في عالم صناعة البترول، حيث تختفي أسرار المكامن في باطن الأرض، تمثل المعلومات الدقيقة لحال الآبار، وسرعة توصيلها وتحليلها، قيمة بالغة الأهمية بالنسبة للجيولوجيين. أما وضع«مجسات» تسهم في تدفق المعلومات الضرورية لإدارة الآبار والمكامن، فهو تطورٌ في غاية الأهمية، يسهم في إحداث نقلة نوعية في استكشاف النفط واستخراجه.
وفي هذا السياق يبرز دور «الحقول الذكية» كإحدى أكثر تقنيات عالم صناعة البترول تطوراً لإدارة واستثمار الحقول بشكل ينعكس على كفاءتها. فبهذه التقنيات تتوافر السبل المختلفة القادرة على إتاحة الفرص لتمكين المهندسين من مراقبة وإدارة حقولهم بطريقة لحظية ومستمرة، وبطرق أكثر كفاءة وفعالية. في المقال التالي يأخذنا المهندس سعيد آل مبارك في رحلة مع التطورات الحثيثة التي شهدتها صناعة النفط خلال السنوات العشر الأخيرة من خلال تطبيق وانتشار تقنيات الحقول الذكية في كثير من دول العالم.
إدارة المكامن
وهبت صناعة البترول للبشرية حياة جديدة، حيث اُعتبرت إحدى أهم الركائز التي بنيت عليها الحضارة في العالم المعاصر.
ومع الإدراك بأن موارد البترول ناضبة، فإن من الواجب المحافظة عليها وإدارتها بأفضل الطرق. وقد كانت عمليات استخلاص البترول أكثر سهولة نسبياً مما هي عليه اليوم في مجمل حقول العالم، مما خلف أثراً كبيراً في كميات البترول المتوافرة وكذلك على أسعاره، انعكس إيجابياً على تسارع النهضة الشاملة التي شهدها الكثير من دول العالم. وعلى الرغم من أن عمليات استخلاص البترول اليوم أكثر صعوبة من قبل، إلا أن كميات البترول الموجودة في باطن الأرض ما زالت كبيرة جداً، ولكن قد يصعب الوصول إليها أو استخلاصها بالطرق الاعتيادية، مما اضطر روَّاد صناعة البترول إلى اللجوء إلى أساليب «مبتكرة» لتحسين أو تسهيل عمليات التنقيب والاستكشاف وكذلك الإنتاج، اعتماداً على تقنيات جديدة وسبل متنوعة. ومن هذه السبل ما يتطلب تجهيز بعض الآبار بتقنيات ومجسات تقيس المتغيرات اللازمة لمراقبة أداء وكفاءة هذه الآبار على حدة أو مجتمعة، لتعطي صورة متكاملة تعكس أداءها وأداء المكمن، وكذلك تعكس فعالية استراتيجية إدارة المكمن، وفعالية القائمين عليه.
وتمثل المعلومات الدقيقة لمكامن النفط، وسرعة الحصول عليها أهمية بالغة، وهو ما يجعل المراقبة المستمرة ضرورة ليس فقط لمجس أو لبئر بل للحقل وكذلك للمعمل.
وما شهدت السنوات العشر الأخيرة من حراك حثيث في تطبيق وانتشار تقنيات الحقول الذكية عالمياً، يبرز كعلامة واضحة لما اكتسبته هذه التقنيات من قدرة على تلبية حاجة المشغلين للتعرف أكثر على الحقول والآبار.
وكان أبرز ما أسهم في نجاح وتميز بعض المشاريع عن غيرها، تبني القائمين عليها استراتيجيات ركَّزت على الاستثمار في أربعة عناصر مهمة، تشمل: التقنيات المستخدمة كالمجسات والصمامات الجوفية، وبيئة عمل تكاملية تضمن تفاعل جميع التخصصات العاملة على إدارة حقل ما، واستخدام أساليب مطورة منسجمة مع مستجدات بيئة العمل الجديدة وقادرة على إتاحة فرص أفضل لإدارة الحقول، وكذلك وجود موظفين أكفاء لهم إلمام واطلاع يسعون لنجاح المشروع، ويعد هذا العنصر أكثر العناصر أهمية.
ويضمن التكامل بين العناصر الأربعة، الاستخدام الأفضل لمختلف المعلومات والقدرات الآنيّة لإدارة عمليات المعامل والمعدات، ومراقبة أدائها وأداء الآبار والحقول من جهة والاستجابة السريعة للمتغيرات المتعلقة سعياً لتحقيق الأهداف المرجوة منها.
وعلى أي حال، فإن رواد صناعة البترول مستمرون في البحث عن طرق مبتكرة لضمان تحسين مستمر لأداء كل ما يتعلق بإدارة وإنتاج الحقول في جميع مراحلها، وهذا بالتحديد المراد من تبني أي تقنية جديدة ممثلة بتقنيات الآبار والحقول الذكية.
الحقول الذكية
اختلفت الأسماء التي أطلقت على هذه الحقول، فالبعض ألصق الصفة مجازاً بالحقل نفسه، لما يحتويه من معدات وتقنيات قد توفر بعض الإمكانات غير التقليدية، والبعض الآخر اكتفى بإلحاق الوصف لطريقة العمل والإدارة لهذه الحقول.
فمنذ عام 2002م تقدَّمت الكثير من الشركات بتسجيل أسماء لحقولها «الذكية». وكان أشهر الأسماء على سبيل المثال: الحقول الذكية «Smart Fields» لشركة شل، وحقول النفط المستقبلية «Oil Field of the Future» لشركة البترول البريطانية، و«i-Fields» لشركة شيفرون، والحقول الذكية «Intelligent Fields» لشركة أرامكو السعودية، والحقول الرقمية أو الإلكترونية لشركات عدة. أما الشركة النرويجية للبترول StatOil فتسمي عملياتها بالعمليات المتكاملة أو ما يعرف بي «IO» أو Integrated Operations. وبعيداً عن الأسماء المختلفة، فإن المغزى الحقيقي وراء كل هذه التقنيات واحد؛ وهو القدرة على إدارة الحقول بطريقة ذكية عن طريق نقل المعلومات المهمة من الحقول إلى مراكز المراقبة والتحكم وبالعكس، لإتاحة فرص استثمار جميع عناصر الحقول الذكية بأفضل الطرق. ومن هنا، سيكون مصطلحنا المستخدم في هذا المقال: الحقول الذكية.
منشأ الفكرة
تتشابه الفكرة من وراء الحقول الذكية إلى حد كبير – إن لم تكن متطابقة – مع التقنيات وأساليب العمل في الصناعات الأخرى كالبتروكيميائيات، والطيران، والصناعات العسكرية، والطبية، وكذلك العمليات البنكية. حيث تتطلب كل هذه الصناعات تقنيات متقدمة ودرجات متفاوتة من المتابعة، أو الإدارة اللحظية بالغة الدقة، لما قد ينتج عن أي نجاح فيها، تحقيق امتيازات ومكاسب عالية، أو ما قد يتسببه أي خلل تقني أو وظيفي في خسارة كبيرة.
وفيما يتعلَّق بإدارة الآبار والمكامن في عالم صناعة البترول، التي تسعى لإدارةٍ أكثر كفاءة لجميع عمليات الإنتاج، عبر سيل من معلومات وقدرات تقنيات الحقول الذكية التي تتيح الفرص لتحسين وتسريع اتخاذ القرارات المناسبة، وكذلك تمكن المشرفين للتدخلات المطلوبة في أقصر وقت.
وتتمثل دائرة الإدارة وتنفيذ القرارفي أربع خطوات، ابتداءً من (1) الحصول على المعلومات و (2) تحليلها ومعالجتها من أجل (3) اتخاذ القرار المناسب (4) للإجراء المناسب. ومع أن هذه هي نفس الدائرة المتبعة حالياً حتى في الحقول التقليدية، إلا أن تقنيات الحقول الذكية تمكن المشغل من إنهاء جميع الخطوات بأسرع وقت ممكن، وبأكثركفاءة وأقل تكلفة.
تاريخ الآبار الذكية
يُعد تزويد الآبار بمجسات وصمامات تحكمٍ من اللبنات الأساسية لأي حقل ذكي. فعبر التاريخ تطورت طرق الحصول على معلومات مستمرة لمتغيرات الآبار والمكامن كالضغط والحرارة، ابتداءً باستخدام مجسات ذات ذاكرة ذاتية تُرسل إلى أعماق الآبار عبر كابلات تبقيها معلَّقة عبر رأس البئر لحين الانتهاء من العملية المطلوبة. حيث تسحب هذه المجسات لقراءة المعلومات المسجلة فيها لاستخدامات لاحقة. وقد طورت هذه المجسات لتتمكن من إيصال القياسات الآنية إلى المشغل عبر الكابلات الموصلة للكهرباء والمعلومات للقيام بالإجراءات اللازمة قبل إنهاء الفحص.
ومن المتعارف عليه لدى جميع مهندسي البترول، أن الحصول على قياسات آنية ومستمرة ولزمن طويل، قد يُعد ضرورة لفهم الكثير حول كفاءة الآبار والمكامن وتحديد قدرتها وكفاءتها وطاقاتها الإنتاجية. فقد بدأت القياسات المستمرة للمتغيرات الجوفية في الستينيات من القرن الفائت، وبالتحديد مع البدء باستخدام المضخات الغاطسة حيث كانت هذه المجسات مصاحبة للمضخة بهدف مراقبة أدائها وكفاءتها ولتفادي أي عطل أو خلل قد يحدث لأي سبب ما، كارتفاع درجة الحرارة مثلاً.
وفي عام 1963م وُضع أول مجس دائم لقياس الضغط والحرارة بهدف مراقبة كفاءة البئر الإنتاجية في حقل من حقول نبراسكا البرية في الولايات المتحدة الأمريكية، بينما وُضع أول مجس في الحقول المائية بعد ما يقارب عقد من الزمان في حقلين في كل من الغابون وبريطانيا. بينما جهَّزت أول بئر في أرامكو السعودية بمجسات لقياس الضغط والحرارة في العامين 2001 و2002م في كلٍ من حقلي «الزلوف» البحري، وحقل «الشيبة» البري على التوالي.
مع أن هذه المجسات أجهزة متطورة تقوم بتسجيل الضغط والحرارة وإرسال المعلومات إلى المشغل للقيام بمهامه المطلوبة ،الا أن تركيبها في الآبار مهمة لا تخلو من التحديات و التكاليف المصاحبة. فلتركيب أي مجس من المجسات الجوفية لا بد من أخذ الاعتبارات والظروف الملازمة له التي تحتاج إلى الكثير من التوليفات في أجهزة الآبار الاعتيادية، من أنابيب، ودواعم، ومثبتات جوفية، وحتى في تصميم رأس البئر، لتسمح بمرور الأسلاك المتصلة من المجسات إلى السطح ، لتوصيل كلٍ من الكهرباء اللازمة إلى المجس، وكذلك تقنيات الاتصال اللازمة لإرسال ومعالجة قراءات المجس إلى المشغل.
ومن المجسات الجوفية الإلكترونية الدائمة المستخدمة في صناعة البترول، ما هو بسيط نسبياً، ويستخدم لقياس الضغط والحرارة في عمق ثابت، ومنها ما هو أكثر تطوراً ويستخدم لقياس الاهتزازات ومقدار التدفق والسيزمولوجية. وقد طُورت تقنيات جديدة تستخدم الألياف البصرية ليس فقط للاستخدامات المذكورة آنفاً، ولكن كذلك لإعطاء القياسات في نقاط متعددة في آن واحد، ومنها ما يعرف باستشعار التوزع الحراري أو «DTS: Distributed Temperature Sensing» والذي يوفر للمشغل معلومات إضافية تفيد المستخدم في الحصول على مؤشرات مستمرة عن حالة البئر تمكنه بعمل ما يلزم من إجراءات استباقية يصعب التنبؤ بها بطرق العمل التقليدية.
ومن الأهداف التي تدعو مشغل الآبار أو الحقول لاستخدام المجسات الجوفية ما يأتي من معلومات يمكن استثمارها مباشرة أو بعد التحليل لوصف أدق للمكامن والآبار، وتحسين أدائها، وتحسين الإنتاج وزيادته، وكذلك في تسريع عمليات التحليل والمعالجة واتخاذ القرارات اللازمة، ومتابعة حالة وأداءأجهزة الآبار، وتحسين نتائج برامج محاكاة المكامن والآبار، ومراقبة عمليات تحسن أداء الآبار عبر ضخ الغاز أو المواد الكيميائية. وما يميز استخدام الألياف البصرية، هو قدرتها على تحديد وصفٍ لكيفية تدفق أو تسرب البترول أو الغاز أو الماء عبر الطبقات أو عبر أجزاء من البئر. كل هذا وأكثر يجعل استخدام هذه المجسات صفقة مربحة تعود للمشغل بكثير من العوائد والفوائد، وخصوصاً عند استخدامها في الحقول الواقعة في أماكن نائية، أو في الحقول المائية. وبوجود تقنيات الاتصال عن بُعد عبر الطرق المختلفة لإرسال المعلومات مباشرة من الآبار إلى غرف المراقبة والتحكم، يتجنب مشغل هذه الآبار الكثير من التدخلات والزيارات الميدانية للآبار، والتي تنعكس إيجابياً وبطرق مباشرة أو غير مباشرة على التكلفة وفعالية الموارد البشرية وكذلك سلامة البيئة.
ولم يتوقف المبدعون في هذا المجال عن تحسين التقنيات الموجودة، بل تم اختراع الجديد منها لتفادي بعض العقبات أو الصعوبات التشغيلية أو لتسهيل عملها.فمنذ الجيل الأول من المجسات التي اعتمدت على الكابلات لتوصيل الكهرباء، وكذلك المعلومات من وإلى السطح، ظهر كثير من الإبداعات لوضع بطاريات طويلة الأمد لتشغيل المجسات، وكذلك لنقل المعلومات عبر موجات صوتية، واشتغل البعض للتوصل إلى طرقٍ لتوليد الطاقة تحت الأرض، والمجال في الإبداع هنا مفتوح للجميع. ولكن لا بد من الأخذ في الاعتبار أن قوة أيٍّ من التقنيات المستخدمة في هذا المجال ليست بما تحتويه من تعقيدات، ولكن بما توفره من سبل تسهل وتيسر المهام المترتبة على استخدامها.
وفي القرن الحالي دخل عنصر جديد أضاف قدرات إلى هذه الصناعة، وهو: الصمامات الجوفية، التي تتيح التحكم بكميات التدفق تحت جوف الأرض بواسطة أجهزة مرتبطة بالسطح أو بغرف التحكم عن بُعد. وتُعد النرويج أول من استخدم هذه التكنولوجيا في عام 1997م في بئر يقع في حقل سنوره البحري. ومع أن هذه التجربة الأولى لم تلاقِ نجاحاً يذكر لكنها كانت مرحلة مهمة في تاريخ صناعة وتقدم تكنولوجيا صمامات الآبار الجوفية.
وشهد العام 2004م ولادة هذه التكنولوجيا في حقول أرامكو السعودية، بتركيبها في بئرين تجريبيتين في كل من حقل الغوار وحقل الشيبة. ومنذ تطبيق هاتين التجربتين الناجحتين حتى الآن، تحتل شركة أرامكو السعودية الصدارة في مجال تركيب الآبار الذكية المحتوية على هذه الصمامات مجتمعة مع المجسات المناسبة.فقد كان لدور أرامكو السعودية الفعال ليس فقط في تجهيز آبارها بهذه التقنيات ولكن في تطوير أجيال جديدة منها ذات قدرات أفضل، وكذلك حصول الشركة على العديد من براءات الاختراع في هذا المجال.
وهنا نعود إلى تسمية هذه النوعية من الآبار بـ «الذكية»، فهذه الصفة ألصقت كذلك بهذا الجيل من الآبار لاحتوائها على الإمكانات التي تسمح لها بأن تكون جزءاً من نظام يعمل كجزء من منظومة متكاملة ومنسقة تتجاوب مع المتغيرات حسب معطيات أو منطق افتراضي موضوع بدقة من قبل المشغل لخدمة أهداف محددة.
تجربة أرامكو السعودية
تُعد تجربة أرامكو السعودية لتطبيق أولى الآبار الذكية في حقل الغوار من أفضل الأمثلة في هذا السياق. حيث يتميز تصميم هذه البئر الثلاثية الأفرع، بأنها صُممت وحُدد موقعها بدقة متناهية لاختبار إمكانات التقنيات الذكية حينذاك.فقد حُفرت البئر في موقع من المكمن تميز بعدم تجانس في الصخور وكذلك وجود تفاوت في وجود الزيت المشبع بالماء في آفاق مختلفة في المكمن، مما يجعل إدارة الآبار التقليدية في هذا الموقع واستمرار قدرتها الإنتاجية صعبة المنال.
وبعد إكمال عمليات الحفر وتجهيز البئر بجميع لوازمها الإنتاجية والتحكم والمتابعة الآنية، بدأت البئر في الإنتاج بمعدل تدفق ممتاز إلى أن بدأ إنتاج بترول مشبع بالماء مما أدى إلى توقف البئر عن الإنتاج مؤقتاً، فقرر فريق المهندسين القائمين على هذه التجربة محاولة إعادة البئر لإنتاج بترول غير مشبع بالماء، وذلك عبر الإمكانات المتاحة بتقنيات الآبار الذكية.
وقام الفريق باختبار إنتاجية كل الأفرع منفردة ومن ثم دمج الإنتاج من الأفرع المختلفة وعلى مستويات تدفق مختلفة، وأحيلت جميع البيانات في نفس الوقت لتحليل فوري، واتخاذ القرارات المناسبة التي ترضي جميع أهداف الفريق. وبعد الانتهاء من الاختبار، وضعت الصمامات بوضع يضمن تدفق البترول فقط وبدون ماء، واستمر الإنتاج على هذه الحال بمعدل ستة آلاف برميل يومياً لمدة سنة ونصف السنة، إلى أن عاد إنتاج الماء من جديد وأعاد الفريق عملية تحسين أداء البئر وهكذا دواليك. وقد تحققت أهداف المشروع عندما تحقق الأداء المتوقع، وذلك يعود للعناصر الأربعة لإنجاح المشروع المتمثلة فيما ذكر آنفاً من استخدام التقنيات المناسبة، في بيئة عمل مناسبة، توفر الأساليب المثلى للإدارة والتطبيق، في إطار عمل جماعي لفريق أكفاء اتحدوا وتكاملوا لتحقيق الأهداف المرجوة، باستخدام خبراتهم وقدراتهم المختلفة في دمج مختلف البيانات الآنية من المكمن والأفرع المختلفة ومرافق الإنتاج. الجدير بالذكر هنا أن هذه البئر مستمرة في الإنتاج حتى الآن.
تبدأ جميع العمليات بتوفر المعلومات، التي توفر امتلاك القدرة على التحكم، وكذلك القدرة على التحليل السريع، واتخاذ القرارات المناسبة لعمل ما يلزم. فكلما تطورت هذه العناصر تقلَّص الوقت اللازم لإكمال الدائرة وهذ بالتأكيد ينعكس بشكل إيجابي على كفاءة الإنتاج وصحة الآبار والمكامن.
وبنفس المنطق يتم كذلك الوصول للأهداف المرجوة من الحقول الذكية، التي تتكون من عدد من الآبار الذكية، كما هو الوضع في أكثر الحقول تجهيزاً بهذه التقنيات في العالم كحقل حرض «3»، وحقل خريص، وحقول أبو حدرية، والفاضلي، والخرسانية، وحقل القطيف، وحقول عدة أخرى.
ولكل حقل من الحقول المذكورة أهداف محددة من قبل إدارييها ومشغليها، وتكمن القدرة في تحقيق هذه الأهداف إلى نفس العناصر المذكورة آنفاً. فمثلاً، الحقول الثلاثة: حقل أبو حدرية، والفاضلي، والخرسانية، تحتوي على عديد من المكامن التي تتفاوت كثافة البترول الخام فيها، حيث إن الهدف من التقنيات هناك أن يتم خلط الناتج من جميع هذه المكامن بكميات محددة مناسبة لما يطلبه سوق البترول. وما يغيب عن الأذهان هنا أن المتغيرات في هذه المكامن كثيرة، والمتغيرات في حالة الآبار المختلفة كذلك، مع وجود أهداف متعددة منها التأكد من إدارة جميع الآبار والمكامن لما يضمن تحقيق كل من الأهداف قصيرة المدى؛ وهي توفير الإنتاج اللازم، وكذلك ضمان الهدف الأسمى على المدى البعيد، وهو: «بقاء الحقول للأجيال». فبكل هذه المتغيرات واختلاف الأهداف، تمكَّنُ تقنيات الحقول الذكية تحقيق كل الأهداف مع رصد ما قد يصحب ذلك من آثار وتحديات.
والأمثلة على مثل هذه العمليات كثيرة جداً تناولها كثير من البحوث العلمية وأوراق العمل المقدمة في العديد من المؤتمرات والمحافل المحلية والإقليمية وكذلك العالمية.
وعند بدء رحلتنا في مجال الحقول الذكية، التي بدأت منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمان، وقبل ولادة وسائل الاتصال الحديثة، والمصطلحات الواصفة للحقول الذكية، كان هنالك أساليب مشابهة لما تقدِّمه تكنولوجيا اليوم، ولكن بأقل كفاءة وشمولية. ففي أي حقل برياً كان أو بحرياً، كان يستوجب متابعة إنتاج الآبار وحساب مقدار التدفق الافتراضي منها، لعدم توافر أي مجسات لقياس التدفق على المنصات في ذلك الوقت. وما قدمته التقنيات القديمة من حلول وأدوات، وفرت للمشغلين على المنصات الفرص لاستثمار الكفاءات والوقت بطريقة أفضل. وبقدوم تقنيات الحقول الذكية، أصبحت هذه القدرات أكثر سهولة وأكثر شمولية وليست مقتصرة على حقل معين.
إدارة واعية بكفاءات عالية
وترتبط نسبة النجاح في هذه الحقول الذكية ارتباطاً طردياً بقدرات ومؤهلات وذكاء القائمين عليها، وإتقانهم المهام المطلوبة لتحقيق اسم «الحقول الذكية» عبر إدارة المكامن والآبار بذكاء. ومن أولى الأولويات لإنجاح هذه المشاريع هو تركيز الشركات على المفاتيح التالية:
•
تكوين فريق لرسم استراتيجية للشركة للاستثمار الأمثل للحقول الذكية.
•
اختيار التقنية المناسبة، فليس هناك تقنية تصلح لجميع التطبيقات.
• الربط بين أهداف الشركة قصيرة وطويلة المدى.
•
بناء استراتيجية تدعم استمرارية التعليم ومساهمة نشر المعرفة.
•
إفساح المجال للإبداع والتفكير خارج الإطار المألوف.
•
التعايش والاستجابة للمتغيرات، واستثمارها كفرص تقود إلى التطور.
•
اختيار الموظفين بناءعلى قدراتهم النفسية والذهنية والرغبة في المساهمة في التغيير.
دور فريق الحقول الذكية
ويبرز مما ذكرالدور المهم لفريق الحقول الذكية في وضع الأساسات والاستراتيجيات، لخلق بيئة عمل تتلاءم مع المستجدات المترتبة لمشاريع الحقول الذكية في الشركة، لإبقائها في مكانتها الريادية عالمياً. حيث يقوم هذا الفريق بتقييم مستمر لجميع الحقول والآبار، وتقييم تقنيات الحقول الذكية، لوضع خطط واضحة لكل المساهمين في أعمال الإنتاج، لتحقيق أقصى قيمة استثمارية من تطبيقات الحقول الذكية، في إطار يضمن توافقها مع معايير الشركة وأهدافها على المديين القصير والطويل. ومما يتصدر مهام هذا الفريق؛ هو تحديد جميع المهام والمسؤوليات المتعلقة بتطبيقات الحقول الذكية، وضمان فهمها، والعمل بها من قبل جميع الإدارات والمتخصصين، مما يضمن عملاً منسقاً يسهل متابعته وإدارته. ومن مهامه أيضاً توليف طرق عمل مبتكرة وأساليب ملائمة لإدارةالحقول الذكية تسهل عملية اتخاذ القرارات وكذلك تحدد التدخلات المناسبة لتحقيق الأهداف المرجوة. ومن المهام كذلك القيام بدراسات وإحصاءات ميدانية ذات أهداف محددة لتقييم أداء وكفاءة تقنيات الحقول الذكية المختلفة والتطبيقات المستخدمة سعياً لفهمها وتطويرها بما يتناسب مع بيئة العمل.
و أخيراً فإن نجاح مشاريع الحقول الذكية يعتمد إلى حدٍ كبير على التنسيق بين مختلف الأنشطة والعمليات المتزامنة، ودمجها في إطار يضمن الحصول على أفضل النتائج. كل ما حصل من تطور في المجالات المتعلقة بالحقول الذكية من برامج واتصالات وأدوات، أسهم الإسهام الأكبر في جلب الثقة في نتائجها، وكذلك في إسراع تطبيقها ميدانياً. وأصبحت هذه التقنيات قادرة على الإيفاء بوعودها إذا وضعت في منظومة عمل تضمن توافر عناصر النجاح الأربعة، وبهذا سيزداد الاعتماد عليها والاستفادة منها كلما كان ممكناً. ومع هذا التحول في طريقة العمل وإدارة الحقول تبرز فرص وكذلك تحديات جديدة قد تفتح مجالات جديدة للتقييم والبحث والتجربة.فالحقول الذكية تتطلب مجتمعاً معرفياً منافساَ يحقق تنمية مستدامة من خلال تكامل العوامل الضرورية لنجاح برامجها وكذلك يتطلب قادة يسعون لنمو مطرد معرفي وتقني ينعكس أثره على بيئة عمل تعكس رؤية ومهمة تضمن التحسين والتطور المستمر في جميع موارد شركاتهم.
أرامكو السعودية.. نحو حقول ذكية
تعمل أرامكو السعودية على تطوير جميع حقولها وتجهيزها لأن تكون حقولاً ذكية، مستخدمة تقنيات متنوعة، ومبتكرة تقنيات متقدمة كتقنية الآبار الذكية كثيرة التفرع، وهي إحدى التقنيات المتقدمة التي تهدف للتحكم بإنتاج النفط بشكل أكثر سلاسة من الجيل التقليدي من الآبار الذكية. وهنا تجدر الإشارة إلى إسهام ودور مركز «اكسبك» للأبحاث القائمة في إضافة إمكانات جديدة إلى هذه التقنيات؛ كالتحكم وإرسال المعلومات عن بُعد وتوليد الطاقة اللازمة لذلك. كما تجدر الإشارة هنا إلى أن اللبنة الأولى لهذه الآبار الذكية شديدة التفرع قد حصلت بالفعل هذا العام في إحدى الآبار في حقل الشيبة، التي كللت بالنجاح وفتحت أبواباً جديدة للتطور.
ولا يقتصر التقدم في مجال الحقول الذكية في تقنيات جوف الأرض وحسب، ولكنه يمتد ليغطي جميع مرافق صناعة البترول، والبرامج، والطرق المستحدثة للتعامل معها، عبر سبل جديدة وأساليب متخصصة لإبراز قدرة هذه التقنيات في توليف استراتيجيات جديدة تضمن تحقيق أهداف الشركة الرئيسة.
من مهام الفريق:
• التنسيق بين الأهداف المختلفة
• وضع الأسس وتحديد المواصفات
• رسم وتنفيذ خطط واضحة
• توليف طرق عمل مبتكرة
• تحديد المهام والمسؤوليات
• التوعية والتعليم
• المتابعة والتقييم المستمر