قصة مبتكر
قصة ابتكار
ليوناردو دا فنشي
فرن المايكروويف
قامت وحدة من سلاح الهندسة في الجيش البريطاني مؤخراً ببناء العربة العسكرية المصفحة التي كان الرسّام الإيطالي ليوناردو دا فنشي (1452 - 1529م) قد صمّمها وبقيت حبراً على ورق منذ ذلك الحين. وتبين أخيراً أن الرسم قابل للتنفيذ، وأن العربة يمكنها أن تسير. إنه أشهر رسام في تاريخ الفن. ولكن لا بد لأي حديث عن فنه من أن ترافقه الإشارة إلى أن هذا الفنان كان أيضاً عالماً في الرياضيات والطب والطبيعة والفلك والكيمياء والميكانيك. حاول ابتكار رافعات ووسائل للطيران والغوص تحت الماء.. بعبارة أخرى إنه يلخص مفهوم «العالم» الذي كان شائعاً بين القرون الوسطى والقرن التاسع عشر الميلادي. فما الذي ابتكره هذا الرجل ولماذا هذا الإجماع على عبقريته؟ كتب ليوناردو آلاف الصفحات في كل المجالات التي اهتم بها. وزيّن الكثير منها برسوم توضيح، لكنّه لم يحضرها للنشر. وتؤكد هذه النصوص والرسوم أنه قطع أشواطاً طويلة في كل حقل من حقول المعرفة اهتم به، وإن لم يصل إلى النهاية المتوخاة في معظمها. ومن جملة ما كتبه هناك فقرات تلخص فلسفته في الابتكار فكان يقول: «إنّ على أصحاب العقول الكبيرة التفتيش من خلال العمل الذهني عن مفاهيم جديدة، وصياغة أفكار متكاملة، حتى ولو لم تتبلور لاحقاً على أيديهم هم بشكل ملموس». ما نفهمه من هذا الكلام أن الابتكار هو في المقام الأول عمل ذهني، يحتل موقعاً متقدماً على التنفيذ الملموس. كما يشير هذا الكلام إلى أن تحويل ثمار العمل الذهني إلى ابتكار ملموس يحتاج إلى جهد أكثر من فرد إذا كان هذا الابتكار كبيراً. أي ما نسميه اليوم «عمل فريق». وهذا ما يفسر لماذا لم يتمكن ليوناردو دا فنشي من تنفيذ الطائرة المروحية التي رسمها أو الغواصة التي صَمّمها. أما حيثما كانت القدرات الفردية كافية للتنفيذ مثل فن الرسم على سبيل المثال فإن أهمية العمل الذهني كما يراها دا فنشي تعني أن الفن ليس مجرد حرفة، وتقودنا مباشرة إلى المفهوم القائل بأن الفنان الكبير هو «عبقري». وهذا ما تؤكده الأعمال الفنية التي تركها هذا الرسام، وتفسر أيضاً قلة عددها نسبياً مع ما كان يتركه غيره من رسامي ذلك العصر.
قطعة صغيرة من الشوكولاته كانت وراء اكتشاف كبير دخل بيوتنا، وازدهار صناعة ما زالت تتطور منذ نصف قرن. فعندما كان المهندس الإنجليزي بيرس ل. سبنسر منهمكاً في عمله على صناعة أحد أجهزة الرادار عام 1946م، مدّ يده إلى جيبه باحثاً عن شيء يأكله، ففوجئ بأن قطعة الشوكولاته التي يحتفظ بها قد ذابت ولوّثت ملابسه رغم أن الغرفة التي يعمل فيها كانت باردة. فكيف ذابت الشوكولاته؟ كانت مصانع "سبنسر" تعمل مع "شركة رايثيون" على تصنيع أجهزة رادار للجيش البريطاني. وكان سبنسر واقفاً بجوار صمام إلكتروني يشغِّل جهاز الرادار. وأثارت قطعة الشوكولاته المنصهرة تفكير سبنسر. وأثناء عمله أرسل في طلب كيس من بذور الذرة وأمسك بها بجوار الصمام الإلكتروني، وخلال دقائق معدودة راحت حبات الذرة تنفجر وتتناثر في أرضية الغرفة. وفي صباح اليوم التالي أحضر سبنسر غلاَّية شاي وبعض البيض النيىء معه إلى المعمل، ثم قام بفتح ثغرة في جانب غلاية الشاي ووضع البيضة النيئة داخل الوعاء ثم صوّب الفتحة باتجاه الصمّام ولم تمض سوى بضع ثوان حتى انفجرت البيضة وتناثر قشرها وما بداخلها إلى خارج الغلاية ملطخاً وجه مهندس آخر يقف بالجوار. علم سبنسر أن موجات الراديو القصيرة أو ما تسمى بالميكروويف هي السبب وإذا كانت قد طهت البيض بهذه السرعة فلم لا تفعل الشيء نفسه مع الأطعمة الأخرى؟ عرض سبنسر تجربته على المسؤولين في شركة "رايثيون" الذين استقر رأيهم على إنتاج أجهزة طهي تعمل بالميكروويف. وفي مطلع 1953م ظهر أول فرن بالميكروويف في الأسواق وقد كان وزنه نحو 340 كيلوجراماً وحجمه يقارب حجم الثلاجة، أما اسمه فكان "رادارينج" كما كان ثمنه 3000 دولار واقتصر استعماله على المطاعم والفنادق وقطارات السكك الحديدية. ثم طرأت تحسينات عديدة على مدى العقدين التاليين على فرن الميكروويف فصغر حجمه حتى أصبح من السهل وضعه في مطبخ المنزل، والأهم أن سعره أصبح معقولاً ويقارب 100 دولار في بعض أنواعه. وأصبح العديد من البيوت اليوم يمتلك فرن الميكروويف وصارت الوجبات السريعة تعتمد عليه. وكل ذلك بفضل قطعة الشوكولاته التي ذابت في جيب بيرسي سبنسر.