تسلط أضواء متعددة من خلال المعرض الدولي للكتاب في فرانكفورت بألمانيا على ثقافتنا العربية؛ فشعار المعرض أعد هذا العام بشكل يعكس أهمية لغتنا العربية؛ وضرورة تقديمها بشكل مميز يؤكد تطورها وتجددها من خلال الثقافة والمعرفة والأدب.
سيكون لنا – في ما يبدو – حضور لافت بحجمه وشكله؛ لكن .. ما الذي سيكون عليه المضمون؟ .. وهل سيكون هذا الحدث الثقافي والمعرفي العالمي تحولاً نوعياً فيما سنطرحه أمام الأمة الألمانية التي لا تجامل كثيراً ولا تحابي بشكل مسرف؟ من المؤكد أنها ستقبل على ما سيقدمه المثقف والأديب العربي .. فإن كان ما سيقدمه العربي هو من قبيل مفاهيم “كان” فالأمر لن يثير شيئاً لأنهم اعتادوا أمراً كهذا؛ أما وإن اختلف الأمر عن سابقه من الطروحات فهي نقطة التحول بيننا بكل تأكيد .. بمعنى أننا مطالبون بأن نكون بحجم هذا التحول نحو الجديد المتطور الذي يستبعد فكرة “كان”، لنقدم العمل المعرفي المفيد، الذي يحقق طموحات المثقف العربي في مد جسور التواصل مع العالم من حوله .. فلعلهم يجدون أن لدينا – في هذا المعرض – ما يستحق الاهتمام والمتابعة.
فالغربي بشكل عام والألماني بشكل خاص لديه حساسية مفرطة تجاه الأشياء الجمالية، فإما أن تكون الواجهة الثقافية المقدمة متطورة في شكلها ومضمونها فيقبل عليها أو تكون ماضوية ونمطية تكرس ذلك المفهوم المعتاد عن سحر الشرق وغموضه الذي قد لا يضيف شيئاً إلى ما لديهم؛ بل نراهم يتناولونه بوصفه تراثاً قديماً لا يندرج في رؤيتهم الحالية ضمن ثقافة العرب.. التي لاتزال تثري التاريخ بمفهوم “كان”.
الفرصة مناسبة لأن يقدم المثقف والأديب العربي رؤية معرفية متحولة نحو صياغة المفهوم الثقافي الجديد الذي يخاطب الأجيال الجديدة؛ ويقدم لهم ما هو مناسب ومتطور؛فمن غير العسير أن يقدم الأديب العربي من خلال هذا المعرض ما لديه من إبداع في الفكر والكتابة والفن الذي يعكس حجم التحول المتميز في لغة الإبداع لدينا؛ والمتمثل في كم لا بأس به من الإبداعات العربية التي لفتت الانتباه؛ لنرى بعضها وقد ترجم إلى أكثر من لغة؛ وكتب عنها في صحف كثيرة؛ وتحدث عنها النقاد وأساتذة الجامعات الغربية على أكثر من منبر. فرغم أن ثقافتنا العربية تتواصل مع الآخر إلا أنها لا تزال تعاني بعض المعوقات، من أهمها قلة الانتشار؛ وشح الأعمال المترجمة؛ وارتفاع سعر صناعة الكتاب الذي يؤدي إلى ارتفاع ثمنه حينما يصل إلى القارئ؛ وهي معوقات خطيرة تحتاج إلى علاج.
أود أن يكون هناك شعار آخر يوازي شعار المعرض الذي قدم بعناية متميزة؛ وليكن هذا الشعار الثقافي المعرفي الذي أتصوره هو “روايتنا العربية” .. فهو محور متطور جديد ثبت تفاعلنا معه؛ بل نراه وقد نهض نحو العالمية من خلال ما قدمه الأديب العربي المصري نجيب محفوظ؛ حينما حاز وبجدارة واستحقاق جائزة نوبل للآداب أواسط الثمانينيات.
وإحقاقاً للحق فإن الأمر لم يقف عند حد الجائزة، إنما جاء هذا التتويج منعطفاً مهماً في التجربة الروائية في العالم العربي؛ بل نرى أن مشروعنا المحلي – على وجه التحديد – تأثر كثيراً بهذا التدفق الإبداعي؛ لنرى الكتَّاب والأدباء والمبدعين قد أخذوا على عواتق أقلامهم مهمة تغيير المفهوم النمطي لفن الرواية الذي ظل ولمدة عقود خلت مواظباً على محاكاة الآخر. فجهود التغيير أثمرت حينما تشكل لدينا مشروع إبداعي أسهم فيه العديد من الكتَّاب؛ منهم على سبيل المثال في المجال الروائي الدكتور غازي القصيبي؛ والدكتور تركي الحمد وعلي الدميني، ورجاء عالم، وأحمد أبو دهمان، وآخرون أثروا مشهدنا الثقافي المحلي والعربي بالإبداعات الجديدة من شعر وقصة ورواية وفنون أخرى.
لنعلن إذن شعارنا حول مفهوم “روايتنا العربية”؛ فهو ملمح مهم من ملامح تحول أدبنا وثقافتنا الحديثة؛ فالحديث عنها سيمنحنا الفرصة المناسبة لأن نشكل أفقاً جديداً يبعدنا عن نمطية ما يفكر فيه الغربي حينما يجعلنا في تفاصيل “فنون ومعارف ما كان” في وقت لا يقيم أي فكرة ولو بسيطة عن الطروحات الجديدة للأديب والمبدع والمفكر والفنان العربي في مجالات شتى.