بيئة وعلوم

في اكتشاف علمي جديد..
سعدان الحجاز..
يظهر في السعودية بعد 29 مليون سنة

  • 45
  • 42
  • 44a
  • 44b
  • <SAMSUNG DIGITAL CAMERA>

يمكن لـ«جمجمة» قرد كانت مطمورة في أعماق الأرض، أن تدلي بشواهد كانت مطمورة في أعماق التاريخ. فالاكتشاف الذي توصَّل إليه الباحثون بالقرب من مكة المكرمة، يسلِّط الضوء على حقبة زمنية تعود لأكثر من 29 مليون سنة، وفي حين يثبت هذا الاكتشاف وجود ثدييات، فإنه يعطي شاهداً جديداً على الفترة التي كانت فيها الجزيرة العربية ملتصقة بإفريقيا، وهي الفترة التي سبقت نشوء تكون البحر الأحمر. حامد عمر العطاس،
من «جدة»، يُسلِّط الضوء في تقريره التالي على أهم اكتشاف علمي عرفته المملكة مؤخراً، والذي بات معروفاً ومسجَّلاً عالمياً باسم: «سعدان الحجاز».

جمجمة في الجموم
في اكتشاف علمي نادر.. كشفت هيئة المساحة الجيولوجية السعودية بالتعاون مع خبراء من جامعة ميتشيجن الأمريكية عن «جمجمة» أثرية تعود إلى إحدى الثدييات عمرها «29» مليون سنة، كانت محفوظة في طبقات من الحجر الرملي بمحافظة الجموم التي تبعد «30» كلم شمال مدينة مكة المكرمة.

وجاء الاكتشاف العلمي المهم ضمن مشروع البحث عن الأحافير التاريخية بالمملكة العربية السعودية، حيث تم العثور عليها في الجزء الأوسط من متكون الشميسي في منطقة الخيف بمحافظة الجموم، عندما تمكن فريق متخصص من هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، بالتعاون مع خبراء من جامعة ميتشيجن الأمريكية، من العثور على بقايا جمجمة تحتفظ بعظام الوجه، والأنف، والفك العلوي، وأجزاء من منطقة الأذن، تعود إلى أشباه السعادين البدائية في طبقات حجر الرمل ذي اللون الأحمر الداكن، والمتداخل مع حجر الحديد البطروخي, وبذلك تُعد الأحفورة المكتشفة كاملة وواضحة المعالم, من حيث صفات المقارنة التشريحية.

اكتشافات عمرها 26 مليون سنة
وقد ترسب متكون الشميسي الذي اكتشفت فيه الأحفورة، قبل انفتاح أخدود البحر الأحمر في العصر الميوسيني، جزئياً على متكون عسفان من العصر الطباشيري المتأخر إلى الأيوسيني، وتعلوه في بعض الأماكن الأحجار الرملية الميوسينية من متكون خليص. ويمثل الجزء المتوسط من المتكون الذي أتت منه الأحافير التي تم اكتشافها بيئة لظهور شجر المنغروف غير البحرية، ويمتد العمر المقدر لمتكون الشميسي من الأيوسسيني إلى الأوليجسيني المبكر والميوسسيني، والجدد التي تتداخل مع الجزء العلوي لمتكون الشميسي تعطي أعماراً لنظائر مشعة «راديويسوتوبيك» تمتد إلى «21-26 مليون سنة». كما أن تدفقات اللابة الأكبر عمراً التي تعلو المتكون والصخور الطفلية المتداخلة في الجزء العلوي تعطي عمراً يصل إلى «21-25 مليون سنة ماضية» ويدل على أن الجزء الأوسط يتبع لعصر ما قبل الميوسين.

اكتشاف فريد
قُدِّر عمر الأحفورة المكتشفة بما بين 28 و29 مليون سنة، اعتماداً على الدراسات السابقة للنظائر المشعة المستخلصة من الصخور البركانية لحرة العجيفاء وأيضاً ساعدت أحافير الثدييات المكتشفة مع سعدان، التي كانت معاصرة له، مثل الفيلة وأفراس النهر البدائية والوبريات العملاقة في تحديد العمر وذلك بعد مضاهاتها أومقارنتها بمثيلاتها في العالم، وكانت هذه الحيوانات تعيش في بيئة غابات وبحيرات تغذيها الأنهار وروافدها التي تكونت تحت الظروف المناخية شبه الاستوائية المطيرة.

وقال الباحث يحيى آل مفرح، رئيس فريق الأحافير السعودي: «يُعد هذا الاكتشاف فريداً من نوعه عالمياً، ويمكن أن يسهم في زيادة الفهم العام للامتداد الجيولوجي والتاريخي للسجل الأحفوري لرتبة الرئيسيات، لأنه يعود لفترة زمنية تمتد من 23 إلى 30 مليون سنة تقريباً، وتُعد هذه فترة فقيرة بالأحافير لهذه الرتبة، وهي الفترة الحرجة بالنسبة للتوزيع الجغرافي القديم للثدييات في المنطقة عندما كانت شبه الجزيرة العربية ملتصقة بقارة إفريقيا، قبل تكوُّن البحر الأحمر مما يعطي أيضاً بعض التفسيرات لنشوء وتكون البحر الأحمر».

سعدان الحجاز
أطلق على الاكتشاف الجديد اسم سعدان الحجاز «Saadaniushijazensis», نسبة إلى إقليم الحجاز غرب المملكة العربية السعودية، وهو إقليم هذا الاكتشاف، أما السعادين فهو اسم عربي وهو مصطلح جامع للقرود. وينتمي سعدان الحجاز المنقرض إلى طائفة الثدييات، المتفرعة منها رتبة الرئيسيات، التي تضم الأنواع الحالية والمنقرضة للقردة والسعادين التي تندرج تحت مستوى تصنيفي أكثر تشعباً يعرف بالكاترينيات «Catarrhini» أو الرئيسيات ذوات فتحات الأنف المستقيم, المفتوحة للأسفل, والتي تضم كذلك أقدم الكاترينيات البدائية من إفريقيا, ومجموعة القردة المنقرضة من أوراسيا. كما دلَّت الدراسات أن سعدان الحجاز ذي حجم متوسط، ووزنه يتراوح ما بين 15 إلى 20 كيلوجراماً, وتبرز مقدمة وجهه قليلاً للأمام، وهو ذو أسنان طاحنة واسعة نسبياً, وأنياب متطورة إلى حد ما، ويتميز الجزء العلوي من جمجمته بوجود أثلام سميكة, تُكون منخفضاً بشكل مثلث على عظمة الجبهة.

كما دلَّت الأشعة المقطعية للجمجمة على أن تركيب عظام الجبهة تخلو من أي جيوب داخلية، إلى جانب أن التركيب والخصائص التشريحية للأذن تشبه إلى حد كبير تركيب وخصائص أذن القردة والسعادين الحالية. وكذلك بيَّنت الخصائص التشريحية لسعدان الحجاز، أنه من النوع البدائي بالنسبة للسعادين المعاصرة، وقردة العالم القديم، وفي نفس الوقت يُعد أكثر تقدماً من الكاترينيات البدائية المكتشفة في منطقة الفيوم «جبل القطراني» في جمهورية مصر العربية, مما يجعله نوعاً انتقالياً ما بين الكاترينيات البدائية من جهة والسعادين المعاصرة وقردة العالم القديم من جهة أخرى.

وتوضح الصورة المقطعية لجمجمة السعدان التركيب الداخلي مع جذور الأسنان والأنياب، حيث تحتفظ الأحفورة بمعظم عظام الوجه, ومجرى العصب الداخلي للجمجمة والحنك مع أسنان جزئية عددها «12» في الجزء الأيمن والجزء الأيسر وكذلك جذور في الجزء الأيمن والأيسر وتجاويف أسنان في الجانب الأيمن والأيسر، والناب الأيسر مكسور، وبعض أنواع المينا تكسرت من الضروس, ولكن التفاصيل القياسية للبنية التركيبية يمكن تحديدها.

جرح قاتل
وهناك آثار عضة عميقة في المثلث الأمامي وأخرى ربما تكون هي جرح قاتل في الجانب الأيمن من التجويف الداخلي لفجوة الجمجمة، بالإضافة إلى ذلك فإن جزءاً من العظم الصدغي محفوظ وكذلك عظم مؤخرة الرأس وعظم مؤخرة الفك السفلي. وتشمل الملامح البارزة للأحفورة منخفضاً من الوجه على الأعصاب الداخلية للجمجمة, وبروز الأنف الذي يشبه مقدمة المركب في منتصف الوجه، والتقارب القوي الداخلي للخطوط الصدغية، وطول جذور الناب، وامتداد خطوط المسافات بين الأسنان، وعظمة طبلة الأذن المسطحة، والأضراس العريضة والكبيرة.

تطور الأسنان وطول جذور الناب والفجوات بين الأسنان «12 سناً»، وحجم الضرس وسيماء الخطوط الصدغية لتشكيل القمة تشير إلى أن الجمجمة لذكر بالغ. وتشكل هذه الملامح مع بعضها البعض تصنيفاً مميزاً يختلف بشكل كافٍ عن الجنس الجديد والكائنات الحية التي لا يمكن وصفها مع أي عائلة كاترينية أو مع عائلة كبيرة «سوبر».

وقال الدكتور زهير نواب رئيس هيئة المساحة الجيولوجية السعودية إن الاكتشاف بعد أن تم فحصه في جامعة ميتشيجن في الولايات المتحدة الأمريكية، تم تقدير العمر الزمني للفترة التي عاشت خلالها هذه الفصيلة من السعادين، وأتضح أن عمرها يبلغ 29 مليون سنة وهي الفترة التي سبقت نشوء تكون البحر الأحمر، مما يعني أن الجزيرة العربية كانت ملتصقة بالقارة الإفريقية وأن التنوع الحيواني كان متصلاً، حيث أمكن مقارنة هذه العينة بشبيهات لها في كل من كينيا والفيوم في مصر، مما يعطي دلالات مهمة على تاريخ القارات وتاريخ الاجناس الحيوانية التي كانت منتشرة «أنذاك».

لقطات
• تم اكتشاف سعدان الحجاز في منطقة شمال مدينة جدة في فبراير 2009م.
• نُشر الإعلان العلمي للاكتشاف في يونيو 2010م.
• وزير البترول والثروة المعدنية ورئيس هيئة المساحة الجيولوجية السعودية المهندس على النعيمي، وأعضاء مجلس الإدارة أشادوا بالكتيب الخاص بهذا الاكتشاف خلال اجتماع مجلس الإدارة الذي عقد مؤخراً في جدة، وتم خلاله افتتاح معمل ومعرض الأحافير بهيئة المساحة الجيولوجية.
• أوصى الفريق العلمي بالهيئة باستمرار دراسة المنطقة المكتشفة لمدة سنوات ثلاث قادمة.
• توقع الفريق العثور على اكتشافات جديدة مماثلة لاكتشاف سعدان الحجاز من حيث قيمته العلمية والتاريخية.

هيئة المساحة الجيولوجية السعودية
أُنشئت هيئة المساحة الجيولوجية السعودية عام 1420هـ «1999م»، وهي ترتبط بوزارة البترول والثروة المعدنية، ومقرها جدة. ومهمتها القيام بنفسها أو بواسطة غيرها في المملكة وفي منطقتها الاقتصادية الخالصة وجرفها القاري بجميع أعمال المسح والتنقيب عن المعادن وتنمية تلك الأعمال وتطويرها، وتوفير المعلومات الكافية عن الرواسب المعدنية وإجراء البحوث والدراسات ذات الصلة بعلوم الأرض، بدءاً من أعمال المسح الجيولوجي والتنقيب عن المعادن، وإعداد وتنفيذ الخرائط والدراسات الجيولوجية، وتنمية الموارد المعدنية بكافة أنواعها.. وصولاً لإتاحة الفرص الاستثمارية في مجال التعدين. كما إن الهيئة تقوم – حسب نظامها – بإجراء الدراسات الهيدروجيولوجية، ورصد دراسة الزلازل والبراكين، ومراقبة المخاطر الجيولوجية الأخرى، وجيولوجيا المياه، والجيولوجيا البيئية، والجيولوجيا الهندسية، وتوفير الخدمات المعلوماتية المتعددة، خصوصاً تلك المتعلقة بتزويد الجهات الحكومية والخاصة في المملكة بالتقارير والخرائط والمعلومات الفنية عن الثروات المعدنية والتراكيب الجيولوجية الموجودة في كافة أراضي المملكة.

أعضاء فريق الاكتشاف وهم الجيولوجيون السعوديون محمد أحمد علي ويحيى آل مفرح وأيمن عمر ناضره وعادل حسن مطري وصالح عابد الصبحي وعبده المسعري، ويظهر معهم الخبير الأمريكي د. إياد صالح زلموط وسائقا الرحلة لويفي المرواني وعويض المطيري.

أضف تعليق

التعليقات