يربط الكثيرون مصطلح (خدمة العملاء) بذلك القسم الموجود داخل السوبر ماركت الذي يتولى استبدال البضاعة أو استرجاعها، أو التعبير من خلاله عن الشكوى. لكن هل يمكن أن نتخيَّل أن من الدول من ينظر إلى كل الناس فيها باعتبارهم عملاء، وأن كل المصالح الحكومية والمؤسسات والشركات جهات تسعى لخدمة هؤلاء العملاء، وفي الوقت نفسه، قد يتبادلون الأدوار باستمرار، بين من يقدِّم الخدمة، ومن يحصل عليها، فيخدم بعضهم بعضاً، دون أي شعور بغضاضة، لأن هناك قواعد وأسساً تحكم التعامل بينهم، وتفرض على العملاء احترام من يخدمونهم، كما تفرض على من يخدمونهم أن يقدِّموا أفضل ما عندهم. أسامة إبراهيم يأخذنا في رحلة لنتعرف إلى قواعد هذا النمط من العيش، ونستعرض مواقف من هنا وهناك.
الفرق الكبير
يمكن أن تُقيم في فندق، تتوافر فيه كل وسائل الرفاهية، من أثاث لا يقل عن القصور، وطعام من ألذ ما تذوَّق لسانك، ومع ذلك لا تشعر بالراحة، وتسأل نفسك عن السبب..
فتدرك أنك وصلت إلى الاستقبال، ولم تجد الاهتمام اللائق من موظف الاستقبال، لم يرفع رأسه من الأوراق التي يعبئها أمامه، ولم يبتسم في وجهك، اكتفى بتحية رسمية للغاية بوجه واجم، وسؤالك عما تريد، لم يتذكَّر أنك كنت في نفس الفندق قبل أسبوعين، ولم يخاطبك باسمك، حرص على أن يلبي رغبتك فحسب، ولم يكلِّف نفسه عناء الاتصال بك بعد صعود الغرفة، للاطمئنان على رضاك عن الغرفة، ولم يسأل إن كنت في حاجة لأي طلبات إضافية. حتى مدير عام الفندق الذي تصادف ركوبه معك في المصعد، لم يهتم بوجودك، بل استمر في توجيه التعليمات لأحد موظفيه، بنبرة متعالية وجافة. فإذا كان هذا رب البيت، فلا عجب ألا يهتم أحد بالنزلاء، الذين يأتون ويقيمون ويأكلون ويدفعون ثم يرحلون، وربما عادوا وربما لا يعودون.
يعتقد البعض أن عدم الشكوى يعنى الرضا، وهذا اعتقاد خطأ للغاية، لأن الكثيرين يفضلون أن يبحثوا عن بديل أو خيار آخر، دون أن يبوحوا بعدم رضاهم. إما لأنهم لا يرون أملاً في تصحيح الأوضاع، أو لأنهم يشعرون بالحرج من توجيه النقد، الذي قد يقود إلى نقاش طويل، ربما ينقلب إلى شجار، هم في غنى عنه، أو لأن أحداً لم يهتم بسماع رأيهم، ولم يسألهم عن اقتراحاتهم في تطوير الوضع، فلماذا يتدخلون فيما لا يعنيهم؟
هناك إحصاءات كثيرة تثبت أن العميل مستعد لدفع سعر أعلى بنسبة 10 في المائة في نفس السلعة، ونفس المواصفات، إذا كانت الخدمة أفضل، وأن كل شخص يحكي عن تجاربه الإيجابية 9 – 12 مرة، أما التجارب السلبية فإنه يكررها عشرين مرة، والناس أكثر ميلاً لتصديق التجارب الشخصية، من أي دعاية في تلفزيون أو مجلة، وسمعة المؤسسة أو الشركة أو الفندق أصبحت اليوم على مواقع الإنترنت، كل شخص يكتب تجربته، ويرفق معها الصور، ليثبت صدق روايته، فزاد تأثير التجارب الشخصية لأن الكثيرين يقرأونها.
بمقدورك أن تتخيل ما سيفعله معك بائع في متجر ملابس في كثير من بلادنا، لو جئت إليه بعد مرور سنوات خمس أو أكثر من شراء رابطة العنق، وشكوت من تآكل الأطراف، بفعل حزام مقعد السيارة، الذي احتك بها طوال هذه السنوات. وصدق أنني فعلت ذلك مع المتجر الواقع في بون، ولم أنتظر شيئاً، سوى أن يبدي البائع اندهاشه مثلي، لكنه طلب منّي أن أنتظر لحظة وذهب إلى جهاز الكمبيوتر وعاد بعد دقائق، ليخبرني أنه وجد رابطة العنق هذه، في كتالوج المتجر في عام كذا وكذا، وسعرها آنذاك كان 40 يورو، فإذا خصمنا استخدامها طوال هذه السنوات، فإن المتجر مستعد لإعادة 30 يورو نقداً، أو رابطة عنق جديدة بنفس المبلغ، شعرت بذهول من تصرفه، لكنني متأكد أنني رويت هذه القصة عشرات المرات، وأنها كانت أفضل دعاية لهم، لأني شعرت أنه لم يفكِّر في كيفية التنصل من المسؤولية، بل في كيفية إرضاء العميل، الذي سيُعد هذا المتجر متجره وسيرتبط به إلى الأبد، وأن هذا الرضا هو مكسب المتجر على المدى الطويل. وهذا هو الفارق الكبير.
ألف باء (خدمة العملاء)
هناك أبجديات لتقديم أفضل خدمة للعميل، أولها الصدق، لأن تعبيرات الوجه، وحركة الجسم، ونبرة الصوت، تكشف بوضوح مدى التوافق بين ما نسمعه من الشخص، وما يؤمن به، ولعله من المفيد أن نشير إلى الدراسة الجامعية الأمريكية، التي توصلت إلى أننا نحصل علي 55 في المائة من المعلومات من تعبيرات وجه الشخص الذي يتكلم، ومن حركة جسمه، و33 في المائة من نبرة صوته، أما الكلام الذي ينطقه، فإنه يشكل 7 في المائة فقط من المعلومات.
نتيجة أخرى توصلت إليها دراسات كثيرة في هذا المجال، هي أن العملاء يصدرون أحكامهم بطريقة قد تبدو غير منطقية وغير عادلة، فيكفي مثلاً أن يكون الطعام في الطائرة من نوعية غير جيدة، ليعتقد الراكب أن هذه الشركة التي تدَّخر في الطعام، لا تخصص المبالغ الكافية لإجراء الصيانة الجيدة للطائرات. وأن يتسبب تصرف عابر من البائع، مثل أن يدير وجهه ليرد على سؤال عميل آخر، إلى شعور العميل الأول بالإهمال. والدرس الذي تتعلمه الشركات الراغبة في الحفاظ على رضا العميل، أنها لا تترك شيئاً للصدفة، وتسعى لتجنب أي تصرف يمكن أن يفسره العميل بطريقة خطأ.
لذلك فإنه من الضروري أيضاً في خدمة العملاء، أن تحدد الشركة للموظفين مدلولات المصطلحات، فإن (اللطف) مع العملاء، لا يعني أن يكون الاستقبال بالأحضان، ولا تقديم البضاعة لهم مجاناً، بل باتباع خطوات محددة:
• التواصل بالعين مع العميل عندما يقترب
• الابتسام في وجهه
•
الاستدارة بكامل الجسم ناحيته، وعدم الاكتفاء بالالتفات بالوجه
• التحية مع السؤال عن كيفية خدمته
•
الإنصات جيداً ليس فقط لما يقوله، بل كيف يقوله، وما يمكن استشفافه بين السطور (المبلغ الذي يريد إنفاقه على البضاعة، الوقت المتاح للشراء، شخصية العميل، والاستعداد للاستماع إلى اقتراحات، أم عنده تصورات واضحة، ولا يرغب في مناقشته فيها… إلخ)
•
عند الإشارة إلى شيء، أو توجيه العميل للمشي في اتجاه ما، لا تكون الإشارة بالسبابة، بل بالكف المفتوح في الجهة المطلوبة.
•
عدم الاكتفاء بذكر السعر، بل بمميزات البضاعة، وعيوبها أيضاً (نسيج طارد لبقع القهوة والعصائر، لا يحتاج إلى الكي، لكنه غير مناسب للصيف، لأنه يكتم حرارة الجسم، ولا يسمح بالتهوية الجيدة)، وتقديم بدائل أخرى، مع شرح الفرق.
•
لا تقترب من العميل لمسافة أقل من نصف متر، ولا تبتعد عنه أكثر من متر.
طبعاً يمكن أن تطول القائمة، لكن المهم أن تكون المعايير التي تعمل بها الشركة أو المؤسسة واضحة لجميع العاملين، فيلتزمون بها، ولا يبتكر كل واحد منهم، ما يراه مناسباً.
نقطة البداية
يمكن أن تكون الشركة في ضائقة مالية، ويمكن أن تكون الحاجة في قسم الحسابات لموظفين كبيرة، ويمكن أن يكون عدد المكاتب قليلاً، لكن كل هذا لا يبرر عدم الاهتمام بخدمة العملاء، فالعميل ليس مسؤولا عن كل ذلك، والسؤال الذي يحدد كل شيء هو: هل العميل موجود لخدمة الشركة، أم الشركة موجودة لخدمة العميل؟
إذا كانت الشركة مؤمنة بأهمية العميل، وتضعه على قمة أولوياتها، فإنها لا تكتفي عند اختيار موظفيها بتوافر المؤهلات العلمية، بل تتأكد من أن هذا الشخص قادر على أن يقدِّم أفضل خدمة للعملاء، مهما كان موقعه في العمل، أن يكون مؤمناً بأن أي عميل يقف أمامه، أهم من مئات الملفات والأوراق الموجودة على مكتبه، أن تتوافر فيه القدرة على التعامل مع مختلف أنواع البشر، يعرف كيف يتحدث مع الشخص الخجول المتردد، ومع الشخص الثائر العدواني، يعرف كيف يضبط أعصابه، ويظل دائماً واجهة مشرفة للمؤسسة.
لكن اختيار الموظفين الحريصين على خدمة العملاء، وإقامة الدورات لهم، وتوزيع النشرات الدورية التي تؤكد على أهمية ذلك، لا تؤتي ثمارها، إلا إذا كان الفعل يتوافق مع القول، فرئيس الشركة الذي يمر على العملاء، دون أن يبدأهم بالتحية، هو قدوة سيئة، وإذا غابت إدارة الشركة عن دورات خدمة العملاء، فإنها تقلل من شأنها، وإذا كان المناخ السائد داخل الشركة سيئاً، والمدير لا يستمع للموظفين، والقرارات تصدر دون تشاور، والترقيات والعلاوات تتحدد تبعا للمزاج الشخصي، وتبعا لمدى التقرب للإدارة، وليس حسب الجهد والتفاني في العمل، فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على تعامل الموظفين مع العملاء.
حين يتقدم شخص لوظيفة، ويأتي لحضور المقابلة الشخصية، ويختبر المدير صلاحيته لأن يكون موظفا، فإنه ينبغي على المدير أن يدرك أن هذا الشخص يقوم بدوره باختبار من أمامه، وهل يصلح أن يكون مديراً له، يعمل تحت إمرته، ويقبل أسلوبه في التعامل، لأن المدير الذي يترك المتقدم للوظيفة ينتظره ساعتين، بعد الموعد المقرر للمقابلة، ولا يجد المتقدم من يرحب به، ولا من يقدِّم له مشروباً ولو ماءً، ولا يجد في غرفة الانتظار، ما يعينه على الاستفادة من الوقت، بقراءة معلومات عن المؤسسة، ويجد أشخاصاً آخرين ينتظرون مقابلة أحد الموظفين، الذين يحتذون بمديرهم فيتركونهم ينتظرون طويلاً، ثم إذا دخل المتقدم للوظيفة أخيراً على المدير، وجده لا يحسن الإنصات، بل يرد مرة على الهاتف، وينظر من حين لآخر لجهاز الكمبيوتر، ويسمح لسكرتيرته لأن تدخل أثناء المقابلة، وتسأله عن تذاكر الطيران، ولا يكلف المدير نفسه عناء إجراء اختبار للشخص القادم من بعيد، بل يكتفي بعد خمس دقائق، بإنهاء المقابلة، على وعد بأن يتلقى الموظف اتصالاً يبلغه بمصير طلبه. فهل يمكن بعد ذلك أن نتحدث عن شركة تعرف كيف تتعامل مع البشر وتهتم بالعملاء؟
التغيير
الشركة التي تقرر الاهتمام بالعملاء، يجب أن تتوافر لديها قاعدة معلومات وبيانات عن الوضع الذي ستنطلق منه، لذلك تقوم بإجراء استطلاعات رأي بين العملاء، حتى تتعرف إلى نقاط الضعف والقوة، وهناك مؤسسات متخصصة في القيام بهذه المهمة، تعرف كيفية إعداد الأسئلة الصحيحة، وطريقة التقييم، وكيفية التواصل مع العملاء، بالحديث وجهاً لوجه فور الشراء، أو عن طريق الهاتف أو الإيميل أو بالبريد أو من خلال صندوق الشكاوى والاقتراحات، أو التواصل مع العملاء السابقين، الذين انتقلوا إلى المنافسين.
بناءً على تحليل نتائج استطلاعات الرأي، يمكن إعادة النظر في آليات العمل، فليس من الطبيعي مثلا أن تأتي الرسالة في البريد، ثم تنتقل إلى قسم التسجيل، لتبقي يوما أو اثنين، ثم تنتقل إلى سكرتارية المدير، ثم إلى المدير، ليضع تأشيرته عليها، ثم تنتقل إلى رئيس القسم المختص، ثم إلى الموظف ليكتب الرد، ثم تعود إلى رئيسه لمراجعة الرد، ثم إعادته إلى سكرتارية المدير، ثم يقوم المدير بالتوقيع عليها، قبل أن تعود إلى قسم التسجيل في الصادر، ثم قسم المراسلات والبريد، لإرسالها إلى العميل، وليس من المستبعد في ظل هذه السلسلة الطويلة من الإجراءات، أن يكون أحد أطرافها في عطلة، فتنتظره الرسالة حتى يعود، أو ينتقل موظف من غرفة إلى أخرى، فتتراكم المعاملات، أو يضيع بعضها، وكثير من المصالح الحكومية تعرف هذا النمط من العمل.
وبعد عرض نتائج استطلاعات على العاملين، ومعرفة مواطن الخلل والضعف، وإمكانات التطوير، والتوصل إلى قناعة بأن الأمر لا يتعلق بنتيجة مرحلية، يجب الوصول إليها، ثم تنتقل الشركة بعدها إلى أهداف أخرى، بل إن الأمر يتعلق بتغيير ثقافة العمل ككل في هذه المؤسسة، وأن أول ما يتعلمه الموظف الجديد، هو التقيد بقواعد خدمة العملاء، لا أن ينتظر طويلاً حتى يأتي عليه الدور للالتحاق بهذه الدورات.
ويجب على إدارة الشركة الراغبة في إرضاء العملاء، أن تدرك أن هذا التحول يحتاج إلى أفراد ووقت وتكاليف وجهود إضافية، تحتاج إلى موظفين في كل قسم، يتابعون إرضاء العملاء في قسم الحسابات، وفي قسم التعاملات الإلكترونية، وفي قسم المراسلات، لأن العميل يحتك بكل هؤلاء، الجالس على سنترال الشركة، الذي يردُّ على الهاتف، يحتاج لتعلم كيفية الرد على العميل، فلا يترك الهاتف يرن أكثر من ثلاث مرات، ويتعلم أن يبدأ باسم الشركة، ثم بالتحية، ثم بالسؤال عن كيفية مساعدة العميل، يكررها كل مرة، وكأنه يقولها لأول مرة، ينطقها بوضوح، لأنه لا ذنب للمتصل أنه قالها آلاف المرات، وإذا قام من مكانه، ووجد اتصالاً في غيابه، فلابد أن يعاود الاتصال به في نفس اليوم على أقصى تقدير، وفي قسم المراسلات يتعلم الجميع أنه لا يجوز أن تبقى الرسالة أكثر من يوم، دون النظر فيها، وأنه لابد من الرد على أي رسالة بالبريد الإلكتروني خلال 48 ساعة.
أما بالنسبة للوقت والتكاليف فإن هناك دراسات أمريكية متخصصة، تقدر حاجة الشركة التي لا يزيد عدد موظفيها عن 250 شخصاً، إلى سنة كاملة، لإحداث التغيير، الذي لا تظهر بشائره إلا بعد ثلاثة أشهر من بدء العملية، أما الشركة التي يتراوح عدد موظفيها بين أكثر من 250 إلى 1500 موظف، فتحتاج إلى عامين، وتظهر النتائج بعد مرور ستة أشهر، والشركة التي يزيد عدد موظفيها على 1500 شخص، تحتاج إلى ثلاثة أعوام، وتظهر النتائج بعد مرور عام كامل، وتتراوح تكاليف تدريب الموظف الواحد على خدمة العملاء، بين 1200 إلى 1800 دولار سنوياً.
مناخ العمل والتقدير
بعد أن تقدِّم الشركة كل هذه الأموال والجهود، عليها أن توفر مناخاً جيداً داخلها، يشعر فيه الموظفون بالرضا، ويجدون من يستمع إلى شكواهم وآرائهم، ويعترف بجهودهم ويمنحهم التقدير المناسب، ويرون في مديريهم القدوة الحسنة في التعامل، وفي الاهتمام بالمظهر، وفي الإنصاف والصدق، وتحمل المسؤولية، والرغبة في تقديم المساعدة، فيلتزمون بنفس هذه القيم في تعاملهم مع العملاء.
في دراسة لمعهد جالوب الأمريكي الشهير، أجراها على 80000 موظف من مختلف الشركات والمؤسسات، تبيَّن أن أهم عوامل الرضا تتمثل في الحصول على التقدير والاعتراف بالجهد، ولذلك فإن المدير الذي يتبنى نظرية، عدم الحاجة للنطق بالمدح والتقدير، لأن الموظفين يحصلون على رواتبهم مقابل أعمالهم، يدفعهم للاكتفاء بأقل قدر ممكن من الجهد، مادام الأمر سواء في هذه الشركة، ولا يستغرب أن يرُدّ الموظف على العميل قائلاً: «لا أعرف»، بدلاً من أن يقول: «إن سمحت لي بلحظة، بحثت لك عن الإجابة عن سؤالك، أو توصلت إلى الزميل القادر على الرد عليه».
ويشترط عند التقدير أن يتناسب مع الإنجاز الذي قام به الموظف، فلا يجوز أن يبقى الموظف يومياً لمدة شهر حتى يغادر آخر عميل، بعد أكثر من نصف ساعة من مواعيد العمل، ويحافظ على ابتسامته، ويتمنى له يوماً سعيداً، ويجيب عن الأسئلة بكفاءة وذوق، وبعد كل ذلك يربت المدير على كتفه، وهو في طريقه للخروج، ويقول له إنه يقدر جهوده، لأن أول قواعد التقدير، أن يشعر الموظف أن المدير يجد الوقت الكافي لاستقباله والتحدث معه، بمفردهما أو أمام الآخرين، للتعبير عن تقديره لجهوده، ثم يقدِّم له شهادة الموظف المثالي للشهر، أو يمنحه يوماً عطلة مدفوعة الأجر، أو يقدِّم له دعوة على العشاء له ولزوجته في مطعم راقٍ، أما إذا كانت جهود الموظف قد نجحت في استعادة الكثير من العملاء، بعد أن كانوا قد انتقلوا إلى الشركات المنافسة، فإن التقدير يكون بالترقية إلى منصب أعلى، أو بزيادة راتب، مع مراعاة أن تكون المعايير عادلة وشفافة للجميع.
خدمة العملاء هاتفياً
في كثير من المؤسسات يُعد عامل السنترال، وظيفة متواضعة، لذلك ليس غريباً أن تجد من يرُد على الهاتف شخص لا علاقة له بخدمة العملاء، لا يدرك أن المتصل يتأثر بنبرة الصوت بنسبة 86 في المائة، مقابل 14 في المائة فقط من الكلام الذي يسمعه، فإذا وجدت عامل السنترال يصرخ في الهاتف، ويتحدث بنبرة عدوانية، ربما أغلقت الهاتف دون أن تتكلم كلمة واحدة، وإذا وجدته يتحدث مثل الماكينة، بطريقة رتيبة ومملة، شعر المستمع بأنه لن يصل إلى نتيجة إيجابية، على عكس الحال إذا وجده يتحدث بنبرة مهذبة ودودة، ويظهر اهتماماً بما يسمع، ويعرف جيداً من الشخص المختص.
عموماً تشير الدراسات إلى أن الثواني العشر الأولى من المكالمة تكون كافية لإعطاء المستمع انطباعاً عن الشخص الذي يتحدث معه ومزاجه، فهل يصلح أن نكلِّف شخصاً غير مؤهل للرد على الهاتف؟ من الضروري أن يكون هذا الشخص ملماً بأعمال الشركة، وأقسامها، وبعمل كل موظف، وطريقة التعامل مع العملاء، فإذا جاءته مكالمة من عميل غاضب، يسب ويشتم ويتوعد، فإنه لا يرد السباب بالسباب، بل يطالب المتحدث بهدوء أن يعيد كلامه من دون استخدام هذه الألفاظ، حتى يستطيع أن يساعده، وإذا تكرر السباب، نبهه إلى أنه يريد مساعدته، ولكن ذلك غير ممكن، لأنه لا يفهم منه شيئاً، طالما أنه لا ينطق جملاً مفيدة، وإذا استمرت الثورة، بلّغه أنه سينقل الأمر إلى رئيسه، لكي يعاود الاتصال به، ويبلغه أنه سيغلق الهاتف، متمنياً له يوماً سعيداً.
ومن الطريف أن الابتسامة تصل عبر الهاتف، أي أنه إذا تحدث الشخص، وهو مبتسم، فإن نبرة الصوت البشوشة، تصل إلى الطرف الآخر، لذلك فإن بعض الشركات تضع مرآة أمام المتحدث في الهاتف، حتى يتذكر أن يبتسم.
عندما تتصل بالإسعاف للإبلاغ عن حادثة مرور، تسببت في إصابة شخص، فإنك تكون متوتراً للغاية، وتريد أن تأتي الإسعاف فوراً، لكن الصوت الذي يردُّ عليك، يكون هادئاً، يجبرك أن تستعيد رباطة الجأش، وتدرك أنك لابد أن تذكر مكان الحادث، ووقت حدوثه، وحالة المصاب، وهل هو في وعيه أم فاقد الوعي، وهي معلومات مهمة جداً بالنسبة للإسعاف، أجبرك موظف الهاتف هناك على الرد عليها، على الرغم من اضطرابك، لأنه تعلَّم كيفية التعامل معك الأشخاص في هذه الحالات، وهذا ما يجب أن يتعلمه موظف السنترال في أي شركة أيضاً.
وتقوم شركات كثيرة بتسجيل مكالمات العملاء مع الموظفين، بعد استئذان المتحدثين في بداية المكالمة، قبل أن يرد موظف السنترال، حتى تستطيع تقييم أدائه في التعامل مع العملاء، ولذلك يجب أن يسأل الموظف نفسه: هل كانت نبرة صوتي مناسبة للموضوع والموقف؟ هل شعر العميل بالاهتمام؟ هل شعرت في نهاية المكالمة برضا العميل؟ هل سألته في نهاية المكالمة إذا كان بوسعي تقديم أي خدمات إضافية له؟ هل انتظرت حتى وضع السماعة، بحيث يجدني في انتظاره، إذا خطرت على باله فكرة أخرى في آخر لحظة؟
إذا لم يستطع الموظف الرد على سؤال المتصل، فيجب عليه أن يستأذنه في أن يوصله بموظف آخر، وينتظر رده بالقبول أو بالرفض، فإذا لم يقبل، طلب منه أن يزوِّده بالمعلومات المطلوبة، لكي يوصلها كتابياً لزميله، الذي سيعاود الاتصال به، ويرد على سؤاله، وإذا وافق على توصيله بزميله، يجب أن يتأكد من وجود زميله في مكانه، حتى لا يترك المتصل ينتظر بلا جدوى، ويشرح لزميله باختصار الموضوع، حتى لا يضطر المتصل لأن يحكي المشكلة مرة وراء مرة.
أسوأ ما يمكن أن يفعله الموظف على الهاتف هو أن يفشي أسرار الشركة وخصوصيات زملائه، فلا مبرر مثلاً لأن يشارك المتحدث في انتقاد الشركة. على أي حال لابد من الحفاظ على المسافة الفاصلة بين الموظف والعميل، وعدم التبسط معه ولا رفع الألقاب، ويجب شكره على اتصاله في نهاية المكالمة، والتأكيد على الترحيب بالشكوى، لأنها تساعد الشركة على تطوير عملها، والحصول على أفكار جديدة، وعلى إرضاء المزيد من العملاء.
خدمة العملاء عن طريق البريد الإلكتروني
في ظل انتشار هذه الوسيلة السهلة والسريعة، تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من نصف الموظفين يقضون فترة تُراوح بين ساعة وساعتين يومياً في الرد على الإيميلات، وأن 10 في المائة يقضون من 3 إلى 4 ساعات يومياً في ذلك، كما تدل التقديرات على أن متوسط تكلفة الرسالة الورقية من وقت الموظف حوالي 4 دولارات، مقابل 30 سنتاً لرسالة البريد الإلكتروني.
لكن الميل إلى السرعة، والتبسط بين مستخدمي الإنترنت، يؤدي إلى تناسي الموظف أن الرسالة التي سيرسلها من البريد الإلكتروني للشركة، هي رسالة رسمية، وأنها صادرة باسم هذه المؤسسة، وأن محتواها لا يمكن التراجع عنه، بعد الضغط على أمر الإرسال.
الرسالة الصادرة بالبريد الإلكتروني تحتوي على خانة الموضوع، والتي ينبغي أن تحتوي على مفردات قليلة توضح محتواها بدقة، مع عدم جواز اللجوء إلى مفردات مثل (عاجل جداً)، إذا لم يكن الأمر كذلك، حتى لا يفقد المرسل مصداقيته، كما يجب أن تكون الرسالة مختصرة، دون إخلال بالمضمون، فلا داعي لضرب أمثلة، ولا الاستطراد في الوصف، ولا تكرار المعنى بكلمات مختلفة، ويمكن اعتبار 25 سطراً، هي الحد الأقصى للرسالة، ولا ينبغي إرسال نسخ من الرسالة إلا للأشخاص المعنيين، إذ يميل البعض لإرسال نسخة إلى رئيس المؤسسة، حتى يتابع مع الموظف الرد على الرسالة، وهو تصرف لا مبرر له، إلا إذا كان معهوداً على هذا الموظف عدم الرد، أما إرسال نسخة من الرسالة إلى كل مَنْ في الشركة، ليعرف الموظفون الخطأ الذي وقع فيه زميلهم، فهذا أمر غير مقبول، ولا يؤدي إلى حل المشكلة، بل إلى إجبار الموظف على الدفاع عن نفسه، وتفنيد اتهامات صاحب الرسالة.
ومن الخطأ أن يرسل الشخص نفس الرسالة مرة بالبريد الإلكتروني، ومرة أخرى بالفاكس، ثم يتصل على الهاتف الجوال ليخبره بأنه أرسل له هذه الرسالة، لأن ذلك مضيعة لوقت الطرفين، كما لا يجوز أن يرسل الشخص رسالة، ثم يتبعها برسالة أخرى في نفس اليوم للتأكد من وصول الرسالة الأولى، والسؤال عن سبب عدم الرد عليها.
ولا يجوز أبداً إرسال أي رسالة رسمية قبل مراجعتها وقراءتها مرة أخرى على الأقل، للتأكد من عدم وجود أخطاء مطبعية، أو قواعدية، وعدم وجود أي مصطلحات أو مفردات، يندم على كتابتها لاحقاً، وعلى احتوائها على إجابات عن جميع الأسئلة التي طرحها العميل، كما يجب أن تحتوي على اسم الشخص المرسل وبيانات التواصل معه، مثل رقم الهاتف المباشر، وعنوان البريد.
ولعل البعض لا يدرك أن الرسائل المكتوبة من أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالشركة هي ملك لهذه الشركة، ويحق للإدارة أن تطلع عليها دون الرجوع إلى الموظف، ويستطيع المشرف على قسم التقنية أن يدخل إلى هذه الرسائل، ولا يعوقه وجود كلمة سر. كما أن هناك برامج متخصصة في استرداد الرسائل التي قام الموظفون بمسحها من بريدهم، ولذلك فإن استغلال البريد الإلكتروني للمعاكسات هو غير مقبول، ناهيك عن البُعد الأخلاقي، لأن الوصول إلى كاتب الرسالة لا يشكل أي صعوبة، حتى ولو استخدم عنوان بريد إلكتروني غير معروف.
وبعيداً عن المحظورات، التي يدركها كل من يفكر، فإن التعامل مع العملاء في البريد الإلكتروني، يعاني الحواجز الفاصلة، وعدم القدرة على التواصل المباشر، مما يقلل القدرة على التأثير، لذلك فإنه من المفيد استخدام الألفاظ المعبِّرة عن الحواس، مثل أن تتضمن الرسالة (إنني أرى المشكلة بوضوح، وأشعر بتأثير الأمر عليك، وألمس اهتمامك بسمعة الشركة، وأسمع في صوتك الرغبة الصادقة في تجنب النزاع القانوني)، كما يفيد أن يستخدم الموظف نفس مفردات العميل، لإظهار اهتمامه بالرسالة، وتأييده لبعض ما ورد فيها، كما ينبغي أن يراجع الموظف ملف العميل، والاستفادة من أي معلومات تتوافر لديه عنه، دون أن يؤدي ذلك للاهتمام بعملاء أكثر من غيرهم، بل لمعرفة الطريقة المناسبة في التعامل معه.
ما لا يجوز
كما سبقت الإشارة، لا يجوز أن يقول الموظف للعميل: (لا أعرف)، بل يظهر اهتمامه بالحصول على الإجابة، أو التوصل إلى الزميل القادر على الرد على السؤال، كما يكره العملاء كلمة (لا)، مثل أن يطلب أحدهم الحصول على خصم في السعر، أو أن يسترد ثمن البضاعة بعد استخدامها، أو أن يحمل الموظف البضاعة إلى السيارة، وهي أمور لا يستطيع الموظف أن يقوم بها، لأنها تتعارض مع أنظمة الشركة، ولكن بدلاً من أن يكتفي برفض الطلب، يعرض على العميل بدائل، مثل أن يبلغه بموعد التخفيضات في نهاية الموسم، أو ببطاقة العضوية في المتجر، التي تسمح للعميل بالحصول على هدايا بعد أن تبلغ قيمة المشتريات مبلغاً معيناً، أو أن يخبره بوجود من يحمل البضاعة مقابل رسوم.
كما أنه ليس من المستحب الرد بعبارة: (أنا لست مختصاً بذلك)، بل (هل يمكن أن ترافقني لزميلي المختص؟)، ولا يجوز أن يشارك الموظف العميل في ثورته على الشركة، فيقول له: (عندك حق، هذه الشركة سيئة، والموظفون كسالى)، بل يمكن أن يقول له: (إنني أتفهم جيداً شعورك بالإحباط، واسمح لي أن أساعدك في الوصول إلى حل لهذه المشكلة).
وأكثر ما يثير العميل الغاضب، أن يخاطبه الموظف بقوله: (من فضلك اهدأ أولاً، حتى نتفاهم)، بل ينبغي أن تعبِّر له عن أسفك، حتى يهدأ، ولا يهم في هذا الموقف من المخطئ، وبدلاً من تضييع الوقت في البحث عن المتسبب في المشكلة، يكون التركيز على المخرج منها. ولا يجوز أن يقول الموظف للعميل: (ليس عندي وقت الآن، فأنا مشغول)، بل يجب أن يكون الرد بذوق بالغ، وبنبرة اعتذار: (آسف، أنا معي عميل آخر، وسأعود لك فور الانتهاء منه)، كما أنه ليس من المقبول أن تطلب من العميل أن يعاود الاتصال بك في وقت لاحق، بل تبلغه بأنك ستقوم بالاتصال به فور الانتهاء من المشكلة، لإبلاغه بما تم فيها.
وإذا كان العميل غاضباً، فلا يجوز أن ترد عليه بنفس الانفعال، بل اتركه يخرج ما في جعبته، ولا تقاطعه، بل عبِّر له بإيماءة رأسك أنك تتفهم غضبه، دون أن يعني ذلك أنك توافقه على رأيه، لأن هناك فرقاً شاسعاً بين التفهم والموافقة، ولا تُعد أن ثورته موجهة ضدك، بل نصيبك أنك كنت أول من صادفه في طريقه، وعليك مسؤولية التوصل إلى مخرج، فتسعى لفهم ما يريد أن يقوله على الرغم من انفعاله، وانتبه إلى أن لكل مشكلة خصوصيتها، واختلافها عن كل ما مر بك من مشكلات سابقة، ولذلك فالإصغاء الجيد مهم للغاية، وإذا وجدت العميل يستطرد في نقاط جانبية لا تفيد في فهم المشكلة، فانتظر حتى لحظة توقفه لاسترداد أنفاسه، ثم استخدم تقنية المرآة، أي تعيد له ما قال لكن بأسلوبك، بحيث تتأكد من صحة فهمك للمسألة، وتسعى للتوصل معه إلى حل يرضيه، بشرط أن يتوافق مع تعليمات الشركة، ولا تتركه يغادر المكان غاضباً، حتى لو اضطررت لتقديم هدية من الشركة، المهم ألا تتسبب المشكلة في انتهاء علاقته بالشركة.
ومن الضروري أن يحافظ الموظف على مبدأ الصدق، فلا يعد العميل بما لا يقدر على الوفاء به، ولا يستخدم صيغة المبالغة: (هذا الخطأ لم يحدث عندنا من قبل أبداً، ولن يتكرر في المستقبل مرة ثانية، وستصلك البضاعة البديلة في نفس اليوم، ..إلخ).
كما يجدر بالموظف ألا يحكم على الناس من مظهرهم، فكثيراً ما تخفي الواجهة العدوانية، أو تعبيرات الوجه الشرسة، إنساناً مهذباً، لكن عنده ما يضايقه، وليتأكد أن غالبية الناس أكثر إحساساً وذوقاً مما يظهر عليهم، أو كما يقال إن لكل إنسان مفتاحاً، وإذا أفلح في معرفة كيفية التعامل معه، فإنه سيستطيع إرضاءه.
كيف تحصل على خدمة جيدة
وإذا أردنا أن نتناول الأمر من جهة العملاء، فإن الواحد منا يستطيع أن يشجع الموظف على تقديم أفضل ما عنده من خدمات، إذا انتبه لبعض الأمور، فإذا رأيت بائعاً مثلاً يتسامر مع زميل له، ولا يهب لخدمتك، فعليك أن تسير ناحيته، وتنظر له في عينيه، لكي يدرك أنك تراه وتقصده هو، ثم تبدأه بالتحية، وأخبره بطلبك بكلمات واضحة، مع استخدام تعبير (من فضلك) خلال الثلاثين ثانية الأولى من حديثك، وفي الغالب ستجده يهتم بك، ويسعى لخدمتك.
المهم ألا تقع في الخطأ الذي يرتكبه الكثيرون، وهو الاعتقاد بأن البائع يعرف ما تفكر فيه، ويدرك ما تريده، طالما أنك جئت إلى قسم القمصان، وتقف أمام هذه الماركة، مع أن التصرف الصحيح، أن تبلِّغ البائع عما تريد بكلمات محددة وواضحة، حتى يلبي لك طلبك، خاصة إذا كانت لك طلبات خاصة، لا تتوافر في غالبية القمصان، مثل أن تكون مخصصة للأشخاص قصيري القامة.
إذا أخبرك الموظف بأن ما تطلبه غير موجود، فيمكنك أن تسأله عما كان سيفعل لو كان مكانك، وهل هناك بدائل أخرى، أو هل يستطيع طلب ما تريد من المخازن أو من شركة أخرى، وهل هناك شركات أخرى تبيع هذه المواصفات، أو ما هي الخطوة التالية التي يجب أن تقوم بها.
وإذا غضبت فلا تهدد باللجوء إلى المحامي، ولا تزعم أنك تعرف صاحب الشركة، وأنك ستبلغه بما حدث، ولا تستخدم الصراخ حتى تلفت نظر بقية العملاء، وتجبر الموظف على الاستجابة لطلبك، ولا تستخدم ألفاظاً غير مقبولة، وبدلاً من أن توجه له اتهامات، استخدم ضمير المتكلم، كأن تقول: (أنا لست مرتاحاً لأسلوب التعامل في هذه الشركة، ولم أشعر بأني وجدت الاهتمام الكافي بطلباتي).
المطاعم والمقاهي
أما في المطاعم والمقاهي فإن هناك أفكاراً مفيدة عن كيفية التعامل مع العاملين هناك، مثل أن تعطيهم 10 في المائة من قيمة الفاتورة، إذا كانت الخدمة ممتازة، وإذا كانت غير ممتازة فإن النسبة تنخفض إلى 5 في المائة، وتدخر النسبة المتبقية بصورة منفصلة عن بقية أموالك، وتستمر في الخصم والجمع من حصيلة الخدمة غير الجيدة، حتى إذا وجدت من خدمك بصورة ممتازة، تعطيه كل ما ادخرته، فيعلم أن الخدمة الجيدة لها مقابل، ومن المؤكد أنه لن ينسى هذا الدرس أبداً.
أنا ملك
دخلت المصرف الذي أتعامل معه منذ جئت إلى ألمانيا قبل أكثر من عشرين عاماً، وكانت الساعة تشير إلى السادسة إلا خمس دقائق، وجلست أمام المسؤولة عن حسابي، وبلَّغتها أني أريد القيام بالكثير من الإجراءات المتعلقة بحسابي، وطلبت منها أن تنجز أهمها في هذه الدقائق القليلة، على أن تقوم بتحضير بقية الإجراءات، لأمر عليها في اليوم التالي، فابتسمت بهدوء شديد، وقالت إنها لا ترى مبرراً للانتظار للغد، وأننا سننتهي من كل الإجراءات اليوم، على الرغم من علمي بأنها بدأت العمل من التاسعة صباحاً، ووجدت زملاءها وزميلاتها يغادرون أماكنهم الواحد تلو الآخر، وأغلقت أبواب البنك، وبقى الحارس واقفاً بجوار أحد الأبواب، والموظفة مصممة على الانتهاء من الإجراءات، التي استمرت أكثر من نصف ساعة، حتى إذا ما انتهينا، تمنت لي ليلة سعيدة، وبقيت جالسة، حتى لا تتسبب في استعجالي الانصراف من أمامها.
خرجت متعجباً من هذا التعامل الراقي، ومن ذوق الموظفة والحارس، اللذين لم يبد عليهما أي تضجر، ومشيت خطوات قليلة ثم انتبهت إلى أنني نسيت المجلات العربية التي اشتريتها قبل دخول المصرف، على طاولة الموظفة، وتضايقت للحظة لأن المجلة الواحدة، يزيد ثمنها على 5 يورو، ولكني أدركت أنه من المستحيل أن يفتحوا لي أبواب المصرف بعد إغلاقها، وقررت العودة إلى المصرف في اليوم التالي، لإحضار المجلات، لكن المفاجأة كانت في وجود المجلات في اليوم التالي، مع البريد الذي تسلمته.
ذهبت إلى البنك، واستقبلتني الموظفة من جديد بترحاب، وسألتني عن تسلّم المجلات، التي وجدتها على الطاولة، فوضعتها في ظرف من البنك، وطلبت من الحارس أن يضعها في صندوق البريد، فأعربت لها عن خالص امتناني، وطلبت الدخول على مدير المصرف، وبلَّغته أنني لا أريد أن أشكو بل أريد أن أروي له ما حدث معي، فاستمع لي بإنصات، ثم سألني عن مصدر استغرابي، فقلت له أن تستمر الموظفة في العمل بعد نهاية انتهاء الدوام، وأن تحافظ على هدوئها، وبعد كل ذلك أن تقوم بإرسال المجلات، وهذه ليست مهمتها، فأكد لي أن ذلك أمر طبيعي للغاية، لأن موظفي البنك يشعرون بأن (العميل لدينا ملك)، وأضاف ضاحكاً: عندنا لا نقدر أن نضايق الملوك. من يومها وأنا أشعر أنني أحصل على الخدمة التي يحصل عليها الملوك. فهل تحصلون عليها أيضاً؟