كلنا نعلم أن غاز الأكسجين من العناصر الأساسية لبقاء كلّ الكائنات الحيّة على قيد الحياة (عدا الكائنات اللاهوائیة). وبما أن الغلاف الجوي یحیط بنا من كل جانب فاختلاف كمیة أي عنصر من عناصره قد یؤدي إلى تغييرات كثيرة في حياة الكائنات وفي طبيعة تشكل كوكب الأرض بكامله.
في بدایة عمر الأرض لم یكن هناك كثیر من الأكسجين. ولكن مع ظهور البكتیریا الخضراء المائلة إلى الأزرق قبل 5.2 بلیون عام، بدأ انتشار الأكسجين نتیجة اعتماد هذه البكتيریا على التمثیل الضوئي في إنتاج الطاقة. ومع مرور الزمن زادت نسبة الأكسجين لدرجة أنها أدت إلى انقراض كثیر من الكائنات اللاهوائیة فیما یعرف بحدث الأكسجة الكبیر. وبعد ظهور الكائنات الهوائیة بدأت تتوازن نسبة الأكسجين اعتماداً على دورته بین الكائنات التي تنتج الأكسجين كالنباتات والكائنات التي تستهلكه كالحيوانات. وتشير الدلائل العلمیـة إلى أن نسبة الأكسجين في الغـلاف الجــوي تفـاوتت بین الـ 10والـ 35 في المئــة خلال الـ 500 ملیون سنة السابقة.
نسبة الأكسجين حالیاً في الغلاف الجوي هي 21 في المئة تقریباً. ولو افترضنا أنها تضاعفت على حساب النیتروجین وهو المكوّن الأكبر لباقي الغلاف الجوي بنسبة 78 في المئة فسترتفع كثافة الهواء من حولنا لأن الأكسجين أكثر كثافة من النیتروجین على سطح البحر. وزیادة الكثافة ستؤدي إلى زیادة كفاءة طیران الطائرات لأن أجنحة الطائرات تعتمد على فرق الضغط بین أعلى الجناح وأسفله لتحقيق قوة الرفع. وستزید كفاءة محركات وسائل النقل، لأن زیادة الأكسجين ستزید من كفاءة احتراق مولدات الطاقة كالنفط وغيرها.
أما بالنسبة للكائنات الحیّة فإن زيادة نسبة الأكسجين سترفع من كفاءة التنفس التي تتباطأ عند المرتفعات لقلة كثافة الهواء وبالتالي قلة كثافة الأكسجين. وهذا هو السبب في صعوبة لعب الریاضات المختلفة على أعالي الجبال. وسيؤدي تحسن التنفس وبالتالي الأكسجين في الدورة الدموية إلى حیاة أفضل في العموم من الناحیة الصحیة. وسیحسّن أداء الریاضیین كثیراً.
من الناحیة الفسیولوجیة، فإن زیادة الأكسجين سیسرع من عملیة إنتاج ما یعرف بالجذور الحرة في الجسم، وهي جزیئات یوجد على غلافها الخارجي إلكترون منفرد بین أزواج من الإلكترونات. وتقوم هذه الجذور الحرة بتسريع الشيخوخة عن طریق تفاعلها مع الحمض النووي وتدمیر جزء منه، وهناك كثیر من الفرضیات الطبیة التي تربط الجذور الحرّة بأمراض مثل السرطان والزهایمر.
نتیجة أخرى لارتفاع نسبة الأكسجين في الجو وهي أن حجم الحشرات سیتضخم، لأنه ليس للحشرات رئات أو أعضاء داخلیة تمتص الأكسجين. وإنما تستخلص الأكسجين مباشرة من على سطح أجسامها. وخلال التجربة وجد العلماء أن الیعاسیب التي تمت تربيتها في مختبرات ذات نسبة أكسجين مرتفعة، كبر حجمها لیصل إلى قدمین ونصف. إلا أنه من المفارقــات أن الصراصیر وحدها كانت أحجامها تصغر في البیئات ذات الأكسجين المرتفع.
زیادة الأكسجين ستعود حتماً بكثیر من المنافع للبشر ولكن على حساب قصر العمر وزیادة نسبة بعض الأمراض المعقدة. ثم مَنْ منا يرغب بالعيش في عالم الحشرات الضخمة؟