صحيح أن شاشات اللمس باتت حاضرة في ما لا يحصى من التطبيقات، مثل الحواسيب والهواتف الذكية وأجهزة الصرف الآلي وصناعة الأقفال والساعات اليدوية، وبدأت تطل برأسها في السيارات، ولكن الأبحاث الجارية على تطبيقات أخرى لهذه التقنية، تؤكد أن استخداماتها في القريب المنظور ستتوسع أكثر بكثير مما هي عليه الآن، وصولاً إلى الأثاث المنزلي.
تُصنع شاشات اللمس تبعاً لأكثر من عشر تقنيات شائعة. منها شاشات المقاومة الكهربائية وهي الأكثر استخداماً في الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية اعتماداً على شحنات الكهرباء الساكنة التي يحملها جسم كل منَّا جرّاء مشيه على الأرض وتفاعله مع الأشياء. فالطبقة العليا لهذا النوع من الشاشات هي فاصل زجاجي، فيما السطح الداخلي موصول بجهد كهربائي خفيف، وعندما يلمس المستخدم الشاشة بإصبعه، فإن الجهد الكهربائي على اللوح يتأثر بفعل شحنة كهرباء الإصبع ويتحدد موضع هذا الاضطراب بدقة، ومن ثم ترسل المعلومات مباشرة إلى المعالج في الجهاز لتتم الاستجابة الفورية لهذه اللمسة.
هناك نوع ثانٍ من شاشات يعتمد على الضغط وليس اللمس، وهو الشائع في القارئات الآلية مثل أجهزة الكندل والأجهزة الدفترية المزودة بمؤشرات قلمية. هنا تتكون شاشات اللمس من طبقتين بينهما فراغ دقيق. وعندما يضغط المستخدم بإصبعه على الطبقة الخارجية تتلامس هذه الطبقة بالطبقة الداخلية الموصلة للكهرباء في نقطة الضغط، ويتم تحديد موضع الضغط بواسطة مستشعر مرفق بالطبقة الداخلية للشاشة.
يعزو كثيرون هذا الوجود الطاغي لشاشات اللمس في حياتنا اليوم إلى ظهور أول هاتف (آيفون) من شركة آبل في 2007م. لكن آبل لم تخترع شاشة اللمس. ما حصل كان حملة تسويق ناجحة جداً لمنتج مرَّ بمراحل تطوير طويلة قبل أن يصل إلى درجة من النضج أتاحت له هذا القبول.
أقدم مما نظن!
ظهرت المقترحات الأولى لشاشة اللمس بين عامي 1965 و1967م في مقالات مزوّدة بصور ورسومات لوسيلة إدخال للبيانات تستغني عن لوحة المفاتيح. ولم يكد العقد ينقضي، حتى ظهرت نماذج أجهزة للتحكم بالملاحة الجوية تعتمد على مبدأ شاشة اللمس، واستمر بعضها في الخدمة إلى التسعينيات.
يسعنا القول إن سوق الألعاب الإلكترونية – سواء الترفيهية أو التعليمية – كانت هي الموجّه الأول للسوق الاستهلاكية لهذا المنتج. وقد قدمت شركات SONY وHP وSEGA مبكراً منتجات تعتمد شاشات شفافة يسع المستخدم أن يمرِّر عليها قلماً مخصوصاً لينعكس ما يفعله رسماً أو كتابة على شاشة التلفاز الرئيسة.
من المساعد الكفّي إلى الحاسوب اللوحي
في عام 1997م، شهد العالم منتجاً حقق نجاحاً تسويقياً باهراً، هو جهاز Palm Pilot أو المساعد الكفي من شركة US Robotics. في ذلك الوقت كان الإنترنت لا يزال هوساً في بداياته، وكان الهاتف الجوال جهازاً ضخماً لا يقدر عليه سوى الأثرياء. لكن المساعد الكفي انتشر بشدة بين التنفيذيين الشباب المتعلِّقين بالتقنية. كان المساعد الكفي صغيراً يمكن حمله بيد واحدة، وكان مزوداً بشاشة لمس (ضغط) بدأت أحادية اللون. وقد تفاعل المستخدمون مع هذه الشاشة بواسطة قلم مؤشر، شكَّل فقدانه مصدر قلق دائم.
استخدم المساعد الإلكتروني بشكل أساسي كدليل للهاتف وكمنظم للمواعيد وكمسودة للملاحظات. ومع الزمن تطور هذا المساعد الإلكتروني، وتحوَّل إلى هاتف مزود بقلم وشاشة لمس. لكن شاشة اللمس كانت بحاجة إلى معايرة دائمة لضبط أبعادها. كما أن كثر الخربشة عليها أدى لتخدشها. وعموماً كانت هذه الشاشات بمنزلة مقدمة، إلى أن جاء ستيف جوبز وقرر نقل كل أبحاث شركة آبل بخصوص حاسوب لوحي – عُرف لاحقاً بالـ آيباد – إلى نسخة أصغر هي هاتف الآيفون، الذي سخَّر تقنيات المقاومة الكهربية لشاشات اللمس بشكل باهر. والباقي تاريخ نعرفه كلنا.
واليوم تقود شركات أخرى منها مايكروسوفت وسامسونغ مبادرات لابتكار أسطح ذكية بما يتجاوز الأجهزة المحمولة. الحائط في حجرة أحدنا سيكون هو شاشة المستقبل. وكذا الطاولة أو الباب أو مقود السيارة الذي سيتفاعل مع لمساتنا وقراءاتنا الحيوية، ليعرض معلومات أو أخباراً أو حقائق متعلقة بحالتنا الصحية أو المزاجية. سيغدو العالم كله شاشة لمسنا الكبرى!