قصة مبتكر
قصة ابتكار
أولي كريستيان
مشبك الورق
إنه نجَّار دانماركي بسيط, ابتكر واحدة من أجمل لعب الأطفال. وتحولت سيرته بدورها إلى حكاية من حكايات الأطفال, تروي كيف استطاع هذا الرجل أن يجني ثروة طائلة ويعيش حياة سعيدة بفضل اجتهاده في العمل. ولد كريستيان في قرية صغيرة تدعى فيلسوكي شمالي مدينة بيلاند الدانماركية عام 1891م. ووصل في دراسته حتى نهاية المرحلة الثانوية, ليبدأ العمل بعدئذ في أحد مصانع النجارة. ليستقل في وقت لاحق وينشئ معمله الخاص. أنتج كريستيان في مصنعه أولاً الكثير من الأدوات الخشبية مثل السلالم, وألواح كي الملابس. ولكن الركود الاقتصادي ثم اندلاع الحرب العالمية الثانية أجبراه على التفكير في إنتاج آخر. خطر لكريستيان أن يضيف إلى عمله تصنيع بعض الألعاب الخشبية. ومن أهم ما ابتكره في هذا المجال المكعبات التي تقوم اللعبة على جمعها بعضها إلى البعض. وأطلق عليها كريستيان اسم «ليجو» (LEGO), وهي كلمة مشتقة من كلمة دانماركية (Leg Godt), وتعني «العب جيداً», كذلك تعني باللاتينية «ضع الأشياء معاً». في عام 1944م, تعرَّض مصنع كريستيان لحريق أتى عليه. ولكن الرجل أعاد بناءه بعد سنوات ثلاث. وجعله متخصصاً في صناعة الألعاب الخشبية, وأضاف إليه أدوات لصب القوالب البلاستيكية. وبحلول عام 1949م, كانت شركة كريستيان تنتج مائتي نوع مختلف من الألعاب البلاستيكية والخشبية. وبدأت ببيع مكعبات الليجو. وفي عام 1953م اقترح ابن كريستيان جودفريد الذي كان قد أصبح نائباً لوالده في رئاسة الشركة تطوير مكعبات الليجو لتصبح نظام لعب متكامل, وفي العام التالي, أصبحت للشركة علامة تجارية جديدة سميت «قرميد الليجو», أطلقت رسمياً في العام 1955م. في العام 1958م, توفي كريستيان عن عمر ناهز 67 عاماً، تاركاً وراءه إمبراطورية تنمو بسرعة أسطورية. فقد وصلت ألعاب الليجو إلى أمريكا أولاً عام 1961م. وبحلول العام 1977م كانت منتجات هذه الشركة من الألعاب الموجهة للأطفال والمراهقين والكبار, موجودة داخل %80 من البيوت الأوروبية و%70 من البيوت الأمريكية. وراحت الشركة تتوسع من خلال إنشاء ملاهي الليجو في الدانمارك وبريطانيا وأمريكا, ودخلت منتجاتها مؤسسات التعليم. وبحلول عام 2004م, كانت الليجو تباع في 130 بلداً, ومجموع المبيعات يتجاوز البليون ونصف البليون دولار.
قد يكون مشبك الورق أبسط ابتكار في تاريخ الصناعة والمبتكرات. فهو مجرد سلك معدني يلتف بشكل بيضوي على نفسه مرتين. ولكن أهمية هذا الابتكار تتجاوز الحاجة المباشرة إليه وخصوصاً في الأعمال المكتبية التي تستدعي جمع بعض الأوراق إلى بعضها لوجود صلة بينها. إذ ارتقى هذا الابتكار إلى مصاف الرموز القومية في موطنه الأول: النرويج. والواقع أن مشبك الورق هذا لم يظهر دفعة واحدة, بل نتيجة تطور بطيء يعقِّد عزو نسبه إلى مبتكر معين. ففي العام 1896م, سجَّل شخص يدعى ماتيو سكولي ابتكاره لمشبك ورق يشبه إلى حد ما المشبك المعروف اليوم, ويتألف من دائرة معدنية واحدة ذات ساق. وحتى ماتيو هذا, لم يكن المبتكر الأول, لأنه أشار بنفسه إلى وجود مبتكرات مشابهة سعت إلى الغاية نفسها. وفي العام 1899م, سجّل النرويجي جون فاليير, الذي عرف بأنه كان مخترعاً منذ صغره, ابتكاره لمشبك الورق الذي يلتف على نفسه مرتين, والأدق من حيث المقاييس والوزن من ابتكار سكولي. ولأن النرويج كانت تفتقر آنذاك إلى قانون لتسجيل براءات الاختراع, سجَّل فاليير اختراعه في ألمانيا وأمريكا. ولكن النرويج لم تصنِّع ابتكار ابنها, بل تولت مصانع جيم الإنجليزية هذه المهمة. وأعطته بعد شيء من التعديل شكله النهائي الذي نعرفه اليوم. ولكن الآلة التي كانت تنتج هذه الملاقط في مصانع جيم, لم تكن إنجليزية، بل مستوردة من مصانع ميدل بروك الأمريكية. وحتى الخمسينيات من القرن العشرين, ظلَّت ملاقط الورق تصنع من سلك معدني. ولكن لمواجهة الصدأ الذي كان يظهر على هذا السلك, عمدت بعض المصانع (ومنها مصانع جيم) إلى تغليف السلك بالبلاستيك الملون, أو حتى إنتاجه كله من أسلاك من اللدائن المقواة. وعلى الرغم من أن ظهور هذا الابتكار وتصنيعه تطلب تعاوناً عالمياً, فإن النرويج أسبغت هويتها عليه, وتبنته واحداً من رموزها الوطنية. فخلال الاحتلال النازي لهذه المملكة الشمالية, علَّق المواطنون فيها ملاقط ورق على ياقات ملابسهم رمزاً لاعتزازهم بهويتهم القومية. وفي عام 1989م, أزيح الستار عن نصب قرب العاصمة أوسلو, يمثل أكبر مشبك ورق في العالم تقديراً لمبتكره فاليير. وقد صنع المشبك العملاق من الحديد, وبلغ ارتفاعه 7 أمتار ووزنه نحو 600 كيلوغرام.