع التقليدية. فنمت أعمالها نمواً مدهشاً واتسعت رقعتها لا لتشمل الولايات المتحدة وحدها، وإنما قارات العالم الست. ولما لم يعد مجال عملها مقتصراً على التعدين وحده ولا في مينيسوتا وحدها، لم يعد ممكناً احتفاظها بالاسم القديم. فقررت تغييره لتحمل اسمها الذي تُعرف به اليوم، وهو 3M ، وهو عدد حرف (m) الوارد في اسمها القديم.
و كينتاكي فرايد تشيكن هي الأخرى، بدأت في ولاية كنتاكي وحدها. أما اليوم فيصعب العثور على مدينة في العالم لم يـُفتتح فيها فرع لهذه الشركة. ولم يعد ممكناً لها هي الأخرى أن تبقي على الاسم الأول، فغيرته إلى اسمها الآن، وهو KFC. فالتجارب تدلنا على أن الشركات التي نجحت في البقاء في ميدان الأعمال، تطور ذاتها وتدخل مجالات لم تخطط لدخولها يوم أُنشئت. وبالتالي تحسن صنعاً إذا وضعتْ هذا في حسبانها ساعة اختيار اسمها، وانتقت اسماً رحباً يتسع لهذه المجالات في المستقبل.
سهولة تذكر الاسم
ومن أهم مواصفات الاسم هو أن يكون سهلاً على الحفظ، وينطبع في الذاكرة فوراً رغم تميزه، ومن أنجح الأمثلة على صك اسم سهل ومميز لم يُسبق إليه، نذكر شركة ياهو . لقد كان الظهور الأول لشخصية ياهو ، في رواية رحلات جيلفر لجوناثان سويفت، وفيها تطالعنا شخصية ياهو المتمرد في مظهره ومسلكه على السواء. وكان البعض قد رأى في كل من جيري يانج وديفيد فيلو، مؤسسي ياهو، شيئاً من التمرد الذي اصطبغت به شخصية السَمِي في رواية سويفت. من جهة أخرى، لم تنقطع صلة الاسم Yahoo عن أصلها الوظيفي دليلاً معلوماتياً Yet another heirarichal officious oracle الذي هو أساس فكرة إنشاء الشركة. وهكذا حظيت الشركة باسم مميز جداً عن أسماء الشركات التي تأسست قبلها في المجال نفسه. وهذا ما سيطبعها في أذهان ملايين المتصفحين عقوداً طويلة قادمة.
وهناك تجربة أخرى مشرقة من مجال مختلف، مثل شركة Italiatour للسياحة. فكلمة Italia ليست إنجليزية، لكنها شديدة الدلالة في هذه اللغة. يقول الخبير الاستشاري الذي اختار هذا الاسم: لو كنا اخترنا اسم Italytour ، لاختلفت دلالة الاسم وبريقه كثيراً. فكلمة Italia وهي كلمة أجنبية، مألوفة للناطق بالإنجليزية إضافة إلى كونها مفعمة بالإثارة والحياة. فلما قارنَّاها بالكلمة الإنجليزية Tour ، أتت سهلة النطق، متفردة، غير مكررة، مع احتفاظها بالنكهة الإيطالية . وهذا عين المراد من التسمية.
مخاطر المفردات شديدة العمومية
بوسع أولى الشركات العاملة في مجال ما استخدام اسماً يدل على العمومية، مثل العامة للمحركات (General Motors)، و العامة للأجهزة الكهربائية (General Electric). ولكن من الخطأ اقتفاء آثار هذه الشركات عند دخول سوق سبقك إليه منافسون. كما يجب تلافي مفردات مثل الشركة القومية أو المؤسسة المتحدة ، فأية قومية من القوميات تتحدث عنها وتخدمها؟، ومع من اتّحدتْ شركتك لتبرز إلى الوجود؟ فذاك كله يصعِّب على عميلك تذكر الاسم الذي اخترته، والوقت فات لاستعمال هذه المفردات لمجرد تمييزك عن منافس محلي هنا أو هناك. تخيل لو طرحت ياهو نفسها بالاسم التالي General Internet Directory.com ومعناها الدليل العام للإنترنت؟ لكان الاسم بالطبع أشار إلى كون الشركة محرك بحث وفهرساً لمحتويات شبكة المعلومات، ولكان عصياً في الوقت ذاته على التذكر، ولتوارى فور ظهور أول منافس له باسم جذاب.
تَجنَّب الأحرف الأوائل
إياك أن تطرح نفسك على العميل بأسماء مؤلفة من أوائل أحرف الكلمات، وإلا قضيت على هويتك بالنسيان. لقد كان اسم International Business Machine أو الشركة الدولية للآلات هو أول ما قدمت به IBM نفسها للجمهور، وليس ذاك المختصر. ولم تقدم على تلك الخطوة إلا بعدما رسخت قدمها في السوق وأضحت رائداً وعلماً في صناعتها. ينطبق الأمر نفسه على تجربة 3M و KFC . فالأحرف الأوائل لا تعني شيئاً للمستهلك لا سيما إن كانت الشركة في مستهل حياتها العملية، فمآلها النسيان.
وجوب اقتران الاسم برمز
هناك أربعة عناصر أساسية لهوية أية شركة مهما اختلف مجال عملها: الاسم، والرمز، وشكل الحرف الطباعي، ومجموعة الألوان الخاصة. قد تكون الشركة موفقة في اختيار اسم يدل على الخدمة التي يحتاج إليها العميل كما مر علينا، إلا أن الخبراء يضيفون أن العين تتذكر كما يتذكر العقل تماماً. ولذا ينصحون بإضافة هذا الرمز، لتوكيد لفت انتباه العميل، والأهم، لاستبقاء هوية الشركة عالقة في ذهنه.
وعملية تصميم الرمز باتت فناً قائماً بحد ذاته ومجال اختصاص. وتصدر سنوياً عدة كتب حول تطور هذا الفن وجديده. وباتت كل الشركات الكبرى والمتوسطة في العالم تقر بأهميته، وبضرورة تطويره ليس فقط بتطور أعمال الشركة وتوسعها، بل تماشياً مع تطور المذاهب الفنية وتحديثها، كي لا تبدو الشركة ككل وكأنها كفَّت عن تطوير نفسها واللحاق بالعصر.
أوْسِد الأمر أهلَه
بعد كل ما تقدَّم، لا يمكننا أن نتخيَّل أن يقوم مؤسس شركة ما باختيار اسمها بنفسه من دون استشارة الخبراء. فكما يحسن المحاسب المحترف احتساب الضريبة أفضل من المؤسس، وكما تحسن وكالات الإعلان عملها إن أسندت إليها تصميم حملتك الدعائية، يحسن خبير التسمية عملاً إن أوكلت إليه مهمة اختيار اسم لشركتك.
ومرافقة عمل الخبراء في مجال اختيار اسم الشركة ورمزها، يبيِّن لصاحبها أنه عمل يتطلَّب جهداً لا يخطر على بال غير المطلعين. وغالباً ما يقدِّم الخبير سلسلة اقتراحات ويناقشها واحداً واحداً بالتفصيل مع صاحب العمل، حتى يستقر رأي الطرفين على الأفضل.
ومن الأمثلة البارزة التي نذكرها في هذا الإطار (وإن كان لا يعبِّر عن حالة نموذجية) هو أنه لما سعت شركة إنترناشونال هارفستر لتغيير اسمها إلى نافيستار (لاعتبارات سلفت)، راوحت تكلفة الاستشاريين وتصميم العلامات والرموز والمطبوعات وغيرها بين 13 و16 مليون دولار. وبالطبع لم تتضمن هذه النفقات تكلفة الوقت الذي تطلبه التغيير والعبء العاطفي لدى الأشخاص الذين شاركوا في إحداث هذا التغيير. فأي الخيارين أهون لديك؟ أن تبدأ البداية الصحيحة، أو تتكلف تصحيح الأخطاء لاحقاً؟ كما نحسبك لا تريد يوماً تـُقدم فيه على توسعة نشاطك والخروج إلى الأسواق الدولية، لتلاحقك دعوى قضائية من شركة عالمية سبقتك إلى حق علامة تجارية، شابهتها علامتك دون قصد منك ولا تعمُّد. فاخرج من عنق الزجاجة ابتداءً، وأوسد الأمر إلى أهله.
عربياً..
خصوصيات ووعي متزايد
ازداد الوعي في البلاد العربية عموماً خلال العقدين الأخيرين بأهمية الدور الذي تلعبه هوية الشركة، وبشكل خاص اسمها ورمزها. بحيث صارت كل الشركات الكبرى (وحتى المتوسطة القادرة على تحمل تكلفة الأمر) توكل أمر اختيار الاسم والرمز إلى دور متخصصة، وغالباً ما تعلن عن منافسة ما بين أكثر من دار متخصصة في هذا المجال، سعياً إلى الأفضل، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى.
ولكن بالعودة إلى ما قبل عقدين أو أكثر، ولأن النمو الاقتصادي في معظم البلدان العربية كان أسرع من نمو الاهتمام بالترويج والتسويق والمنافسة (التي كانت غائبة)، نلاحظ أن بعض الاتجاهات في التسمية قد فرضت نفسها وكأنها موضة رائجة . مثل إضافة اللازمة كو اختصار (company) بعد أي اسم، حتى لو لم تكن المؤسسة شركة فعلاً ويملكها شخص واحد، وصولاً إلى مكاتب الخدمات والمتاجر الصغيرة. غير أن الوعي المتزايد لعب دوراً مهماً في تراجع هذا النوع من التسميات الذي لا يعبر إلا عن التبجح في المؤسسات الصغيرة وينفر العملاء الواعين، لأنه يثير فوراً أمامهم مسألة الصدقية عند المؤسسة.
وهناك خصوصية أخرى تتجلى في النظرة الشاملة إلى مجمل أسماء المؤسسات العربية. وهي تسمية الكثير منها بأسماء العائلات التي تملكها خاصة في حالة وجود شراكة ما بين أبناء البيت الواحد في ملكيتها، أو ما بين ورثة المؤسس. والأمر ليس عيباً بحد ذاته. فبعض كبريات المؤسسات العالمية يحمل أسماء عائلية، ويحتفظ بها، حتى بعد خروج الملكية من نطاق العائلة. ولكننا نلاحظ أن غالبية هذه الفئة من الشركات تتعاطى أعمالاً مرتبطة بموهبة المؤسس وقدراته الفردية المميزة وسمعته الشخصية في مجال العمل مثل دور الأزياء والمجوهرات الكبرى. وبالتالي فإن تسمية الشركة باسم صاحبها أو باسم عائلته، يرتبط في نجاحه أو فشله باعتبارات عديدة تستوجب الدراسة المفصلة والصادقة.
أما آخر الصيحات في أسماء الشركات العربية، فتكمن في إضافة الضمير المتصل الياء بعد كلمة واحدة ترمز إلى نوعية العمل أو السلعة الأساسية التي تتعاطى بها الشركة. وهنا أيضاً، يكفي القارئ أن يتلفت حواليه ليجد سيلاً من هذه الأسماء، وليكتشف فوراً أن هذه الصيحة تبدو ملائمة لهذه الشركة، وغير ملائمة على الإطلاق لأخرى.
وإلى ما تقدم نضيف إن عالمية بعض الشركات، أو ارتباطها بعملاء أجانب في بلدان مختلفة، روَّج لفئة من الأسماء يشترط فيها أن تكون سهلة اللفظ بالعربية والإنجليزية، وأن تكتب بسهولة في اللغتين أيضاً من دون أن يؤدي الاختلاف اللغوي إلى اختلاف في لفظ الاسم. ولكن بموازاة هذا الاهتمام المبرر والمفهوم، باتت بعض المدن العربية تستوقف النظر بطغيان الأسماء الأجنبية المستوردة من لغات العالم المختلفة. وهنا أيضاً، إذا كان للأمر ما يبرره في بعض الحالات، فإنه في حالات كثيرة هو مجرد تقليد أعمى لا مبرر له غير الاعتقاد الخطأ بأن العملاء يشاركون صاحب المؤسسة انبهاره بكل ما هو أجنبي ومستورد. ولا يدل بالتالي سوى عن مشكلة ثقافية وأزمة وعي. وهذا موضوع آخر.