في عددها لشهر ربيع الأول 1388هـ (مايو- يونيو عام 1968م)، نشرت القافلة استطلاعاً مصوراً بقلم الأستاذ عصام العماد حول مدينة بعلبك الأثرية في لبنان، “بعلبك، مدينة الشمس”، نقتطف منه ما يأتي:
تحت كل حجر من حجارتها الضخمة، وعلى صفحة كل من أعمدتها الثابتة الراسخة، وفوق كل مدرج من مدرجاتها الرحبة تكمن الروعة ويتجلى الجمال.. تلك هي قلعة بعلبك التي تعود إلى عهد موغل في القدم، والتي حيك حول مولدها العديد من الأخبار والأساطير.
تسمية بعلبك
يعتقد علماء الآثار أن أصل تسمية مدينة بعلبك يعود إلى عهد الفينيقيين، وذلك لأن كلمة “بعل” تعني بالفينيقية “الشمس”، وكلمة “بك” تعني “مدينة”، وهكذا يكون اللقب الغالب على بعلبك “مدينة الشمس” ما هو إلا ترجمة حرفية لتسميتها الفينيقية. ولعل ما يزيد في صحة هذا القول إطلاق الرومان عليها اسم “هليوبوليس” الذي يعني أيضاً مدينة الشمس، لا سيما وأن صوراً عديدة للشمس تظهر محفورة على بعض الهياكل.
بعلبك الأمس
إن معظم معالم بعلبك لا تزال آثارها قائمة في شموخ رغم ما شهدته من حرائق وزلازل وفيضانات وكوارث.. وكأنها تتحدى عوامل الحدثان. وهذه الآثار هي التي أسبغت على بعلبك شهرتها الحالية، وجعلتها محط الأنظار ومقصد السواح والزوار. وأهم معالمها الباقية هي القلعة، وهيكل “جوبيتر” وهيكل “باخوس” وهيكل “فينوس” والآثار العربية.
القلعة
تقع القلعة في الجزء الغربي من المدينة، طولها حوالي خمسين متراً، وعرضها حوالي أحد عشر متراً، يليها فناء شبه مربع كان مسكناً لكهنة “جوبيتر”، ففناء أكبر يبلغ طوله 117 متراً، وعرضه 112 متراً، يعرف باسم”هيكل الذبيحة”… ويدخل الزائر إليها اليوم من باب كان العرب قد أغلقوه في العهود الغابرة زيادة في التحصين، كما أنشأوا حوله بعض المباني والمنشآت الدفاعية.
هيكل “جوبيتر”
بقي هذا الهيكل قيد الإنشاء من عام 10 قبل الميلاد حتى عام 249 ميلادية. وقد شيد على قاعدة ضخمة تعلو المباني المجاورة بنحو سبعة أمتار ونصف المتر، وتشرف على البساتين المجاورة من علو يبلغ 13 متراً. ويحيط بالمعبد باب كبير قائم على 54 عموداً، كل عمود منها مكون من ثلاثة أحجار كلسية تربط أطرافها ببعضها نواة من الحديد والبرونز، ويبلغ ارتفاع هذه الأعمدة من القاعدة إلى القمة حوالى 20 متراً، وقطرها 2,20 من المتر، وتعلوها قناطر حجرية تزدان بنقوش وزخارف تمثل ثيراناً وأسوداً. غير أن معظم هذه الأعمدة قد تهدم بفعل العوامل الطبيعية والغزوات البشرية التي كانت تغير عليها طمعاً في ثرواتها المعدنية، ولم يبق منها سوى ستة أعمدة.
هيكل باخوس
لعل أكثر ما يعبر عن روعة الفن المعماري في قلعة بعلبك عامة، وفي هيكل “باخوس” خاصة، تعليق السير مورتيمور هوبلر أحد مشاهير علماء الآثار لدى زيارته لبعلبك، حيث قال : إن تيجان الأعمدة هي التي أعطت فن العمارة “الروماني” عظمته، فالهيكل الصغير “هيكل باخوس” كما كان يسمى في بعلبك، يفوق “البنثيون” في روما ضخامة وعظمة، وذلك لأنه ككل أجزاء قلعة بعلبك، لا يدين بشيء من صموده إلى الاسمنت”.
ولا يزال هيكل “باخوس” محتفظاً بمعظم صفاته ومعالمه. ويرقى إليه بدرج مكون من 33 درجة، يفضي إلى المدخل الرئيسي الذي يعتبر من أعظم المداخل الأثرية وأفخمها، إذ يبلغ علوه ثلاثة عشر متراً، وعرضه سبعة أمتار ونصف المتر.
الجامع الكبير والآثار العربية
وبعد استيلاء العرب المسلمين على بعلبك استخدموها كقلعة حربية، فبنوا فيها الأبراج ذاتالفتحات اللولبية، وأنشأوا في المواقع القليلة التحصين منها المتاريس والأسوار والكواة. كذلك بنوا داخل أسوارها جوامع وبيتاً وحمامات وأفراناً ومدارس واسطبلات، وحفروا آباراً عميقة للماء.
والمبنى الرئيسي الذي خلفه العرب داخل هياكل بعلبك هو الحصن القائم على مقربة من المدرج المؤدي إلى هيكل “باخوس”. فقد كان مكوناً في الأساس من ثلاثة أدوار، بقي منها حتى الآن دوران. والأثر العربي الآخر الذي ما زالت بعض معالمه قائمة، هو الجامع الكبير. وتحمل جدران الجامع الكثير من النقوش والكتابات العربية المنمقة.