حياتنا اليوم

جبير المليحان..
قصة أكبر موقع للقصة العربية

  • 66b
  • 66

تُلخص سيرته مسارات الكثير من المثقفين العرب الذين تضطرهم الحياة إلى التقلب مابين اهتمامات مختلفة، من دون أن يغيب عنهم الهم أو الاهتمام الثقافي الأساس.
إنه جبير المليحان الذي عمل في حقول شتى وبقي كما كان قاصاً ومهتماً بالقصة.

في مطعم شعبيّ بمدينة الرياض؛ اجتمع خمسة من الشبان المهتمين بالقصة القصيرة.. راحوا يتحدثون فيما يعرفون وما لا يعرفون.. يستعرضون الأفكار ويواجهونها بالإمكانيات.. يرسمون الأحلام ويضعونها أمام الواقع. كان همّهم المشترك يحوم حول هذا الفن الحديث.. أقصى ما يتوقون إليه هو تكوين جماعة أدبية يرتبط بها كل المشتغلين بالقصة في السعودية..! ثمّ.. مضى كلٌّ منهم إلى سبيله..!

أحد المجتمعين هو وزير الحج، حالياً، معالي الدكتور إياد مدني، والبقية هم: عبدالعزيز مشري -رحمه الله- وجار الله الحميد، وحسين علي حسين.. وجبير المليحان. أما زمن الاجتماع فكان في عام مبكر من عقد السبعينيات من القرن الماضي، حين كان المليحان طالباً في كلية المعلمين. والقصة القصيرة، هوايته المفضلة، هي التي قادته إلى الالتقاء بهؤلاء القاصين الهواة. ثم قادته، لاحقاً، إلى كتابة قصة حياة مليئة بالتغيرات المتلاحقة والمفاجئة، أحياناً، والطريفة.. أحياناً أخرى..!

خليط.. حميم..!
فلاّح، قاص، كاتب، تشكيلي، معلم، صحافي، مدير كسّارة(!!)، موظف ميناء، مصرفي.. هذا هو الخليط الذي تتكون منه قصة جبير المليحان.. ويبدو أنه نسي شيئاً حين تحدث هذا الكهل الحائليّ عن القصة والقاصين، وانشغاله اليومي ببيته الحميم.. موقع القصة العربية ..!

والفكرة التي تبخّرت بانفراط ذلك الاجتماع، بقيت في رأس جبير الذي انتقل إلى الدمّام ليعمل معلماّ في تلك المدينة التي لم تزل، آنذاك، ملمومة في أحياء محدودة، ومحاصرة بالرمال، ومشغولة بالتوسع في كل الاتجاهات..!

آنذاك، كان الشاعر محمد العلي مديراً للاختبارات في إدارة التعليم بالمنطقة الشرقية، وفي الوقت نفسه مديراً لتحرير صحيفة اليوم . لقد كان زمن المربد الذي حمل لواءً ثقافياً لا تزال آثاره حتى اليوم. وحين التقى المعلم ومدير الاختبارات وجد الأخير في الأول كفاءة قصصية رائعة، وذهنية تخطيطية محركة.. ، وهذه شهادة العلي فيه..!

هذه السمات أغرت العلي بجر الشاب القادم من قرية شمالية نائية اسمها قصر العشروات إلى صحيفة اليوم .. وفيها نشر قصته التي سبق تقديمها في الإذاعة السعودية أواخر الستينيات هوى الشباب ، ومن الشأن الثقافي إلى الشؤون المحلية اليومية، الأخبار، التقارير، المقالات.. يقول المليحان: كانت الصحيفة تعتمد على مصدرين: وكالة رويترز والمراسلين، ولكن عمل المراسلين كان يعتمد أكثر على المذياع ..!

وسرعان ما سرقت الصحافة المليحان من التعليم. ربما لم يكن ممكناً الجمع بين وظيفتين، ولكن هذا الاختيار كلّفه خسارة فادحة في مصدر رزقه، فيما بعد. يقول المليحان: كان الأستاذ العلي مُجازاً، وقد حللتُ محله رئيساً للتحرير بالإنابة، وخلال مدة الإجازة القصيرة وجدتُ نفسي خارج الصحيفة، وبلا عمل ..!

وفقـْد الوظيفة ليس أمراً هيّناً لشاب في مقتبل العمر.. إلا أن دبلوم إعداد المعلمين، في أواخر السبعينيات الميلادية، من شأنه أن يصنع الكثير. والكثير الذي حصل عليه المليحان، في ذلك الوقت، هو منصب مدير لـ كسّـارة في الظهران.. ولكن الكسّارة لم تكن نهاية المطاف، إنها حلقة من سلسلة تلاحقت حلقاتها من وظيفة إلى أخرى، ومن همّ إلى هم. وحين عاد إلى التعليم عام 1987م (1407هـ)؛ وجد نفسه غير مستعد لأية مغامرة تمس مصدر الرزق. لقد تزوج وأنجب.. أصبح مسؤولاً بما يكفي لضمان الهدوء..!

القصة للكبار.. والصغار..!
وفي كل هذا الترحال؛ كانت القصة رفيقته.. بثّ بعضها في صفحات الصحف كلما سنحت فرصة، واحتفظ ببعضها في أدراجه.. وأثناء ترحله اكتشف موهبة فرعية لديه.. في كتابة قصص الأطفال التي وجدها أكثر صعوبة من القصة القصيرة الموجهة للكبار . يقول: في الكتابة للأطفال تتزاحم العديد من القيم والمحاذير التربوية، والضرورات التعليمية.. إنك تخاطب عقولاً غضة، طرية، فتفقد انفعالك وتحرص على أن تكون محرضاً على التفكير، وصانعاً للمتعة العفوية لدى القاريء الطفل. في حين تتملكك القيم الإبداعية في القصة القصيرة الموجهة للكبار، فتصنع حريتك من لغتك وتطلق الصورة لتعبر عن أفكارك وعواطفك ..!

وجد جبير المليحان نفسه في أدب القصة منذ أن كان طالباً في المرحلة الإعدادية، ويبدو أنه الاهتمام الأكثر استمراراً في حياته. واعتماداً على ما لديه من تحفظ إزاء النشر؛ فإنه لم ينشر شيئاً بين غلافين، باستثناء مجموعة للأطفال طبعتها أرامكو السعودية. وهو يقول: حين تطبع في مؤسسة ثقافية رسمية فإن مصير ما تطبعه هو مستودعات النادي الأدبي أو جمعية الثقافة. أما دور النشر فإنها لا تنشر إلا بمقابل مادي. وهو أمر مؤلم؛ إذ تجد نفسك تدفع لـ تنشر ..!

مساحة.. للانفتاح..!
بعد دخول الإنترنت المملكة؛ اتجه تفكير جبير المليحان إلى هذه الشبكة اللافتة.. ففيها مساحة شاسعة من الحرية لا يُقاس بها الهامش المتاح في الصحافة الورقية.. فكانت البداية تأسيس موقع شخصي. ولكن الموقع الآن لم يعد شخصياً، إنه ملتقى المعنيين بالقصة في العالم العربي. هناك أكثر من 250 قاصاً وناقداً ومتابعاً للفن السردي يرفدون الموقع بإبداعاتهم ورؤاهم النقدية، وأكثر من 640 كاتباً، يُضاف إلى ذلك قرابة ستة آلاف نص قصصي، و4500 رأي، وأكثر من مليون ونصف مليون زيارة..! وقد لا تكون هذه الأرقام ذات بال في منتدى إلكتروني اليوم. إلا أنها تمثل مصداقية قليلاً ما تؤمنها منتديات الإنترنت.. فالمشاركون والأعضاء أسماء حقيقية، ولا مكان في الموقع ومنتداه للأسماء الوهمية.. ولا الأشباح.

كلمة معروفين يضعها المليحان على طاولة الشرح.. يقول: لا تهمنا الأسماء المشهورة كثيراً.. نحن نشرع الأبواب للتشارك والتحاور، ولدينا الضوابط.. لكنها ضوابط فنية. كل فن قصصي جميل يجد مكانه في الموقع، أو المنتدى. وفي السابق كنا نحدّث الموقع مرة كل عشرين يوماً، أما الآن فإن التحديث يوميّ. ويومياً نتلقى آحاد النصوص التي تطلب النشر، وما نفعله هو التعاطي مع هذه الإبداعات بحب، وأيضاً بحذر ..!

لماذا الحذر..؟
كان هذا سؤالنا، فكانت الإجابة: نحن موقع ثقافي صرف، موقع للقصة العربية. نتحاشى النصوص العامية، نستبعد النصوص المؤدلجة، ودون ذلك فإن المعيارية فنية، ومنفتحة على الاختلافات .

أضف تعليق

التعليقات