قصة مبتكر
قصة ابتكار
تويويتشي تـاناكا
الأطعمة المجمدة
ولد تويويتشي تاناكا بمدينة ناجاوكا اليابانية في العام 1946م. وتلقى تعليمه الجامعي بجامعة طوكيو، التي حصل منها على درجة البكالوريوس في الفيزياء في العام 1968م. ثم استكمل دراسته ليحصل على درجة الماجستير في العام 1970م، ثم الدكتوراة بعد ذلك بسنوات ثلاث. وفي العام 1975م، سافر تاناكا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ليلتحق بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) المرموق. كانت أبحاث تاناكا موجهة صوب اختصاص معيَّن، هو دراسة المواد الهلامية أو الجل. وهي مواد مركبة، تتكون من سلسلة طويلة من الجزيئيات المترابطة ببعضها البعض في تركيب يشبه الشبكة. وعن طريق الفراغات الموجودة بتلك الشبكة، تستطيع هذه المواد أن تحتفظ بالماء أو السوائل بداخلها، وهو الأمر الذي يكسبها خصائصها المميزة بالمرونة الفائقة. وخلال سنوات من البحث والدراسة، اكتشف تاناكا نوعاً خاصاً من المواد الهلامية، أطلق عليها اسم «المواد الهلامية الذكية». إذ إنها تستجيب، وبحساسية شديدة، لأية تغيرات في محيطها، فتتمدد أو تنكمش تبعاً للتغيرات في درجة الحرارة، أو شدة الإنارة، أو نوع المادة المذيبة. رأى تاناكا في هذه المجموعة من المواد إمكانيات هائلة. فقدرتها الكبيرة على التغير في الحجم، تجعلها مادة بناء مناسبة لتصميم أنظمة خاصة، قادرة على امتصاص أو إطلاق مواد معينة في الوسط المحيط بها. وأحد أهم المجالات التي يمكن أن تستفيد من هذه التطبيقات هو المجال الطبي. إذ يمكن الاعتماد على المواد الهلامية الذكية في إنتاج نظام علاجي يطلق المادة الدوائية داخل جسم المريض عند الحاجة لها. كما يمكن استخدامها لتصميم إسفنجة عملاقة، لامتصاص المخلفات السامة، كالملوثات وبقع النفط، والتي تسبب مشكلة بيئية ضخمة حين تتسرب إلى المسطحات المائية كالمحيطات والبحار. سجل تاناكا أكثر من ثماني براءات اختراع اعتماداً على ما توصلت إليه أبحاثه. وفي العام 1992م أسس شركتي «جل مد»، و«جل ساينسيز»، لتكونا قاعدتين لاستكشاف ودعم المزيد من التطبيقات الطبية، والصناعية، والتجارية، للمواد الهلامية الذكية. احتفى المجتمع العلمي كثيراً بإنجازات تاناكا ونتائج عمله وأبحاثه. ففي العام 1992م أصبح عضواً في المجمع الفيزيائي الأمريكي. وفي العام 1996م حصل على جائزة مجلة «ديسكفر» العلمية. وفي اليابان وطنه الأم، نال تاناكا الكثير من التكريم. فقد حصل في العام 1985م على جائزة «نيشينا» التذكارية، وجائزة «توراي» العلمية في العام 1997م. كما منحته فرنسا جائزة التميز عن أعماله في العام 1993م. في العام 2000م، رحل تويويتشي تاناكا عن عالمنا، إثر إصابته بأزمة قلبية. تاركاً خلفه إرثاً علمياً مهماً، وباباً مفتوحاً على سلسلة من التطبيقات والابتكارات.
منذ القدم، عرف سكان المناطق شديدة البرودة تجميد الطعام كواحد من وسائل حفظه. وكان سكان المناطق القطبية بالتحديد، يعتمدون على ما يحفظونه من اللحم والأسماك بعد صيدها، كمصدر الطعام الأساسي لهم خلال شهور الشتاء الطويلة القارصة. لكن الأمر لم يكن ممكناً على نطاق واسع، في أجواء أكثر حرارة من المناطق القطبية. إذ إنه كلما زاد الوقت اللازم لتجميد الطعام، تكونت بلُّورات ثلجية أكبر حجماً. هذه البلُّورات، تسبب تمزقاً لغشاء خلايا الطعام المحفوظ من اللحم والخضراوات والفاكهة. وحين يعود الطعام إلى درجة الحرارة العادية، تذوب البلُّورات الثلجية، وتتكسر معها الأنسجة، ويندفع الماء خارج الخلايا حاملاً معه الكثير من طعمها وقيمتها الغذائية. لكن حين سافر كليرنس بيردساي إلى القطب الشمالي، عاد ومعه فكرة مختلفة. كان بيردساي باحثاً في العلوم البيولوجية، وقد سافر إلى المنطقة القطبية في بعثة للحكومة الأمريكية. وشاهد هناك كيف أن الأسماك التي يقوم بصيدها، كما يفعل السكان المحليون، تتجمد فوراً حالما يتم سحبها من الماء. والأهم، أن هذه الأسماك كانت تحتفظ بطعمها، حتى حين يقوم بتناولها بعد أشهر من صيدها. ومن خبرته هذه، استنتج بيردساي أن الطعام لابد وأن يتجمد سريعاً، حتى يحتفظ بسلامة أنسجته، وبطعمه الأصلي. ولتحقيق هذا الأمر، كان على بيردساي أن يبتكر بيئة صناعية مناسبة، تصل فيها الحرارة إلى درجات شديدة الانخفاض، بحيث تنتقل هذه البرودة إلى الطعام بصورة لحظية. وقد نجح بالفعل في ابتكار طريقتين. كانت الأولى تعتمد على ضغط الأطعمة بعد تعبئتها بين سيرين من المعدن، تبلغ درجة حرارتهما 7 درجات مئوية تحت الصفر، عن طريق التبريد بمحلول كلوريد الكالسيوم. أما الطريقة الثانية فكان يستخدم فيها الضغط المنخفض، بالإضافة إلى التبريد الذي يحصل عليه من تبخر الأمونيا. واليوم تحتل صناعة الأطعمة المجمدة مرتبة عالية وسط الصناعات المختلفة في عالمنا المعاصر، وتشمل المنتجات المجمدة جميع أصناف الطعام، وعلى رأسها اللحوم والأسماك والخضراوات وأيضاً الفاكهة. ولا يمكن أن نتخيل الآن بيتاً يخلو منها، ويكفي أن نلقي نظرة على القسم الذي يخصص لها في كل سوبر ماركت، أياً كان حجمه وطبيعة زبائنه. ورغم التحذيرات الصحية من الاعتماد الكلي على الأطعمة المجمدة، إلا أنها ستظل ضيفاً مرحباً به دائماً على موائدنا. فميزتها في سهولة الاستخدام وسرعته، تعطيها الكثير من الثقل. كما أنها تكون خياراً صحياً مناسباً، إذا تم إنتاجها بأساليب عالية المعايير والجودة. فخبراء التغذية يقولون إن الخضراوات والفاكهة المجمدة، تكون طازجة أكثر من تلك المعروضة في الأسواق والسوبرماركت لمدة تزيد عن اليومين من موعد قطفها. فخلال هذين اليومين تفقد معظم أنواع الخضراوات والفاكهة النسبة الأكبر من محتوياتها من الفيتامينات، أما تلك التي يتم تجميدها مباشرة بعد قطفها فتظل محتفظة بنسبة عالية من قيمتها الغذائية، تكاد تماثل تلك التي تحتويها الخضراوات «المثالية» التي تأتي من الحقل إلى المائدة مباشرة.