قصة مبتكر
قصة ابتكار
مايكل فاراداي
إشارة السير
ولد مايكل فاراداي في سبتمبر عام 1791م في إنجلترا من والد يعمل حداداً لا يتقاضى سوى أجر زهيد، الأمر الذي دفع فاراداي إلى دخول ميدان العمل وهو في الثالثة عشرة من عمره، بعدما تعلم القليل من القراءة والكتابة، لإعالة أخوته الأربعة. عمل في مخزن لبيع الكتب العلمية وتجليدها في لندن. وكان ينكب على المطالعة خلال أوقات الغداء وبعد الانتهاء من العمل. ومن الكتب التي وقعت بين يديه موسوعة "بريتانيكا" واستوقفه فيها مقال عن الكهرباء. انتقل إلى العمل في مشغل "دي لاروش"، وكان حين ينتهي من العمل يذهب للاستماع إلى محاضرات يلقيها الكيميائي البريطاني السير هامفري ديفي. في العام 1812م وجه فاراداي رسالة إلى الجمعية الملكية يطلب فيها قبوله كمساعد في المختبر، فلم يحصل على جواب. واتصل بالعالم ديفي يطلب مساعدته لكن الأخير رفض، ثم عاد وقبله كعامل بسيط في مختبره. بدأ فاراداي عمله كمنظف للأدوات ومشارك في تحضير المواد الكيميائية وأعطي غرفة للسكن في المختبر. وكان أن حدث انفجار داخل المختبر لدى اكتشاف العالم ديفي الصوديوم مما أدى إلى فقدان عينه اليمنى واضطره إلى طلب مساعدة فاراداي لقراءة مؤشرات الأجهزة وأرقامها. رافق فاراداي العالم ديفي في جولة أوروبية، زار خلالها باريس ومونبيلييه وفلورنسا ونابولي. وبعد أن عاد إلى لندن عُيّن أستاذاً مساعداً مسؤولاً عن التجهيزات في المعهد الملكي البريطاني، وبقي في خدمة ديفي، إلى أن قام بأول بحث بمفرده عن تحليل التربة التوسكانية ونشر مضمون هذه الدراسة في مجلة المعهد الملكي عام 1816م. وتواصلت أبحاث فاراداي منذ ذلك الحين، ففي العام 1819م . قام بدراسات كيميائية اكتشف من خلالها مركبات عرفت باسم كلوريدات الهيدروكربونات و بعد اطلاعه على أبحاث العالم أورستد في أواخر العام 1821م عن تأثير التيار الكهربائي على اتجاه البوصلة، قام فاراداي بدراسة الموضوع، وتوصل إلى نتيجتين: الأولى أن عقرب البوصلة يغير اتجاهه تحت تأثير التيار الكهربائي ليشكل مع الوضع السابق زاوية قائمة، والثانية كانت تصميم جهاز فيه قطعة ممغنطة تدور من دون توقف حول الجسم الذي يمر فيه التيار الكهربائي. وفي العام 1831م حوّل اهتماماته نحو دراسة الكهرباء فاكتشف قانون المحول الكهربائي وكيفية عمله، كما اكتشف ظاهرة الحث الكهرومغناطيسي ودرس عملية مرور التيار الكهربائي في مختلف الأجسام. غير أن أهم قانون وضعه يتعلق بكمية المادة التي تتراكم على الألكترود عند مرور التيار الكهربائي في محلول معين، وعرف هذا القانون باسمه. توفي فاراداي في أغسطس 1867م مخلفاً إرثاً كبيراً من الاكتشافات وأسئلة كثيرة شغلت علماء الفيزياء والكيمياء على مدى أكثر من قرن كامل بعد وفاته.
كان ضباب لندن وخاصة في الليل مصدر قلق للمهندس الإنجليزي ج. ب. نايت، المتخصص في إشارات مرور القطارات وتنظيم حركتها. فخطر بباله أن يستعمل الإشارات الضوئية وابتكر مصباحين يعملان على الغاز أحدهما باللون الأحمر والآخر باللون الأخضر، لإيقاف القطارات وتسييرها. غير أن أحد المصباحين انفجر وقتل الشرطي المكلف بالمراقبة، مما أحبط إجراء المزيد من التجارب على هذه الفكرة. بعد اختراع السيارة، وتكاثر أعدادها، ظهرت الحاجة إلى وسائل لتنظيم المرور، ولم تجد أنظار الباحثين ما تتوجه إليه غير الفكرة الإنجليزية القديمة، فظهرت أول إشارة سير بالألوان الثلاثة، الأحمر، البرتقالي، والأخضر لأول مرة سنة 1914م في أحد شوارع كليفلاند في الولايات المتحدة. وفي العام 1918م، ظهرت إشارة السير لأول مرة في نيويورك، وبعدها بسنتين وصلت إلى مدينة ديترويت. وكانت إشارات السير هذه تقع في أعلى برج مبني وسط الشارع ويدعى «برج المرور»، وتدار يدوياً بواسطة شرطي يسهر عليها. في العام 1925م، قررت بريطانيا اعتماد الوسيلة نفسها لتنظيم حركة السير فيها. وأول إشارة سير في لندن كانت تقع عند تقاطع شارعي البيكاديللي وسانت جايمس. بعد ذلك بسبع سنوات، تم تطوير إشارة السير في إنجلترا، بحيث صارت تعمل آلياً حسب كثرة السيارات، غير أن الصدفة العجيبة تكمن في أنه عند تجربة النموذج الأول منها في شارع كورنهيل في لندن، أدى تسرّب للغاز في غرفة التحكم إلى حصول انفجار ومقتل الشرطي بمجرد إضاءة المصباح للمرة الأولى. وبذلك تكون بريطانيا قد دفعت قتيلين ثمناً للابتكار الجديد. وبمرور الزمن تطورت إشارات السير، فأصبحت تُدار بواسطة أجهزة كومبيوتر مركزية تتحكم بها. غير أن شكلها الظاهري أصبح أبسط مما كان عليه في ثلاثينيات القرن الماضي، إذ اختفت الأبراج الضخمة والأعمدة البرونزية المنحوتة والتي كانت تعلوها التماثيل في نيويورك ولوس أنجلوس لتصبح مجرد أعمدة معدنية ملساء، تعلو مصابيحها بعض الأحيان كاميرات للمراقبة. ومعظم إشارات السير في العالم تعمل اليوم بالألوان الثلاثة الأحمر والبرتقالي والأخضر التي يُضاء الواحد منها بعد إطفاء الآخر، مع بعض الاستثناءات كما هو الحال في مدينة بوسطن الأمريكية حيث يضاء الأخضر والبرتقالي سوية. غير أن أغرب إشارة سير في العالم هي تلك الموجودة في مدينة البندقية في إيطاليا وتقع عند تقاطع قنالين مائيين..!