فيما يشبه استكمال الموضوع الذي طرحته في مؤتمرها العاشر تحت عنوان «ماذا بعد الربيع العربي؟»، خصصت مؤسسة الفكر العربي مؤتمرها الحادي عشر الذي عُقد مؤخراً في دبي لموضوع «المواطن والحكومات.. رؤية مستقبلية» بعد التغيرات الكثيرة التي طرأت على العلاقة ما بين هذين الطرفين بفعل تطورات عديدة، ليس أقلها تطوّر وسائل الاتصال.
رحاب أبو زيد كانت هناك لتنقل إلينا بعض أبرز ما دار في قاعة المؤتمر وأروقته.
الأبواب مفتوحة بين المواطن والمسؤول
«الفكرُ طائرٌ حر لا مقر له» بهذه العبارة أجابنا صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل في خطاب بخط اليد ويراع الحكمة وبقلم حبر أزرق كسماء الإبداع، تعقيباً على تساؤل طرحناه قبل أكثر من سنوات عشر عن آلية اختيار مقر مؤسسة الفكر العربي، عندما كانت الفكرة على طريق النور ولم تنفذ على أرض الواقع بعد. وكان رداً حكيماً.. شفافاً نافذ البصيرة كما تبيَّن لنا اليوم في مؤتمر فكر 11 حيث لم نشعر أثناء وجودنا بجلسات المؤتمر أننا في غير أوطاننا، إذ إن الفكر يجمعنا والسؤال يطرح أي اختلافات بيننا، والسرّ في الحكمة، فهل
لا تزال الحكمة تُقلق منام المفكرين أم أن الإجابات المعلبة هوت بالعقول إلى الاستراحة تحت ظل الخمول والتبلد؟
هل يجب أن يكون المواطن حكيماً في التعاطي مع حكومة دولته فيتفهم البواعث والظروف وراء تردٍ ما في الخدمات، خاصة بعد ما علمنا بحجم المطالبات بحكومات خدمية؟ أم يسعى إلى إيصال صوته واحتياجاته؟
استكمالاً للطروحات التي أطلقها مؤتمر فكر في دورته العاشرة، طرح المؤتمر الحادي عشر على بساط البحث تأثير تلك الأحداث الطاحنة الآن على نمط العلاقة بين المواطن والحكومة، وبحث فيما ينتظره المواطن من دولته، بشكل يجعل مستوى أداء الحكومات يقاس بمدى نجاحها في تقديم الخدمات.
بدأت العلاقة بين المواطن والحكومات ضمن منظومة السلطات الثلاث: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، ونظراً للتقدم التقني الهائل في عالم الاتصالات الذي غيّر التوازن والمعادلة التي تحكم تلك العلاقة، فإن السلطات الثلاث تستدعي في القرن الواحد والعشرين إعادة نظر وغربلة، ومن ثم فرز الممكن والملحّ عما عفا عليه الزمن.
فمن ناحية استطاعت التقنيات الحديثة أن تسهل الخدمات التي يمكن أن تقدِّمها الحكومات للمواطنين، وأن تقلّل من البيروقراطية الإدارية المفرطة. ومن ناحية أخرى، أتاحت هذه التقنية للمواطن استخدام صوته للتعبير عن مطالبه وحقوقه ومد جسور التواصل بينه وبين المسؤول الذي قد يفصله عنه ألف باب وباب. كما أن الثورة التي أحدثتها قنوات ما يُعرف اصطلاحاً باسم الإعلام الاجتماعي، جعلت من الصعب تجاهل هذه القنوات وألزمت الحكومات بالتعامل معها بشفافية باعتبارها صوت المواطن وعينه وأذنه.. فليس بمستغرب اليوم أن تجد حسابات لوزراء ومسؤولين على مواقع التواصل الاجتماعي، يسهمون من خلالها بالرد على أسئلة الجمهور واستفساراته.
توجه بعض المتحدثين إلى مناقشة الأشكال المختلفة للعلاقة بين المواطن والحكومة من خلال تجارب حكومية بارزة استطاعت أن تواجه تحديات تلك العلاقة وتجد حلولاً مرضية لإشكالياتها، وتمكنت من الخروج بآليّات جديدة لتقديم الخدمات الحكومية. وهكذا، جاء اختيار عنوان مؤتمر فكر 11 «المواطن والحكومات: رؤية مستقبلية» انعكاساً للواقع، وتصويراً للمخاض الذي يمر به العالم العربي.
الإنسان هو أساس أي عملية حضارية
وعلى الرغم مما ضجت به قاعة المؤتمر والقاعات الأخرى التي ضمت ورش العمل من نقاشات وأفكار وتساؤلات، كانت الجلسة الرئيسة الأولى في اليوم الأول نابضة بالحيوية والحماس وباعثة على الرغبة الحقيقية في التغيير لكل ما فيه خير الوطن والمواطنين. إذ جاءت بعنوان «تجربة الحكومة الإلكترونية في الإمارات العربية المتحدة» حيث تعدّ الحكومة الإلكترونية الإماراتية نموذجاً يحتذى به وتجربة فريدة على مستوى الوطن العربي، مع العلم بأنها الحكومة الإلكترونية الأولى في منطقة الشرق الأوسط.
عرض سالم خميس الشاعر السويدي، نائب مدير عام هيئة تنظيم الاتصالات لقطاع المعلومات والحكومة الإلكترونية بالإمارات، لدور الحكومة الإلكترونية في صياغة علاقة أفضل بين المواطن والحكومة في العالم العربي. كما ألمح إلى العناصر الأساسية التي من شأنها أن تحقق التفوق للحكومة الإلكترونية على البيروقراطية والترهل الإداري الذي يكاد ينخر في جسد الدوائر الحكومية، لسبب بسيط وهو أن الشفافية والرقابة والتوعية والتنافسية جميعها عناصر تتوافر للحكومة الإلكترونية التي من خلالها ستحكم العدالة سير العمل وبالتالي رضا العملاء. وكشف السويدي في عرضه تحديات الواقع العربي وما واجهه من معوّقات أزّمت العلاقة بين الحاكم والمحكوم مثل انسداد قنوات التواصل وانعدام الثقة، ثم تكالب الثورة المعلوماتية كتحدٍ آخر، والفساد بمظاهره المختلفة من الطوفان المعلوماتي والجرائم الإلكترونية إلى الشللية والمحسوبيات والبيروقراطية، مروراً بالتحديات الاجتماعية من البطالة والفقر والأميّة وصولاً إلى التحديات السياسية من اضطرابات أمنية واحتلال. ثم عرَّج على مرحلة التحول من الحكومة الإلكترونية إلى الحوكمة الإلكترونية من خلال شرح مفهوم المرحلة الأولى من الحكومة الإلكترونية عام 2002م والتي ركزت على توظيف الإنترنت والشبكة العنكبوتية من أجل توفير المعلومات والخدمات الحكومية للمواطنين. وفي عام 2012م، اتجهت التطلعات إلى وجوب إعادة التفكير في مصطلح الحكومة الإلكترونية والحوكمة الإلكترونية، والتركيز على بناء الترابط المؤسسي بين مختلف مؤسسات ومستويات الحكومة بهدف خلق التناغم اللازم لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة. خاصة في ظل ارتفاع القدرة على ارتباط الأجهزة المتصلة بعضها ببعض، والتطور في السعة التخزينية، وظهور الأجهزة الذكية.. وهنا تكوّن الإعلام الاجتماعي الذي منح قوة للأفراد وخوّل الهواة منهم المشاركة فيما كان محصوراً على المؤسسات والمحترفين. وأصبح المفهوم الجديد للحكومة الإلكترونية هو مفهوم الحكومة المفتوحة كمنصة مشتركة للعمل في علاقة تبادلية مع المواطن الذي هو أساس أي عملية حضارية.
وأشار السويدي إلى أن أربع ثورات ستسهم في تشكيل مستقبل الحكومات، وهي: 1 – ثورة المعلومات: الجيل الجديد من مواقع الإنترنت، 2 – الثورة الديموغرافية: جيل الإنترنت، 3 – الثورة الاجتماعية: شبكات التواصل الاجتماعي، 4 – ثورة الأعمال: قدرة الشركات على التواصل والإبداع. جدير بالذكر أن جمهورية كوريا ودولة الإمارات العربية المتحدة هما الدولتان الوحيدتان اللتان سجلتا نسبة %100 في الأخذ بآراء المواطنين في عملية صنع القرار، حيث إمكانية التواصل بين القادة والجمهور متوافرة بشكل مباشر، أفقي، علني ولحظي.
دور الإعلام الاجتماعي
من رحم الأسئلة.. تكوّنت البدايات
إننا نشهد اليوم انصراف الشعراء والأدباء الشباب عن المقاهي والنوادي الأدبية إلى الفيسبوك وتويتر ويوتيوب وغيرها من قنوات التبادل المعرفي، ونشاهد هذا الغياب الفعلي عن المكان والزمان بتجمل ودهشة وصبر، إذ سيكون من المبكر جداً إصدار حكم قويم تجاه تجمعات فضائية افتراضية تؤمن بما تفعل وتقول. إلا أن الزائر المنصف للمؤتمر يكتشف أن هناك وجهاً آخر للشباب، ووجهاً آخر لمواقع التواصل الاجتماعي التي أطلق عليها اصطلاحاً «الإعلام الاجتماعي» ربما بحثاً عن تسمية أكثر دقة بعد أن دامت تسمية الإعلام الجديد سنوات منذ ظهور البرامج الشبابية المتسلسلة على اليوتيوب ولاقت استحساناً منقطع النظير وباتت ذات جماهيرية تفوق جماهيرية البرامج الفضائية ناهيك عن التلفزيونية! ومما يبعث الدهشة حقاً أن اليوتيوب اليوم انضم لهذه المواقع المحركة للسواد الأعظم من الشعوب، وصار وسيلة تعبير وتفكيك وتوصيل الرأي بالصوت والصورة وتوثيقه سابقاً بذلك الصحف ووسائل الإعلام التقليدية، بل ومحرّضاً على العودة للمصداقية وعدم تزييف الحقائق.
ساد قاعة المؤتمر نقاش ثري عند اختتام اليوم الأول بجلسة مسائية جاءت بعنوان «المعلومات وشفافية الحكومة: دور جديد للإعلام». دارت رحى الحوار حول تمكين ثورة المعلومات الحديثة للمواطنين من الحصول على الكثير من المعلومات التي كانت سابقاً حكراً على الأقلية، بل أطلقت ثورة المعلومات ما يسمَّى الآن بالمواطن الصحافي، وبالتالي توسّع دور الإعلام من مجرد توفير معلومات إلى ممارسة دور رقابي قادر على تحريك الرأي العام ومحاسبة القطاع الحكومي. إلاّ أن قدرة الإعلام على لعب هذا الدور ترتبط بالإطار القانوني والسياسي والاقتصادي الذي يحكمه. وتعد حرية التعبير، والمنافسة، والمصداقية، والعمل الإعلامي الميداني في الوطن العربي هي العوامل الرئيسة لفاعلية الإعلام من حيث كونه وسيلة لرفع مستوى الوعي العام. ومن الواضح أن وسائل الإعلام ستلعب في المستقبل دوراً محورياً في وضع الأجندة السياسية للحكومات عبر التأثير على الجمهور فيما يتعلق بالعقد الاجتماعي المتغيّر في أعقاب الربيع العربي. وعندما توجهنا بالسؤال إلى وزيرة شؤون الإعلام البحرينية سميرة بن رجب، عمّا إذا كان الإعلام الجديد يتصف بالاندفاعية ويفتقر إلى مراحل من النضج والتعمق، أفادت بأن الإعلام لم يكن له دور قديم حتى نبحث له اليوم عن جديد. فآلية تدفق المعلومات والشفافية وماهية المصالح الاجتماعية هي من ستحكم مسيرة الإعلام بشكل عام. ووسائل التواصل الاجتماعي بحاجة لتنظيم دون المساس بحرية الرأي. فحريٌ بنا أن نعترف أن تشكل المعلومات الموثوق بها هو حجر زاوية الحكومة الشفّافة. ويعد الإعلام الشفاف شرطاً مسبقاً لا غنى عنه للمساءلة والشفافية واستجابة الحكومة. وغنيّ عن القول أن تدفق المعلومات اليومي يمثل تقريراً عن الإجراءات السياسية والحكومية، ويتيح المعلومات التي تجعل المواطنين يحسمون أمرهم تجاه الخيارات المطروحة أمامهم.
حكمةٌ من أخيك.. خيرٌ من مال يعطيك
جاءت كلمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، رئيس مؤسسة الفكر العربي، نابضة بروح الشعر والفكرة والسؤال. كما كان لمداخلته عظيم الأثر في الحضور عندما استرجع مقولة الفاروق عمر بن الخطاب تعليقاً على إثر نقاش ساخن دار بين المتحدثين وبعض الحضور في جلسة عامة بعنوان: «المجتمع والحكومات: تعاون وتكامل» تم التطرق فيها إلى البطالة ودور المجتمع المدني في إيجاد الحلول المتاحة وإيجاد بوابات مغايرة تجاه المواطنين لمحاولة ردم الفجوة بين القطاع الخاص والقطاع العام. ثارت الأسئلة واهتزت أركان القاعة برؤى من زوايا مختلفة كلها تقع من الفكر موقع الصواب، وضجّت بتساؤل عن الانتماء إلى الهدف المشترك بين الحكومة والمجتمع ومنطلقات التنمية ومدى ارتباطها بالفهم المشترك للواقع الاقتصادي والاجتماعي. وتطرق المتحدثون إلى التنمية الاجتماعية وتوافقها مع تفعيل الأداء الحكومي وما إذا كان الأداء الحكومي يسبق المجتمع في ابتكار الحلول وتعجيل حركة التنمية. تقاطع الشباب وعدد من الحضور بأفكار وآراء تحمل رؤية للغد وتطالب الحكومات باستثمارها لتحقيق أهدافها، حينها جاءت مداخلة سمو الأمير خالد الفيصل متسقة مع سياق الحديث الهادر لمن يمثلون المستقبل.. الشباب بقوله: «لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها».
وكما للبيان سحرٌ وطلاوة، فإن له فاعلية وقوة مؤثرة تقدَّم على طبق من ذهب طاقة إيجابية تحوّل الممكن والمستحيل إلى فضاءات شاسعة في المستقبل، ذلك ما أوحت به كلمة الأستاذ محمد العلي نائب رئيس أرامكو السعودية للمالية، التي أوجز فيها واجبات الحكومات تجاه المواطنين في العدالة، والأمن، والتنمية الاقتصادية، وتنمية رأس المال الفكري والاجتماعي عبر سياسات وبرامج جودة التعليم والتدريب والبحث والتطوير والرعاية الصحية. وإذا نظرنا إلى الطرف الثاني من المعادلة، وهو المواطن، فهناك أربعة محاور يجب أن يتحلى بها، وهي: أولاً: الإخلاص، والولاء، واحترام النظام. ثانياً: الثقة بالنفس، وأخذ المبادرة، والعمل التطوعي، ثالثاً: التنوع، والتعايش، والتسامح، وأخيراً وليس آخراً: الحفاظ على البيئة والموارد والمكتسبات. وبذلك وجدنا أنفسنا أمام خطاب جامع لأسس جوهرية يجب أن تقوم عليها واحدة من أهم العلاقات التي يمكن أن تتقاطع في حياة أي إنسان فاعل بمجتمعه ويشكل هو طرفٌ فيها، إنها العلاقة بين المواطن وحكومته.
ومما قاله العلي في كلمته: «إن المجتمع المتوازن يتطلب معادلة تشمل طرفين هما الحكومات والمواطنون – أفراداً كانوا أو شخصيات اعتبارية كالمؤسسات والشركات – لأن الحكومات مهما تكن فعالة فلا يمكنها أن تحقق النجاح بمعزل عن الإسهامات الإيجابية من المواطنين».
وكانت الجلسة الأخيرة من اليوم الختامي للمؤتمر بعنوان: «المسؤولية الاجتماعية للشركات والمبادرات الإنسانية في الوطن العربي»، وناقشت سبل تحسين مستوى الخدمات الحكومية، وتوسعة مجالات رقعة الوصول إلى هذه الخدمات. واقترح المشاركون آليات جديدة مبتكرة من شأنها تفعيل دور الحكومات في دعم هذه المؤسّسات وتوجيهها نحو «العطاء الاستراتيجي»، وبالأخص برامج المسؤولية المجتمعية للشركات الكبرى في جميع النواحي. وهنا لابد من التوقف أمام مشاركة أرامكو السعودية في المؤتمر كمثال انتزع اعتراف الجميع بكونه نموذجاً فريداً في وضوحه وتعبيره عن التزام الشركات بتحمل مسؤوليات اجتماعية كبرى.
أرامكو السعودية تقدِّم الشباب
وتفتح آفاق المستقبل
إذا كان هناك ما ميَّز مشاركة أرامكو السعودية في هذا المؤتمر عن غيرها من المشاركات، فهو أولاً في تركيزها غير المسبوق في حجمه على قضية إعداد الشباب وتأهيلهم لتسلّم مسؤوليات المستقبل. حتى أن تمثيل الشركة في المؤتمر، وهي أحد رعاته الرئيسين كما هو معلوم، لم يقتصر على كبار المسؤولين لكي يتولوا الحديث عن الشباب إنابة عنهم، بل إن نحو نصف وفدها تشكَّل من شبَّان وشابات في مقتبل أعمارهم المهنية، الأمر الذي كان لافتاً بحد ذاته، وازداد وقعه تأثيراً من خلال الكشف عن بعض المبادرات والبرامج التي تنفِّذها الشركة في هذا المجال. فكان للإعلاميين لقاءات خاصة مع بعض موفدي الشركة لاستيضاح المزيد حول طبيعة العلاقة القائمة ما بينها من جهة والتنمية الفكرية في صفوف الشباب من جهة أخرى، وأيضاً محتوى بعض مبادراتها وبرامجها.
محمد العلي: هذا ما يربطنا بعالم الفكر والتربية والتعليم
ففي حديثه إلى بعض الإعلاميين على هامش الجلسات الرسمية، ذكَّر نائب الرئيس الأستاذ محمد العلي بأن أرامكو السعودية ركَّزت منذ بداياتها على تطوير الموارد البشرية، وبالتالي تطوير الفكر والتفكير السليمين، وأنها تقوم بذلك من باب المسؤولية الاجتماعية المرتبطة بقيمة المواطنة فيها. وكشف أن هناك تنسيقاً وعملاً متواصلاً بين الشركة من جهة والجامعات من جهة أخرى بهدف تطوير مناهج التدريس كي تواكب احتياجات سوق العمل. علماً بأن التغيير في المناهج التعليمية يحصل بشكل بطيء إذا ما قارناه مع التغيير في سوق العمل.
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت أرامكو السعودية «تراهن» على الشباب وإلى ماذا تستند في رهانها هذا، قال الأستاذ العلي: هذا ليس رهاناً. فالرهان هو شيء غير مؤكد النتيجة. أما نحن فمتأكدون من الموادر البشرية التي استخدمتها الشركة في الماضي ودرَّبتها، لأنها أثبتت للعالم جدارة الشعب السعودية. فنحن نملك الخبرة، ولم ندخل إلى مجال غير متأكدين من نجاحنا فيه.
وأشار العلي إلى أن الشركة سخَّرت، ولا تزال، جزءاً من قدراتها في الإنجاز وإدارة المشاريع لمساندة المملكة وزيادة رأس المال الفكري. إذ قامت بتطوير منظومة مشاريع ومؤسسات ذات رؤية مستقبلية طموحة كجامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا ومركز الملك عبدالله للدراسات والأبحاث البترولية. كما بادرت إلى إنشاء مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي الذي سيكون بمثابة الجسر المعرفي والمحرك الإبداعي الذي يُثري فكر المجتمع ويُلهم أجيال المستقبل. وضرب مثلاً عن اعتبار تطوير ثروة الوطن الشبابية أولوية قصوى في الشركة، بالإشارة إلى مبادرة «إثراء الشباب» التي أعلن رئيس الشركة الأستاذ خالد الفالح عن إطلاقها في العام الماضي، والهادفة إلى تعزيز حب العلوم والتقنية عند الشباب السعودي، وبناء شخصياتهم بما يوسِّع فرص نجاحهم أمام تحديات القرن الحادي والعشرين.
عصام توفيق: الإبداع هو تحدي العصر والمواطنة الحقة تملي المشاركة في كل ما يُثري المجتمع
من جهته تحدث مدير عام دائرة الشؤون العامة بأرامكو السعودية الأستاذ عصام زين العابدين توفيق عن الطابع الشبابي الذي ميَّز وفد الشركة إلى المؤتمر قائلاً: «أرامكو السعودية شابة تقارب الثمانين. ولو أنها لم تنظر منذ خطواتها الأولى إلى الشباب والمستقبل لهرِمت وفقدت عنفوانها. فكل جيل أتى إلى أرامكو السعودية ينظر إلى الجيل الذي بعده على أنه أمانة في عنقه. والضمان الأساسي لمستقبل وطن سيعيش فيه هو وأبناؤه من بعده. من هنا ظلَّت الشركة تدرِّب وتُعد. وظلت تستثمر في الشباب فكراً وعلماً، بل وشاركتهم في قرارات المستقبل أيضاً».
وأشار الأستاذ توفيق إلى أن الشباب السعودي الذي لفت بحضوره الأنظار في المؤتمر يضم نخبة منتقاة بعناية لتكون طرفاً فاعلاً في صناعة قرارات المستقبل، بحيث تحوي هذه القرارات حكم الأجيال كلها شيباً وشباناً. وقد سمِّيت هذه المجموعة في الشركة بـ «مختبر الشباب»، حيث يُجرون تجاربهم في التفكير والتحليل مسلَّحين بعنفوانهم ومعاصرتهم وكونهم يعيشون فكر الأغلبية الشابة في الشركة. وقد جعلتهم الشركة يشاركون في «فكر» لتزيد من عصف أفكارهم وليكونوا أكثر فاعلية في العطاء والمشورة.
ولأن المتابعين يعرفون أن ثمة تعاظماً للدور الذي تؤديه أرامكو السعودية في مجال الثقافة بشكل عام، بموازاة اهتمامها بالبرامج التعليمية والتدريب المهني، وما إنشاء مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي إلا واحداً من آخر فصوله وأضخمها، أوضح الأستاذ توفيق للمتسائلين من الإعلاميين هذا الدور بقوله: «قد يبدو غريباً أن عملاق التقنية في عالم الزيت والغاز يخرج من عالم فيه صلابة أنابيب الفولاذ إلى دنيا طراوة الفن والثقافة. ولكن إن تتمعن قليلاً، ستجد أن بناء الشخصية الخلَّاقة المبدعة والمبتكِرة هو تحدي العصر تقنية وصناعة واقتصاداً. ولا يكون بناء هذه الشخصية ناجحاً إلا بتوازن بين جانبي المخ، وبين عالم الأرقام وعالم الأحلام. ومن يفتقر إلى جانب منهما يفقد ميزة الإبداع والابتكار، وهي ميزة تنافسية رئيسة يمليها عالم اليوم.
ووصف توفيق مشاركة الشركة في مؤتمر «فكر» ببعده العربي بأنها عزيزة على قلبها. إذ إن الشركة هي بنت المملكة العربية السعودية قلب العالم العربي. «والمواطنة الحقة تملي أن تكون شريكاً في كل نشاط يُثري المجتمع العربي كنشاط مؤسسة الفكر العربي التي يقودها رجل هو للرأي منار، وللثقافة معلم ولفكر العرب موئل للحكمة والرشد. وقد ركَّزت الشركة في مداولات المؤتمر على أن للمواطنة بعداً مهماً لا يمكن إغفاله، وهو أن المواطن ليس فقط ذلك الفرد. بل هو أيضاً المواطن الاعتباري من شركات ومؤسسات ملزمة أيضاً بواجب المواطنة والمسارعة إلى كل ما فيه نماء الوطن وازدهاره.
اليحيا: نستهدف مليونين.. ليس من المتفوقين بل الطامحين إلى التفوق
ولما كان برنامج «إثراء الشباب» أكثر البرامج طموحاً التي اطلَّع عليها المؤتمرون في «فكر»، سعى الكثيرون إلى استيضاح ماهية هذا البرنامج وهدفه من المسؤول عنه الدكتور خالد اليحيا الذي قال: «إن السؤال الذي واجهنا في أرامكو السعودية هو إن كان بإمكان الشركة، ونحن على أعتاب القرن الواحد والعشرين، استثمار أهم مورد وهو الإنسان، لكي تستمر في دورها الريادي كما كان الحال في السبعينيات. فالشباب هم غالبية سكان العالم، وبإمكانهم أن يؤدوا خدمات كبرى لبلدانهم. لذلك عمدت الشركة إلى استحداث مشروع «إثراء الشباب» ليتولى تهيئة هؤلاء لمواجهة التحديات التي تنتظرهم ولا سيما منها الثقافية. ومن هنا تشكَّل هذا البرنامج من مزيج يجمع العلوم والثقافة والإعلام.. إنه ليس بديلاً عن المدرسة، بل يسعى إلى إيصال المعارف والأفكار والعلوم بطريقة مختلفة».
وحول الشريحة الشبابية المستهدفة يقول الدكتور اليحيا: إن برنامج «إثراء الشباب» لا يستهدف النخبة والمتفوقين، فلهؤلاء برامج أخرى. إننا نستهدف جميع الشبَّان والفتيات، وهم سيكوّنون أنفسهم بأنفسهم. نحن نعطيهم الأرضية اللازمة لكي يصبحوا قادة مجتمعهم. بعبارة أخرى نحن نستهدف الشباب الطامح إلى أن يكون من النخبة، لكي يصبح قادراً على مواجهة كافة الصعوبات التي تعترضه في مجتمعه.
وحول حجم هذه الشريحة ومدة البرنامج، كشف أن للبرنامج رؤية ستمتد إلى عام 2020م. فقد استغرق إعداد الاستراتيجية أكثر من سنة. وفترة البداية التجريبية سنة أيضاً. أما في بداية العام المقبل، فستكون توسعية، وسيبدأ العمل على مستوى طموحات وتوقعات أكبر. في السابق، كانت هناك تجارب لقياس الطموحات والتوقعات بهدف الوصول إلى مليوني شاب وفتاة يتم إمدادهم بالثقافة والمعرفة بشكل كامل. وإذا استطعنا الحصول على %1 فقط، أي ما يعادل 20 ألف شاب وفتاة، فسيشكّل ذلك كتلة فعّالة ستقود إلى التغيير في صفوف الشباب.
وفيما يتعلّق بالمدة الزمنية التطبيقية لهذا البرنامج على مستوى الفرد، يقول: «قد يكون لمدة 20 ساعة على مدار أسبوع، وإما لمدة 200 ساعة. ونطمح إلى أن نصل إلى 2000 ساعة تؤهل الشبان والفتيات لأن يكونوا قادة في التعامل مع التساؤلات الكبرى المتعلقة بالقضايا التي تواجه مجتمعنا اليوم.