بيئة وعلوم

مادة الجرافين الجـديدة
بوابة عصر الكربون

  • graphene
  • graphene2
  • rcjMagneticGraphene
  • Transparent_duct_tape_roll
  • Raghunath Murali
Georgia Institute of Technology

interconnects using graphene
  • graphelec
  • crumpled graphene flake
  • graphene surface

نال أندريه جيم وقسطنطين نوفوسيلوف جائزة نوبل في الفيزياء في شهر أكتوبر 2010م، تقديراً من الأكاديمية السويدية للعلوم لجهودهما في تجارب علمية كانت رائدة على مادة جديدة ثنائية الأبعاد تدعى الجرافين. فاضل التركي يعرفنا على هذه المادة، ماهيتها وأهميتها التي حملت للعالمين جائزة نوبل الفيزياء. والتي يرى البعض أن لها دوراً مستقبلياً، بحيث بات يتحدث عن عصر «الجرافين» الآتي.

في السعي إلى تعريف ماهية مادة الجرافين، نلقي نظرة على الجرافايت أولاً.

الجرافايت مادة ليست بغريبة علينا. إنه معدن يوجد في الطبيعة كبلورات من عنصر الكربون، وهو ما نطلق عليه في لغتنا اليومية اسم الرصاص في أقلام الرصاص مثلاً. (يجب أن ننتبه أن كلمة رصاص هنا ليست الكلمة العلمية التي نطلقها على عنصر الرصاص). ومادة الجرافايت مادة ثلاثية الأبعاد هي والمواد التي تتبلور من عناصر وجزيئات الكربون كالماس مثلاً. وفي الواقع، كل المواد من حولنا هي مواد ذات ثلاثة أبعاد. إذ لا يوجد في الطبيعة مادة كربونية مسطحة – ثنائية الأبعاد مثل الورقة التي نكتب عليها مثلاً.

لقد كان من الصعب تحضير مادة بلورية ثنائية الأبعاد، أي شريحة من الكربون بطول وعرض ولا ارتفاع. لقد صرَّح بذلك عالمان هما لاندو وبييرلز قبل سبعين عاماً، وقالا إن ذلك مستحيل بسبب عدم استقرار المادة حرارياً ولأنها غير موجودة في الطبيعة.

وكتبت مجلة «الفيزياء اليوم»، ذات مرة، أنه من الصعب إنتاج شريحة بلورية ثنائية الأبعاد، وذلك لعدم استقرارها ومحاولتها العودة إلى شكل من الأشكال ثلاثية الأبعاد، أكثر استقراراً في الطبيعة كما هو الحال في مادة الجرافايت. لكن العلماء يستطيعون تطويع الطبيعة بجعل هذه الشريحة الثنائية الأبعاد غير المستقرة، محاطة بما يمنع إعادة تشكلها بوضعها فيما يشبه «الشطيرة»، أو جعلها ملتصقة كمادة تغطي مادة أخرى تلتصق بها، أو بتوفير حرارة مناسبة لها، مما يبعدها عن البحث عن حالة استقرار تغير حالتها من ثنائية أبعاد إلى ثلاثية.

هكذا كان الحال، حتى تمكن جيم و نوفوسيلوف تحضير مادة ليست موجودة في الطبيعة هي الجرافين. كم هو مدهش أن يقدم هذان الباحثان على استخدام شريط لاصق، متوافر في كل مكان، وينتزعان من قطعة جرافايت، طبقة ثنائية الأبعاد تبقى مستقرة على هذه الهيئة. إن هذا الشريط اللاصق هو عبارة عن مادة عازلة من ثاني أكسيد السليكون، ضعيفة التأثير على الجرافين المنتزع وتجعله مستقراً ذا خصائص كهربائية عجيبة ومفيدة.

لقد تمكَّن الباحثان إذن من تشكيل مادة ثنائية الأبعاد من بلورات الكربون على شكل شبكة من الذرات الكربونية المترابطة ذات ارتفاع مكون من ذرة واحدة – ولهذا نطلق عليها معنى ثنائية الأبعاد. ويعرَّف الجرافين على أنه طبقة واحدة مسطحة من ذرات الكربون مشكلة في شبكة مماثلة لسداسيات خلية النحل، وهي اللبنة الأساسية التي تبنى منها المواد الكربونية من مختلف الأبعاد. ولكي نتخيل سمك شريحة الجرافين الواحدة، نشير إلى أن ثلاثة ملايين شريحة من الجرافين فوق بعضها البعض سيكون سمكها حوالي الميليمتر الواحد. ألا يبدو أننا في مجال النانوتكنولوجيا؟

أهمية المادة مادة الجرافين
ما الذي يجعل هذا الحدث العلمي مثيراً للاهتمام؟ إن فكرة ذكية جعلتنا نستخلص شريحة جرافين مستقرة وهي مادة ليست موجودة في الطبيعة، ثم ماذا؟

من حق القارئ أن يسأل مثل هذا السؤال المهم، وخصوصاً أن جديد العلم قد يتغلغل في جنبات نظرية بعيدة كل البعد عن الواقع الملموس.

يقول جيم في حوار مع مجلة «ساينتفيك أمريكان» إن هذا الكشف يهدينا إلى عالم جديد من المواد لم نكن نتصور وجوده. كل تصوراتنا عن المادة كانت تفترض أنها ثلاثية أبعاد. أما الآن، فنحن ندرك تماماً إمكانية وجود مواد ثنائية الأبعاد، وذلك حينما تمكنا من صناعة مادة ذات طول وعرض وارتفاع بمقدار ذرة واحدة من الكربون وحسب. إن الجرافين مادة أصلب من الألماس وأقسى منه. وفي نفس الوقت، يمكن مطّها مثل مادة المطاط. إن لها من الخصائص ما يجعلها متفوقة على أكثر المواد المعروفة، وأكثر فائدة. مثلاً، نجدها أفضل توصيلاً للكهرباء والحرارة من النحاس، ويمكن أن نصنع منها أشباه الموصلات التي نصنعها من السليكون، فهي أسرع منه بكثير. إن هذه المادة -الجرافين- أشبه في كثافتها كمادة صلبة، بالغازات! ونحن نعرف أن ذرات الغازات أكثر بعداً عن ذرات السوائل والجوامد. إن ذلك يجعل من الجرافين مادة شفافة بنسبة سبعة وتسعين في المئة».

بعبارة أخرى، إنها تفتح أمامنا مجالاً واسعاً من الاستخدامات والإمكانات، ما جعل البعض يتنبأ بعصر ربما يطلق عليه اسم «عصر الكربون».

ما الذي جعلها تستحق جائزة نوبل؟
أحد أهم الأسباب التي منحت على أساسها جائزة نوبل للعالِمَين جيم وقسطنطين، هي إيجاد مادة مستقرة ثنائية الأبعاد في الطبيعة. إضافة إلى هذا الكم الهائل من المواصفات التي تفتح عالماً من التطبيقات، وتمهد لمجال جديد في الفيزياء يستحق كثيراً من الاهتمام والجهد والعمل ويعد بالكثير. ويقول قسطنطين نوفوسيلوف إن الجرافين هي مادة بمثابة منجم ذهب للفيزيائيين، يمكن لهم أن يدرسوها ويستكشفوها ويستخرجوا منها التطبيقات المفيدة لأجيال قادمة.

العالِمان.. من هما؟
قسطنطين نوفوسيلوف، هو بريطاني من أصل روسي. عرف بسبب عمله مع أندريه جيم على الجرافين وهو عضو في فريق «ميسوسكوب» في جامعة مانشستر في بريطانيا. حصل قسطنطين على دبلوم في الفيزياء من موسكو، ثم التحق بجامعة نجمغن في هولندا حيث حصل على الدكتوراة. التحق بالعمل بعدها مع مرشده في الدكتوراة أندريه جيم، وعمل معه في جامعة مانشستر منذ 2001م. وقدَّم نوفوسيلوف عدداً كبيراً من الأوراق العلمية تتعلق بالتوصيل الفائق. وكان قد أسهم في اختراع شريط لاصق أطلق عليه اسم «شريط غيكو اللاصق»، يعتمد على تقنية شعيرات نانوية تمكن من تعليق الأشياء على الجدران والأسقف مثل رجل العنكبوت. ويُعد هذا اللاصق العجيب في طور مبكر من الأبحاث ويعد بكثير من التطبيقات. ولكن لنتذكر، أن أهم إنجازاته كان عمله مع أستاذه على مادة الجرافين وكشف مميزاتها وتطبيقاتها.

أما أستاذه أندريه جين، فأصله روسي أيضاً. حصل على الدكتوراة في فيزياء المعادن من الأكاديمية الروسية للعلوم. وكان قد لقي صعوبات قبلها، إذ فشل مرتين في امتحان دخول معهد تقني مما أدى إلى أن يقدم أوراقه للمعهد نفسه الذي درس فيه فيما بعد تلميذه قسطنطين. وحتى بعد أن حاز على الدكتوراة، لم يكن سعيداً حينئذ بدراسة فيزياء الجوامد. لكنه بعدما أحرز تقدماً علمياً، وكشفاً أوصله إلى جائزة نوبل وجوائز أخرى كثيرة، تغير انطباعه تماماً. اشتغل بعد تخرجه في كوبنهاجن كباحث، ثم عُين بعدها في جامعة نجمغن. واشتغل على التوصيل الفائق في علم الجوامد المسمى «ميسوساينس». انتقل بعده إلى جامعة مانشستر عام 2001م مع زميله قسطنطين، وعين أندريه حينئذ مديراً لمركز ميسوساينس والنانوتكنولوجي في الجامعة.

اشتغل أندريه مع قسطنطين في تطوير شريط غيكو اللاصق -المذكور سابقاً- والذي يظن أنه قد يمكن الإنسان في المستقبل من المشي على الجدران والأسقف مثل الزواحف. وكان أندريه قد شارك أيضاً في البحث الذي استطاع أن يطيّر ضفدعاً في المجال المغناطيسي.

بعدها، راحا يعملان على اكتشاف الجرافين. ولم يكن لدى أندريه وقسطنطين الوقت الكافي ولا الرغبة في تقديم الجرافين لبراءة اختراع، إذ لم يتح لهما من يهتم بتصنيعه.

ولم تكن جائزة نوبل هي أولى الجوائز التي حصل عليها أندريه. فقد حصل قبلها على جائزة نوبل أخرى مشاركة مع مايكل بيري مكافأة لتجربة تطيير الضفدع مغناطيسياً. وحصل هو وقسطنطين على عدة جوائز لجهودهما التي بذلاها في تجاربهما على الجرافين.

من أين نأتي بالجرافين؟
أقدم صور ميكروسكوبية لجزيئات الجرافايت كانت أخذت عام 1948م. وظهر بعدها شيء قريب من الاهتمام بالجرافين يعود إلى عام 1962م ولكنه كان يعنى بدراسة مادة مكوّنة من عدة طبقات من شرائح الجرافين. ولكن أقدم أشكال المادة القريبة من الجرافين، كان قد عرف في عام 1859م وهو «أكسيد الجرافايت». وتمت دراسته بعد ذلك بالتفصيل فيما يعرف بورق أكسيد الجرافايت الذي يحمل في طياته الجرافين مادة أساسية. ولكن لم يكن بالإمكان إنتاجه عملياً حتى عام 2004م على أيدي جيم وقسطنطين وزملائهما. وكان تحضيره في البداية مكلفاً جداً، حيث إن شريحة جرافين بسمك مقطع من شعرة إنسان كانت تكلف حوالي 1000 دولار أمريكي.

في عام 2004م، قام هذان العالمان بتحضيره يدوياً، باستخدام شريط لاصق، حيث يقوم المرء تكراراً بلصق الشريط ونزعه حتى يتمكن من عمل شريحة رقيقة جداً من الجرافايت. ثم ينقع هذا في الأسيتون ويوضع في نهاية الأمر على رقاقة من السليكون. وبعد ذلك تبين أنه من الأفضل التخلي عن النقع في سائل الأسيتون وتم تطوير هذه التقنية التي يطلق عليها اسم تقنية الرسم وذلك لأنها تشابه الرسم بقلم الرصاص -الجرافايت- وترك طبقة رقيقة من أثره على الورق.

هناك عدة طرق أخرى لتحضيره أيضاً، منها تسخين كربايد السليكون أو النيكل إلى درجات عالية، واستخدام ركائز معدنية يبنى عليها الجرافين. ومن الطرق الأخرى أيضاً، وهي من أقدم الطرق المعروفة، تقليص أكسيد الجرافايت إلى رقائق من الجرافين. وهناك طريقة إذابة المعادن مع الكربون في درجات حرارة معينة تنتج لنا الجرافين. وبالإضافة إلى طرق أخرى، هناك طريقة استخراجه من سكر المائدة، حيث يوضع السكروز أو ما شابه من المواد مع النحاس أو النيكل على حرارة 800 درجة مئوية، في ضغط منخفض، ويعرض لغاز الهيدروجين. بهذه الطريقة ينتج الجرافين بكميات صناعية في عملية من عشر دقائق.

يذكر جيم في أكثر من مناسبة، أن عقبة واحدة تكمن أمامنا تقريباً، هي تصنيعه بكميات صناعية توفره بكلفة قليلة ليتمكن المهتمون والمصنعون من الاستفادة منه ومن خصائصه في كل التطبيقات التي تتردد على الأذهان. وتشيع بين محضري الجرافين طريقة الرسم المذكورة، وهي مكلفة ومتعبة ولكن مع مرور الوقت يتجه هؤلاء إلى تجاوز هذه الطريقة اليدوية، إلى طرق التبخير، والطرق الأخرى التي بدأت تظهر وأصبحت أكثر إقناعاً وإنتاجاً وفاعلية.

ثوب المستقبل من الجرافين
يتوقع المهتمون بالجرافين، مستقبلاً كان من تصورات الخيال العلمي. فهم يرون أنه سيغير حياتنا عما هي عليه اليوم. وسيوفر أجهزة شفافة لا مرئية بالغة الصغر، قادرة وسريعة، وستتنوع التطبيقات وتتطور أفكار تطبيقية لم تكن ممكنة بسبب عدم استعداد التكنولوجيا لاحتضانها سابقاً. وليس ذلك ببعيد، فقد بدأت بوادر تحقيق ذلك ممكنة في مراكز الأبحاث والجامعات وبدأت تطرق أبواب الصناعة عملياً.

بميزات الجرافين هذه، سيصبح بالإمكان صناعة دوائر كهربائية بالغة الصغر، أصغر بكثير من دوائر السليكون الكهربائية، وأسرع منها بكثير. وقد قام فريق جامعة مانشتسر بصناعة ترانزستور من الجرافين ارتفاعه نانومتر واحد وعرضه عشر ذرات كربونية. إن هذا في تصور قسطنطين أصغر ما يمكن صناعته من ترانزستورات حسب قانون مور في تحديد سرعة معالجات الحاسوب.

وفي الوقت الذي تصنع في «إنتل» معالجات تكنولوجية في حجم 32 نانومتر (وحدة قياس تساوي 1 من مليار جزء من المتر)، فإنه حسب رأي الباحثين، من الصعب الذهاب إلى أصغر من ذلك كثيراً في السنوات القادمة. والمعروف أن تقليل مسافة انتقال الإشارات الكهربائية – الإلكترونية، يزيد من سرعة معالجات أشباه موصلات السليكون. وبتمكن العلماء من صناعة ترانزستور بمادة الجرافين بالحجم المذكور، فإن ذلك يعد بسرعات تتجاوز 100 مرة من أسرع معالجات السليكون المعروفة اليوم، إن لم تصل إلى 1000 مرة ضعف من ذلك.

يقول لين، وهو أحد الباحثين في مجال تصنيع معالجات الحاسوب المبنية على الجرافين، إنهم تمكنوا من صناعة معالج وصلت سرعته إلى 26 جيجاهرتز، أسرع بأضعاف مما يتوفر اليوم في السوق. و ذكر أن هناك المزيد من العمل من أجل زيادة فعالية استخدام الجرافين بخصائصه التي يتعرفون إليها يوماً بعد يوم ليصل إلى أسرع من ذلك بكثير. فالجرافين يوفِّر لهم قدرة على تقوية الإشارات الإلكترونية، ونقلها بسرعة فائقة أكثر بكثير من الدوائر المعدنية والسليكونية.

أما في مجال تخزين المعلومات، فقد قدمت جامعة رايس عام 2008م، ذاكرة صغيرة مكثفة من الجرافين لتخزين معلومات هائلة الحجم. ذاكرة التخزين هذه مكونة من عشر طبقات من الجرافين -أي بارتفاع عشر ذرات كربون- وتقوم بحفظ المعلومات بطريقة ميكانيكية مثل طريقة حفظ معلومات الكتب بالحبر الإلكتروني. وبذلك، لا نحتاج إلى كهرباء ولا طاقة لاستخراج المعلومات. فهي محفوظة، يمكن استرجاعها ميكانيكياً ما لم نبدلها ونغيرها. ونحن بذلك نسترجع معلومات بلا بذل أي نوع من الطاقة، تقريباً. ويذكر تور الذي عمل على إنجاز هذه الذاكرة من الجرافين، أنه جرب ظروف عمل هذه الذاكرة في درجات حرارة عالية وإشعاع، ووجد أنها تصلح للاستخدام في البيئات ذات الظروف الصعبة فضلاً عن البيئات المعتادة. ويتوقع تور أن يكون العمر الافتراضي لمثل هذه الذاكرات أطول بكثير مما تمتلكه ذاكرات الفلاش المتداولة اليوم.

أما مركز تكساس لطاقة الجرافين، فقد تمكن من استخدام هذه المادة الجديدة في صناعة مكثفات لتخزين الطاقة الكهربائية مثل البطاريات وتقنيات جديدة لتوصيل الطاقة. ويقول راوف، أحد الباحثين في فريق تكساس، إن بطاريات الجرافين، ستتخطى بسهولة أفضل ما تقدم بطاريات اليوم من الأداء بدرجة ضعفين على الأقل. وزيادة على ذلك، فإن هذه البطاريات يمكن إعادة تدويرها بدل التخلص منها بالطريقة المعهودة مع بطاريات اليوم المستهلكة.

وحديثاً، تمكن فريق من الولايات المتحدة ومن جامعة داليان للتكنولوجيا في الصين من تصنيع بطاريات بالغة الصغر من الجرافين، يتم شحنها في ثوانٍ معدودات.

وتقدم بعض الشركات أنابيب «نانوية» في أقمشة تزود الأجهزة الإلكترونية بالكهرباء وتشحنها، تلبس كالملابس العادية. وهي في طور الانتقال إلى مادة الجرافين الأقل كلفة وأكثر تطويعاً في المستقبل القريب. وهكذا يستطيع كل منا أن يشحن جهاز الأيبود أو هاتفه وأجهزته الإلكترونية الأخرى بترك أي منها في جيب قميصه أو بنطاله. هذا ما يتصوره ليانغبنغ حول ما يطلق عليه اسم «الأجهزة الملبوسة». فسيصبح بإمكان المرء أن يوصل أجهزته بملابسه التي تحوي الجرافين المشحون بالطاقة، وسيحتاج إلى شحن ملابسه بالكهرباء مساءً، استعداداً لليوم التالي.

هكذا سيكون أمامنا جيش من الإلكترونيات الخفيفة المزروعة في ملابسنا، أو تلك سهلة التعليق بها، من أجهزة تراقب صحتنا وتجمع المعلومات وتحضرها لها، وشاشات ملبوسة. وتحافظ ملابس الطاقة على خصائص الجرافين الكربونية حتى بعد الغسيل. ويمكن أن تستخدم كخلايا شمسية ومخازن للطاقة. ويقول ليانغبنغ والفريق الذي عمل على ذلك باستخدام الأنابيب النانوية، إنها ستكون أقل كلفة وأفضل أداء وأسهل على التصنيع فيما لو تحولوا من التقنية التي جربوها إلى تقنية مادة الجرافين.

ويعكف الباحثون اليوم على دراسة وسائل جديدة لإنتاج كميات وفيرة من الجرافين بأقل ما يمكن من الكلفة، للبدء في استخدامها في حياتنا العامة. ويقول فريق في جامعة كامبردج إن بإمكان مادة الجرافين أن تسهم في جعل الخلايا الشمسية ومصابيح أشباه الموصلات (LED) أكثر كفاءة وأقل كلفة. إنهم لا يرون أن الجيل القادم من شاشات اللمس بعيداً عنا؛ شاشات مرنة مطواعة للتشكيل تعمل باللمس. هذا بالإضافة إلى أجهزة كشف الصور وأجهزة الاستشعار والتحسس وتخزين الهيدروجين وصناعة أجهزة الليزر فائقة السرعة.

ويذكر أندريه جيم أن الجرافين قد يوفر للعاملين في «سيرن» (المصادم الهيدروني الكبير) بالقرب من جينيف ما لم يكونوا يحلمون به، وهي مادة تنقل الإلكترون عبر شبكة ثنائية البعد ذات مقاومة كهربائية تساوي الصفر. إن ذلك يجعل من الجرافين مادة ناقلة للطاقة بلا مقاومة، وبهذا يكون الجرافين قد دخل عالمي ما فوق وما تحت الحجم الذري.

مستقبل أبحاث الجرافين
في المجتمع العلمي، صدر حتى الآن أكثر من 30,000 ورقة علمية تهتم بالجرافين. لقد اشتغل عليها الباحثون كشفاً عن ميزاتها وخصائصها وتحضيرها بطرق رخيصة مما يوفرها لكل الطموحات المتصورة. وكان معظم ما كتب من دراسات حول خصائص الجرافين، ما يقول أندريه، يتعلق بالتوصيل والكهرباء. أما إذا التفت الباحثون إلى غير هذه الخصائص الكهربائية، فإن هناك عاصفة جديدة من الأفكار التي تستحق البحث وتأتي بكثير من الجديد الواعد على الصعيد النظري والتطبيقي.

ها هي المعرفة تتضخم وتنضج بسرعة كبيرة عن مادة الجرافين، كيف ننتجها ونستخدمها. وكل ما ننتظره الآن هو إنتاجها بكميات أقل كلفة ووفرة عالية. وإذا حدث ذلك، فسنشرع في قلب ورقة من تاريخ الإنسانية التقني، ونتوجه إلى عصر جديد يعتمد استخدام مادة مرنة قوية، وفي الوقت نفسه تتشكل كما نشاء.

أضف تعليق

التعليقات