النافذة أكثر بكثير من أن تكون مجرد كوة في جدار. ولربما صحّ القول إنها أقدم وسيلة اتصال ابتكرها الإنسان. فمن المحطة الفضائية العالمية حيث تطل النافذة على كوكبنا بأسره، إلى الغواصات في قيعان البحار، مروراً ببيوتنا التي لولا النوافذ لما كانت بيوتاً، تؤدي هذه النوافذ على اختلاف أشكالها وظيفة أساسية ومشتركة، ألا وهي الربط بين فضاءين منفصلين، بين مشهد وآخر، بين ما هو خاص وما هو عام، بين الذات والآخرين، بين ضوء وآخر، وبين هواء وآخر… ولأن النوافذ الحاضرة دائماً وأبداً من حولنا تنفتح على كل ما في الجهة الأخرى من حياة، كان من الطبيعي أن تحضر في كل ما في الثقافات الإنسانية من فنون وآداب. في هذا الملف، إطلالة من الروائية السورية رباب حيدر على النافذة، وقراءة لتجلياتها الثقافية العديدة.
سواء أكان البناء بيتاً متواضعاً من الطين في إفريقيا أو ناطحة سحاب في الصين أو كوخاً من الصفيح في ضاحية مدينة برازيلية أو قصراً ملكياً في أوروبا، لا بد وأن يكون وجود النافذة فيه “تحصيل حاصل”، بوصفها واحداً من العناصر الأساسية الأربعة التي لا بناء من دونها، إلى جانب الجدار والسقف والباب.
فالجدار بلا نافذة، صامت ومغلق، وفاقد للمسافة والوقت، إنه تصميم هندسي ذو بُعد واحد. أما النافذة في الجدار فتمنحه بعده الثلاثي. والأبنية التي بلا نوافذ هي مجرد كتل خرسانية صمّاء. وربما لا تعود أبنية بالمعنى المفهوم لدور البناء في حياة البشر، اذا لم تتخلّلها نوافذ.
تحمل المجلة العالمية لمنظمة العفو الدولية اسم “النافذة”، وبحسب تعريف المنظمة للمجلة فإنها “تصدر لإعلام الناس وإلهامهم وتمكينهم في جميع أنحاء العالم لأخذ الظلم على محمل شخصي”.
والنافذة ليست مجرد شكل هندسي أو عمل تصميمي تجميلي، ولا فراغ في جدار. إنها حاجة إنسانية للتواصل مع الخارج، ذاك الذي أمضى فيه بنو آدم مئات آلاف السنين قبل أن ينضووا إلى داخل كهوفهم. إنها حاجة الكائن البشري إلى الضوء والهواء اللذين ينفذان منها. وحتى في داخل تلك الكهوف، كانت رسوم الحيوانات والأشجار وتمثيلات الصيد والرعي التي خطها الإنسان الأول، بمنزلة نوافذ على عوالم الخارج، ذاك الذي مهما أوغلنا في الانطواء عنه فإننا فيه، ولو أمعنا في الانطواء بإغلاق كل النوافذ إليه، فسنصبح سجاني أنفسنا.
ومهما تطوَّرت الحياة البشرية على كل الصعد التقنية والصناعية والفنية، فإن النافذة الهندسية ستبقى نفسها كما كانت عليه أبداً، أي فتحة في جدار. وهذا هو حال نوافذ السيارات والطائرات والسفن وناطحات السحاب والصاروخ الصاعد إلى الفضاء. كوّة تأخذ النظر إلى الخارج، وإذا كانت مفتوحة فقد تأخذ الأشياء إلى خارجها، أو قد تأتي بأشياء أخرى من الخارج. وبهذا المعنى، الثقب الأسود في وسط المجرات نافذة على مكان ما زلنا نجهل ماهيته. وكذلك المرآة نافذة على حقيقة الواقف في مواجهتها، وعلى ما هو خلفه ولا يمكنه رؤيته إلا من خلال المرآة. وكذا التلفزيون والهاتف المحمول واللوحة في الجدار، كلها نوافذ على عوالم أخرى.
النافذة نفسياً
يقول عالم النفس الفرنسي صمويل لوباستيه، إن الأشخاص الذين يعيشون في المنزل ونوافذه مفتوحة، سواء أكان في فصل الصيف أو في فصل الشتاء، فإن ذلك يخفي وراءه أسباباً نفسية غير حجة الحاجة للتهوية. فهؤلاء يطلبون الاتصال بالطبيعة والإنسانية. كما أنهم يحتاجون إلى الاتصال الدائم بالآخرين، حتى ولو كان ذلك عن طريق سماع كلامهم من خلال هذه النوافذ المفتوحة. فهناك من يخشى الوحدة ويخاف من المواجهة مع النفس حتى عندما ينام، ويعاني من الخوف من الأماكن المغلقة التي تعطيه الإحساس بالاحتجاز والخطر، والنافذة المفتوحة تشكل متنفساً يزيح عن كاهله هذه الضغوط.
بدايات النافذة
أول مرة ذكرت فيها النافذة كأداة متصلة بآلة، وكفتحة تنقل ما يجري في الخارج كانت في نص سومري يتناول الطوفان.
“ستة أيام وست ليالٍ،
والرياح تهب، والعاصفة وسيول المطر تطغى على الأرض.
ومع حلول اليوم السابع، العاصفة والطوفان،
اللذين داهما كجيش،خفت شدتهما.
هدأ البحر وسكنت العاصفة وتراجع الطوفان.
فتحتُ الكوة فسقط النور على وجهي؛
نظرتُ إلى البحر، كان الهدوء شاملاً،
وقد آل البشر إلى الطين.
…
ثم تطلعت في كل الاتجاهات مستطلعاً حدود البحر”.
هكذا أصبح الجدار كله نافذة
في روايته “نحن”، يصف الأديب الروسي زامياتن مجتمعاً يعيش تحت نظامٍ استبدادي، فيقول إن البيوت في هذا المجتمع مبنية برمتها من الزجاج لتسمح للسلطات بمراقبة ما يجري في داخلها. غير أن العمارة الزجاجية التي تخيلها الأدب أصبحت لاحقاً حقيقة، والشفافية الملازمة لها التي كانت ذات وظيفة سلبية أصبحت صفة إيجابية مرغوبة في مجالات محدَّدة. ففي النصف الثاني من القرن العشرين، شهد فن العمارة ثورة حقيقية في التصميم قادها المهندس البنغالي فضل الرحمن خان، واعتمدت على استخدام الهياكل الفولاذية والزجاج كمادتي بناء رئيستين في ناطحات السحاب. وخلال عقدين فقط، كانت الأبراج الزجاجية قد أصبحت مألوفة في كل عواصم العالم.
في معظم هذه الأبراج، تتألَّف الجدران الخارجية بأكملها من الزجاج. أي إنه في مجال التواصل البصري مع الخارج، أصبح الجدار بأسره يؤدي دور النافذة. وتزامن هذا التطور المعماري مع تنامي الأهمية المعلقة على الشفافية كمرادف للصدق والاستقامة. وهكذا وبسرعة، راحت الشركات والمؤسسات الكبرى التي تستمد مكانتها ونجاحها من صدقيتها في محيطها، تستقر في هذه المكاتب المرئية من الخارج (ولو نظرياً فقط)، لتعزِّز بذلك صورتها وتمتع أعمالها بالشفافية.
ووصل الجدار الزجاجي إلى البيوت، ولكن بشكل محدود جداً. إذ بقي حكراً على الأدوار العليا من المباني السكنية التي تشرف على المدينة، ولكن لا شيء في المدينة يشرف عليها، أو في البيوت المنعزلة في بيئة طبيعية جميلة، حيث يحقِّق الجدار الزجاجي الحد الأقصى من التواصل مع البيئة الخارجية، من دون أن ينقل في الاتجاه المعاكس ما هو غير مرغوب فيه.
فتحة صغيرة يتطلع من خلالها “أوتنابشتيم” إلى السماء فيقع على وجهه الضوء بشيراً بقادم جميل، ومنها يتطلع خارج الفلك مستطلعاً حدود الماء.
النافذة في التعريف البديهي هي كوّة في الجدار، فتحة صغيرة ينفذ منها الضوء والهواء، تسمح بالنظر منها إلى الخارج. في البداية كانت تُسدل على هذه النوافذ بعض قطع الجلود الحيوانية لتحقيق عزل مناسب للحرارة أو الضوء. ثم كبرت الكوّة فتحوّلت إلى نوافذ تغطى بالخشب أو سعف النخل. كان هذا قبل اختراع الزجاج الذي كان الرومان أول من ذكروا استعماله في مصر الرومانية في الإسكندرية عام مئة بعد الميلاد. وكانت على شكل لويحات زجاجية صغيرة متصلة ببعضها تتخللها شرائط برونزية. في ذلك الحين كانت النوافذ الورقية تتوسط جدران الصين واليابان في أقصى الشرق، كما تذكر كتب التاريخ.
إنها النوافذ التي تأتي بالضوء وربما بالحب أو الحرب وبالغرباء والأصدقاء، بالنسائم والفصول والألوان والأصوات. النوافذ التي تكسر صمت الجدران وخرسها، والتي تفتح الداخل على الخارج، أو تضع حداً مرئياً بينهما. وهذا هو جوهر النافذة، أي الانتقال بصرياً وذهنياً من حيز مكاني إلى آخر.
النافذة في اللغة
النافذة مصدرها النفاذ. ونفذ أي اخترق وخرج. نفَذّ الشيء جازَ وخَلَص وصار معمولاً به. ونافذ في أموره أي الماضي في كل أمره ومطاع. هناك رأي نافذ أي معول عليه ومعمول به. وطريق نافذ أي سالك. وطعنة لها نفذ فتخرج من الجهة الأخرى، هي نافذة. وله عينان نافذتان أي موغلتان بالنفاذ. والنافذ من جسم الإنسان هي العيون والأنف والأذن وكل ما يربط الداخل بالخارج، فهي نوافذ، فنقول إن العينين هما نافذتا الروح لأن الخارج من خلالها يصير في الداخل، وكذلك الداخل ينفذ منها إلى الخارج. وبالحديث عن العيون، فإن المفردة الإنجليزية (window) المستخدمة اليوم هي ذات أصل إسكندنافي من زمن الفايكينغ- القرن الحادي عشر حتى الثالث عشر ميلادي- وهو (vindauga) أي (wind eye) وحرفياً هي عين الريح: الكوة التي ننفذ بنظرنا منها إلى حيث الريح.
النافذة هندسياً وأنواعها عربياً
يرى معماريون عالميون كثر أن النافذة أهم عنصر معماري في المبنى، وأول ما يترك انطباعاً في نفس زواره. وللنوافذ دور أساسي وضروري للتمكن من السكن أو العمل داخل مكان مقفل لما تؤمنه من نور طبيعي وتهوئة. لذلك أصبحت النوافذ والفتحات أحد أهم العناصر المعمارية خلال مرحلة التصميم، وتنوّعت تشكيلاتها.
إن تطوّر النوافذ في البلدان الأوروبية الواقعة شمال جبال الألب وحيث تجري الحياة اليومية في الداخل وليس في الخارج أدى إلى استحداث أشكال متميزة منها، ومنح الإنارة دوراً رئيساً، على عكس بلدان حوض المتوسط، حيث المناخ المعتدل والشمس الساطعة، وحيث الحياة تجري في الخارج.
رسم بيكاسو نوافذ تحمل الضوء باتجاه داخل رمادي، وفي لوحته الخالدة غورنيكا: تقدِّم لنا امرأة تبدو كأنها تطير داخلة من هذه النافذة حاملة فانوساً مناقضاً للضوء القوي في أعلى اللوحة، الذي يشبه اللمبة أو انفجار قنبلة، فتبدو وكأنها تقدم أملاً لهذا العالم: إنها نافذة نحو السماء.
النوافذ الأكثر انتشاراً في المنازل العربية معروفة بالنوافذ الأفقية. توضع في بعض الأحيان في الجدار لتوفير إنارة أفضل للأماكن الفسيحة ذات السقف العالي. وكان المعماري السويسري الشهير لوكوربوزييه من أشهر الدعاة إلى هذا الشكل من النوافذ، وكان سبب ظهورها في القرن التاسع عشر الحاجة إلى إنارة أفضل من أجل العمال في المصانع الإنجليزية. ومرة أخرى كان التطوّر الطبيعي هنا هو امتداد النافذة على طول الواجهة من الأعلى إلى الأسفل، وكانت التقنيات الإنشائية الحديثة هي التي ساعدت على ظهور هذا النوع من النوافذ، ووصل الأمر إلى التفاف النوافذ حول زوايا المباني عندما سمحت تقنيات الإنشاء بذلك. وأصبح هذا النظام من النوافذ عالمياً بعد استخدامه كنظام قياسي لأبنية المكاتب.
وهناك النوافذ الشاقولية التي تشبه إلى حدٍّ كبير النوافذ الأفقية إلا أنها تختلف عنها بنسبة الطول إلى العرض. ظهرت هذه النوافذ في القرن الرابع عشر إلا أنها لم تلقَ رواجاً حقيقياً حتى القرن الثامن عشر عندما أصبحت النافذة الرئيسة في العمارة القوقازية الجورجية. المعماري العربي في البلاد الحارة واجه مشكلات التهوية والإضاءة والإطلال على الخارج، واستقبال أشعة الشمس. وعجزت النافذة وحدها عن حل هذه المشكلات. فكانت المشربية حلاً موفقاً للتغلّب على مشكلات التهوية والإطلال على الخارج، وتخفيف حدة الضوء وحجب أشعة الشمس. فهى تملأ فتحة النافذة بمخمل من الخشب الدقيق في شكل برامق مستديرة المقاطع تعمل على توزيع الضوء والظل على بدن البرمق في تدرج لطيف. ويرى الناظر المشهد المقابل من خلال لوحة زخرفية كاملة.
النافذة المحرَّمة… النافذة المتنفّس
والنافذة من منفذ أيضاً، وقد تكون مصدر خطر أحياناً. علاقة حميمة تلك التي تربط اللصّ بالنافذة، فهو يستخدم النافذة معبراً لفعله المحرّم أو المتعدي على قواعد العقد الاجتماعي، فلربما يمكنه الدخول من الباب ليسرق، لكن النافذة تكمل المشهد-العملية، في الحقيقة وفي الأفلام وفي الروايات المكتوبة أو الأمثلة الشعبية المتناقلة على الألسن، إنها المدخل المُحرّم. وهي المخرج أيضاً للص، أو لغيره، فيقال دائماً “طرد من الباب فدخل من النافذة”، لدلالة على الأشخاص الذين لا يمكن التخلّص منهم، أو الذين يتلاعبون بما يعدون به أو يُطلب منهم. والنافذة مطلب لكثيرين، تنتشلهم من حدود الضيق أو العزلة أو الوحدة أو الشعور بالاختناق أو الضيق. هي متنفس للمرأة في الأغاني والأفلام والروايات. المرأة التي تجلس إلى النافذة تراقب ما يدور خارج بيتها، أو تنتظر قادماً من بعيد، خبراً أو بشارة أو زوجاً أرسل إلى حرب في بلاد بعيدة. وهي متنفس السجين في الزنزانة، ومع أن نافذة الزنزانة صغيرة ومحصّنة بالقضبان ومرتفعة، إلا أنها فتحة السجين على العالم الخارجي، بل وقد تكون سبيله إلى الهرب، فكم من قصة معروفة عن هرب سجناء من نوافذ زنزاناتهم طلباً للحرية في عالم الخارج المفتوح، وهرباً من الجدران الأربعة عدوة النوافذ، وحاملتها في آن.
هي متنفس لأنك تريد أن تجلس بقرب النافذة في الطائرة أو القطار. فكم مرة طلبت من الجالس في مقعدك أن يبدّل المقاعد وتريه تذكرتك لتؤكد له أن مكانك قرب النافذة، وكم مرة استشطت غضباً لأن مقعدك في الوسط أو على الطرف وليس قرب النافذة؟
المشربية، الشعرية، الشمسية، القمرية، الشباك
يمكن القول إن المشربية عبارة عن نافذة توفّق بين الحاجة البنائية البيئية البحتة وحاجات العائلة المسلمة وحرمة البيت وخصوصية ساكنيه. ورغم جمالية المشربية المعمارية، لم تجد لها مكاناً في العمارة الغربية. وغيابها يعود إلى فقدان الحاجة الوظيفية وإلى اختلاف تركيبة النسيج الاجتماعي.
كانت المشربية تزود بمصراعين خشبيين أصمين ينفتحان إلى الخارج، وبآخرين زجاجيين ينفتحان إلى الداخل، يفصل بينهما عمق يتجاوز الأربعين سنتيمتراً أحياناً، وقد يتوسط هذه المساحة شباك نصفي من حديد أو خشب مع شعرية كاملة ثابتة أو نصفية متحركة، صعوداً وهبوطاً. وسمح عمق النافــذة باستقبــال أوعية الماء الفخارية، بل وحتى جلوس الأولاد الصغار وأرجلهم تتدلَّى إلى الخارج متمسكين بأمانٍ بقضبان الشباك.
إن المساحة التي تغطيها المشربية تفوق مساحة النافذة العادية، تعويضاً عن تضاؤل الإضاءة والتهوية معاً. وتتيح الفراغات بين برامق المشربيات – شأنها شأن شفافية لوحات الزجاج المعشّق الملّون- أن يتسلل الضوء عبرها فيذيب وحشة الداخل بألفة الخارج ووهجه. وتُعد المشربية واحدة من ثلاثة عناصر تتميَّز بها العمارة الإسلامية في أي بلد، إضافة إلى المقرنصات التي يعدها المستشرق الألماني ارنست كونل «من المعجزات المعمارية التي تنفرد بها العمارة الإسلامية»، والفقرات الحجرية الملوّنة المزرّرة التي شبهها المهندس المعماري الدكتور فريد شافعي بـ”ألغاز صعبة الحل”.
الجدار بلا نافذة، صامت ومغلق، وفاقد للمسافة والوقت، إنه تصميم هندسي ذو بُعد واحد. أما النافذة في الجدار فتمنحه بعده الثلاثي.
أما الشـَّعْرِيَة فهي ليست نافذة، بل جزء منها. تـُصنع من قضبان خشبيّة دقيقة وطويلة، مقطعها نصف دائريّ، تتشابك بشكل مائل، وتأخذ الفتحات بين القضبان المتشابكة شكل معيّـنات صغيرة، فنحصل على ستارة مفرّغة كالتي تصنع من الخشب المخروط مع فارق شاسع بالجمال والتكاليف. دور الشعريّة هو كدور المشربية البارزة: يحجب الرّؤية من الخارج إلى الداخل ويسمح بها عكس ذلك، وتـُصفـّي مثلها الضوء والهواء، وتأخذ غالباً شكلاً مربعاً أو مستطيلاً، أو حتى دائرياً في القمريات، وتغطي كامل النافذة أو الجزء الأسفل، وتـُثبّت بين المصاريع الخارجيّة والدّاخليّة محصورة بسكتين عاموديتين لرفعها والإطلالة من النافذة، كما أنها تحل محل الحاجز الحديدي.
والشمسية هي عبارة عن ألواح حجرية أو رخامية أو جصيّة مخرمة بأشكال هندسية أو توريقية أو كتابية مفرغة أو منَزَّلة بالزجاج الملوّن. وفي قصر بيت الدين في جبل لبنان مشربيات بارزة وبديعة جمعت بين المشربية والشمسية. كما أن ابن جبير (539-614 هـ- 1144-1217م.) سجل دهشته عندما رأى انعكاس أشعة الشمس على جدران المسجد الأموي في دمشق تتسلل من خلال الزجاج الملون لشمسيّاته الرائعة، معترفاً بعجز القلم عن وصف ذلك المشهد الساحر.
أما القمريّة فهي كوة صغيرة في أعلى الجدار يدخل منها النور إلى البيت، ولعلها سميت بالقمرية قياساً على الشمسية لأن النور الذي يدخل منها خافت كنور القمر. ويبدو أن العمارة الإسلاميّة الأولى لم تـُزوّد بنوافذ خارجية، وأولى النوافذ كانت مرتفعة كالقمريات.
والشُّبـّـاك هو النافذة المزودة بحواجز مشبّكة من خشب أو معدن، بفتحات واسعة على شكل مربعات أو معينات لا تحجب الرّؤية، إنما تمنع الولوج من خلالها في الطبقات الأرضيّة. لم تـُستعمل الشبابيك في الأبنية التقليدية الأولى بل زُوِّدت بها المساجد والقصور والأبنية العامّة. وإذا ما استعملت في الدور كان لا بدّ من وضع الشعريات خلفها. كان إنشاء البيوت العربية القديمة بنموذجها المعروف في العصر العباسي، ثم أصبح أندلسياً، ثم لاحقاً نقله المعماريون إلى العثمانيين، كما البيت الدمشقي والعراقي والمصري والحجازي والتونسي. وهذه البيوت تدير نوافذها نحو أفنية داخلية، تاركة للشارع حائطاً شبه مصمت، باستثناء ربما بعض نوافذ من الطابق الثاني وأغلبها مغطى بالمشربية.
تفتح النوافذ العربية نحو الداخل لأسباب أولها الحشمة والحفاظ على حرمة البيوت ونسائها. وتطل نوافذ البيوت على ليوانها وصحن الدار والزخرفة والنباتات والنور ونافورة الماء، أما الشارع فمتروك لرجالاته وأعماله وتجارته وحروبه كذلك، باستثناء بعض النوافذ القليلـة في الطابــق الثاني أو غرفــة المجلس في السلاملك، حيث يجتمع الرجال.
النافذة المحرَّمة… النافذة المتنفّس
والنافذة من منفذ أيضاً، وقد تكون مصدر خطر أحياناً. علاقة حميمة تلك التي تربط اللصّ بالنافذة، فهو يستخدم النافذة معبراً لفعله المحرّم أو المتعدي على قواعد العقد الاجتماعي، فلربما يمكنه الدخول من الباب ليسرق، لكن النافذة تكمل المشهد-العملية، في الحقيقة وفي الأفلام وفي الروايات المكتوبة أو الأمثلة الشعبية المتناقلة على الألسن، إنها المدخل المُحرّم. وهي المخرج أيضاً للص، أو لغيره، فيقال دائماً “طرد من الباب فدخل من النافذة”، لدلالة على الأشخاص الذين لا يمكن التخلّص منهم، أو الذين يتلاعبون بما يعدون به أو يُطلب منهم. والنافذة مطلب لكثيرين، تنتشلهم من حدود الضيق أو العزلة أو الوحدة أو الشعور بالاختناق أو الضيق. هي متنفس للمرأة في الأغاني والأفلام والروايات. المرأة التي تجلس إلى النافذة تراقب ما يدور خارج بيتها، أو تنتظر قادماً من بعيد، خبراً أو بشارة أو زوجاً أرسل إلى حرب في بلاد بعيدة. وهي متنفس السجين في الزنزانة، ومع أن نافذة الزنزانة صغيرة ومحصّنة بالقضبان ومرتفعة، إلا أنها فتحة السجين على العالم الخارجي، بل وقد تكون سبيله إلى الهرب، فكم من قصة معروفة عن هرب سجناء من نوافذ زنزاناتهم طلباً للحرية في عالم الخارج المفتوح، وهرباً من الجدران الأربعة عدوة النوافذ، وحاملتها في آن.
هي متنفس لأنك تريد أن تجلس بقرب النافذة في الطائرة أو القطار. فكم مرة طلبت من الجالس في مقعدك أن يبدّل المقاعد وتريه تذكرتك لتؤكد له أن مكانك قرب النافذة، وكم مرة استشطت غضباً لأن مقعدك في الوسط أو على الطرف وليس قرب النافذة؟
النافذة في فن الرسم
كانت رسوم سكان الكهوف البدائيين بمنزلة نوافذ من الداخل تحكي عن حياة الخارج. لكن العلماء والمفسرين يخبروننا أن بعض الرسومات كانت لا تجسد فقط أحداثاً حصلت فعلاً، بل تسجل بعضاً من أحلام أو هواجس الرسام. ومن هنا نقفز إلى اللوحات التشكيلية المربعة على صدر الحائط التي كانت – كما المرآة – نوافذ نحو أماكن زمانية ومكانية وذهنية أخرى. وداخل هذه اللوحات رسمت الكثير من اللوحات. تقول كتب تاريخ الفن إن رسم النوافذ ظهر أولاً في القرن الخامس عشر عندما راح الفنانون يرسمون صوراً شخصية أو مواضيع دينية داخل غرف. فقد سمحت إضافة النافذة يإضفاء شيء من الواقعية على المكان، كما سمحت بإضافة رموز مكملة لموضوع اللوحة.
رسم فنانو المدرسة الهولندية وغيرهم في أوروبا الشمالية النافذة، حيث الضوء النهاري يبقى ضعيفاً طوال الشتاء، وما يتسلل منه عبر النافذة يصبح بالغ الأهمية.
وإلى ذلك، فإن توق الفنانين آنذاك إلى تمثيل الواقع ثلاثي الأبعاد على سطح ثنائي الأبعاد تحقق في حيز كبير منه بوجود النوافذ ضمن رؤية المنظور. فالرسام ليون باتيستا البرتي وضع الشخوص المتخيلة ضمن منظور شعاعي، وبين كثير من النوافذ والأبواب، وشكَّلت لوحاته ثورة بالمشاهدة، وأضحت النوافذ في الرسوم مجالاً لدراسات عميقة في “النظريات البصرية” من قِبل الرسامين أنفسهم كما فعل دييغو فيلاسكيز في لوحته “الأميرات” وكذلك في لوحات بياتر دي هوك ويان فيرمير. اشتهر فيرمير برسم النساء والفتيات وهن يؤدين أعمالاً بسيطة أمام المرآة أو أمام النافذة مثل قراءة رسالة أو إمساك إبريق. وكان غالباً ما يجعل الشخصيات في لوحاته تقف أو تجلس بالقرب من نافذة ليؤمن لها الإضاءة اللازمة التي تحقق للوحته تضاداً بين ظل الداخل وضوء الخارج الطبيعي. وغالباً ما يُسْفِر مفهوم فيرمير لاستخدام الضوء الخافت القادم من النافذة عن خطوط أساسية ضبابية، ويجعل الضوء يتسلل وينسـاب إلى تلك الشخصيــات كنور أكسبها سكينة وتمعناً، من أبرز رسومه شابة تحمل إبريقاً من الماء، واللوحة الشهيرة “بائعة الحليب”.
حضور النافذة كشكل وصورة في عديد من لوحات فيرمير كان يجعلها مصدراً مباشراً للضوء، وقيمة تشكيلية تسهم في بناء تكوين اللوحة. الأمر نفسه ينطبق على كثيرين من فناني المدرسة الهولندية وغيرهم في أوروبا الشمالية، حيث الضوء النهاري يبقى ضعيفاً طوال الشتاء، وبالتالي فإن ما يتسلَّل منه عبر النافذة يصبح بالغ الأهمية والقيمة البصرية. إلا أن هناك كثيراً من النوافذ المفقودة في لوحات بعض الفنانين، حيث تظهر آثار النافذة المتمثلة بحضور الضوء القادم منها وغيابها عن اللوحة، كما في لوحات الإيطالي كارافاجيو، والهولندي ورامبرانت الذي يبدو الضوء في لوحاته وكأنه آت من شموع ومشاعل.
علاقة حميمة تلك التي تربط اللصّ بالنافذة، فهو يستخدم النافذة معبراً لفعله المحرّم أو المتعدي على قواعد العقد الاجتماعي.
وفي الفن الحديث، تُعد لوحة “شخص عند النافذة” لـسلفادور دالي من اللوحات المغايرة لأعماله الأخرى. ففي هذه اللوحة يصوِّر دالي أخته في لحظة تأمل وحنين للشاطىء الذي كانوا يذهبون إليه لقضاء الصيف، وكذلك المكان الذي يحبه الشاعر لوركا صديق دالي الشاب. اللوحة ببساطتها تعتمد اعتماداً كلياً على طبيعة الألوان، فهي تتيح لأي متأمل فيها أن يسرح بالنظر من خلال النافذة مثلما تفعل الفتاة الواقفة أمامها. ورسم دالي كثيراً من النوافذ المختبئة والظاهرة، حيث المناظر المتعاقبة المتحركة الثلاثية الأبعاد في لوحاته ما هي إلا نوافذ: نافذة تفضي إلى نافذة تفضي إلى أخرى أعمق.
وكذا فعل بيكاسو بنوافذ لوحاته. رسم بيكاسو نوافذ تحمل الضوء باتجاه داخل رمادي، وفي لوحته الخالدة “غورنيكا” تظهر امرأة وكأنها تطير داخلة من هذه النافذة حاملة فانوساً مناقضاً للضوء القوي في أعلى اللوحة، الذي يشبـه المصباح الكهربائي أو انفجار قنبلة، فتبدو وكأنها تقدم أملاً لهذا العالم: إنها نافذة نحو السماء.
المعماري العربي في البلاد الحارة واجه مشكلات التهوئة والإضاءة والإطلال على الخارج، واستقبال أشعة الشمس، وعجزت النافذة وحدها عن حل هذه المشكلات فكانت المشربية حلاً موفَّقاً.
ورسم شاغال بدوره النافذة بأسلوب تعبيري مبسّط في لوحته “باريس من خلال النافذة”. أما ماغريت فقد رسم لوحات كثيرة كان موضوعها النافذة، بأسلوب سريالي مزج فيه صورة النافذة الواقعية مع صورة اللوحة التي بدت جزءاً مقتطعاً ومطابقاً للمشهد الظاهر من النافذة.
ثم أتى ماتيس وعبّر عن هوسه برسم النوافذ المفتوحة والأبواب المليئة والضاجة بالألوان والرموز. ففي واحدة من لوحاته “الستارة المصرية” التي تمثل مشهداً داخلياً بالأحمر والأسود، وأمام صحن من الرمان نافذة مغلقة بستارة مصرية تمثل سماءً مغطاة بالنخيل، دلالات ذكورية تقابلها أخرى أنثوية، رموز تكمل رموزاً أخرى تتضاد معها.
رسم فان غوخ “سماء مرصعة بالنجوم” من نافذة غرفته في المصح العقلي قبل ثلاثة عشر شهراً من وفاته. ورغم القضبان التي تقطع مناظر الخارج المليئة بالضوء الأبيض، والمغلقة على غرفته، تتجلى دلائل الغربة بينه وبين العالم.
النافذة الحلم
للنافذة دلالات إنسانية تبرز في الأحلام. والأحلام نوافذ نطل منها على اللاوعي كما يقول فرويد. أما عن النوافذ في الأحلام فتقول التفاسير المختلفة:
إن رأيت في الحلم أنك تطل من نافذة فهذا إشعار لك بورود أخبار من بعيد. وإذا كان في النافذة منظر فيه وحشة أو كآبة أو ظلمة، فذلك يدل على خبر سيئ. وإن كان المنظر بهيجاً والشمس ساطعة أو تطلّ على نجوم متلألئة أو حقول فسيحة وأشجاراً خضراء فالأخبار ستكون جيدة.
ولأن البيت والداخل والمغلق ربما دل على الأمان، فالجالس على النافذة سيصاب في يقظته بمصيبة جمة أو سيصبح ضحية أمر ما. والنافذة المكسورة تعني الفشل. والسقوط من النافذة يعني تدهور المعيشة والوقوع في الزلات والمخاطر. والنافذة التي يدخل منها النور في الحلم، هي انفراج الحال. والهرب من النافذة في المنام هو تراكم مصائب ومنغصات في الصحو. والنافذة المطلة على البحر تعني السفر، والمطلة على الصحراء تعني الغربة، والمطلة على المشفى تعني المرض، والمطلة على المقابر تعني الموت.
النوافذ في الأدب
الرواية
ذواتهم الداخلية وأحلامهم، كما مع العالم الخارجي. فوضع الكتّاب أبطالهم أمام نوافذ كثيرة. ومثالاً على ذلك رائعة إيميلي برونتي “مرتفعات ويذرينغ”، حيث كثير من النوافذ، وكثير من الأبواب والمفاتيح كرموز للتحكم أو الوصول أو السجن أو الجنون. لكن النوافذ كانت الأبهى. فكانت حواجز بين الشخصيات، واستخدمت لإظهار الفروق الاجتماعية، مثلاً عندما تنظر كاثرين من الخارج عبر نوافذ المنزل إلى المنزل الارستقراطي وترى أجزاءً من الحياة المخملية للأسرة الارستقراطية والحياة التي تحلم بها، تؤكد النافذة الفرق الطبقي بين حياة كاثرين الآن والحياة كما تحلم بها.
و”النافذة السرية” فيلم من كتابة وإخراج ديفيد كوب وبطولة جوني ديب، مقتبس عن رواية لستيفين كينغ بعنوان “نافذة سرية، حديقة سرية”. إنها النافذة التي تعكس لنا تطور شخصية البطل الفصامي مورت كاتب الروايات، وكيف تتمكن منها تدريجاً شخصيته الأخرى شوتر (الصياد). ففي البداية نرى المنظر من النافذة كما يراه البطل الكاتب، ثم تدريجاً نرى المنظر نفسه كما تراه عينا الشخصية الأخرى “شوتر”. فيقول البطل:
“إنها لنافذة صعبة جداً، لكني رغم هذا حشرت نفسي ونظـرت من خلالها، إنها تطل على حديقة صغيرة …أنظر فيها كل يوم، أما اليــوم فالتمثال جديد عليَّ”.
مشيراً إلى تمثال وجد فجأة ويشبه التماثيل التي تزين المقابر في أوروبا، للدلالة على استحواذ شخصيته الأخرى على جسده والتحكم بحواسه وعقله.
كذلك استخدم دان براون كثيراً من النوافذ ليطل منها القارئ على مشاعر البروفسور روبرت لانغدون واضطراباته ومخاوفه، وربما بعضاً من لحظاته التي يجابه فيها خوفه. فهو أستاذ في علم الرموز أولاً وأخيراً وليس بالرجل الخارق.
في كتابها “من النافذة” كتبت كارمن مارتين كايتي بحثها حول أدوار النافذة عبر العصور اجتماعياً وثقافياً، وفيه تقول: “نجد في كتاب دون كيخوتة لثرفانتس حكاية ترويها “الدوروتيا” عن حياتها الخاصة تقول فيه: بهذه الحال أمضيت حياتي في محبس لا يراني فيه أحد غير خدم البيت… كنت محتجبة إلى حدٍّ أن عينيّ لم تكن تلمحان من الأرض إلا الموضع الذي أضع فيه رجلي”. كانت النافذة تُعد أمراً لا مناص منه وأمراً خطيراً باعثاً على العصيان. لقد كان من المسلَّم به أن المرأة لا تطل من النافذة إلا بدافع الخطيئة استجابة إلى رغبة أحد المغرمين الذي يشتعل قلبه شوقاً كلما رآها ولمحها من الخارج. وهذه، بالذات، هي الطريقة المألوفة التي يتخذها الرجال خطة للإغواء من الخارج، معتمدين فقط على طيف واهٍ لصورة امرأة ومحتقرين آليتها الداخلية. فتأويل التصرف الأنثوي كان ينبني على قواعد ضيقة تفترض أن المرأة لا تطل من النافذة إلا بدافع إظهار زينتها لإبهار رجل ما. فلقد كان يستبعد بأنها فعلت ذلك بغية استنشاق قليل من الهواء ومعاينة ما يقع بالخارج… وبعبارة أخرى لم يخطر على بال أحد أن ما يتوق إلى النافذة ليس جسدها وإنما روحها”.
شباك التذاكر
هو أساساً المكان الذي تُباع فيه تذاكر المسارح ودور السينما للجمهور. وحتى الربع الأخير من القرن العشرين، كان بيع التذاكر يتم في محل صغير يقع عند مدخل المسرح، مزوَّد بشباك صغير تتم من خلاله عملية البيع. ويذكر الذين عرفوا شباك التذاكر التقليدي هذا، أنه كان محمياً بقضبان حديدية لا تسمح بمرور أكثر من اليد للدفع وتسلّم التذكرة. ويعود تعزيز شباك التذاكر بهذا الشكل إلى أمريكا في ثلاثينيات القرن الماضي، لحماية الغلال من السطو المسلح الذي كثر في تلك الفترة خاصة في مدينة شيكاغو. وعلى الرغم من أن منافذ بيع التذاكر للعرض الواحد تعدَّدت لاحقاً لتشمل المكتبات والمراكز التجارية، ومن ثم الإنترنت، فإن هذه المنافذ ظلت تجمع تحت اسم شباك التذاكر. والاسم صار بدوره معياراً لقياس النجاح التجاري الذي يلقاه عرض سينمائي أو مسرحي معيَّن والإقبال الجماهيري الذي حظي به.
النافذة في الشعر العربي الحديث
الحالِم
اترك بقية منامك نائماً على نافذة مفتوحة
ليلحق بك حين تصحو عند الفجر الأزرق
الحلم هو الذي يجد الحالمين
وما على الحالم إلا أن يتذكر
محمود درويش
العقدة الخضراء
إن لحت قبل الشمس في بابنا
توقفي .. ولو للم الإزار
لكل قرميدٍ لدينا يدٌ
وكل شباكٍ لدينا انتظار..
نزار قباني
شباك وفيقة
العالم يفتح شبّاكه
من ذاك الشباك الأزرق
يتوحد يجعل أشواكه
أزهاراً في دعة تعبق
**
شباك مثلك في لبنان
شباك مثلك في الهند
و فتاة تحلم في اليابان
كوفيقة تحلم في اللّحد
بالبرق الأخضر و الرعد
**
شباك وفيقة في القرية
نشوان يطل على الساحة
كجليل تحلم بالمشية
و يسوع
و يحرق ألواحه
بدر شاكر السياب
خلف النافذة
أقف خلف النافذة
أمسك القضبان الباردة
والمطر يهطل
يهطل المطر
حتى خلف الأسوار
ينهمر المطر
حتى وراء القضبان
يهطل المطر
يوم ممطر
يوم قمطرير
جو رصاصي
صباح حالك
غاب فيه الضحك
أقف خلف النافذة
أمسك القضبان الباردة
في يوم ممط
يوم قمطري
نزيل عند آكل البشر
أنتظر البشرى
إدريس ولد القابلة
النافذة غير الباب!
من نص كتبه الأستاذ سمير عطا الله في صحيفة “الشرق الأوسط”
هل تغلق النافذة على البحر لترد صوت الموج؟ هل تغلق النافذة على الجبل لكي تمنع النسيم؟ هل تغلق النافذة لكي تحد أشعة الشمس؟ هل تغلق النافذة لكيلا تسمع صوت الريح؟ هل تغلق النافذة لكيلا تسمع مخيلات ملاعب الأطفال؟ هل تغلق النافذة لكيلا ترى مواكب الجمال؟ هل تغلق النافذة لكي تقطع صلتك بالبسطاء؟ هل تغلق النافذة لكيلا تسمع أنغام الأعمى الذي يغني تحتها داعياً للمحسنين بالنور والسعادة؟ هل تغلق النافذة لتقيم جداراً بينك وبين أهل الحارة؟ هل تغلق النافذة لكيلا تسمع آخر الأخبار من بائع الصحف؟ هل تغلق النافذة لكيلا يلقي عليك جارك العائد تحية المساء؟ هل تغلق النافذة لكي تمنع عطر جارتك من اختراق المسام المتجمدة فيك؟ هل تغلق النافذة ليفوتك مرور بائع الزهور؟ هل تغلق النافذة لكيلا ترى محبي الجمال خارجين للتأكد من ألوان الغروب؟ لماذا هذه العادة العفوية، كلما عدت إلى المنزل: فوراً تذهب وتغلق النافذة. على ماذا تخاف؟ ماذا بقي لك من خصوصية؟ من أنت من دون عالمك هذا الذي هو خارج النافذة؟ متى تتعلم أن النافذة غير الباب، الباب وجد ليغلق والنافذة وجدت لتفتح. إنها مطل يا ساذج وليست ثقباً في الجدار، وأجدادك كانوا يسمونها “المنور” لأنه لا يأتي منها سوى النور. بعكس الباب. الباب يأتي منه كل شيء وجميع الناس وجميع الطباع. كم مرة في حياتك شعرت بالندم لأنك فتحت بابك أمام رداءة لا تزول رائحتها إلى الأبد؟ أمام جهيض يحمل بطاقة رجل؟ (…) لماذا تسارع إلى إغلاق النافذة كلما عدت إلى المكان؟ لماذا تحاول أن ترد عنك عالمك كمن يُخرج الأرنب من القبعة. عبثاً ترد هذا الشباك الأخضر العتيق. رائحة الياسمين سوف تدخل خلفك لتداعب ذاكرتك، وصوت دعاء الأعمى على لحن الحزن، سوف يظل قاطناً في مسامعك، يذكرك أن العالم أجمل وهو مضاء ومنير. وسوف تظل تسمع وقع أقدام المارة ذاهبين إلى عالمهم في النهار عائدين إلى دنياهم في المساء. رجاء، لا تغلقها. أريد أن ألقي عليك التحية. صباح الخير أيها الرجل. الصبر جميل.
في السينما والمسرح
استخدمت النوافذ في السينما لتصوير الداخل من الخارج أو العكس: حسب الحالة التي يحرص المخرج على وضع المتفرج فيها، نوافذ بستائر رقيقة بأزهار خلفها، أو ستائر سميكة، نوافذ جميلة ومشرقة وأخرى مكسورة، تطل على نور أو تنبئ بخراب.
في فيلم “هالوين” كان المخرج جو كاربنتر حريصاً جداً على توضيح أين الداخل وأين الخارج والحدود بينهما. فاستخدم الأبواب كذلك، لكن النوافذ استخدمها بذكاء لشحن الناظر بانفعالات الخطر، إذ يمكن لأي نافذة مفتوحة على الخارج أن تكون دعوة لمجنون لاقتحام أمان المنزل وطعن أهل الدار.
تفتح النوافذ في العمارة الإسلامية نحو الداخل لأسباب أولها الحشمة والحفاظ على حرمة البيوت ونسائها، أما الشارع فمتروك لرجالاته وأعماله وتجارته وحروبه كذلك.
وتدرّس جامعة “UIC” في برشلونة تأثير العمارة في السينما، وفي هذا الإطار تتناول أعمال المبدع الفريد هيتشكوك وتحلل تأثير الفراغ بالتشويق. فالفراغ المشحون بالانفعالات يقدِّم محتوى نفسياً مثالياً لعناصر الحركة في الفيلم التشويقي. “فالشبه كبير ويصل إلى حدّ التطابق بين فن العمارة والسينما بتوليد المشاعر العنيفة والمختلطة في ذهن المشاهد دون اللجوء إلى الحركة أو الكلام: إنها سينمائية الفراغ” تقول الدراسة.
وأكثر ما يفتح الفراغ على فراغات أخرى هي النوافذ كما اتفقنا. والنوافذ عند هيتشكوك مغلقة، وكما هي الكوابيس والأحلام المقلقة تفتح دائماً على مشاهد الخوف والخراب، والستائر محاولة لإخفاء الموت أو التستر على سرّ، أو التلصّص. النافذة نفسها كوة للتلصّص كما في فيلم: “Psycho” فالمشهد الذي يقوم فيه نورمان بيتس بالتلصّص على ماريو كرين لا يزال عالقاً في عقول وأذهان المشاهدين. كذلك الرمزية واضحة في فيلمه “النافذة الخلفية” للأشياء والحياة اليومية التي يمكن أن نتابعها في الخارج وأن تتابعنا هذه الحياة الخارجية بدورها.
للثقب الصغير في أسفل نافذة الطائرة ميزة مهمة تتعلَّق بالسلامة. وهو يدعى “breather hole”، ويستخدم لتعديل الضغط الذي يمرّ بين أجزاء النافذة الداخلية والخارجية، ويقي الزجاج الداخلي من التضرر، ويمنع تكثّف الضباب على النافذة.
أما المسرح: أبو الفنون، فلم يكن نافذة فقط للترفيه، بل كذلك نافذة على حياة موازية تنتصر فيها الحكمة والعبر التي تأمر بها المثيولوجيا الشعوب الخاضعة لها. لكن النافذة داخل المسرح، كما كل الفنون الأخرى لها بُعد آخر. فبينما المسرح الإغريقي عن وحدة الزمان والحدث والمكان، وخرج المسرح بعد ذلك من نظرية الوحدات هذه وتطور. فبات المسرح صندوقاً مفتوحاً على الجمهور. ووفَّر استخدام النافذة حلاً لكثير من إشكالات المكان.
ففي مسرحية توفيق الحكيم الرائعة، “بجماليون” تكون النافذة محركاً لكثير من اللحظات الدرامية. وفي المسرح العبثي، حيث ازدادت رمزية العناصر مع سقوط اللغة كأداة تواصل بين الشخوص، كما الحال في مسرحية “نهاية اللعبة” لصامويل بيكيت، تحضر النافذة كأداة ربط بين تهشم الداخل ويباب الخارج وعدمه.
برنامج التشغيل “ويندوز”
على شاشة الكمبيوتر نافذة تنفتح على عوالم لا حصر ولا حدود لها، طورتها شركة “مايكروسوفت ” عام 1985 واستحوذت على سوق الكمبيوترات الشخصية. وقد سمَّت الشركة برنامجها هذا لتشغيل الكمبيوتر “النافذة” أو “ويندوز”، لأن أي برنامج أو ملف أو مستند يتم فتحه على هذا النظام يظهر على شكل مربع.
عند الضغط على زر اليسار في “الماوس” مرتين متتاليتين تظهر نافذة تتكشف عما في داخل الأيقونة. وتستطيع أن تفتح أيقونة أخرى داخل هذه النافذة لتفتح نافذة أخرى تظهر محتويات الأيقونة الداخلية. وهكذا تنفتح الشاشة على شاشات أخرى كل منها نافذة. ويمكن أن تعود خطوة بعد أخرى، بأن تغلق النوافذ الواحدة تلو الأخرى، بدءاً من أحدثها.
وما جعل من نظام Windows الأشهر والأوسع انتشاراً عالمياً، سهولة استخدامه والبعد عن التعقيد، وتوفّره بعدة لغات بما فيها اللغة العربية.
نافذة چوهارى
هى تقنية تُستخدم لمساعدة الناس على فهم علاقتهم بأنفسهم وبالآخرين بصورة أفضل، اخترعها عالما النفس «جوزيف لوفت» (-1916 2014) و«هارينجتون انجهام» (1916-1995) عام 1955. تُستخدم نافذة چوهارى بشكل أساسي في إطار الشركات ومجموعات المساعدة الذاتية كتدريب إرشادي. وقد أطلق لوفت وانجهام على اختراعهما اسم «چوهاري» بعد أن قاما بدمج اسميهما.
نظرية النوافذ المحطمة
نظرية “النوافذ المحطمة” هي نظرية في علم الجريمة تهدف إلى دراسة تأثير الفوضى و التخريب على المناطق الحضرية المتمثلة بالجرائم والسلوكيات المعادية للمجتمع. ونظرية النوافذ المحطمة هي نتاج فكر المُنظرَين في علم الجريمة: جيمس ويلسون و جورج كيلنج. النظرية بسيطة للغاية، وتقول إن الكبائر تبدأ بالصغائر، أو إن عظيم النار من مستصغَر الشرر، أو صغائر الأمور بدايات عظائمها. يرى المنظِّران أن الجريمة هي نتاج الفوضى وعدم الالتزام بالنظام في المجتمعات البشرية. فإذا حطم أحدهم نافذة زجاجية في الطريق العام، وتُركت هذه النافذة دون تصليح، فسيبدأ المارة في الظن بأن لا أحد يهتم لذلك. وبالتالي، لا يوجد أحد يتولى زمام الأمور. ومنه ستبدأ نوافذ أخرى تتحطم على ذات المنوال، وستبدأ الفوضى تعمّ البيت المقابل لهذا النافذة، ومنه إلى الشارع، ومنه إلى المجتمع كله. لا تقتصر النظرية على النوافذ المحطمة، بل تشمل أيضاً السيارات المهجورة، ومراتع القمامة، والأركان المظلمة من الحواري والطرقات. وقد تكون البداية من مشكلات بسيطة نسبياً مثل الفوضى العامة، لكنها في الواقع تمثل دعوات إلى مزيد من الجرائم الخطيرة. فكم من أمر بدأ كمشكلة بسيطة ثم تطوَّر في تعقيده بعدد من المراحل والدوائر ليصبح نقطة تحول لنوع من الجرائم الخطيرة المنظمة.