حتى اليوم, لا يزال الزر جزءاً من الآلة مهما كان نوعها. من أبسط الأدوات الكهربائية مثل المصباح ذي الزر الواحد لإضاءته وإطفائه, إلى قمرة قيادة الطائرات النفاثة حيث تغطي لوحات الأزرار نصف المقدمة والسقف وجوانب مقاعد الطيارين.
ويكفي أن نشاهد أي فلم من أفلام الخيال العلمي التي تعود إلى أربعة أو خمسة عقود خلت, لنلاحظ المهابة التي كانت تناط بالأزرار الكثيرة بصفتها رمزاً من رموز تطور الآلة وتعقّد أدائها. غير أن الخيال العلمي نفسه قصَّر عن تصوّر التطور الذي سيطر على الزر وشكله وصولاً إلى اختفائه.
فبعد الأزرار التي كانت تبدو كمضارب الكريكت الصغيرة المصنوعة من الألمنيوم, والتي كانت تؤكد نجاح الضغط عليها بإصدار صوت عال ومسموع.. ظهرت الأزرار المدمجة ذات الأشكال المربعة والتي تضغط من الأعلى إلى الأسفل, وبالعكس. ثم خلفتها الأزرار العاملة باللمس, التي تكتفي بأن تلامسها الإصبع كي تؤدي الوظيفة المطلوبة منها. وكان ذلك إيذاناً بزوال عصر الزر.
قبل أشهر قليلة, سوَّقت شركة أبل طرازاً جديداً من الهواتف الجوالة آي فون تعمل، كما بات الكل يعلم, بواسطة ملامسة الشاشة بأصابع اليد. والمؤكد أن هذا الآي فون هو مجرد النقطة الأولى من مطر المبتكرات التقنية المقبلة.
فخلال شهر ديسمبر من العام الجاري ستُسوِّق مايكروسوفت في الأسواق الأمريكية طاولة للتفاعل الفوتوغرافي هي عبارة عن حاسوب ذي شاشة أفقية (قطرها 70 سم), ومن دون أي زر على الإطلاق, وتسمح هذه الطاولة باستعراض الصور الفوتوغرافية (وحتى المجموعات دفعة واحدة) وتكبيرها, وحتى نسخها وإرسالها بالبريد, لأن هذه الطاولة مجهزة للاتصال اللاسلكي مع أجهزة الهاتف وآلات التصوير بمجرد وضع هذه الآلات فوقها. ويتوقع أن تكون الفنادق والمطاعم من أوائل مستخدمي هذه الطاولات التي تسمح بانتقاء أطباق الطعام المصورة, وإرسال الطلب إلى المطبخ من دون الحاجة إلى نادل.
فكما قضت تقنية التحكم من بعد على الارتباط السلكي ضمن شروط أداء الآلة, وفتحت الآفاق أمام ظهور آلات تؤدي مهمات كانت مستحيلة في السابق, يبدو أن الزر في طريقه إلى هزيمة أقسى من هزيمة السلك.