تعد القصص المصورة المانجا الهيكل الأساس للإعلام الياباني، إذ تبلغ قيمة سوقها وحده أكثر من 4 بلايين دولار، ونجحت بتنوعها في تخطي الحدود بين الدول والثقافات لتبلغ قيمة سوقها في أمريكا مثلاً نحو مئتي مليون دولار، رغم احتفاظها بنكهة يابانية خالصة. وبدأ الإعلام الكوري وبقية دول الشرق الأقصى في محاكاتها، فالقصص الناجحة مع رخص أسعارها وتنوع أفكارها تتحول إلى رسوم متحركة تُعرض على التلفزيون، مما يعني تشغيل الاستديوهات وورش التحريك وإيجاد ممثلي أصوات مناسبين، وتشغيل الفرق الموسيقية والعازفين -بمختلف أذواقهم- لتسجيل أغنيتي العرض والنهاية، وما يتخلل الحلقات من أصوات وموسيقى وما يتبع كل هذا وأكثر من فرص عمل لا تنتهي تنعش الاقتصاد وتؤثر فيه بشكل أو بآخر.
العجيب أن القصة المصورة ومقابلها المتحرك لا ينتهيان عند هذا الحد، بل يمتد تأثيرهما إلى المشاهدين البالغين، لا على الأطفال والناشئة فقط كما هي الفكرة الشائعة لدينا في الشرق، فنجد الكثير من المراهقين والشبان يتخذون الشخصيات الخيالية مُثُلاً عليا ويكوّنون آراءهم المستقلة في الشخصيات المختلفة. وفي أحيان كثيرة قد يرتدي الشبان ملابس أبطال القصة ويستعرضونها مع رسوماتهم بين رفاقهم في ملتقيات متنوعة. وينفق الزائر العادي لمثل هذه الملتقيات، ما معدله 200 دولار في الزيارة الواحدة، بين الطعام, الملابس والملصقات, وتذاكر حضور جلسات التوقيع والحفلات الموسيقية. وقد بلغ زوار ملتقى أوتاكون 22,203 زوَّار عام 2006م باستثناء طاقم العمل.
ولما كان صانعو الملابس ورسامو المانجا يستمتعون بأعمالهم ويفخرون بها, نجد أنهم يعرضونها على مواقع الإنترنت التي يدخلها أشخاص من خارج الحدود، وهم بدورهم يتعرفون إلى القصة المصورة، ويشترونها وينتقدونها أو يبدون الإعجاب بها ويخبرون أصدقاءهم عنها. وبسبب هذا الانتشار الواسع للقصة المصورة قد يقرر المنتج أن نجاحها يعني إمكان تحويلها إلى مسلسل يمثله أشخاص حقيقيون, وتعود طاحونة العمل للدوران من جديد للبحث عن ممثلين وممثلات وموسيقيين ومصورين وخبراء ديكور إلى آخر ما يحتاج إليه التصوير, ويعود المعجبون إلى العمل من جديد حتى تظهر قصة مصورة جديدة تستحق الإعجاب.
ماذا عن السوق العربية للقصص المصورة؟ كلنا نذكر نعمان وملسون من شارع السمسم العربي و المناهل والأغاني والرسوم المختلفة التي نحفظها حتى الآن, تلك الشخصيات الظريفة التي نتبادل المقاطع لها على أجهزتنا المحموله وكأنها أشياء غابرة من الماضي، وإن زرنا أياً من المنتديات العربية الكثيرة على الإنترنت، فسنجد العشرات, بل الألوف من المعجبين بتلك البرامج القديمة، المترحمين على أيامها الحلوة, وسنجد الكثير من المواهب العربية المختلفة من جميع الدول وفي جميع المجالات.
وفيما اقتصر الفن في إعلامنا المرئي على الغناء والفن التشكيلي, يزخر عالم منتديات الإنترنت برسامين وخبراء تحريك وأصوات وموسيقى, ومصممي شخصيات ورسامي قصص مصورة وقصّاصين وروائيين. كذلك تزخر المواقع الشخصية والفنية بمحبي التصوير الفوتوغرافي الرقمي من مصورين عرب, هذا الفن الذي اتجه الإعلام المقروء إلى تجاهله تماماً. حتى الرسم الذي لا يزال يتخبط في أحكامه الكثير من المثقفين, أصبح فناً له وزنه في عالم المنتديات. ونستطيع أن نقول إن كل هذا النشاط المتنوع هو ورش خفية تدرب أيدي عاملة ماهرة ومفكرة في الوقت نفسه، وتعدها لتنتج أعمالاً قيمة، ولذلك لا تحتاج هذه المساحة الفارغة في سوق النشر العربي إلا لشجاعة تكسر الحلقة المفرغة، وتركب المجهول للقيام بعمل حقيقي مرسوم أو متحرك دون الخوف من الانتقاد المغرض، فلو تعاون المنتجون والناشرون وجازفوا ببعض الخسائر الآنية لتمهيد الطريق للكثير من أرباح المستقبل, لأصبح لدينا إعلام هادف ومتنوع, ولاستطاع كل فرد أن يجد القصة والرواية المناسبة له, التي يستمد سلوكه الحميد ومثله العليا منها من دون أن تفرِض عليه شخصية تقليدية أن يطيع والديه ويجتهد في دراسته ليصل إلى النجاح.