في عددها لشهر رمضان من عام 1395هـ (سبتمبر 1975م)، نشرت «القافلة» استطلاعاً مصوَّراً عن مدينة جدة، كتبه الأستاذ إبراهيم أحمد الشنطي، ويستعرض فيه أحوال المدينة كما كانت آنذاك. وفيما يأتي أبرز الفقرات التي تضمَّنها هذا الاستطلاع المطوَّل.
يخيَّل لزائر جدة والطائرة تهبط في مدرج المطار أنها لا محالة ستحط به في أحد شوارع المدينة. وما إن يغادر صالة المسافرين حتى يتحقق تخيله، ويجد نفسه في سوق تزدحم بالمحلات التجارية التي تبيع مختلف أصناف البضائع والحاجات برواج وإقبال، والطرقات تعج بالسابلة الساعين لقضاء مصالحهم، ومع أن المعروف عن المطارات أنها تقام بعيداً عن المدن وأماكن السكن والأسواق، وهذا فعلاً ما كان عليه مطار جدة الحالي قبل سنوات، إلا أن النمو السكاني والتطور العمراني أخذا يزحفان ناحية المطار حتى كادت واجهات المحلات التجارية تطغى على واجهات مبانيه.
وما دمنا بصدد الحديث عن المطار والميناء فإنه تجدر بنا الإشارة إلى أن المطار الحالي سوف ينتقل إلى موقع جديد يبعد نحو 24 كم شمال مركز جدة على طريق المدينة المنورة، وتقدَّر تكاليفه بأكثر من ألف مليون ريال، وقد بوشر في إنشائه في منتصف عام 1974م.
وإذا ما تجوَّل الزائر في أسواق جدة وشوارعها فإنه يدهش لكثرة الناس والسيارات والمتاجر، خاصة إذا كان الزائر من سكان القرى أو المدن الصغيرة. وإذا ما فكَّر في زيارة المؤسسات والمرافق الحكومية والخاصة فإنه، ولا شك، سيعجب من كثرتها وتنوعها، فهي تكاد تشمل كل مجال. فالمؤسسات التعليمية كمدارس البنين والبنات، والمرافق الصحية كالمستوصفات والعيادات والمستشفيات منتشرة في كل مكان.
التعليم
ففي مجال التعليم مثلاً، فتوجد في جدة 46 مدرسة ابتدائية للبنين تستوعب 32 ألف طالب، و16 مدرسة إعدادية تضم بين جدرانها 8248 طالباً، وست مدارس ثانوية تحتضن 3660 طالباً.
أما في مجال تعليم البنات فيوجد في جدة 45 مدرسة ابتدائية تضم 23969 طالبة، وتسع مدارس متوسطة تضم 5478 طالبة، ومدرستان ثانويتان يتلقَّى العلم فيهما أكثر من 2000 طالبة، وفيها كذلك معهد للمعلمات، ثانوي ومتوسط، يحتضن أكثر من 300 طالبة، هذا بالإضافة إلى المدارس والمعاهد الأهلية والخاصة للبنين والبنات، على اختلاف مستوياتها، وهي كثيرة ومتنوعة، ومنها الليلية والنهارية.
وأثناء جولتنا زرنا بعض هذه المؤسسات التعليمية كمدارس الثغر النموذجية التي تُعد من أرقى المدارس في المنطقة. فهذه المؤسسة تتماشى مع أحدث الطرق التربوية، ويتلقَّى العلم في مراحلها الابتدائية والمتوسطة والثانوية 1623 طالباً، وهي تهتم بالنواحي العلمية والرياضية وفيها أربعة معامل: واحد للعلوم وآخر للكيمياء وثالث للطبيعة، والرابع خاص بتعليم اللغة الإنجليزية.
ومن أهم الصروح العلمية التي زرناها في جدة جامعة الملك عبدالعزيز الفتية التي أصبحت اليوم في مصاف الجامعات الراقية في الشرق الأوسط. فقد أنشئت هذه الجامعة في العام الدراسي 87 – 1388 بكلية للاقتصاد والإدارة ولم يتجاوز تعداد طلابها آنذاك 90 طالباً وطالبة. وفي أوائل عام 1391 ضمت إلى نظام التعليم العالي بوزارة المعارف، بعد أن كانت جامعة أهلية. واستمرت هذه الجامعة في النمو والازدهار حتى بلغ عدد طلابها في الفصل الأول من العام الدراسي 94 – 1395هـ (4950) طالباً وطالبة، ومما يذكر أن حصة الجامعة من ميزانية الدولة للسنة المالية 95 – 1396هـ، أربت على 455 مليون ريال سعودي، وصارت تضم خمس كليات هي: التربية، الشريعة، الآداب، الاقتصاد، العلوم. وفي أواخر هذا العام ستفتح فيها كلية للطب وأخرى للهندسة.
ومن المؤسسات التعليمية البارزة التي زرناها أيضاً مركز الجيولوجيا التطبيقية الذي وقعت الاتفاقية بإنشائه في محرم 1390 (مارس 1970) بين وزارة البترول والثروة المعدنية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة اليونسكو.
الصحة
وفي المجال الصحي، توجد في جدة مستشفيات حكومية كبيرة وعدد من المستوصفات الدائمة والموسمية. ومن أهم المستشفيات في جدة، المستشفى المركزي ويتسع لـ 315 سريراً، ومستشفى الولادة ويستوعب 120 سريراً ويعمل فيه نحو حوالي خمسة عشر طبيباً، ثم مستشفى الرمد ويتسع لـ 60 سريراً ويعمل فيه عشرة أطباء، ومستشفى الملك وفيه 50 سريراً ويعمل فيه 24 طبيباً.
وفي جدة أيضاً سبعة مستوصفات دائمة، هي: مستوصف الأمراض الصدرية، النزلة اليمانية، نزلة بني مالك، الهنداوية، الرويس، الكندرة، ومستوصف طريق مكة الكيلو 14. وهناك مستوصفان موسميان يقامان أثناء الحج، أحدهما خاص بالحجاج القادمين بطريق الجو والآخر بالحجاج الوافدين بطريق البحر.
الصناعة
وإذا ما تحولنا في حديثنا عن جدة إلى الناحية الصناعية فإننا نجد أن هناك مرافق كثيرة ومتنوعة يجدر الحديث عنها والإشارة إليها. فهناك مثلاً، المؤسسات الصناعية المهمة كمؤسسة «بترومين» ومجمعها الصناعي الكبير المشرف على البحر، ومؤسسة الخطوط الجوية العربية السعودية التي تُعد أحد مظاهر النهضة الحديثة في البلاد، وغير ذلك من المؤسسات الصناعية المرموقة.
فمجمع مؤسسة «بترومين» في جدة، وهو بحق دعامة في صرح الاقتصاد الوطني، يشتمل على ثلاثة مرافق مهمة، هي:
مصفاة جدة
قامت بترومين بتأسيسها عام 1388هـ، وأصبحت تنتج اليوم نحو 30,000 برميل يومياً، كما أن هناك فكرة لتوسعتها مرة أخرى. ويعمل في مصفاة جدة نحو 800 موظف.
شركة بترومين لزيوت التشحيم (بترولوب)
أنشئت هذه الشركة عام 1387هـ بقصد تصنيع زيوت التشحيم الأساسية ومزجها وتعبئتها في صفائح وبراميل لتغطية احتياجات البلاد المتزايدة من هذه المواد. ويتوقع أن يصل إنتاجها في العام الحالي إلى نحو 100,000 برميل.
مصنع الحديد والصلب
أنشئ هذا المصنع لتلبية الطلب المتزايد على القضبان الحديدية المستعملة في البناء، وكخطوة أولى نحو إقامة صناعة متكاملة للحديد والصلب في المملكة. وقد تم بناؤه في عام 1387هـ وصمم لتكون طاقته 45,000 طن في السنة.
الخطوط الجوية العربية السعودية
ومن المؤسسات البارزة في جدة مؤسسة «الخطوط الجوية العربية السعودية» التي تُعدُّ بأسطولها الجوي الضخم، سفير المملكة المتجوِّل في مختلف العواصم والمدن الكبيرة التي تحط فيها، لقد أصبحت هذه المؤسسة، التي بدأت أعمالها في مايو 1945م بطائرة واحدة تعمل في خط داخلي بين جدة والرياض والظهران، من أكبر الخطوط الجوية العالمية ونشاطاتها. وصارت طائراتها تصل اليوم إلى 50 مدينة كبيرة في ثلاث قارات، وتنقل أكثر من مليون راكب سنوياً بأجر كامل.
وجدة، حقاً، مدينة صناعية تجارية نشطة، فيها عدد كبير من المؤسسات العامة والشركات الخاصة والفردية التي تسهم إلى حد كبير في تطوير الصناعة الوطنية ودعم اقتصاد البلاد، ومنها ما يقف في مصاف كبريات الشركات في الشرق الأوسط، سواء من ناحية كمية الإنتاج أو جودته.
ومن أهم هذه الصناعات التي تُعدُّ نواة لصناعات أكبر، هي: صناعة المواد الغذائية، وصناعة الغزل والنسيج، وصناعة الأثاث، وصناعة المنتجات المعدنية، وصناعة المنتجات الكيماوية والبلاستيكية، وصناعة مواد البناء، وصناعة المنتجات الورقية.
تصوير: علي عبدالله خليفة