كانت المتغيرات الاقتصادية في المملكة لسنة 2004م واضحة في بعضها، ومفاجئة للمحللين في بعضها الآخر، لكن ما اتُفق عليه في النهاية هو أن هذه السنة استثنائية، اقتصادياً وصناعياً.
السنة الهجرية الجديدة قاب قوسين، بينما انصرمت سنة 2004 ميلادية، بعد أن اختتمت سعودياً بمشروعين صناعيين عملاقين هما: مشروع الجبيل 2 المستقبلي، ومشروع معامل الإنتاج في القطيف. ما يعني أن تلك السنة التي شهدت أهم موازنة منذ سنوات هي سنة سعوديةاقتصادية كبرى. ولربما فاجأت هذه السنة بعض قرّاء الشأن الاقتصادي، محلياً ودولياً، بتطوراتها، بينما أعاد كثيرون قراءة أوضاع المملكة الاقتصادية والاستثمارية والصناعية، بعد أن ابتعدوا مسافة كبيرة عن أسباب تشاؤمهم، وفتحوا عيونهم أوسع على مكتسبات العام الفائت.
فعلى الرغم من تلك الحوادث الأمنية التي ترتكبها فئة لا همّ لها سوى التخريب والتدمير، فإن المسار التنموي في المملكة لم يعبأ بهذه الارتكابات، بل وضعها في حجمها الحقيقي، من مبدأ الثقة بإرادة الوطن والمواطن، التي هي أقوى دائماً من كل ما تُبيته خفافيش الظلام وقُوى العبث. ولذلك كان صعباً على بعض المفتشين في الحالة الاقتصادية السعودية أن يفسِّروا ثقة المواطن الزائدة بسوق الأسهم، مثلاً، حيث سجّل المؤشر السعودي أعلى نسبة في تاريخه بارتفاع بلغ 85 في المئة، كما شهدت هذه السنة طرح شركات مساهمة عن طريق الاكتتاب العام الذي تجاوز التوقعات في إقبال المواطنين عليه. حدث ذلك في الوقت الذي ظلّت بعض وسائل الإعلام ترسل رسائل مضخمة، تحاول عبثاً من خلالها أن تشكك في الحالة الأمنية.
الإنسان هنا في المملكة، وفي غيرها من أصقاع المعمورة، جُبل على السعي في مناكب الأرض طلباً للرزق؛ ليظفر منه بأوفره وأفضله. ولذلك تجد الأمم تتسابق إلى إرساء حقائق وجودها الاقتصادي، باذلة في سبيل ذلك الكثير مما تملكه من أموالٍ وطاقاتٍ طبيعية وبشرية.
وإذا كان هذا الإنسان، هنا وهناك، قد انشغل لعقد أو عقدين من زمن القرن الماضي بإيديولوجيات سياسية أخذته أشواطاً بعيدة عن حياته المعيشية الاقتصادية، فإنه عاد، ممثلاً بالحكومات والمؤسسات، بقوة، لينفخ الروح في هذه الحياة، ويمنحها كامل اهتمامه، بعد أن تعلّم أن الإلهاء السياسي لا يُطعم خبزاً ولا يبني مدرسة أو مستشفى، ولا يضمن في النهاية حياة كريمة لأبنائه.
الدول آباء والشعوب أبناء، وقد تعلم الآباء أو بعضهم، (حتى لا نصاب بالتعميم) أن يطيلوا القراءة في الكتاب الاقتصادي على حساب السياسي. وبينما تهدَّمت جدران أيديولوجية وسياسية ونشأت أسواق رأسمالية في مناطق كانت محكمة الإغلاق، انفجرت المكتبات ومواقع الإنترنت بالموضوع والقراءة والتحليل الاقتصادي. تحولت الحكومات (الآباء) والشعوب (الأبناء) سريعاً إلى سباق اقتصادي هائل ليس فيه للأيديولوجيا مسافة شبرٍ واحد.
ولذلك اعتبرت هذه الدولة أو تلك، حسب قراءات بيوت الخبرة العالمية، متقدمة أو متأخرة، فائزة أو خاسرة. ومدار الحكم على تقدمها أو تأخرها هو حجم عجلتها الاقتصادية وسرعة دورانها.
المملكة ضمن دول عديدة، استوعبت جيداً أسباب التقدم والتأخر في عالم اليوم. ويبدو أنها قرأت ملياً شروط حضور الدول بين الحاضرين في القرن الجديد؛ ولذلك بادرت إلى جملة قرارات اقتصادية واستثمارية في السنوات القليلة الماضية، ليس هنا مجال تفصيلها. وفي الوقت نفسه أدارت عجلة العديد من المشروعات الاقتصادية الصناعية الكبرى؛ لجذب الاستثمارات، واستيعاب المزيد من الشباب والشابات في وظائفها الإدارية والفنية، ولإتاحة فرصٍ جديدةٍ أمام السوق المحلية في أعمال التوريد. وقد كان مشروعا القطيف والجبيل بشارة جديدة للمستقبل، اختتمت بهما سنة حافلة اقتصادياً.