قول آخر

في أروقة معرض لندن للكتاب

انعقد خلال الفترة الواقعة بين 19 و21 أبريل معرض لندن للكتاب، الذي يُعد واحداً من أهم المعارض في عالم النشر وصناعة الكتاب. وقد دار الحديث في الأيام القليلة التي سبقت انعقاده، حول ما إذا كانت إدارته تعتزم تأجيله بسبب تعطل حركة الطيران من وإلى أوروبا، تأثراً بالغبار البركاني الذي اجتاح جو القارة. إلا أن القرار أتى في النهاية بانعقاد المعرض في موعده. لكن أزمة الطيران استطاعت أن تفرض تأثيرها على المعرض بصورة أو بأخرى. إذ إنه رغم نجاح فعالياته بصورة إجمالية، إلا أن كثافة الحضور كانت أقل بكثير من العام الماضي، ولم يستطع عدد كبير من العارضين وممثلي دور النشر الحضور كما كان مخططاً.

وعبر أيام ثلاثة، توالت الندوات وورش العمل التي ناقشت العديد من قضايا صناعة الكتاب ونشره. وبطبيعة الحال، كان النشر الإلكتروني واحداً من أهم المحاور التي دار حولها الحديث. وتناولت الندوات مجموعة من الموضوعات المتعلقة بمستقبل صناعة النشر في ظل التغير الكبير الذي تجلبه «رقمنة» الكتب. ولأنه عالم جديد لم تستقر ثوابته بعد، دار نقاش موسع حول تسعير الكتاب الإلكتروني. فبعض الشركات رأت أن سعر الكتاب يجب أن يكون منخفضاً بصورة كبيرة حتى يقبل القرَّاء عليه. وفي هذه الحالة سيكون الربح مصدره كم المبيعات الكبير، وليس ثمن الكتاب نفسه. ومن جهة أخرى، رأى البعض أن هذه السياسة ستضر بصناعة الكتب، الورقية منها والرقمية، وأن التحرك بتأنٍ أكبر هو مفتاح عبور هذه المرحلة الانتقالية المهمة في تاريخ الكتب وصناعة نشرها.

يمثِّل معرض كتاب لندن فرصة تجارية هائلة، عبر (مركز الحقوق العالمي). الذي هو ملتقى يقام على هامش المعرض، يهدف إلى تكوين بيئة تجارية مناسبة، تفتح الباب لفرص التعاون بين الناشرين والوكالات الأدبية من جميع أنحاء العالم، سواء عن طريق شراء حقوق النشر والترجمة بين الجهات المختلفة، أو تبادل الأفكار والمقترحات لمشروعات مشتركة قادمة. وللعام الثاني على التوالي، يقام ضمن هذا الملتقى جناح خاص بالمهتمين بصناعة أفلام سينمائية أو مواد تليفزيونية تعتمد على كتب أو روايات سبق نشرها. والمتابع لهذا المجال يعرف كم كان هذا النوع من التعاون مثمراً في السنوات الأخيرة (يكفي أن نتذكر ما حققته أرباح سلسلتي أفلام هاري بوتر وتوايلايت!).

وفي إطار برنامج المعرض السنوي لتسليط الضوء على واحد من أسواق الكتاب والنشر في العالم، كانت دولة جنوب إفريقيا هي صاحبة العرض هذا العام. وبحضور العديد من الكتَّاب والناشرين وممثلي الجهات الثقافية بها، أقيمت سلسلة من الندوات للتعريف والاحتفاء بصناعة النشر في جنوب إفريقيا، وعرض فرص التعاون المتاحة أمام دور النشر العالمية بشراء حقوق الترجمة والنشر لكتب جنوب إفريقية. وتناولت الندوات موضوعات متعددة حول الكتابة الأدبية والفكرية في جنوب إفريقيا، وأدب الجريمة، وكتب الأطفال، والنشر الأكاديمي هناك. بالإضافة إلى ندوة بعنوان «الكتابة عن الرياضة»، ناقشت كيف يمكن لكأس العالم، الذي أقيم بجنوب إفريقيا، أن يؤثر على الكتابة والقراءة فيها. وتوضّح قدر الجهد المنظَّم الذي بذلته هذه الدولة والقائمون على تمثيلها في هذا الحدث الثقافي المهم، لتعريف العالم بنشاطها في مختلف مجالات النشر، وتوسيع محيط الاستفادة من هذه الفرصة الكبيرة. الأمر الذي يعيد إلى الأذهان التساؤل حول ما كان من الممكن أن تفعله الدول العربية، حين أتيحت لها هذه الفرصة المماثلة في العام 2008م، والتي ظهر وقتها أنها لم تقم بالاستفادة منها كما ينبغي.

ولمناسبة ذكر الحضور العربي، تقول المشاهدات إنه لم يكن هذا العام فعالاً أو مؤثراً. وبخلاف الإشادة الهادئة ببعض الأجنحة العربية، لم نجد أثراً لحركة مكثفة منظمة ومدروسة، تدعم صناعة النشر العربية وتدفعها إلى الأمام، في حدث يعرف جميع المهتمين بهذه الصناعة أنه أحد أهم معارضها وأكثرها تأثيراً.
لكن هذا حديث آخر.

أضف تعليق

التعليقات