تضمَّن عدد القافلة لشهر أبريل/مايو 1962م، استطلاعاً مصوراً حول القصيم بقلم حسن عزت. ومن هذا الاستطلاع نختار مقتطفات تصوِّر ما كانت عليه المنطقة آنذاك..
بدأنا رحلتنا هذه من الظهران حيث استقلينا سيارة انطلقت بنا إلى الرياض، نقطة انطلاقنا في رحلتنا الطويلة. ولقد كانت بداية الرحلة جميلة، إذ إن الطريق معبَّد مرصوف ما بين الظهران والرياض، وتستطيع السيارة الصغيرة أن تقطعه في حوالي خمس ساعات من السير المتواصل.
وقد مررنا في طريقنا عبر الدهناء، وهي أسياف منفصلة عن النفود الشمالي وواصلة بينه إلاَّ في مسافة قصيرة بين النفود الجنوبي الكبير المسمى بالربع الخالي.
وقد وصلنا إلى الرياض في نفس اليوم وقضينا بها ليلتين استأنفنا بعدها السفر إلى القصيم. وتحركت بنا السيارة التي كنا قد استأجرناها في الرياض لهذه الرحلة. ورأينا في طريقنا ونحن خارجون من الرياض كيف شُقَّ الطريق وسط الصخور الصلبة. وكنا نرى على جانبي الطريق الهاويات السحيقة التي يمكن أن تصيب الناظر بالدوار لعمقها. وعقب اجتيازنا لها، مررنا على الطريق المرصوف الذي وصل تعبيده حتى «مرات» التي تبعد مسافة 170 كيلومتراً عن الرياض. وبعد ذلك سارت بنا السيارة في طريق سهل منبسط وحتى إذا ما أصبحنا على مسيرة ساعتين بالسيارة تقريباً من بريدة، أصبح الطريق صخرياً وعراً. وعلى مسافة ساعة من بريدة، اضطررنا لاجتياز تلال الرمال الكبيرة في صحراء النفود. (…)
وبعد أن اجتازت بنا السيارة كثبان الرمل الكثيفة، مررنا بقرية الشماسية، وقرية الربيعية ومنهما إلى بريدة التي وصلناها في الساعة العاشرة من الليل.
وفي صبيحة اليوم التالي تشرفنا بزيارة سمو الأمير سعود بن هذلول، أمير القصيم، الذي حدثنا عن بريدة والقرى المحيطة بها وتكرم فكلَّف أحد رجال الإمارة بمرافقتنا كدليل أثناء تجوالنا في القصيم.
القصيم
والقصيم يُحد من الجنوب الشرقي بالوشم، ومن الجنوب الغربي بمنحدرات عتيبة، ومن الغرب والشمال بجبل شمّر والصحراء الشمالية.
وقد قال عنها سعادة الشيخ حافظ وهبة في كتابه «جزيرة العرب في القرن العشرين»: «مزارعها كثيرة جداً حتى إنها كشبه حديقة تحيط بها صحراء، وتجود في هذه الواحة المزروعات على اختلاف أصنافها».
وقد قال عنها محمد بن عبدالله بن بليهد في كتابه «صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار»: «القصيم: هو بلد عظيم مشهور بهذا الاسم إلى هذا العهد، واقع في القطعة الشمالية من نجد، عامر كثير القرى والنخيل والمزارع (…)».
ويستطرد فيقول: «أما بريدة: المدينة المشهورة في وسط القصيم، فالذي اكتشفها الدريبي، من أهل ثرمدا من العناقر، اكتشفها في النصف الأخير من القرن العاشر تقريباً، وبقايا ذريته هم آل أبي عليان الذين لهم ذكر في تاريخ بريدة».
وبريدة تقع في الطرف الشمالي من القصيم العُليا على الجانب الأيسر من وادي الرمة، وهي من أكبر المدن النجدية وأحسنها نظاماً ونظافة.
المباني
ومعظم مباني بريدة من اللبن، وتُكسى الجدران هناك بطبقة من الطين المخلوط بالتبن، وذلك لتقويتها ضد مياه الأمطار. وبعض البيوت من طابقين أو ثلاثة طوابق، ويميل البعض إلى تزييت رؤوس بيوتهم بالجير الأبيض (النورة) التي تُكسب البيوت لوناً زاهياً جذاباً.
وتقع مدينة بريدة على مرتفع رملي، وهي صحية جداً وأرضها خصبة، وبساتينها كثيرة، والمياه فيها متوافرة. إلا أنها ليست خالصة العذوبة. ويتراوح معدل عمق الآبار في بريدة ما بين 20 و40 قدماً.
ويبلغ تعداد سكان بريدة حوالي 40 ألف نسمة معظمهم من بني تميم، وهم يربون الإبل والغنم التي تكوّن جزءاً من ثروة البلاد، ويصدِّرون إلى الخارج ما يفيض عن حاجتهم.. كما أنهم يُعنون بتربية الخيول ويصدِّرونها إلى الشرق والشمال.
التعليم
وقد قمنا بزيارة للأستاذ الشيخ سليمان الشلاش، مدير التعليم بمنطقة القصيم، فحدثنا عن مجهودات وزارة المعارف في بريدة. وقد ذكر لنا أن هناك تسع مدارس ابتدائية في بريدة موزعة على مختلف أحيائها حسب تعداد السكان. وبهذه المدارس الابتدائية 2421 طالباً. كما أن بها مدرسة متوسطة وثانوية يدرس فيها 98 طالباً، ومدرسة صناعية بها 154 طالباً، ومعهداً للمعلمين به 156 طالباً، ومدرسة زراعية، بها 91 طالباً.
وتدرَّس في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية العلوم الدينية، والعلوم الطبيعية، واللغة العربية، واللغة الإنجليزية، والرياضة بأنواعها، والمواد الاجتماعية، كما تدرس اللغة الفرنسية في المرحلة الثانوية فقط.
أما في المدرسة الزراعية فتدرس الكيمياء والطبيعة والعلوم النباتية، ويقوم الطلبة من وقت إلى آخر بزيارة الحقول والبساتين لتلقي دروس عملية في الزراعة. وتدرس بجانب هذه المواد العلوم الدينية، والرياضيات، واللغة العربية، واللغة الإنجليزية.
أما معهد المعلمين فيقوم بتخريج المدرسين للمدارس الابتدائية للقصيم والأماكن الأخرى التي تحتاج إليهم. وسيوسع هذا المعهد في المستقبل ويزداد عدد طلابه.
وقد قمنا بزيارة للمدرسة الصناعية، وطفنا بجميع أقسامها. وتتكون المدرسة من عدة أقسام، منها قسم للنجارة، يقوم طلابه بصنع براويز الصور والحوامل والكراسي المكتبية والمنزلية ومختلف الأثاثات المنزلية. وقسم للبرادة، يقوم طلابه بصنع جميع المواد التي يستخدمونها كالمناشير والمفاتيح والمفكات وثقالات الأوراق وغيرها. وهم يستفيدون من كل قطعة من الحديد كبيرة كانت أم صغيرة، في صنع هذه الأشياء على مختلف الأحجام والأشكال.
وهناك أيضاً قسم للسمكرة والأعمال الصحية، ويقوم طلابه بتصميم وصنع الأثاثات المعدنية، وصنع التوصيلات الصحية للمباني كمواسير المياه وخلافها. كما يقومون أيضاً بتصميم خرائط المباني.
وهناك أيضاً قسم لميكانيكا السيارات، ويتبع له قسم للبرادة يقوم طلابه بتشكيل المعادن، وصنع بعض قطع الغيار الصغيرة كالصواميل، وفياش الفرامل، ومفاتيح السيارات بجميع أنواعها. والملاحظ أن الإقبال كبير على هذه المدرسة الصناعية.. إذ بها الآن 154 طالباً يتلقون تدريباً في مختلف الصناعات.
وفي بريدة مستشفى كبير مزود بأحدث الأجهزة الطبية، وبه عيادة خارجية يتردد عليها يومياً ما بين 300 و400 مريض.
والجدير بالذكر أن السادة إبراهيم الراشد الحميّد وإخوانه قد أنشأوا مرآباً من أحدث مرائب السيارات، زودوه بأحدث الآلات اللازمة لصيانة مختلف أنواع السيارات، ويُعد هذا المرآب بحق من أحدث المرائب في المملكة.
ولقد لفت نظري أثناء إقامتي في بريدة، منظر المستنقعات التي تجمعت عن الآبار التي حفرها الأهالي هناك في الماضي بطريقة خاطئة.. إذ حُفر البعض منها باليد والبعض الآخر بالآلات، إلا أن الحفر لم يتم بطريقة فنية صحيحة، مما أدى إلى ارتفاع المياه في تلك الآبار حتى طغت على سطح الأرض، مكونة مستنقعات تهدد بخطر صحي جسيم، كما تهدِّد المباني المبنية بالطين (اللبن). وإزاء هذا الموقف، قامت وزارة الزراعة الرشيدة بدراسة هذه الحالة وقررت على الإثر دفن الآبار الخمس عشرة، وحفر آبار أخرى بدلاً عنها للمزارعين. واغتنمت الوزارة الفرصة في نفس الوقت، فقامت بدراسة جميع مياه منطقة القصيم، وقد أوفدت لذلك مهندس الحقل الأستاذ حامد دردير، والمستر وود الجيولوجي الأمريكي المختص بشؤون المياه. ونفس ما حدث في بريدة حدث في قرية عيون الجواء التي تقع على بُعد 35 كيلومتراً شمال غربي بريدة.
صور: خليل أبو النصر