حياتنا اليوم

وسط المحاذير الكثيرة في سوق حساسة جداً
كيف تشتري حجراً كريماً؟

  • 58a
  • 58b
  • 59b
  • 61a
  • 62a
  • 56a(1)

نمت خلال السنوات الأخيرة في مدن المملكة الرئيسة ودول الجوار الخليجي أسواق خاصة بتجارة الأحجار الكريمة الحرة، أي غير المركبَّة على حلية مصاغة. وتؤكد الملاحظة الميدانية، إضافة إلى كثرة الإعلانات على شبكة الإنترنت الموجهة إلى المستهلك العربي والخليجي خاصة، تزايد عدد الهواة والساعين إلى اقتناء الأحجار الكريمة.
عبود عطية يعرض هنا خصوصيات هذه السوق، والمحاذير المحيطة بعملية شراء الحجر الكريم سواءً أكان ذلك من خلال الأسواق التقليدية في شوارع مدننا أم من خلال المتاجر الإلكترونية على شبكة الإنترنت، ويسرد جملة نصائح يمكنها أن تقي المشتري من الوقوع في خيبة محتملة دائماً إن كان يجهل مطبات هذه السوق، ويفتقر إلى الخبرة في معرفة هذه السلعة الثمينة كما هو حال الكثيرين من الهواة.

من أسواق البلد في مدينة جدة إلى شارع الثميري في الرياض وأزقة الخبر القديمة، وصولاً إلى المنامة ودبي والدوحة وغيرها.. تقوم تجمعات لمتاجر تبيع الأحجار الكريمة غير المصاغة.

ويوماً بعد يوم يزداد عدد المواطنين الخليجيين الذين يقدمون على شراء هذه الأحجار الثمينة، إما لصياغتها في حلية مميزة وفق أذواقهم الخاصة ولا مثيل لها عند الآخرين، وإما لمجرد هواية اقتنائها واكتنازها.

ويتميز حال المتسوق الخليجي في هذه الأسواق، بما يتميز به حال مشتري الحجر الكريم في أي بلد في العالم: الحذر والارتباك والتساؤل ما إذا كان يقوم بصفقة جيدة أم أنه مهدد بشكل من أشكال الغش، وذلك بسبب ارتفاع ثمن هذه السلعة التي يسعى إلى اقتنائها، وافتقاره إلى الخبرة اللازمة في معرفة نوعياتها، هذه الخبرة التي صارت منذ زمن طويل اختصاصاً جامعياً يتطلب سنوات من الدراسة، فمن الطبيعي إذن ألاَّ تكون هذه الخبرة متوافرة عند الجميع. الأمر الذي يدعونا إلى التوقف أمام خصوصية الحجر الكريم كسلعة، وخصوصيات أسواق هذه السلعة.

خصوصية الحجر الكريم كسلعة
لو أخذنا متوسط ثمن الأحجار الكريمة بالقيراط الواحد، وقارناه بمقاييسه لتأكد لنا أنه السلعة الأغلى ثمناً في العالم. من جهة أخرى، وبسبب الشبه الشكلي الكبير ما بين بعض الأحجار الطبيعية وأخرى، أو ما بينها وبين بعض الأحجار المقلَّدة أو الصناعية، تشكِّل أسواق الأحجار الكريمة أكثر من غيرها مجالاً جذاباً ومغرياً لممارسي الخداع والغش. فالربح فيها سريع وكبير ويصعب ضبطه. ولهذا فإن توخي الحذر عند اختيار متجر معين عند التسوق يُعد أمراً ضرورياً.

إضافة إلى ذلك، وحتى ولو تركنا مسألة الاستقامة جانباً لبعض الوقت، وافترضنا أننا دخلنا إلى متجر مشهود له بالاستقامة سنلاحظ أننا أمام سلعة ذات ثمن غير محدد بدقة. فالأحجار الكريمة تشبه الأعمال الفنية إلى حد ما على المستوى التجاري. يمكن للخبراء أن يحددوا مستوياتها العامة ولكن ثمن كل واحد منها يبقى قابلاً للمساومة أو للتحديد بفرق بما لا يقل عن 20 في المئة، وبما قد يصل إلى 60 في المئة.

فلو أخذنا الماس مثلاً، وهو الحجر الكريم الأكثر رواجاً في العالم والأغلى ثمناً، والذي تُحدد أسعاره أسبوعياً في بورصات خاصة مثل «تقرير رابابورت» في نيويورك، لوجدنا أنه يبقى ذا ثمن قابل للمساومة، وبنسب قد تُدهش المتسوق. إذ يمكنها أن تتجاوز في بعض الحالات نصف ثمن الحجر. وفي حالة الأحجار الملونة يصبح الوضع أكثر ضبابية، إذ إضافة إلى الدور الذي يلعبه العرض والطلب، يرتبط ثمن الحجر الكريم أيضاً بعوامل ثقافية، مثل رواجه في بلد معيَّن أكثر من غيره. فالمرجان مثلاً يحظى بتقدير كبير في اليابان بحيث إن أسعاره في أسواق التجزئة هناك تتجاوز أضعاف أسعاره في البلاد العربية، كما أن اللازورد الأفغاني الممتاز يباع في كراتشي بنحو ثلاثة دولارات للقيراط، أما في أوروبا الغربية التي تقدره كثيراً، فيمكن أن يصل ثمنه في سوق التجزئة إلى مائتي دولار.

قريباً من المصدر وبعيداً عنه
من أين نشتري؟
طبعاً، كان يمكن اختصار كل هذه القضية بالقول: «توجه إلى المتجر المشهود له باستقامته». ولكن واقع الأمر ليس بمثل هذه البساطة. فصحيح أن التجار المستقيمين موجودون أينما كان، ولكن معرفة المشتري بهم ليست سهلة. كما أن الدعوة إلى مقاطعة المتاجر التي لا تتمتع بسمعة مرموقة أو بشهرة كبيرة ليست منطقية، خاصة وأن السمعة الجيدة والشهرة هي ذات ثمن يضاف إلى ثمن الحجر الكريم، من الأفضل أن يدخره المشتري لنفسه.

ولأن ثمن الحجر الكريم يرتفع على مراحل كل ما مرَّ بيد تاجر جملة أو وسيط في طريقه من المنجم إلى متجر التجزئة، يرى البعض أن الاقتراب قدر الإمكان من المصدر، أي بلد المنشأ سيلغي بعض هذه المراحل، ويؤمِّن الحصول على الحجر الكريم بسعر أفضل، والأمر صحيح، وتوفره جزئياً التجارة الإلكترونية، ولكنه غير مضمون النتائج بتاتاً عندما يسافر المرء الذي يفتقر إلى الخبرة إلى بلد مشهور بإنتاج بعض أنواع الأحجار الكريمة، فيرى في رحلته السياحية مناسبة لتحقيق صفقة العمر.

في البلدان المنتجة للأحجار الكريمة بكثرة مثل البرازيل وسري لانكا وتايلند والهند وأستراليا، هناك أسواق منظمة وتجار مشهود لهم بالاستقامة. وإلى هؤلاء فقط يمكن للسائح أن يتوجه بعد أن يسأل عنهم، خاصة إذا كان لا يتمتع بخبرة تكفي لتمييز الأحجار الطبيعية عن الصناعية. ففي كل هذه الدول هناك تجار يستوردون الياقوت الصناعي مثلاً من روسيا وفرنسا، ويوزعون هذه الأحجار الصناعية على الأولاد والفقراء الذين يجوبون المناطق السياحية لاصطياد «المغفلين» من السياح، فيعرضون بضاعتهم أمامهم على أنهم عثروا عليها، متظاهرين في الوقت نفسه بأنهم يجهلون ثمنها الحقيقي. وتطفح الغبطة في نفس السائح الذي يظن نفسه أنه قد اشترى حصاً من السفير السري لانكي الممتاز يزن خمسة قراريط بمئة دولار، في حين أن قيمته الحقيقية هي خمسة آلاف دولار. أما الغبطة الحقيقية فتكون في نفس البائع الذي جنى ربحاً حقيقياً يزيد على 95 دولاراً.

وفي كولومبيا المشهورة بإنتاج أفضل زمرد في العالم، يقوم بعض محترفي التزييف بتحطيم إشارات السير الخضراء، ويقطعون من زجاجها أشكالاً منشورية ذات ستة جوانب مثل بلورات الزمرد، ثم يعمدون إلى تحضير عجينة من طين ورمال رسوبية من الفحم، ويزرعون البلورة الزجاجية داخل هذا الطين الخاص. وعندما يجف تماماً، يحفرون قليلاً حول البلورة لكشف بعض جوانبها، ولتبدو كبلورة زمرد طبيعية ضمن الصخرة الحاضنة لها.

الخلاصة هي أن القول إن الزمرد في كولومبيا رخيص جداً، لا يكشف إلا عن جهل قائله. ومن يردِّد هذا القول عن «تجربة»، هو في الواقع شخص خُدع بالزمرد المزيف في كولومبيا. فأهالي البلدان المنتجة للأحجار الكريمة هم أدرى من غيرهم بنوعيات هذه الأحجار وأسعارها أينما كان في العالم.

إذن، فإن الاقتراب من المصدر قد يوفِّر مجالاً حقيقياً لشراء الأحجار الكريمة بأسعار أرخص مما هي عليه في البلدان الأخرى. ولكن هذا الهامش يبقى محدوداً، وعندما يكون كبيراً يصبح مثيراً للشبهة. أما شراء الجوهرة الملكية من فلاَّح بائس في غابات البرازيل، أو من أحد أفراد قبيلة الماساي في تنزانيا، فهو أقرب إلى الحكايات الخرافية، إلا إذا كانت هذه الجوهرة مزيفة.

وماذا تشتري؟
مستويات الأحجار الكريمة
هنا أيضاً، كان يمكن اختصار القضية بالقول: اشترِ الحجر الذي تحبه والذي تسمح به ميزانيتك. ولكن الإنسان يحب الحجر الكريم للونه وشكله وليس لتركيبته الكيميائية غير المرئية. ويمكن للون نفسه والشكل نفسه أن يحضرا أمامه في حجرين أحدهما يساوي خمسين ريالاً، والآخر خمسين ألف ريال.

تصنِّف الجمعية الدولية لتجارة الأحجار الكريمة الملونة (ICGA) الياقوت والسفير والزمرد على أنها «أحجار كلاسيكية» تستحق أسعاراً عالية «نظراً لجاذبيتها الدائمة وتاريخها الطويل».

وتطلق الجمعية نفسها اسم «الكلاسيكيات الجديدة» على أحجار دخلت على صناعة المجوهرات بقوة مثل: التنزانيت والتورمالين والأكوامارين والتوباز الملكي والتسافوريت، باعتبار أن هذه الأحجار تلقى رواجاً متزايداً، وأسعارها تتجه إلى الصعود بشكل صاروخي.

وثمةأحجار نادرة لم تسوِّق لها أية جهة على نطاق واسع، وما زالت أسعارها معقولة خاصة عندما يكون وزن الحجر منها دون القيراطين مثل السبينال والزركون الطبيعي والمورغانيت وحجر القمر، وهي الأحجار التي تسميها الجمعية المذكورة «أحجار الهواة».

وأخيراً هناك «الأحجار المقدور عليها» (Affordable Gemstones). وهي أحجار ذات ألوان جميلة متوافرة بكثرة، وأسعارها في متناول الطبقةالوسطى مثل: أحجار عائة الكوارتز كالسيترين والأميتيست والعقيق والأونيكس والكالسيرون والصرد، وأيضاً الفيروز والزبرجد واللازورد والكونزيت.

النصيحة الأولى التي تُسدى إلى من يريد البدء باكتناز الأحجار الكريمة هي أن يتوجه إلى أحجار هذه الفئة الأخيرة، أي إلى عائلة الكوارتز والأحجار ذات المستوى المشابه. فيشتري كل حجر على حدة، يتأمله جيداً بعدسة مكبرة، يعاين ما فيه من متضمنات وشوائب، ويقارنه بغيره، ويقرأ عنه في المصادر المطبوعة أو على شبكة الإنترنت. وتدريجاً يمكنه أن يتجه صوب الأحجار الأغلى ثمناً حسب قدراته المادية. إذ إنه حتى ولو اشترى الهاوي حجراً مزيفاً من ضمن هذه الفئة، فالأمر لا يشكِّل خسارة كبيرة، لأن مقارنة المزيف بالطبيعي تشكِّل درساً مهماً يستحق ثمنه.

سلوك المتسوِّق في المتجر
لو أخذنا أكثر أشكال التسوق تقليدية، أي الدخول إلى متجر متوسط المستوى (والاستقامة)، لأمكننا إعطاء المتسوق النصائح الآتية:

1 – عليك أن تكوِّن فكرة أولية عن نوعية الحجر الذي ترغب في شرائه، وذلك من خلال القراءة عنه قليلاً، إما في الكتب، وإما من خلال تصفح الإنترنت، بحيث تعرف مدى ندرته وأفضل نوعياته ومستوياته اللونية والبلدان المنتجة له وما شابه.

2 – عندما تدخل إلى المتجر، عليك أن تطلب ما تريده بشكل لا يخلو من بعض التفاصيل، كي يأخذك التاجر على محمل الجد، كالقول: «أريد حصاً من السفير السري لانكي بين القيراط الواحد والقيراطين وغير معالج». إن مثل هذا الكلام يجعل التاجر يفقد جرأته على أن يعرض عليك حجراً صناعياً. أما إذا قلت: «أريد حصاً من السفير.. السفير هو أزرق، أليس كذلك؟»، فهذا يعني أنك تشد التاجر شدَّاً كي يعرض عليك حجراً صناعياً، أو حتى قطعة من الزجاج الأزرق. لأنك إن كنت لا تعرف لون السفير (أو ألوانه المختلفة)، فإن التاجر سيعرف فوراً أن لا علاقة لك بعالم الحجر الكريم، وأن المجال مفتوح على مصراعيه أمامه ليعرض عليك ما يشاء وبأي سعر يشاء.

3 – إذا عرض عليك التاجر حجراً واحداً، ومهما كان ملائماً، اطلب رؤية غيره قبل أن تسأله عن الثمن.

4 – مهما كانت دهشتك بالحجر كبيرة، فلا تتركها تظهر على وجهك، بل تظاهر بالتفكير والتردد.

5 – عندما يضع التاجر أمامك ستة أو سبعة أحجار لتختار منها، وحتى ولو عرفت أياً منها تريد، فلا تعلن ذلك فوراً، بل اسأله عن ثمن كل حجر على حدة. ثم احذف من المجموعة أربعة أو خمسة أحجار، واسأله مجدداً عن ثمن كل واحد من الباقي، وعلى الأرجح، ستحصل على تخفيض. ثم تحصل على تخفيض آخر في المساومة على الحجر الذي تريده فعلاً.

6 – شدِّد في حوارك مع التاجر على «طبيعية» الأحجار التي يعرضها عليك، واسأله مجدداً إذا كانت معالجة أم لا، وما إذا كان يكفل ذلك.

7 – إن التجار الحقيقيين والمستقيمين يحبون أحجارهم، ويستمتعون بالحديث عنها. ولهذا، فلا حرج في أن تسأل قدر ما تشاء. وإذا رغبت في كسب ود التاجر فعلاً، يكفيك أن تمتدح بضاعته ببعض الكلمات اللطيفة والعامة، حتى ولو كنت لن تشتري منها شيئاً.

8 – إذا كان الحجر الذي تشتريه رخيص الثمن جداً (دون المئة ريال مثلاً)، فليس من الضروري أن تطلب تفصيل مواصفاته في الإيصال. أما إذا كان ثمنه أكثر من 300 أو 500 ريال مثلاً، فعليك أن تطلب من التاجر أن يذكر في الإيصال إضافة إلى مقاييس الحجر ووزنه، الإشارة إلى أنه طبيعي وغير معالج، أم معالج ونوعيته المعالجة.

9 – لا تشتري أي حجر يزيد ثمنه على 1000 ريال مثلاً، إلا إذا كان مصحوباً بشهادة من مختبر تؤكد هويته على الأقل. وشهادات تأكيد الهوية التي لا تتضمن الكثير من التفاصيل هي غير مكلفة جداً (بين 20 و50 دولاراً)، وتكفي للتأكيد على أن هذا الحجر هو من هذا النوع أو ذاك وما إذا كان معالجاً أم لا. أما الشهادات ذات التحليل الكامل، فيمكن أن تصل كلفتها إلى نحو 150 دولاراً في كبار المختبرات مثل (GIA) وغيرها، وتصبح مستحقة لكلفتها عندما يكون ثمن الحجر فوق الألف أو الألفي دولار. فهناك أحجار ملونة كثيرة لا يمكن شراؤها على الإطلاق من دون شهادة من مختبر مثل: تورمالين بارييبا (الأغلى من الماس)، والألكسندريت، والياقوت غير المعالج، والسفير غير المعالج، واللؤلؤ الطبيعي. أما الماس فمن الضروري أن يكون مصحوباً بشهادة عندما يكون وزن الحجر فوق القيراط الواحد، أو حتى حوالي نصف القيراط أو أقل من ذلك، إذا زعم التاجر أن لونه من المستوى (D)، وأنه خالٍ من الشوائب تماماً. لأن ذلك يرفع ثمنه بشكل فلكي، ولا يمكن تأكيد مثل هذه المواصفات لا بالعين المجردة ولا بالعدسة المكبرة 10 مرات إلا من قبل الخبراء المتخصصين.

10 – أما النصيحة الأهم من كل ما تقدَّم، فهي أن تشتري دائماً الحجر الذي تحبه، والذي تتيحه لك قدرتك المادية، من دون أن تأخذ بالاعتبار التصنيفات الشائعة. إذ لا شيء يمنع بعض أصحاب الذوق الرفيع أن يفضلوا حجراً من العقيق لا يزيد ثمنه على عشرة ريالات على زمردة ثمنها عشرة آلاف ريال. فالثمن والقيمة التجارية شيء، والجمال وحب الحجر شيء آخر. والمهم أن يحب الهاوي أحجاره.

أمام المتاجر الإلكترونية
منذ ظهور التجارة الإلكترونية على شبكة الإنترنت، احتلت الأحجار الكريمة مساحة واسعة ضمن إجمالي مساحة هذه التجارة. وبات هناك آلاف المتاجر التي تبيع الأحجار الكريمة من خلال الإنترنت، ومن ضمنها المئات (وربما الآلاف) من خلال موقع المزادات الشهير «إيباي».

ولشراء الحجر الكريم عبر شبكة الإنترنت جاذبية خاصة. فهو يسمح للمتسوق أن يتصفح عدداً لا يُحصى من الخيارات، وأن يُجري كل المقارنات التي يريدها بشكل أوسع بكثير من الأسواق التقليدية، وأيضاً من دون الشعور بحرج كالذي يتسبب به تقليب مئات الأحجار في المتاجر التقليدية لساعات وعدم شراء أي منها.

إضافة إلى ذلك، فإن معدلات أسعار الأحجار الكريمة في المتاجر الإلكترونية تكون عادة أقل بنسبة ملحوظة من أسعارها في المتاجر التقليدية. وأسباب ذلك عديدة، أهمها أن المنافسة هي بين كل تجار العالم، والاحتكار المحلي غير وارد فيها. كما أن هذه المتاجر لا تدفع إيجارات المحلات في الشوارع الرئيسة في المدن، بل تُدار من البيوت وورش الصقل الصغيرة، ناهيك عن أن معظمها قريب من مواضع استخراج الأحجار الكريمة أو من مراكز صقلها بالجملة، الأمر الذي يحذف من الطريق بين المستخرج والمشتري عدداً ملحوظاً من الوسطاء والسماسرة وما يضيفونه على ثمن الحجر لتحقيق أرباحهم. ومن أشهر البلدان التي نمت فيها تجارة الأحجار الكريمة عبر الإنترنت نذكر تايلند، والصين، والولايات المتحدة، وأستراليا، والهند، وإيطاليا. ففي كل هذه البلدان وغيرها تقع ألوف المتاجر التي تبعد يومين أو ثلاثة بالبريد السريع من بيت أي متسوق أينما كان في العالم.

ولكن مقابل كل هذه الحسنات، يبقى شراء الأحجار الكريمة عبر شبكة الإنترنت محفوفاً بالخطر أو مثيراً للقلق والحذر، ويختلف كثيراً عن شراء الكتب والمجلات والأدوات الإلكترونية. أولاً، لأن الأحجار الكريمة ليست منتجات موحدة المواصفات. وثانياً، لأن أي تبدل لوني أو على صعيد الصقل والنقاء هو أمر مهم جداً على صعيد الثمن، ولهذا فإن شراء حجر كريم بناءً على صورته ووصف التاجر له يبقى مسألة حساسة.

فبموازاة آلاف المتاجر التي تتمتع بصدقية كبيرة ومستوى عالٍ من الاستقامة، هناك ربما الآلاف ممن هي خلاف ذلك. ولهذا، ولو جمعنا خلاصات تجارب الذين سبق لهم أن تسوقوا إلكترونياً، لأمكننا ترتيب الملاحظات والنصائح على الوجه الآتي:

1 – قبل أن تشتري أي حجر كريم عبر الإنترنت، عليك أن تستفسر عن شروط الجمارك في بلادك، ومدى صدقية وسائل الشحن فيها (بريد مضمون، بريد سريع، شركات نقل سريع خاصة، الخ..). في المملكة ودول الخليج العربي، تسمح القوانين الجمركية باستيراد الأحجار الكريمة دون رسوم إذا كانت بكميات محدودة وللاستخدام الشخصي، كما أن البريد الحكومي فيها يتمتع بأداء ممتاز وصدقية عالية. ولكن، للأسف ليس هذا هو الحال دائماً في بعض البلدان العربية حيث يمكن للتعقيدات الجمركية أن ترهق المشتري بإجراءات بيروقراطية مرهقة تُفسد متعة التجربة، كما أن استقامة أداء دوائر البريد فيها تبقى موضع تساؤل.

2 – يجب إعطاء الأولوية للمتاجر الإلكترونية التي مضى على تأسيسها أربع أو خمس سنوات على الأقل. لأن المتاجر السيئة ومراكز الاحتيال لا تعيش مثل هذه الفترة على الشبكة.

3 – لا تتعامل مع متجر يخفي عنوانه الحقيقي ووسائل الاتصال به (غير البريد الإلكتروني) مثل الموقع ورقم الفاكس وغير ذلك.

4 – يجب إعطاء الأفضلية للمتجر الذي يملك مخزوناً أكبر من غيره. لأن ذلك يعني أنه يشتري الأحجار بالجملة، ويحصل على حسومات كبيرة لا يحصل عليها من يشتري حجراً واحداً من كل نوع. وبالتالي، فهو قادر على البيع بسعر أقل من الآخر.

5 – تأكد من أن رضاك عن الحجر عند استلامه هو شرط من شروط الصفقة، وأن من حقك أن ترده إذا لم يعجبك. وتجنب شراء أي حجر من متجر لا يقبل استرداد ما باعه.

6 – لقد طوَّر التجار الإلكترونيون طرقاً ميسرة لتصوير الأحجار التي يبيعونها مهما كانت رخيصة الثمن. ولذا، لا عذراً صادقاً لأي تاجر يعرض صورة تقريبية أو «نموذجية» للحجر المعروض للبيع. إلا محاولته الغش. ولذا على المشتري أن يتأكد من أنه سيحصل على الحجر المصوَّر نفسه وليس على شبيه به. لأن هذا «الشبيه» سيكون على الأرجح ذا نوعية أدنى مستوى من النوعية الظاهرة في الصورة.

7 – تجاهل تماماً الوصف الأدبي للحجر، مثل القول «رائع»، «يطيح بالعقل»، «ضخم»،… واقرأ تفاصيل المواصفات (الوزن، المقاييس، اللون، وما إذا كان الحجر قد عُولج أم لا). فبعض التجار مثلاً لا يتردد في استخدام تعبير «لؤلؤة طبيعية زراعية»، علماً بأنه لا يمكن الجمع بين هاتين الكلمتين، فاللؤلؤة هي إما طبيعية وإما زراعية. ولكن بعضهم يستخدم مثل هذه المفردات متجمعة، ربما من دون نية سيئة، للتأكيد على أن هذه اللؤلؤة ليست صناعية من البلاستيك أو الزجاج.. كما أن صياغة الأوصاف باللغة الإنجليزية يمكنها في بعض الأحيان أن تكون سبباً في التباس ما.فعندما يكون حصاً من السفير ذا لون أزرق ممتاز، يقول بعض التجار: «سفير أزرق كشميري». فمن المعروف أن كشمير كانت مصدر أفضل نوعيات السفير الأزرق وأجملها على الإطلاق. بحيث يبلغ ثمن القيراط الواحد منه اليوم عشرات آلاف الدولارات. ولكن استخراج السفير توقف في كشمير منذ نحو قرن، ومن شبه المستحيل طرح ما هو موجود منه اليوم للبيع في المتاجر الإلكترونية بسبب ضنّ الجميع به. فكلمة «كشميري» التي ترد بعد كلمة أزرق، تشير إلى اللون وتمتدحه، وليس إلى موضع الاستخراج الذي قد يكون تايلند أو مدغشقر أو غيرهما.. وإلا لقال التاجر: «سفير أزرق ملكي مستخرج من كشمير ومصحوب بشهادة».

8 – في تحديد أنواع بعض الأحجار، يلجأ بعض التجار إلى استخدام تسميات للأحجار تبقيهم ضمن القانون، ولكنها تخدع المشترين. مثل القول: «عنبر صيني» الأمر الذي قد يُوهم المشتري أنه أمام عنبر مستخرج في الصين. ولكنه يكون في الواقع أمام عنبر صناعي «صُنع في الصين». الأمر نفسه ينطبق على «فيروز التيبت» وهو حجر صناعي لا يمت إلى الفيروز بصلة. وأكثر من ذلك، فمن المدهش أن نجد ضمن النمط نفسه من التسميات من يتحدث عن «مرجان التيبت»، علماً بأن هضبة التيبت هي قارية لا تلامس أي بحر، ولا أحد يعرف كيف وصلها المرجان.

هذه المشكلة ملحوظة بشكل خاص في المتاجر الإلكترونية الصينية. ففي الإعلان عن الأحجار الطبيعية، تكون الإشارة إلى ذلك واضحة قرب الاسم مباشرة: «فيروز طبيعي»، «مرجان طبيعي»، الخ.. إلا إذا كان المتجر يُعلن لمرة واحدة في موضع آخر، وعلى مسؤوليته، أن كل الأحجار التي يبيعها هي طبيعية.

9 – فيما يتعلق بالأحجار التي تكون أسعارها في حال عدم خضوعها للمعالجة أغلى بكثير من تلك التي عُولجت مثل الياقوت والسفير، فإن إغفال الإشارة إلى ذلك من قِبل التاجر يعني أن الحجر معالج، لأنه لو لم يكن كذلك لأعلن التاجر عن ذلك بالخط العريض. وفي هذا المجال نشير إلى أن المتاجر الإلكترونية التايلندية هي الأكثر صدقية، لأن القوانين هناك صارت في السنوات الأخيرة أكثر تشدداً في وجوب الإعلان عن المعالجة ونوعيتها في حال كان الحجر قد خضع لها.

10 – يجب توخي الحذر فيما يتعلق بلون الحجر نظراً لأثره الكبير على ثمنه. إذ يمكن لكل الأحجار أن تبدو على شاشة الكمبيوترأفتح أو أغمق حسب كل جهاز ووضعية الشاشة أمام العين. كما أن التصوير (ومعالجة الصور أحياناً ببرنامج الفوتوشوب) يمكنه أن يعبث قليلاً باللون ليجمِّله. ولهذا يجب أن يكون شراء الأحجار مصحوباً بإمكانية ردّها إلى المتجر واسترداد ثمنها.

11 – تذكَّر أن معظم الأحجار على شاشة الكمبيوتر هي مكبَّرة عشرات المرات. ولا يكفي أن تتذكَّر، بل يستحسن أن ترى بعينك على أداة قياس في يدك كم سيكون طول هذا الحجر وعرضه وعمقه، كي لا تصاب بخيبة أمل من الوقع النفسي عندما تحصل عليه. لأن الأحجار الكبيرة هي باهرة دائماً أكثر من الصغيرة. فحجم الحجر لا يرتبط فقط بثقله النوعي، بل أيضاً بطريقة قطعه.

12 – اعتمد عند الدفع على بطاقات الائتمان، وادفع دائماً عبر وسيط ضامن (مثل بايبال أو ورلد باي أو غيرهما) الذي يبقي ثمن الحجر محتجزاً لديه لمدة تكفي لأن يستلمه الزبون ولا يسجِّل أي اعتراض على الصفقة. أما الباعة الذين يشترطون تحويلات مباشرة، أو الدفع بواسطة شركات تحويل الأموال السريع، فهم مثيرون للريبة.

زوايا في الظل
ختاماً، نشير إلى أنه في أسواق الذهب في البلاد العربية زوايا يمكن شراء الأحجار الكريمة منها في ظل الذهب. فالتجار الذين يشترون المجوهرات المستعملة بغية إعادة صهر ذهبها، يفككون ما فيها من أحجار ترصِّعها ويضعونها جانباً في علب يختلط فيها الطبيعي بالصناعي. والمتسوِّق الماهر، يمكنه أن يجد فيها فرصاً عديدة لتحقيق صفقات مربحة، خاصة في مجال الأحجار المقدور عليها و«أحجار الهواة» لضعف الطلب عليها في أسواق متخصصة أولاً وأخيراً بالذهب دون غيره.

أضف تعليق

التعليقات

عبد الرحمن احمد

لو تكرمت اريد ان اتواصل مع وسيط نزيه في مجال الاحجار الكريمه وشكرا