الثقافة والأدب

نصف قرن بين الأدب والدبلوماسية..
القرشي.. ذو الحقيبتين!!

  • 68
  • 69a
  • 69b
  • 71
  • 72
  • 73
  • 74
  • 75b
  • 75c
  • 75d

كان لرحيل الشاعر الرائد حسن عبدالله القرشي، عن عالمنا قبل أسابيع، أثره الواضح في الساحة الأدبية السعودية التي يُعد الأستاذ القرشي واحداً من رموز تيارها الرومانسي الأصيل. فقد أمضى، رحمه الله، نصف قرن من التنوع والتعدد الأدبي والثقافي والإعلامي، ناهيك عما قدمه لوطنه من خلال العمل الدبلوماسي. وعاصر مراحل متعاقبة من التحوّلات الثقافية والاجتماعية، وعايش، مبدعاً ومثقفاً، أحداث الواقع العربي بكل ما فيه من تشابك واختلاف..
الزميل حبيب محمود يلتقط صورة للأستاذ القرشي من خلفية هذا المشهد، ومن منطقة لا مبالغة في وصفها بأنها “نادرة” على نحو من الأنحاء..!

يصنّف دارسو الأدب السعودي الحديث حسن عبدالله القرشي (1932 – 2004م)، ضمن شعراء الجيل الثاني الذين تأثروا بالتيارات الأدبية الحديثة، وعلى وجه خاص بتلك الصبغة التي عُرف بها الشعر العربي، في قيمه الفنية والجمالية، من مدرستي المهجر وأبولو.

لقد كان محمد حسن عواد وحسين سرحان وحمزة شحاتة وحسين عرب ومحمد حسن فقي وإبراهيم الفلالي وأحمد قنديل وطاهر زمخشري أهمّ شعراء الجيل الأول، تاريخياً. ومن خلال أعمالهم الشعرية أحدثوا تغييراتٍ جوهرية في القصيدة السعودية، فتحوّلت إلى شكلها الرومانسي المفعم بالخيال والصور، كما اعتنت مضامينها بالموضوعات الذاتية والواقعية. وتخلّت، عبر جيل كامل من الشعراء، عن تلك اللبوس الإحيائية التي كانت لغة الشعر العباسية أهم أنماطها المتداولة.

حسن عبدالله القرشي ومحمد الفهد العيسى ومنصور الحازمي وعبدالحميد الخطي وعبدالله الجشي ومحمد سعيد الخنيزي وناصر بوحيمد ويوسف بوسعد وأسامة عبدالرحمن وسعد البواردي ومحمد العامر الرميح، وغيرهم؛ مثّلوا، تاريخياً أيضاً، مرحلة جيل تالٍ للجيل الأول. غير أنهم لم يسجلوا خطواتٍ أكثر جدية، في مسيرة القصيدة السعودية الحديثة، من تلك الخطوات التي سجلها شعراء الجيل الأول، على الرغم من أن بعضهم، ومن بينهم القرشي، خرجوا ـ جزئياً ـ عن نمط القصيدة العمودية إلى نمط قصيدة التفعيلة، وهي مرحلة تشكّلت ملامحها بشكل أوضح في جيل تلا هذا الجيل، والتحق به د. غازي القصيبي ومحمد العلي وعلي الدميني ومحمد الثبيتي وعبدالله الصيخان وغيرهم، في مراحل لاحقة.

ملتقى طُرق..!
الموقع التاريخي وضع حسن عبدالله القرشي في مُلتقى طرقٍ مختلفة المنطلقات والاتجاهات، وما بين ديوانه الأول “البسمات الملوّنة” المطبوع عام 1949م وديوانه الأخير “ستائر المطر” المطبوع عام1997م، الكثير من إشارات التنوع الفني والإبداعي. ناهيك عن مجموعاته القصصية، ومقالاته، وأبحاثه اللغوية، زيادة على اشتغاله في الإعلام، وعمله الدبلوماسي. فكل ذلك يشير ـ نظرياً على الأقل ـ إلى أن شخصية حسن عبدالله القرشي، كانت على مقربة شديدة من التنوع الملهم، إذا جاز التعبير..!

عملياً، وفي مستوى النص الشعري تحديداً، كانت القصيدة، عند حسن عبدالله القرشي، منطقة لهذا التفاعل والتنوع الفني والموضوعي معاً. فمن جهة هناك الإحساس القومي المتوسل بالخطابة والحماسة وصنوف الصيغ الكلاسيكية الجديدة:

قالوا: لقد صرعوا (الخليل)
فقلت: لن يشفي غليلا
النار تحت جلودهم
قد شبّها جيلاً فجيلا
ولقد أصاب الثأرَ قبلُ
وكم أضرّ بهم طويلا
كم قد بكوا قتلى وصرعى
ثم أبكاهم قتيلا
فحياته كانت لهم
سمّاً، وكابوساً ثقيلا
ومماته قد وحّد الفرقاء
واستحيا القبيلا

ومن جهة أخرى هناك الرمزية الواقعية المتواصلة مع الإحساس القومي عينه الذي يقارب روح أمل دنقل:
انطوت صفحتانْ
ذبلت ـ فجأة ـ وردتان
وذوت شمعتان
وتعرّى المهرّج والمهرجانْ
والألى صفّقوا لذوي الطيلسانْ
واستفاقوا على سخريات الزمانْ
كلّهم مُرتدٍ – ضائعاً – قبعات الهوانْ
كلهم خاسرٌ للرهانْ..!

ومن جهة ثالثة تتوحد “الأنا” بـ “الآخر” في لغة شعرية جديدة كلياً، كما في قصيدته “عندما ينكسر الحلم”:

ينحسر الحلم
ينكسر السيف في الغمد
تعرى البحيرة
تسدر كل الظنونْ

تحاصرني
أعين المتعبين الحيارى
تجللني بقتام المآسي الكبارِ
وتجلدني عارياً في النهارِ
ضعيفاً على القيدِ
تسحقني قبضة اليأس
يلفظني موكبُ الساخرين

من جهة رابعة؛ هناك الأغراض الذاتية؛ شعر المعاناة، الحب والغزل، التأملات النفسية.. وفي كل ذلك تنوّع تقوده الصراحة الفنية، وتعلن عنه اللغة المهجرية السهلة:

ثلاثٌ من الحور في محضري
تراءينَ كالحلُمِ المُسْكـِرِ
تبدّين كالصحوِ غـِبَّ الحيا
وكالأنجمِ الزُهْرِ في المَخبرِ
ثلاثٌ من الغيدِ مستشرفاتٌ
بطرفٍ نديٍّ السنا أحـورِ
فهشّ لهنّ الفؤاد المعنـّى
وغرّد بعد الأسى المُصْحـِرِ
ودبّ به بعد طول اليباسِ
حنينٌ إلى أمسه الأخضـرِ
تعالين؛ كلٌّ لها قطعة
من القلب، فاسبحنَ في أنهري

وفي مضمون، كمضمون النص الأخير، تكمن شخصية “حجازية” على ذلك الحس الذي اشتهر به عمر بن أبي ربيعة. وهو حس التقطه أدونيس، الذي ربطته بالقرشي صداقة، فقال فيه: “حين أقرأ شعر حسن عبدالله القرشي اقرأ شعر الحجاز وشعر ابن أبي ربيعة ولا أعرف لماذا؟ ألأنني أحب عمراً والحجاز؟ أم لأنني أحب قرشية هذا الشاعر؟ في كل حال ينقلني شعر حسن القرشي إلى مواطن تختبىء في الذاكرة هي بين أجمل المواطن التي أعرفها”.

وعلى الرغم مما تخبىء شهادة أدونيس من إيماءاتٍ إلى تصنيف الشاعر بذكاء من يريد أن يقصي ويُدني معاً؛ فإن ما رصده جمال عبدالحي أحمد وخالد محمد مصطفى في كتاب “حسن عبدالله القرشي مجمعياً”، من شهاداتٍ وإشادات لعدد من أعلام الأدب العربي، يدعو إلى الدهشة والغرابة..!

ثناء المتناطحين..!
وقف القرشي أمام ثناء المتنافرين ثقافياً وأدبياً، على نحو يمكننا وصفه فيه بأنه “ملتقى المختلفين”؛ إن لم نقل “المتناطحين”..! وإذا كان من المتوقع أن يسجل شاعرٌ رومانسي مثل فاروق شوشة موقفاً إطرائياً، للقرشي، مبنياً على علاقة فنية بين لغتي القرشي وشوشة؛ فإن المفاجأة تأتي حين يُسجَّـل موقفٌ مماثل بحبر عبدالوهاب البياتي وبلند الحيدري وسعدي يوسف وسميح القاسم وصلاح عبدالصبور..! ومقابل هؤلاء يقف: طه حسين الذي كتب مقدمة ديوانه “الأمس الضائع”، ومحمد الفيتوري وغادة السمان وأحمد حسن الزيات وفدوى طوقان وسليمان العيسى.. وغيرهم وغيرهم..!

وحتى لو اعتبرنا دوافع الصداقات الأدبية المتنوعة، أسباباً للحصول على هذا الثناء الجميل؛ فإن ذلك في حدّ ذاته مصدر اندهاشٍ لا يقلّ عند اندهاشنا بتعدد جوانب الثناء نفسه..!

ذلك أن المثقفين العرب ـ والأدباء في مقدمتهم ـ هم أكثر الناس اعتداداً، واعتداءً وإنكاراً، بعضهم لبعض. لقد أجّجت الاختلافات الأدبية خصومات انعكست إفرازاتها على واقع الأدب ومفاهيمه وقيمه، ولكنها ـ من بعد آخر ـ مررت شراسة جدية على شخوص المتخالفين من الأدباء والشعراء والنقاد. وفضلاً عما أفرزته الخصومات الشخصية بين أبناء التيار الواحد؛ فإن الصراع بين تيار وتيار آخر كان ـ ولا يزال ـ أهم أشكال الصدام الأدبي وأكثرها إنعاشاً للحياة الثقافية، وأخطرها انعكاساً على المفاهيم.. ورموز الصدام ومناصري أطرافه..!

وقد شغل الصراع، بين ما هو جديد وما هو قديم، أغلب أزمنة الأدب والثقافة عموماً، في جدلية لا تنتهي إلا ببداية جدلية أخرى قائمة على تحوّل ما كان جديداً، اليومَ، إلى قديم غداً، وما هو حداثة إلى تراث.. وهكذا تدور دورة الحياة ـ وليس الأدب وحده ـ في كل عصرٍ ومكان. وفي العصر الأدبي العربي الحديث تجسد ذلك ـ أولاً ـ في صراع مدرستي الإحياء والديوان، فقد كانت الأولى تقليدية من منظور الأخرى الحديثة. ولكن سرعان ما وجدت “حداثة” الديوان نفسها قديمة بظهور “حداثة” جديدة، تلتها حداثة أخرى، فحداثة لاحقة.. حتى تجاوزنا، اليومَ، مرحلة “ما بعد الحدثة”..!

في هذا السياق أصبح شعراء الجيل الأول في المملكة، العواد ورفاقه، “حداثيين”، بعد أن استوردوا الشكل الحديث في القصيدة العربية من مُصدِّريه في المهجر العربي في الأمريكتين، ثم من مصر وتونس سوريا ولبنان..! ولم يكونوا قادرين على إدخال “البضاعة الشعرية الجديدة” إلى بلادهم من دون صراعٍ جدي.. وتمثل معارك العواد حالة متعددة الأبعاد، فهي لم تكن معارك أدبية محضة، بقدر ما كانت طروحاتٍ “تنويرية” على حدّ تعبير الدكتور عبدالله الغذامي في “حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية”.

ولكن سرعان ما اعتُبر العواد، ورفاقه والجيل التالي لهم أيضاً، ممثلين لتيارٍ تقليدي خلفه تيارٌ جديد أدخل تغييرات جديدة على شكل القصيدة ومحتواها. ولم تكن مرحلة لتؤسس لنفسها جمهوراً من دون أن تدخل في عراك مع سابقتها بطبيعة الأمر.

معارك محدودة..!
والسؤال: أين كان حسن عبدالله القرشي من هذا الضجيج والصراع والاختلاف.؟

(القافلة) وجهت السؤال للأستاذ عبدالفتاح أبو مدين، رئيس النادي الأدبي بجدة، المعاصر للقرشي لأكثر من نصف قرن.. يقول الأستاذ أبو مدين: “عاش الأستاذ القرشي أديباً شاعراً ومات أديباً شاعراً.. كان همه الأول هو تعاطي الأدب والثقافة والشعر نائياً بجانبه عن مواقع الصدام التي اقتحمها غيره من الأدباء والشعراء الرواد”.

الأستاذ أبو مدين يُقرّ، بأنه دخل، شخصياً، في معركة أدبية يصفها بـ “الصغيرة” مع الشاعر القرشي في أوائل الخمسينات من القرن الميلادي الماضي.. يقول أبو مدين: “كنت وقتها شاباً تملؤه حماسة الشباب حين صدر كتاب “شعراء الحجاز في العصر الحديث” للأستاذ عبدالسلام الساسي، رحمه الله. وقد قمتُ بنقد الكتاب الذي تحدث عن 27 شاعراً من منطقة الحجاز، في مقالة نشرتها إحدى صحف الحجاز.. فما كان من الأستاذ القرشي إلا أن تصدّى لموضوعي بنقد النقد.. كان، رحمه الله، خصماً عنيداً، وقد استكثر على شاب متحمس التعرض لـ “الكبار”.

لكن الأستاذ القرشي صار صديقاً ودوداً بعد تلك المنازلة، ولم يتسبب اختلافنا ـ رغم حداثة عمري وريادته ـ في أية غضاضة.. بقي صديقاً إلى أن اختاره الله”.

يضيف: “تميز القرشي، أيضاً، ببناء علاقات شخصية مع الكثير من المثقفين العرب، كان حريصاً على التواصل مع الرموز الثقافية مستوعباً، في علاقاته، حتى المختلفين مع توجهه الأدبي. كان شعر القرشي متواصلاً مع العصر والواقع في موضوعاته، لكنه كان تقليدياً في شكله، لكن علاقاته الشخصية كانت واسعة إلى أقصى الحدود. وقد ساعده ترحاله المتكرر، سواء ضمن مهام عمله الدبلوماسي أو أسفاره الخاصة، على تجسير علاقاته وتعزيزها.. ناهيك عن ارتباطه بالمجمع اللغوي بالقاهرة الذي شكل له نقطة التقاء وتواصل مع أعلام من الثقافة العربية، خاصة أنه عاش السنوات العشرين الأخيرة من عمره، الذي جاوز السبعين، في القاهرة حيث يتوافد المثقفون والأدباء العرب”.. “الشاعر القرشي”، يقول أبو مدين، “كان منتجاً وناشراً لأعماله وناشطاً في هذا المجال”.

صداقات عائلية..!
الدكتورة ليلى القرشي، كريمة الشاعر، لها شهادة في موضوع الصداقات التي تميز بها والدها.. تقول: “أصدقاؤه ومحبوه في كل مكان، حتى أن علاقاته الشخصية مع بعض الأدباء والشعراء والمثقفين تطوّرت إلى صداقات عائلية، ولا أعني بذلك الصداقات التي تربطه بأدباء من مدينة جدة أو من مدن المملكة الأخرى فحسب؛ بل أيضاً أعني صداقات مع مثقفين من دول عربية كثيرة، كمصر والعراق والمغرب”.

تضيف الدكتورة ليلى: “كان رحمه الله حريصاً على بناء العلاقات بناءً حميمياً، ويعتبر الأصدقاء ثروة يجب الاستزادة منها كل يوم، وفي الأصدقاء المثقفين أهمّ الثروات.. إنهم عقول ومواقف ورموز للحضارة في أي مجتمع. ولم يكن يرى في المختلفين معه أدبياً أو ثقافياً أيّ نقص، بل على العكس من ذلك.. كان يراهم جزءاً من التعدد الذي يصنع للثقافة والأدب والفكر تعدداً وتكاملاً”.

القرشي، نفسه، صرح بذلك في حديث صحافي قبل ثلاث سنوات: “علاقاتي متعددة وكثيرة بشعراء بلادي وشعراء معظم الأقطار العربية وأكثرهم قريب من نفسي أثيرٌ لديها”.

تعدد المواهب
بيد أن “التعدد” لم يكن محصوراً في العلاقات الأدبية/ الشخصية.. إنه تعدد في المواهب استوعب الشعر والقصة والنقد والصحافة والإذاعة والتلفزيون… والدبلوماسية..! ومن كل هذا المزيج تشكلت شخصية “الأديب الدبلوماسي”، أو “الدبلوماسي الأديب”، ربما إلى حدّ يدعو إلى الغرابة أحياناً.

أمضى القرشي ثلاثاً من الأعوام سفيراً للمملكة في الخرطوم. وخلال هذه السنوات بنى علاقاتٍ ثقافية وأدبية مع الوسط الأدبي السوداني، وجاءت قصائده بما يشي بعلاقة وجدانية مع تلك الأُلفة الودودة التي ربطته بالشعب السوداني.. وتحمل قصيدته “النيل حين يثور” هذه الوشاية.. إنها قصيدة كتبها متأثراً بما فعله النهر العظيم في السودان حين فاض.. فقال يخاطب النيل:

أخا الضحكات البيض قد عدتَ عابساً
وكنتَ وديعاً فاستطال بك الغدرُ
وقد كنتَ معطاءً فلـِمْ عدتَ سالباً
وقد كنتَ سمّاعاً فأزرى بك الوقْرُ
هتكتَ ستوراً كنّ قبلُ مصونةً
ودمّردتَ آلاف المنازل يا نهرُ

وحين شدّ رحاله من السودان عائداً إلى وطنه؛ تحركتْ شاعريته في سنوات اعتبرها “هي العمر فياضة الطهر”، في قصيدة وداعية حزينة:

هوايَ هو السودان لا درّ درُّهُ
وإن كلّل الفودينِ بالحُللِ الشُّقرِ
أحقاً لقد حان الترحلُ..؟ ما أنا
بساليه حياً، أو أُوسّدَ في القبر..!
لقد ذقتُ حر الاغتراب بغيره
فهل موطني “السودان” من حيث لا أدري..؟

كان ذلك هوىً وصبابة لأرضٍ عربية أحبها القرشي، واستلهم جمالها، واطلع على جوهرها المخبوء عنا نحن العرب.. هذا الاطلاع والكشف تحوّلا، لاحقاً، إلى مشروعي كتابين: أحدهما هو “الحياة الفكرية في السودان خلال قرن”، والآخر هو “شعراء من السودان”..!

وقد أمضى القرشي شطراً عريضاً من حياته في العمل الدبلوماسي، وتقول سيرته الذاتية إنه عمل رئيساً للمذيعين في إذاعة المملكة، ثم انتقل إلى وزارة المالية، ومنها إلى وزارة الخارجية وزيراً مفوّضاً، ثم سفيراً بالديوان، ثم سفيراً فوق العادة، ثم سفيراً في السودان، ثم موريتانيا، قبل أن يعود سفيراً إلى وزارة الخارجية.

والسيرة لا تتوقف عند العمل.. فمنذ الستينات الميلادية، من القرن الماضي، مثّل بلاده في العديد من المهرجانات والمؤتمرات الأدبية؛ في: تونس، بغداد، طرابلس الغرب، بيروت، الرباط، تايبيه، روما، باليرمو، دكـّا، وكوالا لامبور.. ناهيك عن مؤتمرات القاهرة ومناسباتها..!

أما شعره فلم ينحصر في لغته الأم.. تقول سيرته: تُرجم جانب كبير من شعره إلى الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والصينية والفارسية والإيطالية واليونانية..!

أليس فاروق شوشة محقاً، إذن، حين قال عنه: “لم يحظَ شاعر من الشعراء المعاصرين في المملكة العربية السعودية بمثل ما حظي به حسن القرشي من شهرة وذيوع صيت”..؟

————————————

طه حسين
.. ولقد سمعتُ، بين من سمعتُ من الشعراء، شعر الأستاذ الصديق حسن عبدالله القرشي، ولم أكد أسمعه حتى كلفت به.. وتمنيتُ أن أراه منشوراً يقرؤه الناس.. في الحجاز وغير الحجاز من أقطار الأرض..

سليمان العيسى
منذ زمن بعيد.. كنّا نتلاقى على خريطة هذا الوطن المتعَب الكبير.. تحملنا قصيدة على جناحيها إلى الحلم العربي. وكان صديقي الشاعر القرشي يصرّ ديواناً بعد ديوان على أن الحلم العربي هو أجمل ما في حياتنا

بلند الحيدري
..لصوره الشعرية وهجها الذي يحاور بين رؤى متعددة الأبعاد، فهي سهلة المنال حتى لتكاد تلمسها لمساً، وهي في ذاته مرمى في رمز ذهني، وعبرهما نما وكبر شاعراً متميزاً بخصوصيته..

عبد الوهاب البياتي
استطاع القرشي أن يثبت أن ينابيع شمس وطن العرب الأول لا تزال يغتسل فيها الشعراء والجوابون وأبناء الكلمة الصادقة الأصيلة..

سميح القاسم
يذهب في واحات الضاد، مفعماً بوهج الشعر، باحثاً عن واحات الروح، وها هو يعبر أفق أجدادنا الأوائل بجناحين من صدق الشعور ومصداقية الفن الشعري الرصين ليحيينا بمطالعه المشرقة، ولنرد التحية بما أوتينا من قلوب: “هلا بك”..

غادة السمّان
آتٍ من الصحراء.. حاملاً إلينا البحر.. لا السراب.. آتٍ من مسقط رؤوس أجدادنا، ومسقط قلوبنا في الجزيرة العربية.. القرشي ابن مكة المكرمة يتابع حمل المشعل العربي القديم المضيء..

أحمد حسن الزيّات
في شعر حسن عبدالله القرشي نفحات من الحجاز، ولمحات من قريش، ونغمات من ابن أبي ربيعة.. وإن في أولئك كلهم الدليل على أن مشارق النور لا تزال تُهدي ومنازل الوحي لا تزال تلهم..

صلاح عبدالصبور
شعر القرشي يتحرر بجسارة من التقاليد المتوارثة ويحاول أن يعبر عن الذات، ووقعها على مجتمعه وما زال هذان الغرضان يتوزعان الشعراء حتى يتم ذلك التوازن المنشود فيرى الشاعر نفسه مجتمعه، ويصبح هو قلب هذا المجتمع..

سعدي يوسف
إن أصبحت الأرض غابة، وأمسى الحاضر غائباً كما يقول القرشي فإلى أين يمضي الشاعر؟ وكيف يكتب؟ في اعتقادي إن الشاعر لا يمكن سوى أن يواصل طريقه، وأن يظل يكتب

فاروق شوشة
لم يحظَ شاعر في المملكة بمثل ماحظي به القرشي، ولم يُتَح لشعر أحدهم أن يكون له دَوَرَان شعر القرشي قراءة وتأملاً ودراسة وتحليلاً

_ 
مصدر أقوال الأدباء كتاب “حسن عبدالله القرشي مجمعياً”.
_

—————————————

كادر

في جنون الغابة..
قصيدة للقرشي.. من ديوانه الأخير “ستائر المطر”
ضائعٌ في دروب المتاهاتِ
مرتكسُ الخطو، أحصد أوزار كل السنينْ

ضائعٌ أنا كالثلجِ حين يذوبْ
كالغيمة الراحلهْ
وكالنغمة الحائرهْ
سقط الحلم، وانهارت الفرحةُ الفائرهْ..

ودِّع النارَ فالثمرُ المرُّ ما تطعمُ الروحُ والقلب
والرؤى فقدت ظلَّها
وتلاشت مبعثرةً من وراء المدىْ

ودِّع النارَ فالنوارسُ مخنوقة الهمسِ
صرعى على الشطِّ
منتوفة الريشِ، مغمورة بالثرى

قد ترانيَ في عتمة الدربِ
مستوحشَ الفكر والنفسِ
لكنني لا أرى..!

ضائعٌ أنا.. طيرٌ جريحٌ
وآنية حطّمتها الرياحْ
وتساوى لديها جهامُ الظلام وسحر الصباحْ

آهِ لو أرتوي مَرةً من رحيق المحبةِ
من شبح النهرِ
لو أستثير صُداح القماريْ
وبوح النغاريْ
ولو يستفزني قمرُ الليلِ
أو تستجيبُ لي الذكرياتْ
بعدما أورقت في صحارَى حياتيَ
في كل زاوية من مهاديَ
روحُ الشتاتْ

وطفا زبدُ اليمّ
فالضحكاتُ المليئةُ بالعطرِ
أضحتْ رفاتَ الرفاتْ

ضائعٌ أنا.. في فورة اليأسِ والحقدِ
قد أرهقتنيَ ريحُ الضياعْ
وأنا عائشٌ رهن غابةِ رهطٍ من الناسِ
تخشى أذاها الضباعْ..

———————————————

القرشي في “القافلة”

كانت مجلة القافلة في مقدمة المطبوعات السعودية التي نشرت للأستاذ القرشي، وأول قصيدة نشرتها المجلة هي قصيدة “ساءلتني”، في عدد شهر جمادى الثانية عام 1380هـ، أي قبل خمس وأربعين سنة.

وبعدها توالى نشر قصائده في أعداد المجلة، خاصة خلال ذلك العقد الذي شارك أيضاً في بعض ندوات المجلة الثقافية. أما آخر قصيدة نشرتها “القافلة” فكانت في شهر ربيع الأول عام 1412هـ.

—————————————

اقرأ عن القرشي

كتب الدكتور عبدالعزيز شرف، وحده، خمس دراسات موسعة عنه، هي: “الرؤية الإبداعية في شعر حسن عبدالله القرشي”، و”فن المقالة في أدب القرشي”، و”الفن القصصي في أدب القرشي”، و”دراسة وقصائد القرشي” و”الوساطة بين حسن عبدالله القرشي ونقاده”.

كما كتب الدكتور عبدالعزيز الدسوقي “القرشي شاعر الوجدان”، وكتب أحمد جدع “حسن عبدالله القرشي.. شاعر من الحجاز”، وتتواصل الدراسات والبحوث.. “حسن عبدالله القرشي.. حياته وأدبه” عنوان لدراسة أعدها الدكتور صلاح عدس. “رجال من مكة” عنوان كتاب لزهير كتبي. “الاتجاه الوجداني في شعر حسن القرشي” دراسة فنية ليحيى الشرفواني. “حسن عبدالله القرشي.. شاعر الجزيرة العربية” كتاب آخر حسن فتح الباب. “حسن عبدالله القرشي في مسار الشعر الحديث” رسالة دكتوراه لياسين الأيوبي.. إضافة على عشرات المقالات والدراسات واللقاءات الصحافية المبثوثة في الصحافة العربية.. والرسائل الأكاديمية التي تناولته بالدراسة والتحليل..

حسن عبدالله القرشي.. مَجْمعيّاً
آخر ما أُلِّـف في القرشي. وهو كتاب توثيقي أعده جمال عبدالله أحمد وخالد محمد مصطفى، من مجمع اللغة العربية بالقاهرة. الكتاب يقع في 294 صفحة من القطع المتوسط. وقد قدّم له الشاعر المصري فاروق شوشة الذي اعتبر الكتاب “شهادة جديدة للقرشي”. وفي الفصول الثلاثة التي احتضنها الكتاب خلاصة لسيرة الشاعر، وآراء الأدباء والنقاد فيه، وبعض آرائه فيمن عرفوه، ونصوص شعر كتبها للمجمع اللغوي، وآراء له في الشعر السعودي الحديث، والإعلام، والثقافة والأدب.

سينما الشعر وإطلاق الدلالة
دراستان نقديتان لقصيدتين للقرشي؛ هما: “عندما ينكسر الحلم”، و “عندما تتقصف الخيام”. الدراستان في كتاب واحد لأحمد فراج، صدر عام 2002م، في 152 صفحة من القطع المتوسط. وتتلخص رؤية الناقد، في تجربة الشعر عند القرشي، في أنها “مغامرة مع اللغة أو فيها أو بها”، وأن “مغامراته محسوبة حساباً دقيقاً وليس عشوائياً، وأنها محددة المعالم والهدف والوسيلة، وأنها ليست من أجل المغامرة ذاتها.. فالمغامرة في الشعر يجب أن تكون لصالح اللغة وليس ضدها”.

حسن القرشي.. شاعر الجزيرة العربية
للدكتور حسن فتح الباب، يقع في 65 صفحة، من القطع المتوسط، صدر عن الدار المصرية اللبنانية، ضمن سلسلة “هؤلاء الشعراء”. يتناول الكتاب رحلة الشعر العربي في الجزيرة العربية، وسيرة الشاعر، والتجربة الشعرية عند القرشي ومصادرها، والآثار الشعرية وموقعها من النقاد، وأصداء شعره في الساحة الثقافية والنقدية، وخصائصه وآفاقه: شعر الذات والموضوع، الشعر الواقعي. وفي آخر الكتاب يسوق المؤلف نماذج من قصائد القرشي.

فن المقالة في أدب القرشي
للدكتور عبدالعزيز شرف، نشرته دار المعارف المصرية، في 150 صفحة، عام 1996م. يتناول الفصل الأول القرشي بين الشعر والنثر، ثم يهتم الفصل الثاني بفن المقالة لديه، ومنه إلى دراسة خصائص مقالات القرشي التأملية، والنقدية، والدراسات الأدبية.

حسن عبدالله القرشي ناثراً
أطروحة ماجستير ناقشتها منيرة عبدالله السدراني بقسم اللغة العربية، كلية التربية ببريدة، عام 1423هـ ـ 2002م. وهي تتكون من بابين وعشرة فصول. وفي قرابة 450 صفحة من القطع الكبير تدرس الباحثة القرشي منطلقة من البيئة الثقافية والإعلامية التي نشأ فيها. ويركز الباب الثاني على نتاجه الأدبي والنثري متمثلاً في فن المقالة: الأدبية، السياسية، الاجتماعية، النقدية، والخاطرة. لكن الدراسة تشمل، أيضاً، فنه القصصي، والنقدي، وكتابته لسيرة الذاتية، والعمل الإعلامي، وأدب المحاضرة. وتتميز الأطروحة بشمولية ومنهجية أكاديمية غنية بالطرح والتحليل والمناقشة.

أضف تعليق

التعليقات