ملف العدد

مكة

  • 102k
  • 87
  • 89a
  • 89b
  • 90
  • 91a
  • 91b
  • 92a
  • 92b
  • 93
  • 94a
  • 94b
  • 94c
  • 95a
  • 95c
  • 95d
  • 96a
  • 97a
  • 97d
  • 97e
  • 97f
  • 98b
  • 99a
  • 99b
  • 99c
  • 99d
  • 100
  • 101b
  • 102a
  • 102b
  • 102c
  • 102d
  • 102e
  • 102f
  • 102g
  • 102h
  • 102i
  • 102j
  • 101a

إنها أم القرى وقبلة المؤمنين فلنولينك قبلة ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام، وحيثما كنتم فولّوا وجوهكم شطره (البقرة 144). فكيف يمكن لملف من صفحات محدودة أن يفيها حقها، ومئات الكتب لم تكفِ لذلك؟
مكة المسجد الحرام.. يعرفها العالم بأسره، وكثيرون يعرفون معالم المدينة وأعلامها. ولكن لهذه المدينة المكرمة ملامح وزوايا لا يعرفها الكثيرون.
في هذا الملف يجول بنا الأستاذ حسين محمد بافقيه، رئيس تحرير مجلة «الحج والعمرة» في مكة التي نعرفها ومكة التي لا نعرفها، لمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 1426هـ / 2005م.

منذ اللحظة الأولى التي وُلِدَتْ فيها مكَّة المكرَّمة كان اتصالها بالنَّاس والحياة، وكان إقبالها على الآخر الذي أشرعتْ له أبوابها، وكأنَّها، وهي وادٍ مجدب غير ذي زرع، أرست نموذجاً للمدينة الكونيَّة، فهي، أبداً، تحبّ النَّاس وتهشّ في وجوههم، وهي، أبداً، لا توصد أبوابها في وجه الغرباء الذين عرفتْهم وأنِست لهم. وكانت مكَّة المكرَّمة في زمن الجدب والمَحْل، كما في زمن الدَّعة والرَّخاء، أمّاً للغرباء، كما هي أم القرى ، وكأنَّ نماءها وحياتها يكمنان في ذلك
التجاذب بين الوجوه والأمكنة،
وكأنَّ قصَّتها التي استمع إليها
التاريخ منذ ستة آلاف سنة مع
اللغات والسّحنات جديدةٌ كما
هي، وطريَّةٌ كما كانت.

هِبَة الحجّ
وُلدَتْ مكَّة المكرَّمة يوم أمر الله – تبارك وتعالى-
نبيَّه وخليله إبراهيم –عليه السلام- بدعوة النَّاس
إلى الحجّ إلى البيت الحرام، وكانت تلك اللحظة
الخالدة في تاريخ البشريَّة ميلاداً لتلك البقعة التي
خلَّدها وحي السماء في قوله تعالى: ‭}‬وإذْ بوَّأنا لإبراهيم مكان البيت أنْ لا تُشرك بي شيئًا وطهِّر بيتي للطائفين والقائمين والرُّكَّع السجود • وأذِّنْ في النَّاس بالحجِّ يأتوك رِجَالاً وعلى كلّ ضامرٍ يأتين من كلّ فَجٍّ عميق • ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيَّامٍ معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير| (الحجّ: 26-28).

وما بين الأذان و الاستجابة تألَّف تاريخ مكَّة المكرَّمة في هذا الوادي المجدب غير ذي الزَّرع، وشاء له الله –تبارك وتعالى- أنْ يكون خالصاً لعبادته، فمكَّة المكرَّمة مستقرّ العبادة، ومحجّ المؤمنين بالرسالة الحنيفيَّة، وساغ أنْ تُقرن والحجّ في قِرَان واحد، بل لعلَّها أنْ تكون هِبَة الحجّ، فلولا الحجّ ما كانتْ، وفي ذلك من المقاصد ما فيه، حين يحيط بهذه المدينة معنى دينيّ خلُصتْ له وخلُص لها: ‭}‬إنَّ أوَّل بيتٍ وُضِع للنَّاس للذي ببكَّة مباركاً وهدىً للعالمين • فيه آياتٌ بيِّنات مقامُ إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على النَّاس حِجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإنَّ الله غنيّ عن العالمين| (آل عمران: 96-97).

وبين الجدب والمحْل اللذين انطوى عليهما ذلك الوادي غير ذي الزرع، وبين جموع الحجيج التي تتوافد إليه، تسيل في البطاح ضروب من الشوق المبرَّأ ممَّا سوى الخلوص للعبادة، فلا شيء مطلقاً من مخايل الدنيا يَزْحَم ذلك المقصد الدينيّ، فالمكان مجدب، قاحل، ممحل، ولكنَّه، مع ذلك، ممتلئ بالمعنى، فيَّاض بالرؤى، حافل بالإشراق، حين لا يجد المؤمنون فيما سواه معاني الامتلاء الروحي، والريّ الدينيّ اللذين يسوقان قاصديه وقد أقبلوا عليه من كلّ فجٍّ عميق، يذرعون البراري والفلوات والمهامة، ويكابدون في سبيل الوصول إليها ألواناً من التَّعب، وضروباً من النَّصَب، وقِطَعاً من العذاب، في قصة من العشق الإلهيّ الذي يشتعل في مخيّلة من قصدها حاجّاً أو معتمراً، وكأنَّ قلوب هؤلاء وهؤلاء تهوي إليها من مكان عليّ، وقد توقَّدت الأفئدة وازداد خفقان وجيبها ‭}‬فاجعل أفئدة من النَّاس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلَّهم يشكرون| (إبراهيم: 37)، وتستعِر كلمات اللغة، وهي تتمسَّح بأعتاب المعنى، يُضْمِره قوم، ويُفْصِح عنه آخرون أمضَّهم الشوق كما أمضّ الرحَّالة ابن بطوطة في رحلته الشهيرة إليها، حين قال:
ومن عجائب صنع الله تعالى أنَّه طبع القلوب على النّزوع إلى هذه المشاهد المنيفة، والشوق إلى المثول بمعاهدها الشريفة، وجعل حبّها متمكناً في القلوب فلا يحلّها أحد إلا أخذت بمجامع قلبه ولا يفارقها إلا آسفاً لفراقها، متولِّهاً لبعاده عنها، شديد الحنين إليها، ناوياً لتكرار الوفادة إليها، فأرضها المباركة نُصب الأعين ومحبّتها حشو القلوب حكمة من الله بالغة، وتصديقاً لدعوة خليله، عليه السلام، والشوق يُحْضِرها وهي نائية، ويمثلها وهي غائبة، ويهون على قاصدها ما يلقاه من المشاقّ ويعانيه من العناء، وكم من ضعيف يرى الموت عياناً دونها، ويشاهد التلف في طريقها، فإذا جمع الله بها شمله تلقَّاها مسروراً مستبشراً كأنّه لم يذق مرارة، ولا كابد محنة ولا نصَباً .

دعوة إبراهيم – عليه السلام –
لقد استقرّ في أعماق مكة المكرمة صدىً من دعوة الأب الرحيم إبراهيم –عليه السلام- وهو يشرئبّ ببصيرته إلى مستقبل ذلك الوادي، وها هو ذا يرفع دعاءه إلى الله –تبارك وتعالى- أنْ يشمل ذلك الوادي برعايته، وأنْ يمدّه بأسباب الحياة، ففيه بعضٌ من ذريّته، وفيه مستقبل الدين الحنيف: ‭}‬ربَّنا إنّي أسكنتُ من ذريّتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرَّم ربَّنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من النَّاس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلَّهم يشكرون| (إبراهيم: 37).

ويستجيب الله –تبارك وتعالى- لدعاء خليله إبراهيم -عليه السلام- وتستقرّ تلك الدعوة المباركة في روح مكَّة المكرَّمة، ويتحوَّل ذلك الوادي الممحِل إلى مجتمع إنسانيّ متفرِّد في تنوّعه وتعدّد قاطنيه وقاصديه، وفي انفتاحه على الآخر، وتصبح مكَّة المكرَّمة مضرب المثل في وفرة محصولاتها وتنوع أسباب الحياة فيها، فهذا الرحَّالة ابن جبير الأندلسيّ في القرن السادس للهجرة يفغر فاه دَهَشاً وعجباً، وقد عاين بنفسه وفرة الخيرات فيها. يقول:
هذه البلدة المباركة سبقت لها ولأهلها الدعوة الخليليَّة الإبراهيميَّة، وذلك أنَّ الله عزّ وجلّ يقول على لسان خليله – عليه السلام -: ‭}‬فاجعل أفئدة من النَّاس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلَّهم يشكرون| (إبراهيم: 37)، وقال عزّ وجلّ: ‭}‬أَوَلَم نُمَكِّن لهم حرماً آمناً يُجبى إليه ثمرات كلّ شيْء| (القصص: 57).
فبرهان ذلك فيها متصل إلى يوم القيامة، وذلك أنَّ أفئدة النَّاس تهوي إليها من الأصقاع النَّائية والأقطار الشاحطة، فالطريق إليها ملتقى الصادر والوارد ممَّن بلغتْه الدعوة المباركة، والثمرات تُجبى إليها من كل مكان، فهي أكثر البلاد نعماً وفواكه ومنافع ومرافق ومتاجر.
ولو لم يكن لها من المتاجر إلا أوان الموسم، ففيه مجتمع أهل المشرق والمغرب، فيباع فيها في يوم واحد- فضلاً عمَّا يتبعه من الذخائر النفيسة كالجوهر والياقوت وسائر الأحجار، ومن أنواع الطيب كالمسك والكافور والعنبر والعود والعقاقير الهنديَّة، إلى غير ذلك من جلب الهند والحبشة، إلى الأمتعة العراقيَّة واليمانيَّة، إلى غير ذلك من السلع الخراسانيَّة والبضائع المغربيَّة إلا ما لا ينحصر ولا ينضبط- ما لو فُرِّق على البلاد كلّها لأقام لها الأسواق النَّافقة، ولعَمّ جميعها بالمنفعة التجاريَّة.
كلّ ذلك في ثمانية أيَّام بعد الموسم، حاشا ما يطرأ بها –مع طول الأيَّام- من اليمن وسواها، فما على الأرض سلعة من السِّلع، ولا ذخيرة من الذخائر، إلا وهي موجودة فيها مدّة الموسم، فهذه بركة لا خفاء بها، وآية من آياتها التي خصَّها الله بها.
وأمَّا الأرزاق والفواكه وسائر الطيِّبات، فكنَّا نظنّ أنّ الأندلس اختصَّت من ذلك بحظّ له المزيَّة على سائر حظوظ البلاد، حتَّى حللنا بهذه البلاد المباركة، فألفيناها تغصّ بالنّعم والفواكه: كالتين والعنب والرمَّان والسَّفرجل والخوخ والأترج والجوز والمقل والبطيخ والقثّاء والخيار، إلى جميع البقول كلّها كالباذنجان واليقطين والسلجم والجزر والكرنب إلى سائرها، إلى غير ذلك من الرياحين العبقة والمشمومات العطرة .

وهذا أمير البيان الأمير شكيب أرسلان يعيش الدّهَش نفسه عند منتصف القرن الرابع عشر الهجريّ، وقد قصدها حاجّاً:
وهم إذا وصلوا إلى مكة وجدوا عندها من الثمرات والخيرات ما لا يجدونه في البقاع التي تشقّها الأنهار، وتظلّلها الأشجار. وذلك أنَّ المجلوب إلى مكة من أصناف الحبوب والخضراوات والفواكه والمحمول إليها من البضائع والمتاجر واللباس والفراش والرياش والطيب وغير ذلك يفوق ما يُجلب إلى عشر مدن من أمثالها في عدد السكان وربّما أكثر.
ولا يكاد الحاجّ يشتهي شيئًا إلا ويجده في هذه البلدة القاحلة، فَحَوْلَ مكَّة من المزارع والمباقل والمباطخ والمقاثي، وفي جبال الطائف من الجنان والبساتين والكروم ما لا يأخذه العَدّ، وما لا يُدْرَك منه شيْء في فصل من الفصول إلا انحدر به أهله إلى مكّة، فالثمرات التي دعا إبراهيم ربّه من أجلها تفيض على البلد الأمين كالسيل المتدفّق، أو العارض المغدق .

عبقريَّة المكان
ويتجلَّى في مكَّة المكرَّمة ما يمكن عدّه صورة لعبقريَّة المكان، تلك العبقريَّة التي تنهض فيها على الضدّ من حقيقتها الجغرافيَّة، فهي المكان المجدب الممتلئ بالنَّاس؛ والوادي غير ذي الزرع الذي يُجْبى إليه ثمرات كلّ شيْء، والأرض القاسية التي تبثّ ألوان الرحمة والتعاطف فيمن وطئها، والمكان العاطل من مظاهر الحياة المؤلِّف لروح النَّاس والباثّ المعنى في حيواتهم. كلّ ذلك باد في شخصيَّة هذا الوادي وشخصيَّة أبنائه، فمكَّة المكرَّمة مدينة حضريَّة حتَّى لو أحاطت الصحراء بها من كلّ صوب إحاطة السوار بالمعصم، وحلّ شيْء من روحها وشخصيّتها في أبنائها، فجعلوا يخلعون على بلدتهم معاني الاستقرار والتحضُّر، وكان للبيت الحرام أنْ دفع أبناءها إلى الاستقرار دون النّجعة والترحُّل.

وحين شعروا بقسوة الجغرافيا ووطأة المناخ خَفَّ القرشيّون إلى التجارة، دفعاً لغائلة الدهر وأسباب الجفاف، واستقلالاً بأنفسهم عن أن يكونوا تبعاً لأحد، فأصبحت مكَّة المكرَّمة درباً تجاريّاً مهمّاً لقوافل التجَّار في الهزيع الأخير من الجاهليَّة، وكانت تجارة الإيلاف التي ورد خبرها في القرآن الكريم جِمَاع تلك الشخصيَّة التي انطوت عليها روح المكيّين قبل الإسلام، وتهيَّأ لمكَّة المكرَّمة ولأبنائها الزعامة والمكانة، فانقادت القبائل العربيَّة إليها، وانساب لسانها في لغات القبائل، وانبنت شخصيَّة تلك المدينة على روح متميزة، حين توزَّعت السلطة فيها على بطون الملأ من قريش، فأنشأ القرشيّون لهذه الغاية دار النَّدوة لتداول الرأي فيما يلمّ بمكَّة المكرَّمة من أحداث، وحين شعروا أنَّ خطراً اجتماعيّاً سيجثم على واديهم، ويبثّ أضرباً من الصراع بين الفقراء والأغنياء، نهض ثُلَّة من كبرائها لدفع ما يعتبرونه خطراً عن واديهم، بفرض ما يُشبه الضريبة على أموال تجارة قوافلهم، تُوَزَّع على الفقراء، وتُسْكِتُ صوت الجوع والحاجة، وتنفث في المجتمع نسائم الاستقرار والرَّخاء، وتسدّ الفجوة بين الغنيّ والفقير:

والخالطينَ غنيَّهم بفقيرهم
حتَّى يصيرَ فقيرُهم كالكافي

وبينما أطلَّت رءوس البطش والطغيان تفتك في أوصال المجتمع وتُشرِّع للظلم والجبروت، هَبَّ نفر من القرشيّين فأقاموا حِلْف الفضول ، و تحالفوا بينهم أنْ لا يُظْلَم بمكَّة أحد، إلا كنَّا جميعاً مع المظلوم على الظالم، حتَّى نأخذ له مظلمته ممَّن ظلمه شريف أو وضيع منَّا أو من غيرنا .

وحينما ذرَّتْ في الأفق شمس الإسلام، مضيئة ساطعة، تحوَّلت مكَّة المكرَّمة إلى مدينة كونيَّة، فهي قبلة المسلمين، وإلى بيتها الحرام يحجّ من استطاع إليه سبيلاً، وأصبحت رمزاً للتوحيد الخالص لله –تبارك وتعالى-، يتعالى في وديانها، وتتجاوب جبالاها، وينساب في بطحائها، مع قدوم الحاجّ إليها- نداء التوحيد الخالص:
لبَّيْكَ اللهمّ لبَّيْك
لبَّيْكَ لا شريك لكَ لبَّيْك
إنَّ الحمدَ والنِّعمةَ لكَ والمُلْك
لا شريكَ لك

مكَّة التي لا نعرفها
وفي مكَة المكرَّمة، وحين نغور في أعماق التاريخ، تتجلَّى صفة تميَّزت فيها عن غيرها من المدن. فهي مدينة تُحبّ الغرباء وتأنس لهم، وفي مقدورنا العودة بهذه الصفة المكيَّة التي جُبِلَتْ عليها، إلى اللحظة التي تفجَّر ماء زمزم في صحرائها المُحْرِقة، وكان ذلك حين انبجس الماء المبارك من تحت قدم الرضيع إسماعيل –عليه السلام- وقد كابدت أمّه السيِّدة هاجر –عليها السلام- صنوفاً من المشقَّة والآلام بحثاً عن قطرة ماء تبلِّل بها شفة ابنها، وحين أوشكا على الهلاك انبجس الماء المبارك، ومع الماء تكوَّنت الملامح الأولى لمكَّة المكرَّمة، وتألَّفت معالم الاجتماع الإنسانيّ فيها، وتجلَّت الشخصيَّة المكيَّة المحبَّة للغرباء، والمقبلة عليهم، حين استضافت السيِّدة هاجر –عليها السلام- قبيلة جُرْهُم، وقاسمتْهم وابنها الماء والمكان، ولم يصدّها شعورها بالفقد والهلاك عن أنْ تُشْرِك الآخرين فيما أفاء الله به عليها من واسع فضله، فعُرِفَتْ مكَّة المكرَّمة، منذ تلك اللحظة، بانفتاحها على الآخر، واستقبالها للغرباء، وخفَّف ذلك من غلواء المكان وجدبه، ودفع بالمكيّين أنْ يتحلَّوا، إلى يوم النَّاس هذا، بصفات السماحة والتنعُّم والظَّرف ولين الجانب وخفَّة الظِّل، وكان من أثر ذلك ما قرَّره التاريخ من ولع المكيّين بكلّ ما يُدْخِل البهجة عليهم، فكان للنزهة والإقبال على الحياة مكان، وامَّحتْ من أنفسهم، أو كادت، مداخلتهم للطبيعة القاسية التي جُبِلَت عليها مدينتهم.

مدينة الكتاب
حقَّق الحجّ لبيت الله الحرام الفرصة سانحة لأنْ تصبح مكَّة المكرَّمة مجْمَعاً للعلوم والثقافة والكتاب، ففيها يلتقي علماء الأمَّة، من المشرق والمغرب، فكانت الرحم التي يتخلَّق فيه الأدب والعلم والكتاب. يقول حمد الجاسر عن هذه المنزلة التي تهيَّأت لمكَّة المكرَّمة دون غيرها من البلاد:
ولقد كانت مكَّة –ولا تزال- نقطة التقاء ومركز تجمُّع لجميع المسلمين من مختلف الأقطار الإسلاميَّة، ولهذا كانت من أقوى مراكز نشر الثقافة بين تلك الأقطار، وكانت صلة وصْل بين علماء الأقطار الإسلاميَّة في شرق البلاد وغربها، وشمالها وجنوبها، في مختلف العصور الماضية… وكان العلماء في العصور الأولى يقصدونها من مختلف أقطار العالم الإسلاميّ ليؤدّوا ركنًا من أركان دينهم أداؤه فرض، وليضيفوا إلى ذلك أمورًا من أهمِّها التزوُّد بزاد العلم والمعرفة، فالعالِم يفد إليها من أقصى المشرق أو المغرب فيلتقي بعالِم آخر من بلاد بعيدة عن بلاده فيحصل من هذا الالتقاء تقارب وتفاهم، واستزادة علمٍ، وامتدادٍ لروافد المعرفة، وانتشارٍ للأفكار بين مختلف الأقطار الإسلاميَّة .

ويدهش المرء، حين يجيل بصره في كتب الرحلات الحجازيَّة والتراجم والسَّيَر، لذلك النَّشاط العلميّ الباذخ الذي شهدتْه مكَّة المكرَّمة، والذي كان من أظهره مجاورة نفر من العلماء في مسجدها الشريف، وحصول طلبة العلم على الإجازات من علمائها، وانقطاع كوكبة من العلماء إلى المجاورة فيها، مدَّة تطول أو تقصر، كجار الله الزمخشريّ صاحب تفسير الكشَّاف ، ومجد الدين الفيروز آباديّ صاحب القاموس المحيط ، والمتصوِّف الأكبر محيي الدين ابن عربي صاحب الفتوحات المكيَّة ، وابن هشام الأنصاريّ صاحب أوضح المسالك ، والحافظ السخاويّ صاحب الضوء اللامع ، وجلال الدين السيوطيّ صاحب التآليف الشهيرة… وسواهم.

مؤلَّفات أمام البيت العتيق
ومن أظهر معالم النَّشاط الثقافيّ في مكَّة المكرَّمة تلك الظاهرة التي ألمح إليها غير كتاب في التراجم والسِّيَر، وهي ظاهرة تأليف الكتب أمام الكعبة المشرَّفة، أو في مكَّة المكرَّمة، قَصْدَ الحصول على الأجر والمثوبة، والرغبة في أنْ يَعُمَّ الكتابَ المؤلَّفَ نفحاتٌ من بركة المكان المقدَّس، فيذيع شأنُه، ويزكو خطابه، ودفع ذلك إلى أنْ تغدو مكَّة المكرَّمة بيئة مهمَّة من بيئات التأليف في التراث العربيّ القديم.

وترك لنا التاريخ أخبار طائفة من العلماء والأدباء الذين ألَّفوا أو أتمّوا مؤلَّفاتهم في مكَّة المكرَّمة، ولعلّ من أشهرهم الإمام البخاريّ الذي أتمّ كتابه الجامع الصحيح في المسجد الحرام؛ وجار الله الزمخشريّ الذي ألَّف تفسيره الشهير الكشَّاف في ظلال الكعبة المشرَّفة، وكان من طول مجاورته أنْ لُقِّب بـ جار الله ؛ ومجد الدين الفيروز آباديّ، الذي يحلو له أنْ يذيِّل اسمه بعبارة المستجير بحرم الله ، وقد ختم معجمه الشهير القاموس المحيط بهذه الفقرة المهمَّة:
قال مؤلِّفه –رحمه الله تعالى- هذا آخر القاموس المحيط، والقاموس الوسيط. عُنِيْتُ بجمعه وتأليفه، وتهذيبه وترصيفه، ولم آلُ جهدًا في تلخيصه وتخليصه وإتقانه، راجيًا أنْ يكون خالصًا لوجه الله الكريم ورضوانه. وقد يسَّر الله تعالى إتمامه بمنزلي على الصَّفا بمكَّة المشرَّفة. تجاه الكعبة المعظَّمة، زادها الله تعالى تعظيمًا وشرفًا، وهيَّأ لقُطَّان باحتها من بحابح الفراديس غُرَفًا، ونفع بهذا الكتاب المكتسي من بركتها إخواني، وحسَّنه بالقبول من حُسْنه الغواني من لطائف المعاني، وأجزل من فضله العميم ثوابي، وجعله نورًا بين يديّ يوم حسابي .

ومما يروى في شأن تأليف الكتب في مكة المكرَّمة، ما ذكره النَّحويّ الشهير ابن هشام الأنصاريّ في مقدِّمة كتابه الذائع الصيت مغني اللبيب عن كتب الأعاريب :
وقد كنتُ في عام تسعة وأربعين وسبعمئة أنشأتُ بمكة –زادها الله شرفًا- كتابًا في ذلك منوِّرًا من أرجاء قواعده كلّ حالك، ثمّ إنّني أُصبت به وبغيره في منصرفي إلى مصر. ولَمَّا مَنَّ الله تعالى عليّ في عام ستَّة وخمسين بمعاودة حرم الله، والمجاورة في خير بلاد الله، شمَّرتُ عن ساعد الاجتهاد ثانيًا، واستأنفتُ العمل لا كسِلاً ولا متوانيًا، ووضعتُ هذا التصنيف، على أحسن إحكام وترصيف، وتتبَّعتُ فيه مُقْفَلات مسائل الإعراب فافتتحتُها، ومعضلات يستشكلها الطلاّب فأوضحتُها ونقَّحْتُها، وأغلاطًا وقعت لجماعة من المعربين وغيرهم فنبَّهتُ إليها وأصلحتها .

النِّداء على الكتب
هيَّأ موسم الحجّ والتقاء كوكبة من علماء الأمَّة في رحاب مكَّة المكرَّمة، أنْ جعلها مدينة الكتاب صِدقًا، فكم من كتاب جُلِبَ إليها، وكم من مصنَّف ارتحل منها، ففيها من أسباب الاتصال العلميّ والثقافيّ ما لم يتحقَّق لما سواها، حتَّى أصبحت أمّ القرى الفرصة الأخيرة للسؤال عن كتاب مفقود، لم يجده عالم أو أديب في بلده، فينشط بعض العلماء لاستغلال موسم الحجّ للبحث عن كتاب أعياه طِلابه، فيؤجِّر لذلك مناديًا يغشى الأمكنة المزدحمة، مستفسرًا عن كتاب بعينه، فلعلَّه واجده بعد فقد. روى ياقوت الحمويّ في معجم الأدباء ، عن ابن الإخشاد النحويّ هذا الخبر:
ذكر أبو عثمان في أوَّل كتاب الحيوان أسماء كتبه ليكون ذلك كالفهرست، ومرَّ بي في جملتها الفرق بين النبيّ والمتنبئ و كتاب دلائل النبوَّة … فأحببت أنْ أرى الكتابين، ولم أقدر إلا على واحد منهما، وهو كتاب دلائل النبوَّة … فهمَّني ذلك وساءني في سوء ظفري به، فلمَّا شخصتُ من مصر ودخلتُ مكَّة، حرسها الله تعالى، حاجًّا أقمتُ مناديًا بعرفات ينادي، والنَّاس حضور من الآفاق على اختلاف بلدانهم وتنازُح أوطانهم وتبايُن قبائلهم وأجناسهم من المشرق والمغرب ومن مهبّ الجنوب، وهو الذي لا يشبهه منظر: رحم الله من دلَّنا على كتاب الفرق بين النبيّ والمتنبئ لأبي عثمان الجاحظ على أيّ وجه كان !

معرض إسلاميّ
ومن دلائل شخصيَّة مكَّة المكرَّمة ذلك التنوُّع الفسيفسائيّ الذي يبدو في انصهار الأجناس والأعراق، ففيها من كلّ جنس وعرق جذْر، وفيها من كلّ لغة ولهجة أثر، وأصبح ذلك جزءًا أساساً من شخصيَّة المكان والمجتمع، وحتَّى ليصعب تصوُّر مكَّة المكرَّمة دون هذا التنوُّع في الأصول، وأورثها ذلك نسيجًا عجيبًا في العادات الاجتماعيَّة، وفي ضروب المأكل والمشرب والملبس، وفي انتخاب المكّيّين، والحجازيّين عامَّة، لنمط عجيب من الكلام واللهجة، يجعل اللهجة المكّيّة –والحجازيَّة- فريدة في مجتمعات الجزيرة العربيَّة، في ميلها إلى السهولة واللين في صوغ الكلمات ونطق الأصوات، حتَّى لو أخنى ذلك على العربيَّة الفصيحة في بعض أحرفها وكلماتها.

وأصبح من أشْيع مظاهرها الاجتماعيَّة أنَّها مدينة تعجّ بالغرباء، وتقيم عيشها ومرافقها على هذا الأساس، وكان من السائغ أنْ يطلق عليها اسم المعرض الإسلاميّ ، كما يقول الرحَّالة المصريّ محمد لبيب البتنونيّ، في أثناء زيارته لمكَّة المكرَّمة عام 1326هـ/1908م:
ومن اختلاط هذه الأجناس بعضهم ببعض بالمصاهرة أو المعاشرة صار سواد أهل مكَّة خليطًا في خُلُقهم: .. وتراهم جمعوا بين رفه الحضارة وقشف البداوة: فبينما ترى الرجل منهم قد آنسك برقَّة حديثه معك، وَضَعَتِه بين يديك، إذ هو قد استوحش منك وأغلظ في كلامه، حتَّى كأنَّ طبيعة البداوة تغلَّبت فيه على طبيعة الحضارة فلم يُطِق ما تكلَّفه في حضرتك. وقد وصل هذا الخلط إلى أزيائهم التي تراها مجموعة مختلطة من أزياء البلاد الإسلاميَّة: عمامة هنديَّة، وقِفطان مصريّ، وجُبَّة شاميَّة، ومِنْطقة تركيَّة .

أناقة مكِّيَّة
وحين زار ابن جبير الأندلسيّ مكَّة المكرَّمة بهره ولع المكّيّين وشغفهم بالأناقة والتفنُّن، وبخاصَّة تفنّنهم في صناعة الحلوى، التي لعلَّها أنْ تكون خصيصة لأهل مكَّة المكرَّمة المشغوفين إلى عصرنا الحاضر بأطايب الحلويَّات المشهورة كـ اللدّو ، و المعمول ، و الدبيازة ، و المشبَّك … إلخ. يقول ابن جبير:
وأمَّا الحلوى فيُصْنَع منها أنواع غريبة من العسل والسكّر المعقود على صفات شتَّى، أنَّهم يصنعون بها حكايات (أي: أشكال) جميع الفواكه الرطبة واليابسة، وفي الأشهر الثلاثة رجب وشعبان ورمضان يتصل منها أسمطة بين الصفا والمروة، ولم يشاهد أحد أكمل منظرًا منها، لا بمصر ولا بسواها، قد صُوِّرت منها تصاوير إنسانيَّة وفاكهيَّة، وجُلِّيَتْ في منصَّات كأنَّها العرائس، ونُضِّدتْ بسائر أنواعها المنضَّدة الملوَّنة، فتلوح كأنَّها الأزاهر حُسنًا، فتقيّد الأبصار، وتستنزل الدرهم والدينار !

أمَّا ابن بطّوطة فلم يفتْه أنْ يقرِّر ما اشتُهِرتْ به المرأة المكّيّة من تديُّن وتعفُّف وجمال وأناقة، فقال:
وأهل مكَّة لهم ظَرْف ونظافة في الملابس، وأكثر لباسهم البياض فترى ثيابهم أبدًا ناصعة ساطعة ويستعملون الطِّيب كثيرًا ويكتحلون ويكثِّرون السِّواك بعيدان الأراك الأخضر. ونساء مكَّة فائقات الحُسْن، بارعات الجمال ذوات صلاح وعفاف، وهُنَّ يُكْثِرْنَ التطيُّب حتَّى إنَّ إحداهنَّ لتبيت طاوية وتشتري بقٌوتِها طيبًا! وهُنَّ يقصدنَ الطواف بالبيت في كلّ ليلة جمعة فيأتين في أحسن زيّ، وتغلب على الحرم رائحة طيبهنَّ، وتذهب المرأة منهنَّ فيبقى أثر الطِّيب بعد ذهابها عبِقًا .

بحيرة من الشموع
ويسترعي الانتباه ما رواه نفر من الرحَّالين –قديماً وحديثًا- من ولع المكيّين وشغفهم بالاحتفالات والمناسبات التي لا يكاد يخلو منها شهر، وفي كثير من الأحيان لا يكاد يخلو منها يوم، فمكَّة المكرَّمة، فيما مضى لها من أيَّام، لم يكن لأبنائها من نشاط اقتصاديّ يقوم بأودهم سوى الحجّ، فينشطون فيه لادّخار أكبر قدر من المال، ويعتاشون عليه طول أيَّام العام، أمَّا فيما سوى ذلك فليس ثمَّة سوى التفرُّغ للعلم، أو السفر، أو الأنس بالاحتفالات والمناسبات التي حفلت بها حياتهم.

ومن أعجب ذلك ما سطَّره الرحَّالة ابن جبير الأندلسيّ، قبل نحو ألف عام، من احتفال المكّيّين بالعشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، في المسجد الحرام:
وصُفَّ المقام الكريم بمحراب من الأعواد المشرجبة المخرَّمة، محفوفة الأعلى بمسامير حديدة الأطراف على الصِفَة المذكورة، جُلِّلتْ كلّها شمعًا، ونُصِبَ عن يمين المقام ويساره شمع كبير الجِرْم في أتوار تناسبها كِبَرًا، وصُفَّت تلك الأنوار على الكراسي التي يصرفها السَّدَنة مطالع عند الإبقاء، وجُلِّلَ الحجر المكرَّم كلّه شمعًا في أنوار من الصِّفْر، فجاءت كأنَّها دائرة نور ساطع، وأحدقت بالحرم المشاعيل، وأُوقِد جميع ما ذُكِر.

وأحدق بشرفات الحرم كلّها صبيان مكَّة، وقد وُضِعَت بيد كلّ (واحد) منهم كٌرَة من الخرق المشبعة سليطًا، فوضعوها متَّقِدَة في رؤوس الشُّرُفات، وأخذت كلّ طائفة منهم ناحية من نواحيها الأربع، فجعلت كلّ طائفة تباري صاحبتها في سرعة إيقادها، ويُخَيَّل للنَّاظر أنَّ النَّار تثب من شُرْفة إلى شُرفة لخفاء أشخاصهم وراء الضوء المرتمي الأبصار، وفي أثناء محاولتهم لذلك يرفعون أصواتهم بـ يا ربّ يا ربّ على لسان واحد، فيرتجّ الحرم لأصواتهم !

مستشفى الغُرَباء ووقْف الصواني
ولَمَّا كانت مكَّة المكرَّمة مجتمعاً ضاجّاً بالغرباء الذين يقصدونها من كل فجّ عميق، وطاب لعدد كبير منهم المجاورة فيها والمقام بها- فإنَّ أثر ذلك بدا واضحاً في معايش أبنائها وأحوالهم، وتمثَّل ذلك في نظام الأوقاف -هذا الجانب العبقريّ في الحضارة الإسلاميَّة- الذي أثمر عن عدد من الأوقاف في مكَّة المكرَّمة، في انسجامها مع الطبيعة الدينيَّة والاجتماعيَة للبلد الحرام، واشتُهِرت، عبر تاريخها، بنماذج رائعة من الأوقاف التي لم تَدَعْ ناحية من أنحاء حياتها وحياة أبنائها وحياة من قصدها من الحجَّاج والمجاورين، فثمَّة أوقاف محبوسة على حَمَام الحرم، وثمَّة أوقاف لكفن الموتى من الغرباء.

غير أنَّ من طريف الأوقاف وعجيبها في مكَّة المكرَّمة ما ذكره الرحَّالة المصريّ اللواء إبراهيم رفعت باشا في رحلته مرآة الحرمين ، في أثناء حجّته عام 1318هـ/1901م، عن مستشفى الغرباء والفقراء ، هذا المستشفى الذي أُنْشِئ عام 1086هـ، بالجهة الشرقيَّة من المسجد الحرام، في زمن السلطان الغازي محمد خان الرابع، وهو، كما ينبئ عن ذلك اسمه، مختصّ بالغرباء من الحُجَّاج الذين لا يجدون ما يسدّ عَوَزَهم ويخفِّف من آلام المرضى منهم.

وذكر الأمير شكيب أرسلان في تعليقاته على كتاب حاضر العالَم الإسلاميّ جانبًا من الأوقاف الطريفة التي رآها في مكَّة المكرَّمة. يقول:
وفي مكَّة المكرَّمة وَقْف مخصَّص ريعه لمنع الكلاب من دخول مكَّة المكرَّمة، ووَقْف لإعارة الحُلِيّ والزِّينة للعروس في الأعراس والأفراح، بحيث إنَّ عامَّة الفقراء، لا بلْ الطبقة المتوسّطة يرتفقون بهذا المعهد الخيريّ، فيستعيرون منه ما يلزمهم من الحُلِيّ لأجل التزيّن في الحفلات ويعيدونه إلى مكانه، فيتيسَّر للفقير أن يَبْرُز يوم عرسه بحلَّة رائعة، ولعروسه أن تتحلَّى بحليَة سائغة مما يجْبُر خاطرها، وكذلك يستغني الفقير المتوسط الثروة عن أنْ يشتري ما طاقة له به .

أمَّا الاحتفالات والمناسبات المكّيّة، وما أكثرَها! فلم تكن خلوًا من الأوقاف. ومن ذلك ما ذكره المؤرِّخ المكّيّ محمد طاهر الكرديّ في كتابه التاريخ القويم لمكَّة وبيت الله الكريم ، من أنَّ بعض البُخَاريّين، من سكَّان مكَّة المشرَّفة، قد أوقف لله تعالى ما يملكه بمكَّة، وهو بستان البخاري المشهور، بمحلَّة المسفلَة، لعمل الولائم لكلّ من أراد ذلك، ولقد جعل من أدوات الطبخ ولوازمه من القدور والتَّبَاسي والصَّواني والصحون والملاعق وغيرها شيئًا كثيرًا، وذلك من بعد سنة 1200 هجريَّة، توالى على هذا البستان، بعض النُّظَّار إلى يومنا هذا .

أدباء مكيّون
– أحمد السباعي: قاص وروائي
– طاهر زمخشري: شاعر
– حمزة شحاتة: شاعر وكاتب
– إبراهيم فلالي: شاعر وقاص وناقد
– حسن عبدالله القرشي: شاعر وقاص
– عبدالله عبدالجبار: ناقد أدبي
– حامد دمنهوري: روائي
– حمزة بوقري: روائي ومترجم
– 
أحمد عبدالغفور عطّار: شاعر وقاص ولغوي ومحقق وصحفي
– محمد حسن فقي: شاعر

غرائب اللهجة المكية
– 
المَرْمَصَة: ثوب مِمَرْمص أيْ قطعة قماش تكون على غير وضعها الطبيعيّ الذي يجب أنْ تكون عليه.
– المَرْمَشَة: نهش ما على العظام من بقايا اللحم.
– الزَّبْلَحَة: التوقُّح في الكلام.
– 
السَّلْقحة: هي الترزُّل، كأنْ يَغْشَى شخص معارفه وأصدقاءه أوقات الانتفاع بما لديهم من مطعم أو مشرب أثناء تجمُّعهم وقيْلاتهم.
– الفَرْتَكة: بعثرة الأشياء، وتفرُّق الجماعة.
– الدَّرْدَبَة: الدَّحْرَجة.
– الدَّرْبَكة: الجَلَبة والضجيج.
– اللَّغْوَصَة: نقل الكلام بين اثنين ممَّا يسوء.
– الدَّنْدَشَة: تزيين الشيْء وتزويقه.
– 
الشُّوْشَرَة: إيجاد الضوضاء والجَلَبَة في الكلام والتشويش.
– 
الْبَنْجَخَة: الإسراف والتظاهر بالكرم واليُسْر وسعة العيش.
– الْمَرْقَعة: المَيَاعة والتَّكَسُّر في المشي والحركة.
– التَّرْيَقَة: بمعنى الاستهزء والسُّخرية.
– الدَّحْلَسَة: التلطُّف لنيل المطلوب، أو المَلَق.
من كتاب مكَّة في القرن الرابع عشر الهجريّ ، محمد عمر رفيع

مصطلحات مكية
– الطَّهَار: الخِتَان
– المِمْلِك: المأذون الشرعيّ
– الدَّبَش: جهاز العروس
– الدَّايَة: القابلة
– الشرشورة: مكان غسل الموتى
– القُبُوري: من يتولَّى دفن الموتى

كُنَى وألقاب مكّيّة
– عُمَر: أبو سراج
– حسن: أبو علي
– حسين: أبو هلال
– يوسف: أبو يعقوب
– فاطمة: فَتُّو
– مريم: مَنَّة
– عبد الله: عَبَادي
– عبد الرحمن: الوجيه

حارات مكة القديمة
سوق الليل، شِعْب عليّ، شِعْب عامر، السليمانيَّة، المعابدة، النَّقا، جَرْوَل، الفَلْق، القَرَارة، الشَّاميَّة، أجياد، القَشَاشِيَّة، الشُبَيْكة.

أوليات
• أوَّل ما ظهر الثلج بمكة في مصنع الثلج للحاج نسيم الشامي سنة 1339هـ.
• أوَّل سيَّارة ظهرت بمكَّة هي سيَّارة الشريف الحسين بن عليّ سنة 1338هـ.
• أوَّل ظهور أقلام الجيب بمكة سنة 1334هـ.
• أوَّل ظهور الكهرباء بالمسجد الحرام سنة 1346هـ.
• أوَّل مصحف طُبِع بمكة بخطّ محمد طاهر الكردي سنة 1369هـ.
من كتاب التاريخ القويم لمكة والبلد الكريم ، محمد طاهر الكردي المكّيّ

الحوت والسمك الطريّ بمكة المكرَّمة
ولم يكن في العصور الماضية يوجد بمكة المكرَّمة شيء من الحوت الأخضر، أي الحوت الطريّ الجديد الخارج من البحر، وإنَّما كان المعروف في مكة نوعان من الحوت فقط، هما: الحوت المقليّ بالزيت، وهذا كان يأتي إليها من جدَّة مقليّاً، وكانوا يضعونه في أقفاص من جريد النَّخل ليتخلَّله الهواء في تنقُّله من جدَّة إلى مكَّة، وكانوا يرسلونه إلى مكَّة مع الحَمَّارة (بتشديد الميم)، فيصل إليها من جدَّة في ليلة واحدة فقط، أيْ كانوا يرسلونه قبيل المغرب من جدَّة فيصل إلى مكَّة في الصباح، فالحِمَار الجيِّد يقطع المسافة من جدَّة إلى مكَّة في ليلة واحدة، وما كانوا يرسلونه على الجِمَال لأنَّها تقطع المسافة بين البلدتين في ليلتين، لأنَّ الجَمَّالة (بتشديد الميم) لا يمشون بالنَّهار مطلقاً خوفاً من حرارة الشمس، فهم بالنَّهار يقيلون في قرية بَحْرَة وهي منتصف الطريق بين مكَّة وجدَة- فكان الحوت المقلي إذا وصل إلى مكَّة المكرَّمة قَلَوْه مرَّة أخرى في الدكاكين ثمّ يبيعونه خوفاً من تغيُّره وخرابه- هذا الحوت المقليّ الذي يعرفه أهل مكَّة من قديم العصور والأزمان .
من كتاب التاريخ القويم لمكَّة والبلد الكريم ، محمد طاهر الكردي المكّيّ

طريف الأمثال المكية
وَرِّي المجنون قُرْصه يِعْقَل:
يُضرَب مثلاً في الحضّ على المصارحة والصدق.
يخطف الكبيبة من وجه القِدْر:
يُضرَب مثلاً لمن يتعجَّل فَهم ما يُقال له دون فهمه لحقيقة القول.
بدران طاح على سردان:
بمعنى: استعان بمن لا يستطيع نفعه، بل هو أعجز منه.
صَفَّقْ صَفَّقْ ما جَمَعْ حَتَّى وَفَّقْ:
معناه: إنَّ الطيور على أشكالها تقع.
لا يِنْطَحْ وَلا يْقُولْ إِمْبَاعْ:
بمعنى: لا يُحسِن قولاً ولا فِعلاً.
إيْشْ تِسَوِّيْ الْمَقَيِّنهْ في الوجه الغِلِسْ:
معناه: لا يُصلح العطَّار ما أفسد الدهر.
الِّلي عنده مُخْ يِجُخْ:
معناه: المقتدر يفعل.
الِّلي يِبْغَى الدَّحْ ما يْقٌولْ أَحْ:
معناه: ومن يطلب الحسناء لا يُغْله المهر.
من كتاب مكة في القرن الرابع عشر الهجريّ ،
محمد عمر رفيع

مؤسسات ثقافية وتربوية في مكّة
– 
مكتبة الحرم: وهي من أهم مكتبات العالم الإسلامي، ويعود تاريخها إلى عدة قرون. وتحتوي على مئات المخطوطات المهمة، وخاصة التاريخ المكي.
– 
مكتبة مكة المكرمة: وتضم مخطوطات بالغة الأهمية لعلماء مكة المكرمة في العصور المتأخرة، وتقع في موقع المولد النبوي الشريف.
– 
المطبعة الميرية: وهي أول مطبعة في مكة المكرمة، وقد أنشأتها الحكومة العثمانية عام 1300هـ / 1882م.
– 
مطبعة الترقي الماجدية: وهي أول مطبعة أهلية. أنشأها محمد ماجد الكردي المكي عام 1327هـ / 1909م.
– 
صحيفة «حجاز»: وهي أول صحيفة تصدر في مكة المكرمة. أنشأتها الحكومة العثمانية عام 1326هـ / 1908م، وصدرت باللغتين التركية والعربية.
– 
صحيفة «القبلة»: أول صحيفة تصدر في مكة المكرمة في عهد الأشراف. أنشأها الشريف حسين بن علي عام 1334هـ/1916م.
– 
صحيفة «أم القرى»: أول صحيفة تصدر في مكة المكرمة في العهد السعودي. أنشأها الملك عبدالعزيز عام 1343هـ/1924م.
– 
صحيفة «صوت الحجاز»: أول صحيفة أهلية تصدر في مكة المكرمة في العهد السعودي. أنشأها مجموعة من المثقفين عام 1351هـ/1932م.
– 
جمعية الإسعاف الخيرية: جمعية أهلية أنشأها عدد من الأعيان والأدباء في مكة المكرمة عام 1354هـ/1935م، وكان الغرض من إنشائها إسعاف الجنود المحاربين والعناية بالتوعية الصحية، ثم ما لبث أن تحولت قاعتها وردهاتها إلى الاهتمام بالمحاضرات الثقافية والأدبية التي شارك فيها نخبة من الأدباء السعوديين. ومن أشهر محاضراتها «الرجولة عماد الخُلُق الفاضل» لحمزة شحاتة.
– 
المدرسة الرشديّة: أول مدرسة تتبنّى التعليم الحديث في مكة المكرمة. أنشئت عام 1301هـ/1884م.
– 
المدرسة الصولتية: أنشأها في مكة المكرمة الشيخ محمد رحمة الله العثماني عام 1292هـ/1875م، وقامت بتمويلها الثرية الهندية صولة النساء، وأطلق اسمها عليها، ولا تزال المدرسة قائمة إلى عصرنا الحاضر.
– 
مدرسة الفلاح: أنشأها الثري محمد علي زينل في جدة عام 1323هـ/1905م، ثم أنشأ مدرسة الفلاح بمكة المكرمة عام 1330هـ/1912م.
– 
كلية الشريعة: وهي أول كلية جامعية تؤسس في المملكة العربية السعودية، وأنشئت في مكة المكرمة عام 1369هـ.
– 
جامعة أم القرى: وأنشئت في مكة المكرمة عام 1401هـ/1981م.

أضف تعليق

التعليقات