قصة مبتكر
قصة ابتكار
روي بلنكيت
المكتبة العامة
ولد روي بلنكيت في العام 1910م بولاية أوهايو الأمريكية. وبعد أن أتم دراسته الثانوية، التحق بجامعة مانشستر ليدرس الكيمياء، وحصل على درجة البكالوريوس في العام 1932م، ثم على درجة الماجستير في نفس التخصص من جامعة أوهايو في العام 1933م، ثم الدكتوراة في العام 1936م. بعد حصوله على الدكتوراة، بدأ بلنكيت العمل في شركة «دوبون» لأبحاث الكيماويات بولاية نيوجيرسي الأمريكية. حيث كلفته الشركة بواحد من مشروعاتها الخاصة بتطوير منتجات جديدة تستخدم في صناعة التبريد. ومثل كثير من قصص الابتكار، فقد قاده خطأ غير مقصود إلى اكتشاف مهم. كان ذلك في أحد أيام ربيع العام 1938م، عندما كان بلنكيت يختبر التفاعلات الكيميائية لغاز «تترافلورو إيثيلين»، لكن إحدى عبوات الغاز المضغوط لم تستطع أن تطلق محتواها حين فتح بلنكيت ومساعده جاك ريبوك صمامها. ترك الاثنان العبوة جانباً وأكملا العمل المطلوب. لكن ريبوك تنبه لاحقاً إلى أن وزن العبوة أثقل من أن تكون فارغة. ولهذا اقترح على بلنكيت أن يقوم بفحصها ليرى ماذا حلَّ بالغاز داخلها. ورغم احتمال انفجار العبوة، إلا أن الفضول العلمي دفع بلنكيت إلى الموافقة على هذا الاقتراح. وكانت دهشته عارمة، حين فتح العبوة ليجد أن الغاز بداخلها قد تحول إلى مسحوق أبيض. وباختبار خواص هذا المسحوق، وجد أن حبيباته شديدة النعومة، وله درجة ذوبان عالية للغاية. كما أنه خامل ولا يتفاعل مع غيره من المواد. بدأ بلنكيت بحثه لمعرفة السبب الذي أدى إلى تحول الغاز إلى هذا المسحوق. فاكتشف أن جزيئات الغاز قد «تبلمرت»، أي ارتبطت ببعضها، وكونت مركباً جديداً هو «بولي تترافلورو إيثيلين». وجاءت خواص هذا المركب المثيرة للاهتمام، نتيجة للطريقة التي كونت بها ذرات الفلور ما يشبه الدرع الواقي الذي يحمي بقية هيكله. واستمرت أبحاث بلنكيت على هذا المركب، حتى تتضح كل خواصه أمامه، ويصل إلى طريقة لتحويل غاز «تترافلورو إيثيلين» إلى «البولي تترافلورو إيثيلين» في المعمل. في العام 1941م توصل بلنكيت إلى طريقة تحضير مركبه معملياً، وسجل لهذه الطريقة براءة اختراع تحمل اسمه. وكان من الضروري أن يحصل المركب على اسم تجاري، لما يحمله من إمكانات واعدة لدخوله في العديد من الصناعات. وتم اختيار اسم «تفلون» ليكون الاسم الذي يحمله هذا المركب الجديد في الأوساط الصناعية والتجارية. وسرعان ما أصبح مادة أساسية في تصنيع المعدات الثقيلة والآلات الضخمة والمركبات العسكرية. لكن العصر الذهبي للتفلون بدأ حين وجد استخدامه الأشهر، كسطح غير قابل للالتصاق في أواني الطهو المختلفة. وكان أول من توصَّل إلى هذا الاستخدام، المهندس الفرنسي مارك جريجوار الذي صمم أول مقلاة مغطاة بسطح غير لاصق، تحت الاسم التجاري «تيفال». في العام 1975م تقاعد بلينكت من عمله في شركة دوبون. وقبيل تقاعده بسنة، تم تسجيل اسمه على «لائحة مشاهير الصناعات البلاستيكية». وفي العام 1985م، تم إدراج اسمه ضمن «مشاهير المخترعين». وعندما توفي في العام 1994م، اعترفت الأوساط الأكاديمية والصناعية بأن الرجل كان من أبرز علماء الكيمياء في القرن العشرين.
يعتبر الكثيرون وجود المكتبات العامة في مدينتهم أمراً بديهياً، فتفوتهم حكاية هذه الصروح التي تعدها المجتمعات من العوامل الأساسية المساعدة على نشر العلم والثقافة في صفوف أبنائها. لقد عرف العالم القديم المكتبات الكبرى، ولكن الانتفاع منها كان حكراً على العلماء والحكام، مثل مكتبة الإسكندرية. وفي زمن الإمبراطورية الرومانية أنشئت في الغرف الجافة من الحمامات مكتبات كان يحق لرواد الحمام فقط أن يطالعوا ما فيها. أما المكتبة العامة بمفهومها المتعارف عليه اليوم، كصرح مفتوح لعامة الناس حيث يمكنهم مطالعة محتوياتها، فقد كان ظهورها على أيدي العرب بدءاً من القرن الثامن الميلادي، من خلال ما عرف بدور العلوم، التي أنشئت في بغداد أولاً، ثم راحت تنتشر في بلاد الشام وشمال إفريقيا. وكانت مفتوحة لكل طالب علم وقراءة، وبعضها وضع نظاماً لإعارة الكتب، وامتنع بعضها عن ذلك. والمدهش أن نحو سبعة قرون من الزمن مرت قبل أن تظهر أولى المكتبات العامة في أوروبا، وكان ذلك عام 1452م في مدينة كاسينا الإيطالية، وبعد ذلك بقرن ونصف القرن تقريباً وتحديداً عام 1598م وصل مفهوم المكتبة العامة إلى لينكولنشاير في إنجلترا. وفي القرن التالي ظهر عدد آخر من المكتبات العامة في بريطانيا، كما ظهرت المكتبات العامة الثلاث الأولى في أمريكا في كل من بوسطن ونيويورك وفيلادليفيا. وفي حين أن بعض الدول مثل المكسيك عرفت في القرن نفسه ظهور أول مكتبة عامة، فإن بلداناً كانت أكثر تطوراً منها مثل فرنسا لم تظهر فيها أول مكتبة عامة إلا في عام 1737م، وفي مدينة سوليو الصغيرة وليس في العاصمة. في أواخر القرن الثامن عشر، طرأ تحول مهم على عالم المكتبات العامة، فقد ارتفعت أسعار الكتب آنذاك بشكل حاد (وصل ثمن الكتاب المتوسط في لندن إلى جنيه ذهبي)، مما أدى إلى تهافت العامة على هذه المكتبات، التي لم تعد قادرة على الاستمرار والنمو بجهود فردية، فدخلت الحكومات أينما كان في العالم على خط رعايتها وتمويلها من عائدات الضرائب. وخلال القرنين الماضيين أصبح وجود مكتبة عامة شرطاً لا غنى عنه في أية مدينة في العالم، ورعايتها واجباً حكومياً، وإن احتاج الكثير منها إلى دعم مؤسسات أهلية أو «جمعيات أصدقاء» يجمعون التبرعات لها. وحتى عقود قليلة خلت، كانت المكتبات تنمو بغذاء واحد، ضم المزيد من الإصدارات الجديدة إلى مجموعتها. وعندما كانت تضيق بمحتوياتها، كانت تفتح فروعاً لها في مدن أو بلدات مجاورة، مثل مكتبة بوسطن التي فتحت أكثر من عشرين فرعاً لها في أنحاء ولاية ماساتشوستس. وبخلاف ما يراه البعض أثراً سلبياً للتقنية الرقمية على الكتاب المطبوع، أمدت هذه التقنية المكتبات العامة بدم جديد. فبسرعة، استوعبت هذه المكتبات التقنية الجديدة، ووفرت لمرتاديها أجهزة كمبيوتر وخدمة إنترنت مفتوحة ومجانية، وأضافت إلى مهمتها الأساسية مهمة جديدة: «ردم الهوة بين التقليدي والرقمي». ففي العام 2006م، كان %72.5 من فروع المكتبات العامة في أمريكا، الأماكن الوحيدة التي توفر خدمة إنترنت مجانية. وفي العام 2008م، كان %73.4 من هذه المكتبات يقدِّم لمرتاديه تدريباً تقنياً على استخدام أجهزة الكمبيوتر وبرامجها المختلفة. الأمر الذي يشير إلى المسافة التي قطعها مفهوم المكتبة العامة منذ أن كان حق الانتفاع منها محصوراً في مرتادي الحمامات في روما.