كيف الوصول إلى السعادة؟ هذه الغاية التي تشكل القصد النهائي المباشر وغير المباشر لكل ما نقوم به في حياتنا اليومية..
يمكننا تعريف السعادة من الناحية الفلسفية على أنها ذات وجهين: الأول هو الموقف أو الشعور، والثاني هو مجموعة الأحداث التي تسهم في تكوين هذا الموقف أو الشعور. أما الموقف فهو الإحساس بالرضا عن الحياة التي يعيشها الإنسان بشكل عام. في حين يجب أن تتميز الأحداث بالرضا عما يفعله الإنسان وما يقتنيه.
إن المقتنيات المادية تمنحنا في الغالب شعوراً باللذة وليس بالسعادة. وهذان نوعان مختلفان من المشاعر لا يجب الخلط بينهما. فالمقتنيات المادية والتطور التكنولوجي والعلمي من الأمور التي أمّنت لنا راحة أكبر في حياتنا.. ولكن، كما يقول الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو: إن تطور الشعوب لم يزد أبداً من السعادة الحقيقية .
أما المقتنيات غير المادية مثل الموهبة، الرضا عن الذات، الثقة بالنفس، القدرة على اكتساب احترام الآخرين.. فكلها مقتنيات تمكننا من تحقيق الغايات التي تسهم في إسعادنا.
وفي ما يتعلق بالأفعال، فهي ليست بالضرورة فيما يمكن مراقبته اجتماعياً منها. فقد تكون لحظات تأمل، إحساس جميل، تقدير الأشياء القيّمة.. ويخطئ من يعتقد بأن امتلاك الحرية ليفعل ما يشاء هو الطريق إلى السعادة. لأن الكثيرين يقومون بأعمال ومهمات تتطلب تضحيات كبيرة ما كانوا ليختاروها تحت ظروف أخرى، مثل الأم التي تضحي بالكثير من أجل أبنائها، ومع ذلك تكون سعيدة بهم.
إن السعادة قلّما تتحقق عندما يعزم الإنسان على الحصول عليها مباشرة. وقد بحث الكاتب والمحلل النفسي ميهالي شيكزنتميهالي عن طبيعة السعادة من خلال استماعه لما يقول الناس عن نشاطاتهم المختلفة، ووجد أن الأنشطة التي تعود على صاحبها بالاكتفاء والرضا هي إنجاز الأمور الصعبة بنجاح. وهذه الأمور يحققها الناس من خلال عملهم أكثر من خارجه.
وعندما يخطط الأفراد للوصول مباشرة إلى السعادة عن طريق فعل شيء محدد، فإنهم قلّما يجدونها. لأننا نعيش في عالم ذي نظام معقد، لا يمكننا تحديد متغيراته بشكل حاسم، إذ أنها تغير طبيعتها كلما تعاملنا معها. ولا يمكن بالتالي السعي إلى تحقيق هدف مباشر وكبير ولا يمكن قياسه مثل السعادة.
يجب على أهدافنا أن تتركز على تحقيق النجاحات المختلفة في ما نقوم به.. والشرط الأساسي المطلوب هنا هو التأقلم. أي قبول أشياء كثيرة تقدمها لنا الحياة من الحظ والفرص، وتصيبنا في أمور كثيرة حتى في شكلنا الخارجي.
باختصار يمكننا القول بأن السعي إلى السعادة يجب أن يتم بطريقة غير مباشرة، أي بالطريقة التي أشار إليها المفكر جون ستيوارت ميل قائلاً: إن هؤلاء السعداء هم الذين يركزون تفكيرهم على أشياء غير سعادتهم.. وبملاحقة أهداف مختلفة يمكنهم الحصول على السعادة بطريق الصدفة .