الثقافة والأدب

قصة قصيرة لـ: عبدالله السفر..
عطر في الممرات..!

  • 85

المجمع الضخم.. مساءً
في الخارج. سخونة ثقيلة. رطوبة لزجة؛ لكثافتها تكاد تلمسها. لا تخشى أن تدفعها عن وجهك، إذْ الباب ينفتح من تلقائه؛ يسحبك من سخونة ثقيلة ورطوبة لزجة. من جهامة ليلٍ أسود يسدّ المنافذ.
في الدّاخل. تبغتك البرودة الرائقة. بهجة ربيعية قطعتْ ما بينها وبين عالم ما قبل الباب يحتجز وراءه ليلاً أسود تتمطى فيه ثعابين لزجة ساخنة.
في الداخل. يبغتك ضجيج مدينة الألعاب. صرخات تصدح بالضحك المتقطّع. ورنين القطع المعدنية تخشخش في الأكياس الصغيرة تبتلعها الآلات الجشعة. لا تكفّ عن الطَّلب. والأقدام الصغيرة لا تكفّ عن خبط الأرض ترغب في المزيد. رغم اليد التي تجرجر تغري بوجبة عشاءٍ تأتي مخفورة بالشيبس والكولا.

المجمع الضخم.. مساءً
في الداخل. مطرقة الضجيج الهائلة تنبعث من كل صوْب. جمعٌ يدخل في البهجة. يرفعه المصعد المكشوف. ترفعه السلالم إلى ذروة المسرّات؛ تبوح بها الوجوه السافرة والوجوه التي شفّ عنها الغطاء. الوجوه صحبةَ المصاعد والسلالم تلتقط رذاذ البهجة وتتبادله؛ مرة في اختطاف حثيث ومرة في تريّث وتؤدة “وتُقْل”، يترك للعين أن ترتوي ما طاب لها النبع وماؤه السُّكر.

المجمع الضخم.. مساءً
ثمّة حياة أخرى تسري
حياة تسري في الممرات. أمام المحلات. نافورة عطر غير مرئية تنطلق من أجسادٍ فتيّة؛ تمرّغت جيداً في زجاجة العطر وأحقاق الكريمات. تتأكّد الآن. وهي تخالس النظر متلهيّةً ببضائع الإغراء في واجهة العرض. تتأكّد الآن بتحديقة مليّة، ويد تسحب الخصل وتربّت بخفّة على قصّة الشعر المودرن. تتأكّد الآن. تعبّ الهواء ومناخ العطر المفلوت في الممرات.

المجمع الضخم.. مساءً
ثمّة حياة أخرى تسري
حياة تسري في مقاهي النعمة والأكتاف المائلة تحتضن بقيّة من كلام؛ رشفة من حكاية تطلّ من ورقةٍ مدعوكة بأرقامٍ مكتوبة على عجل وبخطٍّ لاهث، يعيش لحظةً مقبلة، يقلب عنها الرقم.. ينفض غيمة الأرقام.. الندى القليل الذي يبلّل أصابع متخمة بالمفاجأة وطيب الوعد الآتي؛ يناور ليلاً أسود تتمطى فيه ثعابين لزجة ساخنة.

أضف تعليق

التعليقات