الرحلة معا

ست سنوات من السباق مع الذات

تطل عليكم قافلتكم في هذا العدد، السادس والثلاثين، بعد أن قطعت شوطاً عمره ست سنوات في مسارها الجديد، رسمت خلاله لوحة فنية من خمسة وثلاثين فصلاً هي أعداد القافلة خلال تلك الفترة.

وأجد من المناسب أن أفشي للقارئ الكريم شيئاً من أسرار المهنة، وأسباب تواصل المنافسة في التألق بين أعداد القافلة وفصولها الشاعرية منها والفنية أو تلك المحطات الموضوعية المهمة التي يحرص فيها فريق التحرير بكامل هرمه أن يقدِّم للقارئ مادة تحتضن الاحتراف وتلبس ثوب الفن.

فمع إصدار كل عدد من أعداد القافلة تصلنا الملاحظات من قرائنا، كما تصلنا الإطراءات، وإذا كانت الملاحظات تضعنا أمام أصحابها ومسؤولية إصلاح ما يتوجَّب إصلاحه منها، فإن الإطراءات تضعنا أمام أنفسنا، لكيلا نرضى بأقل مما وصلنا إليه، بل إن القلق الدائم وهاجس الإبداع والتألق يخامرنا في كل خطوة من خطوات عملنا، فالاكتفاء بما وصلنا إليه والوقوف عنده يعني التراجع بالنسبة لنا .. وهذا ما يضعنا أمام مسؤولية جسيمة .. أمانة تحقيق أمل القارئ فينا، في أن نكون دائماً عند حسن إدهاشه ومفاجأته بما يتجاوز توقعاته.

هذا الهاجس هو الدافع الدائم لنا لنكون في سباق مع أنفسنا .. لنكون دائماً سابقين لها بخطوات .. نكون عند حسن ظن القارئ .. الذي وضع أمانته …. في أقلامنا ومخيلتنا وقبل كل شيء في أعناقنا.

وإذا كانت القافلة تقف هذا الموقف مع كل عدد، وتحاسب نفسها بحثاً عن أقصى غايات الرضا عند قرَّائها، فإنها تقف أمام ثلاث مفارقات مختلفة في هذا العدد:

أولها أنها تختم وراءها خمسة وثلاثين عدداً من مرحلة تطويرها التي بدأت قبل ست سنوات، تميزت بالسعي الدؤوب إلى إرضاء ذائقة القارئ الثقافية وحسه الفني، ومحاورته بالأسئلة التي تشغل وجدانه، الأمر الذي يرخي بظله على متابعة المسيرة المحملة بأمانة الماضي المبدع والمستقبل الذي يحتِّم علينا أن يكون أكثر إشراقاً وإبداعاً.

أما ثانيها فافتقاد اثنين من أعمدة المجلة في شهر واحد!

أحدهما الأستاذ عبدالله بن صالح بن جمعة، رئيس الشركة وكبير إدارييها التنفيذيين، الذي تقاعد من العمل في الشركة ليقفل وراءه سجلاً من النجاحات، ويفتح أفقاً من الأمل والمستقبل المشرق والمتألق للآتين بعده.

أما الثاني فهو رئيس التحرير الأستاذ محمد العصيمي الذي غادرنا في مهمة عمل إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

وعبدالله جمعة أحد آباء المجلة الروحيين والشجرة التي كانت تفيء إلى ظلها وتستأنس برأيها، وقد كان للقافلة وقفتا عرفان معه في افتتاحية العدد الماضي، وفي احتفال ثقافي أقامته خصيصاً للاحتفاء به على طريقتها، حيث أثار المشهد الثقافي الاحتفائي شجونه وأعاده إلى طاقة الكلمة وموسيقى الحرف لينسى أو يتناسى طاقة النفط، وينطلق في شدوه بقصائد لشعراء عرب قدماء ومحدثين، وسط دهشة الحضور بجاذبية إلقائه وحافظته الثرية.

وعندما وقف رئيس الشركة كبير إدارييها التنفيذيين، المهندس خالد الفالح على المنصة في دعوة مفاجئة من سلفه لتدشين موقع القافلة على شبكة الإنترنت، ألمح إلى هذا المعنى، حيث أشار إلى استعادة ميدان الحرف أحد فرسانه بعد مشاغلته عنه بشؤون الطاقة حقبة من الزمن، كما أشار إلى مغادرة رئيس التحرير في مهمة العمل المناطة به، وأشاد بجهودهما، كل في مجاله.

وإذا كان جمعة هو الأب الروحي للمجلة وفيؤها الظليل، فقد كان العصيمي الدينامو الذي يحرِّك كل مفصل من مفاصلها وكل خلية نابضة فيها.

وما زلت أتذكر اجتماعاتنا لبناء الأعداد الأولى من المجلة والتي حددت مسيرتها ونهجها وسلم نهوضها الذي هي عليه، حيث كانت ألسنة الدخان تتعالى في غرفة الاجتماعات مما لا يقل عن أربعة مدخنين في الفريق، تماماً كتعالي الأصوات في احتدام النقاشات، رغبة في الارتقاء بكل صفحة وكلمة ونبضة من نبضات القافلة.

أما المفارقة الثالثة، فهي تدشين موقع القافلة على الإنترنت، حيث تكاثرت طلبات التواصل من قبل القرَّاء مع المجلة، وإلى جانبها طلبات أخرى منها الاشتراك، ومن أهمها الحصول على الأعداد القديمة من المجلة التي يصل عمرها إلى 56 عاماً، فكانت فكرة تدشين موقع القافلة على الشبكة العنكبوتية، أفضل وسيلة للتواصل مع هؤلاء القرَّاء الأعزاء، وتلبية طلباتهم.

كل ما ترجوه القافلة أن تكون عند حسن ظن قرائها، وقصارى جهدها في سبيل تحقيق ذلك.

أضف تعليق

التعليقات