انتهى الصيف وعاد آلاف الشبان إلى بيوتهم ومدارسهم من المراكز الصيفية التي أمضوا فيها بعض أيام عطلتهم، وشاركوا في أنشطتها التربوية والتثقيفية والترفيهية. هذه المراكز، التي أصبحت تقليداً سنوياً في المملكة، توقف الزميل حبيب محمود أمامها، متلمساً واقعها واحتياجاتها، ورصد شيئاً من إشارات العمل على تطويرها.
لم يكن أحد من آلاف الحضور يتوقع أن ينسلّ شاب من بينهم، ويتجه صوب الإدارة المسؤولة عن كل هذا الحشد ليسلّم لها ما بحوزته، ويوثّق أمامها قراره النهائي بشأن تعاطيه المخدرات.
هكذا، وبكل بساطة، وجد الشاب نفسه أمام قرار طالما كان صعباً عليه، لكنه – وبتأثير مما رأى وسمع – اتخذ القرار، وقصد بإرادته إدارة المخيم، وأنهى علاقته بالإدمان في لحظة حاسمة. ولم توفر إدارة المخيم جهدها في احتضان هذا التائب، بل وجهته إلى جناح إدارة مكافحة المخدرات لتتولى تعزيزه نفسياً وتُخضعه لبرنامج علاجي يساعده في استرداد عافيته.
لم يكن هذا الشاب هو الوحيد الذي أيقظته التوعية. لقد كان ثامن ثمانية تأثروا بفعاليات المخيم والتي من بينها فكرة توعوية بسيطة تتلخص في خيمة أطلق عليها اسم “البداية والنهاية”، بداية التعاطي ونهاية الإدمان. وقد دخل الثمانية هذه الخيمة مع من دخلوا، ولكنهم لم يخرجوا إلا وهم يبدأون في إصلاح حياتهم.
هذه القصص وغيرها شغلت بال الصحافة المحلية في أسابيع ماضية ضمن متابعتها لأنشطة الصيف المبرمجة. ولم يكن موضوع مكافحة المخدرات الحدث النمطي الأهم، بل كان عَرضاً تمخض عن أنشطة صيفية نموذجية تُنفّذ في ما يُعرف بـ “مخيم الشباب” الذي يقام سنوياً في ضاحية الكورنيش بمدينة الدمام. والمخيم نموذج تربوي للمراكز الصيفية. فقد أدى أعماله اليومية بمشاركة 500 عضو متطوع، أداروا آلية عمل لأربعين نشاطاً، وواجهوا قرابة 10 آلاف زائر في اليوم. وتضمن المخيم خليطاً من الأنشطة جديراً بالإعجاب، ليس أهمها إحياء الألعاب الشعبية المنسية، ولا الدورات الرياضية، ولا برامج التدريب على الحاسب الآلي، ولا حتى الجوائز المغرية التي قدمتها الشركات والمؤسسات التجارية، بل كان كل ذلك مضافاً إلى التفاعل الاجتماعي المتمثل في كثافة الزوار والمشاركين، وفي جدية البرامج، وفي انسجام المخيم وأعراف المجتمع، الأمر الذي جعل منه – بعد كل هذا التميز – جزءاً مهماً من النشاطات السياحية في المنطقة الشرقية.
وفي أنحاء متعددة كانت المراكز الصيفية المنتشرة في طول البلاد وعرضها تطرح الوقت على مساحة اهتمام الشباب، وبخاصة قطاع الطلاب. وعبر البرامج المتعددة في المستوى والنوع انخرط عشرات الآلاف من الشباب في أنشطة تستهدف في المقام الأول صناعة الفائدة في فراغ الصيف المحرج تربوياً واجتماعياً. هذا الفراغ الذي تنعكس آثاره على السلوك اليومي في صورة ما يسمى بـ “انفلات عملية الضبط” لدى الناشئة، وتتفتح أوقاته على احتمالات متعددة المخاطر.
أكثر من 500 مركز
تعمل المراكز الصيفية تحت عدد من المظلات الرسمية، فمنها ما تشرف عليه وزارة التربية والتعليم، ووزارة الشئون الإسلامية، والمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، ومنها ما يخضع لإشراف جمعيات ومؤسسات خيرية، ومنها ما يُنفَّذ تحت رعاية أندية رياضية، ومرافق سياحية. ووفق مصادر وزارة التربية والتعليم فإن هناك 250 مركزاً صيفياً أشرفت عليها الوزارة هذا الصيف، إضافة إلى عدد يقترب من هذا الرقم يتبع مؤسسات أخرى.
وتتخذ المراكز التابعة لتعليم البنين بعضاً من مفردات المعسكرات الكشفية، وتبرمج أنشطتها على أساس الجمع بين “الترفيه والتعليم”، وتظهر هذه القيمة التربوية في المسابقات الثقافية، والرياضية، والفعاليات الفلكلورية، والتدريب على المهن، فضلاً عن الرحلات الترفيهية وزيارة المنشآت البارزة، والمواقع الأثرية. وتهتم المؤسسات الخيرية، من جانبها بشكل خاص، بأنشطة الثقافة الدينية. فعلى سبيل المثال رعت الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم 21 مركزاً صيفياً في المنطقة المعروفة بـ “حاضرة الدمام”، مركزة على تحفيظ النشء كتاب الله وتجويده، لمستويات متفاوتة من أعمارهم.
إلى ذلك تتنوّع أنشطة المراكز التي ترعاها المؤسسات الشبابية والسياحية، من دورات القرآن الكريم، إلى التصوير الضوئي والفن التشكيلي، والحاسب الآلي، ورياضات الدفاع عن النفس، وانتهاءً بالجوائز والهدايا.
انطلاقة نسائية غير تقليدية
هذا العام شهد حدثاً نوعياً على مستوى أنشطة المراكز الصيفية، حين قررت وزارة التربية والتعليم إشراك المرأة في الأنشطة الصيفية عبر مدارس البنات. وفي حين كان يُتوقع أن يؤثر انعدام الخبرة لدى إدارات تعليم البنات، في انطلاقة الأنشطة الصيفية النسائية، فإن الإطار العام لهذه الأنشطة يشير إلى انطلاقة قوية، ويبدو ذلك جلياً في تنوع الأنشطة التي تبدأ بالبرامج الدينية، وتمر بالشعر والقصة والمقالة والإلقاء، وتتضمن محاضرات ودورات تدريب تهتم حتى بالإخراج الصحفي وصياغة الخبر، فضلاً عن اللغة الإنجليزية، وفنون السلوك، وحماية البيئة، ناهيك عن الثقافات المتصلة بالمرأة والسلامة والصحة وغير ذلك.
إذن فإن موقع المراكز الصيفية أخذ يتكرس على مستويات متعددة. وهذا ما يجعل من إعادة النظر إلى واقع هذ المراكز ملحاً أكثر من أي وقت مضى. إذ على الرغم من ترسّخ الخبرات لدى الكثير من التربويين المشاركين في الفعاليات السنوية، فإن هناك – بالمقابل – ملاحظات تطرح نفسها أمام هذه التجربة التي تتكرر سنوياً.
مراكز نمطية ..!
“المراكز الصيفية نمطية”.. هذه مقولة قد توجه بسهولة إلى الفعاليات التي تنفذها الإدارات التعليمية في مناطق البلاد. وقد تصل درجة النمطية إلى إعادة تنفيذ الفقرات نفسها التي نفذها مركز ما في العام الفائت، والعام الذي سبقه، وربما امتدّ التكرار إلى نسخ خطة النشاط عينها وإلصاقها في برنامج العام الحالي، وقد تُلصق، دون غيرها، في برنامج العام القادم.
أجيال متزاحمة
وبالإمكان فهم بعض الثغرات التنفيذية – إذا صح التوصيف – في أداء المعلمين لعملهم في المراكز. ففي العادة تخصص مدرسة ما لتكون مركزاً لمدينة أو محافظة. ثم يحتشد في مبناها مئات الطلاب من المراحل الدراسية الثلاث دفعة واحدة. وهذا الخلط يعني – ببساطة – وضع ثلاثة أجيال على الأقل (الابتدائي، المتوسط، الثانوي) في بيئة واحدة. وقد يمتدّ الخلط إلى دمج طلاب مرحلة وطلاب مرحلة أخرى في ما يسمى بـ “أسرة” واحدة. ومن البداهة التربوية أن تكون الاحتياجات مختلفة بين المرحلتين، فضلاً عن اختلاف الاستعدادات المهنية لدى المعلم المشرف على المجموعة.
التدريب .. وسيلة تطوير
والمعلّم المؤهل لأداء مهني تعليمي ليس – بالضرورة – قادراً على أداء عملٍ خارج المنهج الدراسي بالكفاءة ذاتها، خاصة مع اختلاف شكل النشاط الصيفي عن الشكل التربوي التعليمي المؤصل المحدود في آلياته.
والمعنى: هو أن إدارة المركز الصيفي تستحق أن يقودها وينتجها فريق عملٍ قادر على التعاطي مع الأنشطة غير المدرسية، وبشكل تربوي لا يدخل ضمن آلية المهنية التعليمية. وهذا يشير – بدوره وعلى نحو واضح – إلى أن ثمة أهمية ملحّة إلى إعداد المعلّم المكلف – أو المتطوع – بالعمل في المركز الصيفي. وهذا الإعداد يتأتى بالتدريب الكافي لتغذية فريق العمل بالخبرات العلمية التربوية والثقافة اللازمة لإدارة الوقت واستثماره على النحو المخطط له.
———–
كادر
الفتيات يتدربن على الخطابة والكتابة
في المركز الثقافي الصيفي للبنات، الذي احتضنته المتوسطة الثانية عشرة، نشاط يومي حافل بالأنشطة. وحسب ما ذكرته نعيمة الغنام، مديرة المركز، فإن قرابة 200 طالبة من مختلف المراحل، يرتدن الموقع بمعدل أربع ساعات يومياً لمدة شهرين تقريباً.
من جانبها تقول صديقة فهد الحسينان، رئيسة شعبة نشاط الطالبات في المنطقة الشرقية: “مراكز البنات معنية بالنشاط الثقافي والاجتماعي والعلمي والمهني والديني، وتنمية ثقافتهن وصقل مواهبهن وتعريفهنّ بجديد المعلومات والخبرات. إضافة لهذا كله تساعد المراكز الطالبات ذوات المستوى المنخفض بدروس تقوية”.
الطالبات، في المركز، اهتممن – حسب الأخصائية في جامعة الملك عبد العزيز فاطمة الملا، بالإقبال على النشاط الاجتماعي الذي يعتمد في قسمه الأول على سلسلة مهارات تربوية اجتماعية أسرية، بينما يعتمد في قسمه الثاني على النشاط الذاتي في الكتابة، وعمل البحوث والمطويات والنشرات التثقيفية.
أما فوزية المؤيد – مشرفة مكتبة ومشرفة قسم الأمن والسلامة – فتحدثت عن دور قسمها في خلق الوعي الأمني واتخاذ إجراءات السلامة المنزلية ضمن مجموعة من الأنشطة.
صالة نشاط
في ساحة المركز لفت انتباهنا سحر ألوان اللوحات التشكيلية التي تشكل جزءاً من النشاط. وفي صالة واسعة احتشدت الطالبات لممارسة التدريب على الإلقاء والجرأة والثقة في عرض الرأي وإدارة الحوار ومواجهة الآخرين.
منيرة البريدي (ثاني متوسط) قالت: “أعجبتني أجواء التعليم هنا، فهي متنوعة”، بينما قالت بتول عبدالكريم: “دخلت مجال اللغة الإنجليزية الذي أحبه”.
الإعجاز العلمي هو اختيار صفاء سعيد وليلى بلجرشي (ثالث ثانوي). وتقرر عواطف البحر، وهي أم طالبة: “لمست تطوّراً واضحاً منذ التحقت ابنتي بالمركز وأصبحت تحفظ القرآن الكريم وتجوّده، وتتحدث ببراعة فائقة، وهذا دفعني لتشجيع زميلاتي وجاراتي على إلحاق بناتهن في المركز.”