اعتدت أن أقرأ مجلة علمية محددة تصدر شهرياً في فرنسا, لا لمتابعة قضايا معينة, بل لمجرد الاطلاع على ما يجري حولنا في دنيا العلم والمخترعات. ومثل معظم قرَّاء أية مجلة, أقلب الصفحات وأقرأ العناوين. ولا أغوص في قراءة النصوص إلا تلك التي تثير اهتمامي أكثر من غيرها.
العدد الأخير من هذه المجلة خصص غلافه لما يجري في عالم الفيزياء, ما اكتُشف حتى اليوم, وما ينتظر الاستكشاف. ولأن الفيزياء تشد اهتمامي كثيراً، فقد اكتفيت بقراءة المقدمات في الموضوعات الطويلة التي شملها ملف العدد. غير أنني وجدت نفسي مدفوعة إلى قراءة المجلة بعين مختلفة, أن أقرأها وكأنها مقال واحد يعبِّر عن حال العلم في العالم خلال هذا الشهر. وكانت النتيجة مدهشة.
أدهشني تنوع المجالات التي شهدت مبتكرات ومخترعات ومكتشفات جديدة خلال شهر واحد (بما أن المجلة شهرية). آلات تصوير رقمية جديدة تتميز بتحسين إضافي على الطرز التي كانت جديدة خلال الشهر الأسبق, نظرية جديدة تربط العواصف فوق القرن الإفريقي بالأعاصير التي تضرب سواحل أمريكا, جوارب جديدة تبرد القدمين وتمنع التعرق, أحذية رياضية موصولة بالقمر الصناعي لطلب النجدة في حال تعرّض المغامرين للخطر أو الضياع, دواء جديد لعلاج تضخم الموثة (البروستاتا), كيف تخترق حبة القمح سطح التراب عند زراعتها, طرز جديدة من الدراجات الكهربائية, عوازل حرارية للبيوت, معدات لمعالجة الهيدروجين في مياه الشرب لتحسين الدورة الدموية, العربة القمرية التي تبنيها الصين, والعربة المريخية التي تبنيها أمريكا, وصلة جديدة لربط جهاز الحاسوب بساعة يد رقمية جديدة.. والكثير الكثير غير ذلك، على الرغم من أن الشهر الذي سبق صدور المجلة لم يكن استثنائياً في تاريخ العلم بشيء.
في ملف هذا العدد, الفيزياء, تناولت موضوعاته توزع هذا العلم على مجالين, أولهما ذو مقاييس عملاقة: الفضاء الخارجي والكون والمجرات والثقوب السود, والثاني دقيق المقاييس لا يرى إلا بالمكبرات الإلكترونية وهو على مستوى الذرات والجزيئات.
ولكن بين هذين العالمين يبدو أن المجال يتسع تماماً للعلم كي ينشط بصخب وينتج في مجالات الحياة كافة من دون استثناء يذكر. وهو كان كذلك خلال الشهر الذي سبق طباعة المجلة.
الأسئلة التي تثيرها هذه الملاحظة أكثر من أن تحصى, وقد يكون أبسطها هو هل يستطيع العالم أن يستوعب ويستهلك هذا المقدار من المبتكرات؟ وكيف ستكون حياتنا اليومية بعد عشر أو عشرين سنة؟ العلم والخيال العلمي يحاولان رسم الصورة. ما يهمنا هنا هو العلم نفسه وصورته.
العلم الذي يظنه البعض مجرد شهادة جامعية هنا, أو مركز أبحاث هناك, أو جملة قرارات هنالك، هذا العلم في الواقع منظومة متكاملة, أو قل إنه أقرب إلى أن يكون حالة عامة تنجم من تطور زوايا الحياة الاجتماعية والنشاط الذهني في اتجاه مشترك واحد: الحصول على مزيد من المعرفة لجعل حياتنا أفضل.