فرشاة و إزميل

سيد حسن الساري

وضوح الخطاب والتمكن من لغة التعبير عنه

T01A8877كان سيّد حسن الساري في الثالثة عشرة من عمره عندما عرض باكورة عمله الفني في معرض مدرسة عبدالرحمن كانو الدولية في البحرين. واليوم، وهو في العقد الرابع من عمره، أصبح واحداً من ألمع الأسماء على الساحة التشكيلية في البحرين، يقرّ كل من عرفه بنضج شخصيته الفنية واستقرارها على صيغة وخطاب خاصّين به.

محترفه ليس بيتاً طينياً، ولا صالة تطل على ثلاثة شوارع، ولا حديقة خضراء في جواره تضفي على المحترف لمسة شاعرية غالية على قلوب الكثيرين. إنه أشبه بمحل تجاري يقع في الدور الثاني من عمارة «مركز صاحبات الأعمال والمهن» في قرية الجسرة في مملكة البحرين. المبنى حديث وله من العمر خمس سنوات. وكل الممرات فيه تقودك إلى محترف الساري الذي لا تزيد مساحته على خمسة وثلاثين متراً مربعاً، إضافة إلى مخزن يحتوي على عشرات أو مئات اللوحات.

أحتفظ بما يزيد على 700 لوحة في مساحة 35 متراً

يقول الساري إن هذا المحترف ليس الأول، بل سبق له أن عمل في عدة أماكن أخرى، كان أولها مرسماً قرب المنزل في قرية سار عمل فيه لثلاثة أشهر فقط، ثم انتقل بعدها إلى محترف آخر في قرية بني جمرة. ويبقى المحترف الأهم في المنزل، رغم انتقاله إلى هذا المركز الحديث، حيث يبدو محترفه أقرب إلى قاعة العرض الدائمة، التي تختزن نحو سبعمائة عمل فني على حدِّ تقديره.

حيوية تعمّ المكان
41-Hasan Alsaari-150+120 cm-mix midia-2013-بتجوال النظر سريعاً على لوحات الساري المنتشرة أينما كان في هذا المحترف، يتولد في النفس شعور بالحيوية التي تلامس حد الصخب. الخطوط المنحنية الكثيرة في اللوحة الواحدة التي يرسم بها الأشخاص والأشياء، والمساحات الهندسية في الخلفيات حيث يبلغ الغنى اللوني أعلى مستوياته. وبتجاور الألوان الداكنة حتى السواد مع أخرى زاهية تشمل الوردي والأحمر والأخضر الفستقي في اللوحة الواحدة، تصبح هذه الحيوية جامعة لشعورين متلازمين: الجدية، وشيء يشبه البهجة. وبقليل من التأمل، يصبح بإمكان المشاهد تفسير هذا الشعور.

ثنائية الظلام والضوء

«كنت شغوفاً برسم الطبيعة»، يقول الساري ويكرِّر. ويفسر لغته الفنية بأنها مزيج من وعيه للفن الغربي والفن البحريني الأصيل، اللذين صاغ منهما أسلوباً خاصاً.

T01A8831فقد قاده شغفه برسم الطبيعة إلى التوقف أمام لعبة الضوء والظلّ، إذ يقول: «كنت أختار الأوقات التي ترمي فيها الشمس بظلال الأشياء على مساحات واسعة من الأرض. وكان الأمر أشبه بانبثاق الضوء من الأرض نفسها. وهذا الجانب من الطبيعة لم يتبلور بشكل واضح في الفن البحريني، لكنه ظهر بالفعل في الفنون الأوروبية الكلاسيكية، وعند الرسامين الروس بشكل خاص، حيث نرى أن استخدام الألوان الداكنة جداً، والمخترقة بالضوء المسلّط على كتل صغيرة، يولد انطباعاً درامياً قوياً».

شخصية اللوحة عنده
T01A8853وبسرعة، يلحظ الزائر وجود صلة قربى بين كل ما يضمّه محترف الساري من لوحات. صلة قربى تصل إلى حد التآخي، من دون أن يعني ذلك أن كل لوحة هي تطوير لأخرى، أو مشتقة عنها، كما هو الحال عند بعض فناني الحداثة وما بعد الحداثة. فاللوحة عند الساري لا تولد من لوحة أخرى، بل من نقطة مركزية ومشتركة واحدة، هي شخصية الفنان. ومن الواضح أن شخصية الساري الفنية قد بلغت مرحلة متقدمة من الاستقرار، بحيث يسهل على أي ناقد أن يعرف هوية أي من لوحات هذا الفنان حتى لو عُرضت منفردة ومن دون توقيع.

المتسلقون هم الأكثر وصولاً للجوائز من الفنانين.. وقد رسمتهم في عدد من الأعمال الفنية

T01A8854فلوحة الساري ليست تجريدية بالكامل، وإن أعطت القسم الأكبر من مساحتها للتجريد، خاصة الخلفيات المؤلفة من مساحات شبه هندسية تغلب عليها الألوان الداكنة حتى السواد. فالإنسان يحضر في معظم لوحاته، وأحياناً للتعبير عن خطاب في غاية الوضوح التعبيري. وواحدة من هذه اللوحات التي يبرز فيها الأشخاص بشكل منتفخ، يقول الساري: «سمَّيتها «المتسلقون».. إنهم أولئك الذين يصعدون على أكتاف الآخرين، ويستطيعون الاستفادة من الفراغ حولهم لتسويق أنفسهم». وأضاف: «إننا في الساحة الفنية نعاني كثرة هؤلاء المنتفخين الذين يحصلون على فرص تسويقية ويحصدون الجوائز الفنية. إنهم يصلون بسرعة، ولكنهم يسقطون سريعاً في ما بعد».

T01A8840أناقة بصرية
غير أن أهم ما هو مشترك في كل أعمال الساري، ويتجلَّى بسرعة ووضوح أمام العين، هو الإحساس الفائق بالأناقة التزيينية.

فالمساحات الداكنة تتوازن بشكل رائع على اللوحة، وما يخترقها من ألوان زاهية قليلة، يتوزع عليها كالأحجار الكريمة في حلية، مما يعزز أناقتها وجمالها، ويضفي عليها قيمة تزيينية كبيرة. ومهما كان موضوعها سوداوياً، فإنها تبقى مصدر متعة للعين.

23-120+90 cm 2014- mixs midia-alsaariومن المرجح أن إيلاء الأناقة البصرية مثل هذا الاهتمام، يعود إلى دراسة الساري للتصميم في جامعة البحرين، وحيازته على دبلوم بامتياز في هذا التخصص عام 2002م، قبل أن ينتقل إلى دراسة التاريخ، ويحوز بكالوريوس فيها عام 2010م.

وإلى دور دراسة التصميم، لا بد من إضافة تمكّن الساري من التعامل مع اللون. فمن الواضح أن معظم ألوان اللوحة تم خلطه على القماش خلال العمل، وليس على خشبة مزج الألوان. ورغم التناقض العنيف ما بين الألوان الداكنة والألوان الزاهية القليلة، تبدو هذه الأخيرة وكأنها تذوب عند بعض أطرافها بما هو من حولها. والأمر يتطلب عملاً طويلاً وطويلاً جداً..

منهجه الخاص في العمل
282818_3754076924629_326075821_nيختلف منهج الساري في العمل عما هو مألوف عند معظم الفنانين المعاصرين، الذين يعملون على كل لوحة على حدة، ولا ينتقلون إلى لوحة جديدة إلا بعد إتمام ما بدأوه على اللوحة الأخيرة. فالساري يعمل على عدة لوحات في وقت واحد. ينتقل من واحدة إلى أخرى، يوازن، يضفي لمسة هنا، ويغيّر هناك، ويؤسس للوحة الواحدة نحو خمس مرات في بعض الحالات.. ولهذه الغاية فإنه يمضي نحو خمس عشرة ساعة يومياً في محترفه. ويرى أن أي لوحة جديرة بالعرض تتطلب نحو ثلاثة أشهر من العمل عليها.

يرسم الفنان صوراً للطبيعة، تعبِّر عن المزارع والبساتين، بعضها جاهز للبيع وأخرى جاهزة للحفظ أو معلَّقة على جدران المبنى..

وأمام لوحة كانت في المرحلة الأخيرة من تشكيلها، وكانت تمثّل شخصية الفنان في تغيراته ومزاجه الفني، روى لنا إنها «محاولة لاستنساخ لوحة رسمها لنفسه، وعرضها في أحد المعارض بسعر مرتفع جداً كي لا تباع. فهناك أعمال يرسمها الفنان لنفسه ولا يريد التخلي عنها لأنها تمثِّل جزءاً من روحه. وكانت تلك اللوحة من هذا النوع».

47-Hasan Alsaari-150 +120 cm-mix midia-2012ويضيف: «ولكن سيدة رغبت في اقتناء تلك اللوحة رغم ارتفاع سعرها. وكلما وجدتني متردداً، أصبحت أكثر إلحاحاً على شرائها، حتى كان لها ما أرادت. فحاولت إعادة رسم اللوحة عدة مرَّات، وفي كل يوم كنت أعيد تكوينها بكافة ألوانها. ولكن العمل فقد روحه القديمة، واكتسب روحاً جديدة..». إنه بعبارة أخرى، عملٌ أصيل آخر، لفنان يعرف ما يريد، ومتمكن من اللغة اللازمة لإيصال الخطاب الذي يريد.

سيد حسن الساري
• فنان تشكيلي وخطاط، من مواليد البحرين 1978م
• 2006 – 2007م رئيس نادي الفنون الجميلة بجامعة البحرين
• 2002م دبلوم تصميم بتقدير امتياز – جامعة البحرين
• 2010م بكالوريوس تاريخ (جامعة البحرين)
• عضو بجمعية البحرين للفن المعاصر
•مدير العلاقات العامة ومنظِّم المعارض بجمعية البحرين للفن المعاصر 2007 – 2013م
• صاحب ومدير الساري آرت جاليري

• المعارض الشخصية:
– 2015 معرض في جاليري أكوستك، الرياض (الأسفار)
– 2014 معرض في الكويت (جاليري تلال)
– 2010 معرض (العذراء) في صالة كورت يارد
– 2009 المعرض الثاني (عشتار) جامعة البحرين
– 2006 معرض (قلق المسافة) جامعة البحرين
– إضافة إلى أربعة معارض ثنائية مع محمد المهدي

• المعارض الجماعية
– 2014 ملتقى د. سعاد الصباح التشكيلي الخليجي (الجائزة الأولى)
– 2013 مسابقة مقامات الدولية بالرياض (جائزة اقتناء)
– 2013 ملتقى دول الخليج بالرياض (جائزة لجنة التحكيم)
– 2012 مهرجان أصلية الثقافي (المغرب)
– 2011 سمبوزيوم قطر البحري (جائزة لجنة التحكيم)
– 2011 معرض البحرين السنوي (جائزة تقديرية)
– 2011 ورشة الحفر بجمعية البحرين للفن المعاصر بإشراف الفنان رافع الناصري
– 2011 معرض «آرت فير» إسبانيا – غرناطة
– 2010 مزاد كريستيز الخيري برعاية الملكة رانيا – متحف البحرين الوطني
– 2010 معرض دول الخليج بالكويت – جائزة الدكتورة سعاد الصباح (الجائزة التقديرية)
– 2010 المعرض الرباعي تقاسيم (البحرين- دبي- جدة)
– 2010 المعرض التشكيلي الثالث بمسقط (الجائزتان الأولى والثانية)
– 2008 – مشروع النكبة الفلسطينية – لبنان
– 2008 الماراثون الدولي الثالث – المغرب
– 2008 الأيام الثقافية البحرينية – سوريا
– 2007 معرض البحرين السنوي – جائزة تقديرية
– 2007 الملتقى الثقافي السادس لجامعات دول مجلس التعاون بالإمارات (الجائزة الثانية)
– 2006 (الأيام الثقافية البحرينية) الإمارات
– 2005 مسابقة المرسم الحسيني (الجائزة الثانية)
– 2004 المؤتمر العالمي الثاني لحقوق الإنسان – سويسرا
– 2005 الجائزة الأولى في معرض الذكر الحكيم (الجائزتان الثالثة والثانية في معرضي 2002 – 2004)

أضف تعليق

التعليقات