ديوان اليوم

البردوني
شاعر ينسى أن يموت

على الرغم من فقدانه البصر في وقت مبكر من حياته إلا أن الشاعر الكبير عبد الله البردوني (1929 – 1999م) استطاع أن يكون (الرائي) في زمن العميان ..فقد تحوَّل بفعل بصيرته النافذة إلى متنبئ لهذا العصر.. رجل حمل في هيئته روح شعراء العرب المخضرمين لكنه تجاوز الكثير من شعراء هذا الجيل والأجيال القادمة -ربما- بقدرته الفائقة على الجمع بين شكل القصيدة العربية الكلاسيكية ومضمون القصيدة الأحدث..لقد كان البردوني، كشخص، قصة تروى وقصيدة شجية لعبقرية نادرة لم تأخذ حقها كما ينبغي.
ترك البردوني 12 ديواناً شعرياً مطبوعاً والكثير من الكتب النقدية والسياسية.. إنه البردوني الذي ما زالت أشعاره ترقص حية على شفاه محبيه ونياط قلوبهم والذي رغم موته (ينسى أن يموت):

أنسى أن أموت
عبد الله البردوني

تمتصني أمواج هذا الليل في شرهٍ صَموت
وتعيد ما بدأت.. وتنوي أن تفوت ولا تفوت
فتثير أوجاعي وترغمني على وجع السكوت
وتقول لي: مت أيها الذاوي… فأنسى أن أموت
***
لكن في صدري دجى الموتى وأحزان البيوت
ونشيج أيتامٍ … بلا مأوى… بلا ماء وقوت
وكآبة الغيم الشتائي وارتجاف العنكبوت
وأسى بلا اسم.. واختناقات بلا اسم أو نعوت
***
من ذا هنا؟ غير ازدحام الطين يهمس أو يصوت
غير الفراغ المنحني.. يذوي .. يصر على الثبوت
وتعبّهُ الآحاد والجمعُ العوانسُ والسبوت
ودم الخُطى والأعين الملأى بأشلاء الكبوت
***
من ذا هنا؟ غير الأسامي الصفر تصرخ في خفوت
غير انهيار الآدمية… وارتفاع (البنكنوت)
وحدي ألوك صدى الرياح وأرتدي عري الخبوت

* من ديوان لعيني أم بلقيس, القاهرة 1971م

أضف تعليق

التعليقات