حياتنا اليوم

دوريس ليسنغ
الاسم القديم في الأدب الجديد على لائحة نوبل

  • 66a

كان فوزها بجائزة نوبل للآداب مفاجأة صغيرة.. مفاجأة لأن اسمها لم يرد هذا العام في أي من لوائح الترجيح والترشيح. والمفاجأة لم تكن كبيرة , لأن اسمها كان مرشحاً لهذه الجائزة سنوات عديدة خلت. وتميَّز فوزها بجائزة العام الجاري بما يشبه الإجماع على جدارتها بها, فلم يثر أي لغط أو تساؤل من أي نوع كان, إنها الروائية البريطانية دوريس ليسنغ التي يرسم إسماعيل طلعت عثمان صورتها الشخصية.

إنها اليوم عجوز في الثامنة والثمانين من عمرها, تعيش في إحدى ضواحي لندن, وتستأنس في وحدتها بقطتين تشاركانها المسكن.

ولكن أيام الهدوء والسكينة قد ولّت من بيت دوريس ليسنغ بعد فوزها بجائزة نوبل للآداب. لا بسبب المهنئين والصحافيين والمصورين الذين يتهافتون عليها اليوم فقط, بل لأن الفوز بجائزة نوبل, لا بد وأن يعيد إحياء السيرة الطويلة الحافلة بالعطاء بكل فصولها دفعة واحدة.

من إيران إلى زيمبابوي
ولدت دوريس ماي تايلر في كيرمان بإيران في الثاني والعشرين من أكتوبر 1919م. من أب موظف في بنك فارس الإمبراطوري , ومن أم تعمل ممرضة.

وفي العام 1925م, انتقلت مع أبويها إلى زيمبابوي (المستعمرة البريطانية روديسيا آنذاك), إذ كان والدها يطمح إلى جني ثروة من زراعة الذرة التي كانت واعدة جداً.

وفي زيمبابوي, وفيما كانت آمال الأب بالثراء تتحطم تدرجاً, كانت والدة دوريس تتشبث باتباع نمط صارم في تقليد حياة النخبة البريطانية على صعد التربية والتدبير المنزلي وحتى العناية بالنظافة.

وتصف دوريس حياتها في تلك الحقبة بأنها كانت مشوبة بالكثير من الحزن والقليل من الفرح, لاسيما أن أمها أرسلتها إلى أحد الأديرة للدراسة فيه, ولاحقاً إلى العاصمة سالزبوري للدراسة الثانوية. وعن طفولتها الحزينة, قالت دوريس أخيراً إنها تعتقد أن الحزن في الصغر ينتج الأدباء. فإضافة إلى معاناتها القسوة في معاملة أمها لها, تسممت طفولتها أيضاً بذكريات أبيها عن الحرب العالمية الأولى وما عاناه فيها. لقد صُنعنا من الحرب, فَلَوَتنا وغلفتنا, ولكننا نتظاهر بأننا نسيناها .

تربية نفسها بنفسها
لم تتخرج دوريس من الثانوية, بل غادرت بيت أهلها هرباً من طغيان أمها وهي في الخامسة عشرة لتعمل في التمريض. ولكن الكتب التي كانت تستوردها عبر البريد من لندن, منحتها ملجأً رومنسياً كانت تأوي إليه في تلك المرحلة الصعبة, وما هي إلاّ أشهر قليلة حتى راحت تكتب القصص القصيرة, وباعت فعلاً اثنتين منها إلى إحدى صحف جنوب إفريقيا.

وفي العام 1937م, عادت دوريس ثانية إلى سالزبوري, حيث عملت سنة عاملة هاتف. وفي التاسعة عشرة من عمرها, تزوجت فرانك ويسدوم وأنجبت منه ولدين. وما هي إلاّ سنوات قليلة, حتى أحست أنها وقعت في فخ أرادت طول عمرها أن تتجنبه. فتركت عائلتها رغم بقائها في سالزبوري. انضمت بعض الوقت إلى نادي الكتاب اليساري الذي كان يضم عدداً من الشيوعيين ومن بينهم غوتفريد ليسننغ الذي ما لبثت أن تزوجت منه وأنجبت له ابناً.

غداة الحرب العالمية الثانية, راحت خيبة أمل دوريس وزوجها من الحركة الشيوعية تكبر باستمرار, حتى تركاها نهائياً في العام 1954. وكانت دوريس قد انتقلت مع ابنها قبل ذلك بست سنوات إلى لندن للاستقرار فيها نهائياً.

ومن خلال نشأتها في إفريقيا, وحتى سنوات مسيرتها الأدبية في لندن, تبدو سيرة دوريس ليسنغ تحدياً لاعتقادها بأن الناس لا يستطيعون مقاومة الضغوط الاجتماعية والتربوية. ففي معرض حديثها عن جيل والدتها تقول: هناك جيل كامل من النساء, تبدو حياتهن وكأنها توقفت بمجرد إنجاب الأولاد. ومعظمهن أصبحن مضطربات بسبب التناقض بين ما تعلمن في المدارس حول ما يمكنهن القيام به, وما حدث لهن فعلاً.

مسيرتها الأدبية
على مدى نصف قرن وأكثر, انصرفت دوريس إلى الكتابة الروائية. فوضعت نحو خمسين رواية, السمة الرئيسية المشتركة بين معظمها هي في تضمنها الكثير من التجارب الشخصية والخبرات التي جمعتها الكاتبة في حياتها, وكان فنها الروائي في أحيان كثيرة أقرب إلى المذكرات.

كانت روايتها الأولى العشب يغنّي التي صدرت في العام 1950م, قد تناولت التمييز العنصري الذي يلقاه الزنوج في روديسيا وجنوب إفريقيا. وقد دفع هذا الأمر بهذين البلدين إلى منعها من زيارتهما وإعلانها شخصاً غير مرغوب فيه.

وبمرور الوقت, عرفت ليسنغ كيف تكيف ما كان يثير إعجابها في روايات القرن التاسع عشر -ألا وهو مزاج إطلاق الأحكام الأخلاقية- مع أفكار القرن العشرين. فوضعت سلسلة أولاد العنف بين 1951 و1959م, ثم دفتر الملاحظات الذهبي عام 1962م. وهو كتاب جريء في تناوله قضايا المرأة المعاصرة.

حال المرأة من دون مغالاة
اتهم النقاد ليسنغ بالمبالغة في مساندة تحرر المرأة حتى وصْفِها بـ عدم الأنوثة . الأمر الذي ردت عليه الأديبة بالقول: يبدو أن ما تقوله النساء وما يعانينه وما يخضعن له كان مفاجأة للبعض .

وفي الواقع فإن ليسنغ وإن كانت قد دفعت بوجوب إعطاء المرأة حقوقها حتى الحد الأقصى, فإنها لم تتخطَّ الخط الأحمر. بل العكس, فقد حذرت من تخطيه. ففي آخر أعمالها الروائية الصدع , تحذر الكاتبة النساء من دفع المطالبة بحقوقهن إلى مستوى استعداء الرجال لأن هذا العداء خطر محتمل فعلاً.

وإضافة إلى الأعمال الروائية, كتبت دوريس عدداً من الكتب عن القطط, حبها منذ الطفولة, ومذكراتها حتى العام 1949م بعنوان: تحت جلدي الذي حازت عليه جائزة جيمس تايت سنة 1995م.

النصر بعد الكفاح
في منتصف التسعينيّات استيقظ العالم على وجود دوريس ليسنغ نجمة في سماء أدبه. ففي العام 1995م نفسه, منحتها جامعة هارفرد دكتوراه فخرية كذلك سافرت إلى جنوب إفريقيا التي استقبلتها استقبال الأبطال بسبب الأعمال الأدبية التي كانت سبباً في منعها من دخول البلاد قبل 40 عاماً.

وراحت الجوائز والأوسمة تتكدَّس على صدر دوريس، فقد منحتها ملكة بريطانيا لقب رفيقة شرف ، بعدما رفضت دوريس لقب سيدة الإمبراطورية البريطانية لأنه لم يعد هناك من إمبراطورية بريطانية على قولها. وحازت في العام 2001م جائزة أمير استورياس أرفع جائزة أدبية في إسبانيا وغير ذلك الكثير، وصولاً إلى جائزة نوبل، التي ما من جائزة بعدها.

أضف تعليق

التعليقات