قصة مبتكر
قصة ابتكار
دايفيد بـرادلـي
كيـس الشــاي
ربما لا يعرف الكثيرون اسمه، لكنه أحد العقول التي جعلت فكرة الكمبيوتر الشخصي شيئاً ممكناً، وفتحت له كل تلك المجالات لاستخدامه في حياتنا، كما أنه الشخص الذي يتوجب علينا شكره كلما أنقذتنا المفاتيح الثلاثة الساحرة Control-Alt-Delete ، من ورطة كمبيوترية علقنا بها. ولد دايفيد برادلي في العام 1949م، وبعد انتهائه من دراسته الثانوية، التحق بجامعة دايتون بولاية أوهايو الأمريكية لدراسة الهندسة، وتخرج منها في العام 1971م. وبعد تخرجه، استكمل برادلي دراسته في جامعة بوردو حيث حصل على درجة الماجستير في الهندسة الكهربائية عام 1972م، ثم على درجة الدكتوراة في المجال نفسه في العام 1975م. بدأت رحلة برادلي مع الكمبيوتر بعد حصوله على درجة الدكتوراة، حيث التحق بالعمل في شركة آي. بي. أم. (IBM)، وشارك في العمل على اثنين من أنظمة الحاسب، كانت آي. بي. أم. تعمل على تطويرهما في ذلك الحين. في العام 1980م كان برادلي واحداً من المهندسين الاثنى عشر الذين اختارتهم الشركة للعمل على بناء أول نظام للكمبيوتر الشخصي يحمل اسمها. وواجه الرجل وفريقه مشكلة أثناء عملهم، تكمن في اضطرارهم إلى إقفال الأجهزة ثم إعادة تشغيلها عندما تسير الأمور بطريقة خاطئة، أو تجمد الجهاز لسبب أو لآخر. كان على أحدهم أن يقوم بإقفال جهاز الكمبيوتر، وينتظر لبضع دقائق قبل أن يقوم بإعادة تشغيله. ثم ينتظر ثانية حتى يقوم الجهاز بفحص أدائه قبل عودته للعمل. كان الأمر يصيبهم بالملل، ويستهلك كثيراً من الوقت. فلم يكن أداء أجهزة الكمبيوتر بالسرعة التي نعرفها الآن. كان الأمر محبطاً لفريق عمل يعني له الوقت الكثير، حيث كانت آي. بي. أم. في سباق مع الزمن، لتقوم بطرح حاسبها الشخصي في وقت قياسي، يحفظ لها اسمها في عالم أجهزة الكمبيوتر، بعد أن سبقتها شركة آبل بخطوات، وقامت بطرح حاسبها الشخصي في الأسواق. كان برادلي يحتاج إلى طريقة جديدة يستطيع بها أن يعيد تشغيل جهاز الكمبيوتر، تكون على درجة كبيرة من البساطة، ولا تتطلب الكثير من الوقت، وتختصر اختبارات الأداء التي يقوم بها الجهاز عند إعادة تشغيله. وفي هذا الصدد يقول هذا المبتكر إن الأمر لم يتطلب منه سوى خمس دقائق من التفكير، قبل أن تولد الشفرة الثلاثية الشهيرة Control-Alt-Delete . صمم برادلي مجموعة من الشيفرات التي تسمح بإعادة تشغيل الكمبيوتر، عندما يتم الضغط على تلك المفاتيح الثلاثة. كان اختيار مفردات تلك الشيفرة اختياراً ذكياً، فكونها تتكون من ثلاثة مفاتيح، ووقوع مفتاح الإلغاء (Delete) بعيداً عن المفتاحين الآخرين، يجعلها شفرة آمنة بالرغم من بساطتها. إذ أن ضغطها يتطلب استخدام اليدين معاً، وبصورة لا يمكن أن تحدث بالصدفة، أو عن طريق الخطأ. قدمت شفرة برادلي حلاً للمشكلة التي واجهت فريقه في العام 1980م، لكن استخدامها لم يتوقف حتى الآن، وانتقلت من يد المهندسين ومطوري البرامج، إلى أيدي المستخدم العادي. فقد تبنتها شركة ميكروسوفت لتصبح جزءاً من نظام الويندوز ، كحل مثالي لمشكلات توقف البرامج من العمل، يتيح للمستخدم الخروج من تلك الورطات الصغيرة، وبأقل درجة من الإيذاء للجهاز ومكوِّناته. يقول برادلي بتواضع عن شيفرته الذكية: قد أكون أنا من ابتكر Control-Alt-Delete ، لكن بيل جيتس هو من أعطاها تلك الشهرة .
تخفي بعض الأشياء البسيطة التي نستعملها أو نستهلكها كل يوم, تاريخاً بأكمله, كما أنها, بحكم الاعتياد عليها, تفقد قدرتها على الإدهاش كما كانت عند اكتشافها. فهل خطر ببال أحد يوماً أن كيس الشاي المألوف جداً عند الكثيرين, هو على بساطته قاسم مشترك بين كافة الحضارات؟ لم يقصد توماس سيليفان, تاجر الشاي في نيويورك عندما وضع سنة 1908م أول كيس شاي في السوق, إلاّ التوفير بالنقل. فهو كان يضع أوراق الشاي في علب من التنك حيث كانت ثقيلة الوزن وباهظة الثمن. فاعتقد أن وضع الشاي في كيس من الحرير أسهل للنقل حيث كان عليه أن يبعث بكميات كبيرة لزبائنه. كما أن وضع أوراق الشاي في علب التنك تجعل المستهلكين الصغار غير قادرين على شرائها, لأنه لا يستطيع أن يضع كمية صغيرة في علبة واحدة. وبالصدفة اعتقد بعض زبائن سيليفان أن المقصود بالشاي داخل الكيس, أن يغمّس بالإبريق, فيتحلل الشاي في الماء. ومن دون قصد, كرّس هؤلاء الزبائن بداية عادة جديدة وإنجازاً كبيراً في تاريخ الشاي المعاصر, سيتوسّع لاحقاً في كلّ بلدان العالم. فبحلول سنة 1920م, أصبحت أكياس الشاي في أمريكا تنتج للسوق على نطاق واسع، واستبدل الحرير بالشاش ثم بأكياس الورق التي تتسع لأحجام صغيرة وتكفي لكوب واحد, ثم انتقل استهلاكها إلى أوروبا, حيث تبلغ اليوم نسبة استهلاك الشاي بالأكياس 96 في المئة من مجموع استهلاك الشاي العام. ويبدو أن الصدف رافقت تاريخ الشاي منذ البداية. فكما تقول الأسطورة, كانت الصين مصدر اكتشاف الشاي, حيث كان الإمبراطور شين نونغ يزور منطقة نائية من إمبراطوريته قبل أكثر من 4500 سنة, حين قدّم له الشعب كوباً من الماء الساخن لضروريات صحية, وبالصدفة وقعت ورقة من الشجرة جعلت الماء بني اللون, فوجد الإمبراطور ذلك طيِّب المذاق وطلب بشرب المزيد. وكما تحولت كلمة شاي من أصل صيني (Cha) إلى تاي (Tay) نسبةً إلى لغة المنطقة التي كانت صلة الوصل بين الصين وهولندا وهي فيوجيان حيث كانت شركة التجارة الهولندية هي صلة الوصل بين هذين البلدين. ثم تحولت الكلمة إلى تي (Tea) لملاءمة اللهجة الإنجليزية، في حين أنها بقيت في أوروبا تلفظ تاي (Tay). كذلك أيضاً تحوّل إبريق الشاي إلى كيس من ورق لملائمة نمط حياة جديد. كان الطقس الذي يرافق شرب الشاي يناهز بأهميته طعم الشاي نفسه. فبعض الحضارات القديمة كانت تعتبر جلسات الشاي جلسات احتفال، حيث كان الوقت يلعب دوراً أساساً فيها. وكان اللافت في تلك الاحتفالات الرائحة العطرية التي كانت تفوح من إبريق الشاي وتضفي على هذه المجالس جوّاً خاصاً. أما اليوم فإن أكياس الشاي ألغت تلك المجالس وحشدت أوراق الشاي في مكان ضيق لا تتمكن من التمدد والانصهار مع الماء. هذا عدا أن نوعية الشاي في الكيس يمكن أن تكون أقل جودة, إلا أنها تعكس نمط الحياة السريعة التي آلت إليها البشرية. صحيح أن مجالس الشاي التقليدية فقدت الجو الاجتماعي حول الشاي, لكن أكياس الشاي كانت قاسماً مشتركاً بين كثير من الحضارات المختلفة. وربما سبق كيس الشاي غيره في نسج علاقات العولمة باكراً.