حياتنا اليوم

محمد السليمان
بين هندسة الطيران وتطوير الرياضة

  • 64a

كيف يمكن لرجل أن يكون شغوفاً وناجحاً في مجالين لا رابط بينهما؟
الجواب هو في الصورة التي ترسمها ابتسام الجفري لمهندس الطيران والمتخصص في إدارة علوم الطيران، وأيضاً في علم النفس الرياضي والتدريب محمد السليمان الذي قرَّر أخيراً التفرغ للمجال الثاني، سعياً إلى الارتقاء به إلى حيث لم يسبقه أحد.

وُلِدَ محمد السليمان عام 1384هـ في جدة بين حارة المظلوم بباب مكة وحارة العمارية، حيث كان منزل جده لأمه السيد صالح السليمان. وقضى طفولته متنقلاً بين الحارتين يلعب الكرة مع أقرانه، مفتخراً بجده لأمه الذي كان أول مهندس إلكترونيات في المملكة، في الوقت الذي لم يكن التلفزيون قد دخل الكثير من بيوتها.

من كرة القدم لهندسة الطيران..
درس جميع مراحل التعليم العام بمدارس الفلاح الشهيرة. ومنذ آنذاك، ترسَّخ في نفسه عشقه للرياضة. فبعد تخرجه من الثانوية، التحق بنادي الاتحاد، ولعب في الفريق الأول لكرة القدم، وشارك في بطولة الدوري وكأس خادم الحرمين. ورغم أنه لاعب كرة قدم بالأساس، فقد شارك في بطولات تنس الطاولة، مرافقاً لأخيه الدكتور ماجد الذي كان بطل الخليج، وحاز بطولات عربية أخرى في تنس الطاولة. في هذه الأثناء كان محمد طالباً في جامعة الملك عبدالعزيز، كما كان طالباً في الخطوط الجوية السعودية في الوقت نفسه، ولكنه ترك الجامعة واستمر في الدراسة مع الخطوط السعودية لأنه ارتأى أن الدراسة مع الخطوط أفضل. لاحقاً قررت الخطوط ابتعاثه للدراسة في أمريكا، ورغم أنه كان قريباً من تحقيق حلمه وهو أن يصبح نجماً معروفاً للجماهير بعد لعبه مع الاتحاد، واختياره ضمن لاعبي المنتخب السعودي، إلا أنه ارتأى أن إتمام دراسته هو الأفضل. وفاجأ قراره الكثيرين، خاصة أسرته. فترك الاتحاد ليدرس هندسة الطيران. وبالفعل، حصل على البكالوريوس في هندسة الطيران عام 1984م مع استمراره في ممارسة عشقه الأول «كرة القدم».

موجود ولكن..
عاد محمد إلى جدة وإلى عمله في الخطوط السعودية. وبعد 7 سنوات، وبينما كان يستمع إلى حديث للدكتور طارق السويدان عبر شريط مسجل له باسم «صناعة النجاح»، حدثت نقطة التحول في حياته، إذ يقول: «شعرت أن الدكتور طارق يتحدث إلي شخصياً، يقول لي ما البصمة التي ستتركها في حياتك؟، ففكرت، أنا اليوم موجود، ولكن هل سيذكرني الناس بعد 200 أو 300 عام؟».

قرر محمد أن يكمل تعليمه وسافر إلى أمريكا ليتخصص في إدارة علوم الطيران. وبينما هو في سنته الجامعية الأخيرة، بدأ يتابع دروساً في التدريب الخاص باللياقة البدنية والرشاقة، عشقه الأول الذي قرر أن يمارسه في حال ترك العمل في الخطوط السعودية.

أول خطوة..
بعد عودته بمدة، حضر السليمان دورة للدكتور علوي عطرجي المتخصص في البرمجة اللغوية العصبية، فاقترح عليه بحكم دراسته للتدريب الرياضي والرشاقة أن يشارك الدكتور علوي في دوراته التي يقدِّمها، بحيث يقدِّم كل منهما ما يجيده، الدكتور علوي يختص بالجانب العقلي، ويهتم السليمان بالجانب الصحي والجسماني. وفعلاً، بدأ الدكتور علوي بتخصيص ربع ساعة في آخر يوم من كل دورة للسليمان، ثم نصف ساعة، ثم ساعة، وهكذا.. ولما وجد قبولاً له من الناس، بدأ بتقديم أول دورة خاصة به بعنوان «أول خطوة للرشاقة» وكان ذلك في عام 2006م.

استمر السليمان في التدريب الرياضي، ولاقى نجاحاً وقبولاً من الناس. ومع ذلك، فقد نصحه البعض بألاَّ يحصر نفسه في مجال واحد، بل إن عليه أن يتوسع ويقتحم مجالات مختلفة. تردد قليلاً، ليس عن قلة ثقة في النفس، ولكنه كان يرى نفسه غير مؤهل لخوض التدريب في مجال آخر غير الرياضة والصحة. فراح يقرأ ويثقف نفسه. لم يكن مستعجلاً، فمكث سنتين على هذه الحال حتى بدأ العمل بشكل «دويو» (ثنائي) مع الدكتور خالد باحاذق، والدكتور علوي عطرجي، والدكتور عثمان باعثمان.. نجح الأمر، فعاد مجدداً إلى أمريكا لدراسة ماجستير «علم النفس الرياضي تخصص علاقات إنسانية»، ثم حصل على الدكتوراة في هذا المجال مستمراً في لعب كرة القدم وتدريب فريق الولاية هناك.

«تعالوا نتغيَّر»..
التغيير الكبير الذي لمسه من الناس، ومساندة الدكتور خالد باحاذق، جعلته يواصل طريقه، فبدأ يبحث في برامج التدريب الناجحة في أمريكا، ليلاحظ أن كل برنامج ينقصه شيء ما، فيهتم بالجسم ويُغفل الفكر، أو يهتم بالفكر وينسى الجسم، فبدأ في تصميم برنامجه الذي أحدث تغييراً عند الكثيرين من الناس والأطفال خاصة. وهو برنامج «تعالوا نتغير»، الذي يُعنى بتنمية الفكر، الجسم، القلب، القيم، والسلوك. وحول هذا البرنامج يقول: «العنصر الأساسي كان الحب، القدرة على إشعار الشباب بالحب، أعطت البرنامج قوة. عندما تقدم الفكرة عن طيب خاطر وبحب، وتبني معهم علاقة بلا حواجز، فإنك تصل سريعاً إلى عقولهم وقلوبهم، فيقبلون منك كل ما تريد أن توصله إليهم».

كان هدفه الأساسي من البرنامج بناء جيل جديد، بفكر جديد، وبقلوب جديدة. فقد يكون الشخص مهذباً -كما يقول- ولكنه لا يجيد التعامل مع غيره. فصمم البرنامج بحيث يضع قواعد للعلاقات الإنسانية بشكل غير مباشر، يقول: «نرتقي بالقيم والسلوكيات والفكر، نحب بعضنا بغض النظر عمن نكون. نعامل بعضنا بشكل أرقى مما نحن فيه. نحترم بعضنا، ونحترم آراء من يخالفنا، في الأسرة في العمل، في المجال الرياضي، في كل المجالات».

كانت بداية البرنامج مع 36 طفلاً وطفلة. وبتفاعلهم وتجاوبهم معه، حفزوه ليستمر. فأنهى في العام الماضي تدريب ألف يتيم في جدة والرياض والمنطقة الشرقية، تراوح أعمارهم بين السابعة والثامنة عشرة. كان التعامل معهم صعباً، ولكنه تجاوز هذه النقطة ونجح في إثارة اهتمامهم بتركيزه على نقطة مهمة، وهي: «ما لم تعمل وتجتهد وتبني نفسك فستجد نفسك في الشارع، ولن يساعدك أحد». والآن، ها هو محمد يسعى إلى تطبيق البرنامج على 1000 طفل مصاب بالسرطان، ثم على 1000 معاق حركياً. ولكنه يبحث عن راعٍ يتبنى الفكرة ويدعمها.

الحلم..
جديد الدكتور محمد هو برنامج «الحلم». وهو على نهج «تعالوا نتغيَّر» نفسه. ولكنه أكثر تركيزاً. مدته سنة كاملة يتخللها 24 لقاءً، ويتضمن تدريباً فردياً أو ثنائياً على الأكثر. يحاول المتدرب فيه العمل على المجال الذي يحبه خلال الإجازة الأسبوعية، بالإضافة إلى اللقاءات مع الدكتور محمد التي تغطي موضوعات متنوعة تخدم الفكرة الرئيسة. ثم يقدِّم المتدرِّب مشروعاً لا ينتهي البرنامج حتى ينتهي من تنفيذه.

تقاعد مبكر..
في السنة الماضية، تقاعد الدكتور محمد السليمان من منصبه كمدير لإدارة الجودة والنوعية في الطيران الخاص والتفتيش، وهو لا يزال في السادسة والأربعين من عمره. بدأ يشعر أنه أقرب إلى الناس، وأنه بحاجة أكبر إلى التغيير، يقول: «عندما تفقد الاستمتاع بعملك، فهذا يعني أنك لا تقدِّم جديداً فيه، ومن هنا قررت أن أغيره».

التقدير الأكبر من وجهة نظر الدكتور محمد هو عندما تأتي إليه سيدة خمسينية لتقول له: «شكراً لك، لقد غيرت حياتي». أو عندما يصله بريد إلكتروني من أم تدين له بالفضل في تغير ابنها إلى الأفضل، أو عندما يكون في مكان عام ويركض إليه الأطفال وهم فرحون برؤيته، ويتسابقون ليسلموا عليه.

يدين الدكتور السليمان بنجاحه لزوجته أم سلطان التي وقفت بجانبه وشجعته دائماً بينما سخر من أحلامه الكثيرون حتى من داخل الأسرة. وهو يخصص الآن يوماً في وسط الأسبوع يخرج فيه مع أم سلطان لوحدهما، بينما يذهب للعب الكرة مع سلطان وفيصل في يوم آخر، وفي آخر الأسبوع يخرج مع إسراء وغيداء. وكما كان في صغره فخوراً بجده لأمه، فهو اليوم فخور بأبنائه، خاصة إسراء التي أوشكت على الانتهاء من دراسة القانون، وغيداء التي ما زالت تدرس طب الأسنان.

أحلامهم..
بينما كان الدكتور السليمان يتمشى مع زوجته، رأى إعلاناً يضم نخبة من المشاهير كالأستاذ عمرو خالد والدكتور السويدان والدكتور محمد الثويني وغيرهم، فقال لأم سلطان: «في عام 2012م سأكون واحداً منهم»، هذا حلمه على المدى القريب، أما حلمه الكبير فهو الحلم الذي تربينا عليه جميعاً وهو الصلاة في القدس، هكذا يحلم الكبار، وكما نعلم، فغالباً ما تتحقق أحلامهم -بإذن الله-.

أضف تعليق

التعليقات