يُرتقب أن يكون للحوسبة السحابية من الأهمية والتأثير على حياتنا مثل ما نتج عن ولادة شبكة الإنترنت نفسها. نتحدث اليوم في 2012 عن الحوسبة السحابية على أساس أنها حلول تقنية جديدة نسبياً لجهة تبنيها من قبل الشركات، لكن الخبراء يتوقعون بأنه في أقل من عقد، وفي العام 2020 على وجه التحديد ستشغل الحوسبة السحابية جزءاً أساسياً ودائماً من البنية التحتية لمعظم الأنظمة التقنية التجارية. تقدِّم الكاتبة والمتخصصة في علوم الحاسبات د.مرام مكاوي في هذا المقال تعريفاً عنها يشرح ميزاتها المتعددة والهواجس الأمنية المحيطة بها.
يقولون إن الحاجة أم الاختراع، واهتمامي الشخصي بالحوسبة السحابية جاء بعد حادثتين تعرضت لهما وهما تشكلان مثالين ممتازين عن أسباب حاجتنا لمثل هذه التقنية.
الحادثة الأولى تمثلت في انسكاب مقدار بسيط من قنينة ماء على جهازي المحمول، ولم تكن المشكلة في العطب الذي أصابه بقدر ما كانت في أنني قد تكاسلت عن عمل نسخ احتياطية لملفاتي المهمة وبالتالي فقدت بعضها للأبد. أما في الحادثة الثانية فقد احتفظت بملفات تحوي صوراً عن أوراقي الرسمية في ذاكرة تخزينية محمولة كنسخة إضافية، لكن هذه المرة لم يكن الجهاز هو الضحية، ولكن الذاكرة التي فُقدت وحساسية المعلومات الموجودة عليها والخوف من استغلالها في عمليات انتحال الشخصية (identity theft).
فبدأت بالتفكير في حلول أخرى لحفظ البيانات المهمة، بحيث يتوافر فيها الأمان بالإضافة إلى سهولة الوصول إليها من أي جهاز فكانت بداية علاقتي بالحوسبة السحابية.
ما هي الحوسبة السحابية؟
لعل أبسط طريقة لتحقيق فهم مبدئي عن الحوسبة السحابية هي النظر إليها على أنها تطبيق موجود على الإنترنت وأنت قادر على استخدامه دون الحاجة لمعرفة أية تفصيلات تقنية عنه، فكل ما تحتاج إلى معرفته من أجل الاستفادة من الخدمات التي يقدِّمها هي معرفة اسم المستخدم وكلمة المرور الخاصة بك. والسحابة هنا ترمز لشبكة الإنترنت نفسها، فأنت ستستخدم التطبيق بنفس الميزات كما لو كان محملاً على جهازك الخاص، مع ميزة إضافية تجعل هذا النوع من الحوسبة وتطبيقاتها أكثر إغراءً هو أنك الآن تستطيع أن تستخدم التطبيق من كافة أجهزتك المحمولة وغير المحمولة بما فيها الهواتف الذكية، وأي تغيير تجريه من خلال أحد هذه الأجهزة، ستجد أنه قد تمت مزامنته (Synchronised) عبر كافة الأجهزة الأخرى.
الحوسبة السحابية تعني بأن الحوسبة تستخدم كخدمة يتم الاشتراك فيها عبر الإنترنت وليس كمنتج يتم شراؤه وتنصيبه على جهاز المستخدم. ولأنها خدمة اشتراك فهناك عدد كبير من الشركات التي تقدِّم هذه الخدمة ولكل شروطها المختلفة وأنواعها المتعددة. فهناك شركات تتيح للأفراد أو الشركات مثلاً مساحة تخزينية مجانية محددة في السحابة الإلكترونية وفي حالة الرغبة في زيادتها فأمامهم خيارات عدة، فإما اشتراكات شهرية أو سنوية، أو اشتراك يدفع مرة واحدة كرخصة استخدام، وهناك خدمة الدفع بحسب الاستعمال، مما قد يوفر مبالغ كبيرة تصرف على أجهزة أو برامج ومساحات تخزين غير مفعلة بشكل كامل.
ويمكن لهذه السحب الرقمية أن تكون عامة، بحيث يتاح لأي عميل الوصول إليها عبر بيانات اشتراكه، وقد تكون أيضاً خاصة بشركة ما وموظفيها، أو قد تكون هجيناً بين السحابتين (العامة والخاصة) وهي ما تعرف بالهايبرد (Hybrid). وهناك نوع رابع يعرف بسحابة المجتمع (Community Cloud) وهي التي تستخدم من قبل مجموعات لها خصائص محددة مشتركة وتريد أن تتواصل مع بعضها وتتشارك في الموارد عبر الشبكة مثل المجتمعات التعليمية أو البحثية أو الأمنية.
لمحة تاريخية
والحوسبة السحابية ليست جديدة تماماً ولكنها في السنوات الأخيرة باتت متاحة للمستخدمين خارج مراكز الأبحاث والشركات العملاقة، ويعود الفضل لعالم الكمبيوتر الشهير جون مكارثي في تشكيل تعريف أو تصور مبدئي لفكرتها في الستينيات من العام الفائت حيث قال: «الحوسبة يمكن أن تُنظم ذات يوم بحيث تُعد مثل مؤسسة منفعة عامة» على غرار مؤسسات الخدمات (الماء والكهرباء)، وفكرته هذه تم البناء عليها وتطورت حتى وصلنا إلى الحوسبة السحابية التي بين أيدينا اليوم.
وكان لشركة أمازون دور كبير في تشكيل خدمات الحوسبة السحابية التي نتعامل معها اليوم حين أطلقت في العام 2006 خوادم الويب الخاصة بأمازون (Amazon Web Services). وفي 2007 ظهرت تطبيقات غوغل السحابية عبر بريد غوغل وتقويمه ومستنداته وبقية حزمة التطبيقات. وفي العام 2008 ظهر برنامج نيبولا (OpenNebula) الذي كان أول برنامج مجاني يسمح للشركات الراغبة بتقديم خدمات السحب الخاصة والهجينة عبر الحوسبة السحابية، وكان له أثر كبير في مسيرة وتطور خدمات السحب الإلكترونية.
وأعلنت شركة آبل في 2011 عن سحابتها الخاصة آي كلاود (iCloud)، والتي استبدلت بها برنامجها القديم للمزامنة بين أجهزتها والمعروف بموبايل مي (MobileMe). وبعدها قيام شركة مايكروسوفت بإطلاق خدمة أوفيس 365 (Office 365) والتي تقدّم من خلالها برامجها المكتبية الشهيرة أيضاً عبر سحابتها. وبذلك تشتعل المنافسة في مجال الحوسبة السحابية بين العمالقة الأربعة الكبار: أمازون وغوغل ومايكروسوفت وآبل، التي ستكون في صالح المستخدم النهائي.
سمات الحوسبة السحابية
بشكل عام هناك خطوط عريضة تجمع عليها المصادر المعتبرة التي تجعل خدمة ما تصنف على أنها حوسبة سحابية. فمن أبرز هذه الشروط أن تكون خدمة تقدَّم عن بُعد من قبل طرف ثالث وأن يتم الاتصال بهذه الخدمة بشكل رئيس عبر الإنترنت، وأن تعتمد هذه الخدمة على المشاركة في المصادر والموارد المختلفة (نظام التشغيل، مخازن البيانات والخوادم، منصات البرامج) بين المستخدمين.
أيضاً ألاَّ تحتاج إلى مهارات تقنية من قبل المستخدم لمعالجة الجوانب التقنية (الأمن، النسخ الاحتياطي، التحديثات، إصلاح الخلل والأخطاء) أو تحتاج إلى حد أدنى من ذلك. وأن يتمكن العميل من طلب هذه الخدمة بشكل مباشر عبر الإنترنت ويحصل عليها بشكل فوري أو شبه فوري، وتكون قابلة للتمدد والإنكماش بسرعة وسهولة (rapid elasticity) بحسب حاجته مثل زيادة المساحة التخزينية أو تقليصها، أو إضافة مستخدمين جدد أو حذفهم، كما من المهم في حالة لم تكن الخدمة مجانية أن يكون لها نظام تسعير واضح يفرق بين أنواعها ومزاياها المختلفة.
ولعله من المفيد هنا لفهم خصائص الحوسبة السحابية أن نلقي شيئاً من الضوء على ما لا يدخل في نطاقها. فمثلاً استئجار خادم بعينه من مركز بيانات لأداء مهمة محددة مثل استضافة موقع إنترنت، حتى لو كانت عملية الإيجار تتم عبر اشتراك مدفوع بشكل شهري أو سنوي،
لا يعد من خدمات هذا النوع من الحوسبة. وكذلك لا يصنف اتصال الموظف بجهازه المنزلي أو المكتبي عبر تطبيقات الاتصال عن بعد VPN كحوسبة سحابية.
أنواع الحوسبة السحابية بحسب المميزات التي تقدِّمها
هناك ثلاثة نماذج رئيسة يمكن أن تصنف خدمات الحوسبة السحابية من خلالها:
النموذج الأول: البرمجيات كخدمة ويرمز لها بـ SaaS Softwar as a Service حيث يتم تقديم حزمة من البرامج التي يمكن الوصول لها عبر الويب ومن أمثلتها تطبيق خدمة إدارة علاقات العملاء CRM.
والنموذج الثاني: منصة البرمجيات كخدمة ويرمز لها بـ PaaS Platform as a Service وهي تقدِّم للمستخدم بيئة تطوير متكاملة تمكنه من تشغيل أو تصميم وإنشاء واختبار ونشر تطبيقات الإنترنت الخاصة به بسهولة أكبر ومميزات أفضل مما لو قام بإنشائها في بيئته البرمجية المحلية، ومن الأمثلة عليها خدمة CloudSwitch Enterprise.
أما النموذج الثالث: البنية التحتية كخدمة ويرمز لها بـ IaaS Infrastructure as a Service إذ تقوم بإدارة الوصول عبر الإنترنت إلى أساسيات المصادر والموارد الحاسوبية مثل المعالجات السريعة، ومساحات التخزين والشبكات والخوادم والاستفادة منها حسبما يحتاجه العميل، ومن الأمثلة عليها The Joyent Cloud.
كيف تعمل السحب الإلكترونية؟
السحابة الإلكترونية تشريحياً هي تجمع افتراضي لمجموعة من الخوادم ومساحات التخزين ونظم التشغيل ومنصات البرمجيات والتطبيقات المختلفة، بغض النظر عن موقعها الجغرافي، فلا يشترط أن تكون موجودة في مكان فيزيائي واحد لدى مقدِّم الخدمة نفسه، والتي تعمل بتناغم وانسجام مع بعضها لتقديم خدمة ما للمستخدم الذي يتصل بها عبر الإنترنت من خلال متصفح الويب أو برامج البريد الإلكتروني والتطبيقات المختلفة عبر هاتفه المحمول أو حاسوبه الشخصي، وذلك بإدخال بيانات حسابه التعريفية (اسم المستخدم وكلمة السر). وحين تفتح له السحابة أبوابها بعد التأكد من بياناته، فإنه سيقوم باستخدام التطبيقات التي تقدِّمها السحابة كما لو كانت هي جهازه الشخصي أو شبكة الشركة التي يعمل بها، وكأننا نعود بذلك لعصر بدايات الحواسيب، حيث هناك حاسوب رئيس (MainFrame) تُجرى عليه كافة العمليات وحواسيب أخرى ثانوية (Terminals) تستخدم للاتصال بالجهاز الرئيس عبر إدخال البيانات الرئيسة إليه من قبل المستخدم أو عرض نتائج معالجتها له عبر الشاشة. الفرق الأساسي أننا في حالة الحوسبة السحابية فإن هذا الجهاز الأساسي وما يرتبط به هو خفي وغير ظاهر وليس مطلوباً منا أن نعرف أي شيء عنه. وعندما ينتهي المستخدم من أداء مهامه، فإن كل ما عليه هو تسجيل الخروج من التطبيق/ الموقع/ السحابة، وستكون كل تعاملاته وبياناته قد حفظت فيها بحيث تكون جاهزة للاستخدام حين يطلبها من جديد بغض النظر عن الجهاز الذي سيطلبها منه في المرة القادمة.
كما يمكن للمستخدم أن يعمل على جهازه الشخصي كما هو المعتاد ثم يقوم لاحقاً بتحميل ملفاته من جهازه إلى سحابته الشخصية التي توفر له خدمة تخزين مجانية أو مدفوعة مثل خدمة دروب بوكس (Dropbox) والتي تتيح للمستخدم مساحة تخزينية مجانية محددة تبلغ 2جيجابايت، وتتيح للمستخدم أيضاً أن يشارك ملفاته مع مستخدمين آخرين يحددهم.
مزاياها للشركات وأصحاب المبادرات التجارية
يمكن تقسم منافعها لاسيما إذا ما كنا نتحدث عن الشركات المتوسطة والصغيرة، إلى أربعة أقسام رئيسة: مالية، وتقنية، وتشغيلية، وبيئية. فمادياً، يجادل الكثيرون بأنها تساعد بالفعل على توفير الكثير من التكاليف المالية إذ يدفع المستفيد من هذه الخدمة ثمن ما يستخدمه فقط، وبالتالي لا يوجد هدر مادي ناتج مثلاً عن شراء مساحات تخزينية تفوق الحاجة، وكذلك فإن نفقاتها تُعد نفقات تشغيلية غير مستوجبة للضرائب، بالإضافة إلى أن الشركات لن تحتاج لجيش من الموظفين المسؤولين عن إدارة وتشغيل أنظمتها الإلكترونية لأن كل ذلك جزء متضمن في خدمة السحابة الإلكترونية.
أما المنافع التقنية فأهمها هي هذه القدرة على التمدد والانكماش بحسب الحاجة، كما تجعل الشركة قادرة على التركيز على منتجها أو خدمتها دون الحاجة للقلق بشأن الأمور التشغيلية. كذلك ضمان أن يكون النظام المستخدم في مأمن من سلبيات التطورات التقنية المستقبلية. ففي الماضي أنفقت الشركات أموالاً طائلة على برمجة وإنشاء نظمها الإلكترونية الخاصة لكن سرعان ما تطور العالم الرقمي وأصبحت الكثير من هذه الأنظمة الكبيرة الحجم والمعقدة (legacy systems) والتي تحتوي على كم هائل من البيانات مما يصعب عملية التخلص منها منتهية الصلاحية، وعانى موظفو أقسام تقنية المعلومات في محاولة تأهليها لتصبح مناسبة للزمن الحالي وللمستقبل أيضاً. مع الحوسبة السحابية يُفترض أن تتولى الشركة المقدمة للخدمة تحديث أنظمتها باستمرار، بحيث لا يصبح هذا شيئاً يذكر بالنسبة للمستخدم الذي سيحصل دائماً على آخر التحديثات فيما يتعلق بالبيئات البرمجية ونظم التشغيل والبرامج والمعدات.
أما لو انتقلنا للمنافع التشغيلية، فالحوسبة السحابية تجعلك قادراً على تفويض المهام والمشكلات لغيرك في كل ما له علاقة بنظم المعلومات تقريباً. ومنها شراء وتنصيب ودعم وتحديث البرامج المكتبية، وصيانة البرمجيات والمعدات والتأكد من عملها جميعاً بالشكل المطلوب، والقيام بالنسخ الاحتياطي، وتوفير الأمن المعلوماتي وكل ما يدخل في حكم ذلك.
ونختم الحديث عن المنافع بذكر الفوائد البيئية للحوسبة السحابية فهناك ابتداء تشارك المستخدمين في المصادر التقنية وبالتالي توفير الطاقة الناتجة عما لو قامت كل شركة بتشغيلها أجهزتها ومعاداتها الخاصة، وأن هذه الأجهزة نفسها ستعمل بفعالية أكبر وهدر أقل. وكذلك فإن شركات الحوسبة السحابية التي تقدِّم هذه الخدمات فهي غالباً ما تستخدم أجود وأحدث الأجهزة المتاحة وهذه الأجهزة كثيراً ما تكون أفضل لجهة استخدام الطاقة. والحوسبة السحابية تدفع باتجاه مبادرات التقنية الخضراء (GreenIT) حيث لا يصبح الموظف ملزماً بالسفر بالطائرة أو السيارة إلى مقر العمل أو مكان الاجتماع للوصول إلى البيانات واستخدام أنظمة الشركة الإلكترونية، وبالتالي توفير الوقود وتقليل بصمته الكربونية. ففي عالم متغير مثل عالم اليوم فإن الحوسبة السحابية توفر المرونة اللازمة لمجاراته.
اللاعبون الكبار
بات مجال الحوسبة السحابية أرض المعركة الجديدة التي تتنافس عليها الشركات الرقمية العملاقة نفسها وعلى رأسها غوغل ومايكروسوفت وآبل وأمازون في الوقت الراهن وفيما يلي وصف مختصر عن الخدمات السحابية التي تقدِّمها كل واحدة منها.
غوغل
تتمتع الشركة بنصيب الأسد في هذا العالم، حيث إن ملايين المستخدمين العاديين، ناهيك عن الشركات ، يستخدمون خدماتها السحابية كل يوم عبر تطبيقات البريد الإلكتروني والتقويم والملفات. وخلال 2012 استبدلت غوغل تطبيق مستندات غوغل (GoogleDocs) بخدمة غوغل درايف (GoogleDrive)، وهي تقدِّم خدمة مماثلة لخدمة دروب بوكس المذكورة سابقاً بمساحة تخزينية مضاعفة تبلغ 5جيجابايت، كما أنها دمجت خدمات مستندات غوغل فأصبح من الممكن إنشاء مستندات نصية أو جداول بيانات أو عروض تقديمية أو نماذج أو مجلدات أو ملفات رسومية أو ملفات برمجة من داخل التطبيق نفسه. هذا بالإضافة على ارتباطها عبر الحساب نفسه مع خدمات غوغل الأخرى ( البريد، والتقويم، والخرائط، والصور وغيرها) مما يعطيها ميزة تفاضلية يصعب منافستها عليها. وتقدِّم غوغل حلولاً سحابية مطورة خاصة بالشركات عبر ما يعرف بتطبيقات غوغل (GoogleApps) نظير رسوم رمزية بعد شهر من الاستخدام المجاني كتجربة. ويتوقع أن تقود شركة غوغل الحوسبة السحابية للمستخدمين العاديين في المستقبل المنظور.
آبل
منذ إعلان الشركة في 2011 عن إطلاقها لسحابتها الخاصة والمعروفة ب(iCloud) والتي تهدف لتجميع ومزامنة ومشاركة البيانات عبر أجهزة الآيفون والآيباد وحواسيب الماك وكذلك الحواسيب التي تستخدم نظام تشغيل وندوز وهذه الخدمة تلقى الترحيب والإعجاب بكونها من أهم الحلول السحابية المتاحة للمستخدم العادي. وتقدَّم هذه الخدمة مساحة مجانية أيضاً بمقدار 5 جيجابايت. وتظل مشكلتها الأساسية هي أنه لابد من تنزيل وتنصيب برامج آبل من أجل الاستفادة على هذه الخدمة من قبل الأجهزة الأخرى مما يجعلها أقل مرونة من الخدمات المنافسة.
مايكروسوفت
مازالت شركة مايكروسوفت تضع بيئة الأعمال والشركات كأولوية على أجندتها عن طريق ترويجها وتطويرها لتطبيقات حزمة الأوفيس السحابية التي تقدَّم ذكرها (Office 365)، وكذلك عبر خدمة سكاي درايف (SkyDrive) التي تمنح مساحة مجانية سخية بحجم 7 جيجابايت تتيح حفظ ومشاركة الملفات وكذلك إنشاء ملفات ومستندات من حزمة الأوفيس والموجهة أيضاً للأفراد كما الشركات. وتركز الشركة على مشاركة الملفات بين المستخدمين من خلال هذه الخدمة وتضع جهوداً كبيرة وتكاليف مرتفعة على التسويق لها مما سيؤدي غالباً إلى أن تتبوأ مايكروسوفت وخدماتها الجديدة موقعاً مميزاً في عالم الحوسبة السحابية.
أمازون
يعتقد كثير من المختصين المتابعين لسوق الحوسبة السحابية بأن أكبر منافس لشركة غوغل في هذا المجال بالنسبة للمستخدمين العاديين هي شركة أمازون، والتي أنتجت وباعت القارئ الإلكتروني المطوَّر كندل فاير (KindleFire) وتعمل من أجل الدفع باتجاه تخزين عديد من الكتب الإلكترونية والملفات الأخرى بما فيها ملفات الموسيقى المبتاعة من خلاله من متجر أمازون الإلكتروني نفسه من خلال هذه السحابة (Cloud Drive) التي توفرها مجاناً بسعة 5 جيجابايت كذلك، وكذلك طرحهاً لحلول سحابية تنافسية فيما يتعلق بالشركات. ويبدو أن الحوسبة السحابية هي مستقبل عديد من الخدمات التي تقدِّمها أمازون لمستخدميها ولديها طموح كبير لتحقيق ذلك.
المخاوف من الحوسبة السحابية: هل هي فعلاً آمنة؟
لعل أكثر ما يجعل الأفراد كما الشركات يترددون عندما يتعلق الأمر باستخدام الحوسبة السحابية هو موضوع أمن وحماية البيانات. فعلى الرغم من أنه قد تكون هذه السحب أكثر تحصيناً من الجهاز الشخصي، إلا أن أية احتمالية ضئيلة لضياع هذه البيانات كفيلة بإثارة المخاوف لإحساس الشخص بأن ممتلكاته الخاصة ليست تحت حمايته الشخصية، فيتكرر السؤال: هل السحب الإلكترونية آمنة؟ لاسيما والمرء لا يحتاج لاختراقها، والعبث بالبيانات الموجودة فيها سوى لاسم المستخدم، وهو في العادة البريد الإلكتروني المتاح لكافة الناس، وكلمة السر!
مات هونان صحافي تقني تعرَّض لتجربة مؤلمة في 2012 حين تم اختراق حسابه في سحابة آبل، وبسرعة البرق قام المخترق بمسح كافة بياناته على كافة أجهزة آبل الخاصة به: الآيفون والآيباد والماك، والتي لم يكن قد قام بعمل نسخ احتياطي خارجي لها، فإذا كان المرء يحفظ بياناته على السحابة خوفاً من عطل يصيب أجهزته أو سرقة لها، فماذا يحصل حينما تكون السحابة هي المصابة؟
ويرى البعض أن هذه القصة تبين مدى سهولة اختراق سحابة آبل حيث لا تحتاج سوى اسم المستخدم وكلمة السر في حين يبدو الوضع مختلفاً لدى غوغل الذي يتيح للمستخدم إضافة درجة ثانية من الحماية بالإضافة لكلمة السر، وذلك عن طريق إرسال رسالة تحمل رقماً سرياً إلى هاتفه المحمول بما يشبه الدخول لحسابات البنوك الإلكترونية.
وهناك مخاوف أخرى مثل الخوف من انقطاع الخدمة (Cloud Outage) لسبب متعمد مثل إجراء التحديثات اللازمة أو غير متعمد كخلل فني غير متوقع، والتجارب في هذا المجال تذكر بأن خدمات السحب الأقدم والأشهر مثل غوغل، وأمازون، ومايكروسوفت، وسيليز فورس قد تعرضت لاضطرابات في خدمتها ما بين العام (2008-2009) لفترات تتراوح ما بين ساعة وأسبوع. ويجادل أنصار الحوسبة السحابية أن الاحصاءات تشير إلى أن نسبة توافر الخدمات الإلكترونية لدى الشركات المعتمدة على أنظمتها الداخلية الخاصة هي %99.8 في حين أن استمرار الخدمة وتوافرها من قبل شركات خدمات الحوسبة السحابية المعروفة هي %99.9 أي أن السحب لا تزال متفوقه هنا بالإضافة إلى ميزاتها الأخرى وهي مسؤولة عن إصلاح نفسها وتحمل تكلفة ذلك.
وهناك خطر توقف الخدمة بشكل نهائي ففي فبراير من العام 2009 مثلاً وتحت وطأة الأزمة الاقتصادية العالمية اضطرت شركة مثل كوغ هيد (Coghead) لإبلاغ عملائها بأن أمامهم 9 أسابيع فقط ليجدوا مساكن جديدة لبياناتهم وبرامجهم، حيث إن الشركة قررت أن توقف تقديم خدماتها.
وفيما يتعلق بالبيئة هناك من يعتقد بأن الحوسبة السحابية ليست في الضرورة حوسبة خضراء، إذ إنها تتسبب في المزيد من الضغط على شبكة الإنترنت، وزيادة عدد النسخ من البيانات نفسها على أكثر من سحابة بالإضافة إلى النسخ المحلية، وازدياد الطلب على التقنية نتيجة للتوسع في الخدمات الجديدة الناتجة عن المزايا المتاحة من قبل الحوسبة السحابية. وعلى رأس هؤلاء منظمة السلام الأخضر (Green Peace) والتي ترى بأن الحوسبة السحابية ستسهم في زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري، فالكهرباء الناتجة عن استخدام السحب ستزداد من 623 بليون كيلو وات في الساعة في 2007 إلى 1964 بليون كيلو وات في عام 2020. ويرد أنصار الحلول السحابية على هذه الآراء بالقول بأنه لا يمكن إعادة عجلة الزمن للوراء لكن ما يمكن القيام به هو جعل ما نستخدمه من تقنيات وعلى رأسها الإنترنت صديقة للبيئة بأقصى ما نستطيع.
مستقبلها
يتوقع الخبراء بأن حجم سوق الحوسبة السحابية سيرتفع من 35 بليوناً في العام 2011م إلى ما يقارب 150 بليوناً خلال الثماني سنوات القادمة كنتيجة حتمية لتبني حلول هذه التقنية في عالم المال والأعمال والتجارة.
والحوسبة السحابية التي سنتعامل معها في 2020م ستكون مختلفة إلى حد ما عما هي عليه الآن. فسيزداد استقلال البرمجيات عن بيئة الأجهزة والمعدات بحيث تبرمج على أن تكون صالحة للعمل على أي جهاز بغض النظر عن الشركة المصنعة، وستتحول هذه البرمجيات نفسها إلى مجموعة من الخدمات والمستقلة المرتبطة مع بعضها بتقنيات خاصة لأداء المهام المطلوبة، مما سيجعل الحوسبة الرقمية تبدو بشكل عام وكأنها غير مرئية كما يقول جون مانلي من شركة HP. ومن أجل ذلك فإن البرمجيات ستكتب على هيئة وحدات (modules) قادرة على العمل بشكل حر ومستقل عن بقية البرنامج الذي كُتبت كجزء منه ابتداء ، وحيث ستتفاعل السحب المختلفة وتتكامل مع بعضها البعض. ويتوقع أن يسهم ذلك كله في انخفاض سعر الأجهزة والبرمجيات والسحب الإلكترونية تبعاً لذلك مع زيادة هائلة في السرعة وإنجاز المهام. وسيتم تقسيم السحب إلى خدمات مختلفة تصنف وفقاً لإمكانياتها ومزاياها إلى درجات متباينة في الجودة والأداء والقيمة.
للحوسبة السحابية ميزات وعيوب كما عرفنا من خلال هذا المقال، إلا أنه من الواضح بأن المزايا تتفوق على العيوب، وكل المؤشرات توحي بأن هذه الميزات ستكون من القوة بما يكفي لجعل عربتها تمضي قدماً، وفي الوقت نفسه الذي ستتكثف الأبحاث في عالم التقنية بحثاً عن حلول حقيقية للمخاوف المرتبطة بها لاسيما الأمنية منها.