طول القرن العشرين، لم تتعرض نظرية أينشتاين حول نسبية المكان والزمان إلى ما يمكن أن ينقضها فعلاً، خاصة فيما يتعلق بحدود السرعة القصوى التي يمكن لأي شيء أن يبلغها والتي يجب أن تبقى دون سرعة الضوء (300 ألف كلم/ثانية)، لأن الزمان يتوقف تماماً عند هذه السرعة. ولكن نسبية أينشتاين وإن أثبتت صحتها في أكثر من فصل من فصول الفيزياء والمكتشفات المعاصرة، تتعرض اليوم إلى هزة عنيفة. وإذا كانت الهزة تقتصر عليها في الوقت الحاضر، فذلك لأن آخر ما توصل إليه الفيزيائيون في دراسة حدود السرعة لا يزال محصوراً في دوائرهم، ولم تخرج نتائج أبحاثهم بعد من المختبرات لتغيِّر واقع العلوم التطبيقية وتهز العالم بأسره.
فاستناداً إلى نظرية وجود أنفاق ما بين ذرات كل مادة (لا أحد يعرف طبيعتها ولا ممَّ تتألف)، تمكن العالم الألماني غونتر نيمتز في جامعة كولونيا، من تمرير موجات بالغة الصغر عبر هذه الأنفاق، بسرعة تجاوزت سرعة الضوء. ولتأكيد أن الموجات الملتقطة هي نفسها التي أرسلت، أعاد نيمتز تجربته من خلال تحويل إحدى سيمفونيات موتسارت إلى موجات كهرومغناطيسية بالغة الصغر وتمريرها عبر الأنفاق وإعادة جمعها عند الطرف الآخر.
وفيما يرى الفريق الذي يرأسه نيمتز أن سرعة الموجات داخل الأنفاق يمكنها أن تصل إلى سبعة أضعاف سرعة الضوء، نجح فريق من علماء جامعة بيركلي في كاليفورنيا من نقل فوتونات عبر هذه الأنفاق بسرعة بلغت ضعفي سرعة الضوء. والأغرب من ذلك أن المجسات الإلكترونية التي رصدت وقت وصول الفوتونات إلى هدفها أفادت أن هذا الوقت سبق وقت إطلاقها!!
فهل في الأمر انهيار لنظرية أينشتاين؟ أم لا تعارض بين النظرية التقليدية والتجارب الجديدة؟
العلماء منقسمون حول هذا السؤال. فعالم الرياضيات الألماني ديور ينقض صحة التجربة، أما مواطنه كريمر الذي يدرِّس في إحدى جامعات أستراليا، فيحاول تفسيرها بما لا يتناقض مع نسبية أينشتاين.
وفيما يحتدم الجدل بين العلماء الألمان، بدأ الفيزيائيون الأمريكيون ينظرون للسرعة «فوق اللانهائية»، ومن تجاربها المفترضة (غير المحققة حتى الآن) ما يقول إن إرسال شرارة بمثل هذه السرعة سيجعلها تصطدم بنفسها وهي عائدة من الطرف الآخر لتنفجر في وسط النفق.
صحيح أن كل هذه التجارب لا تزال عند مستوى الفوتونات والموجات الكهرومغناطيسية، ولكن الأسئلة التي تثيرها هذه المكتشفات باتت تتجاوز علم الفيزياء نفسه لتصل إلى الفلسفة.
ففي المؤتمر الذي عقدته جامعة كولونيا لمناقشة اكتشاف نيمتز، حضر عدد من الفلاسفة إلى جانب علماء الفيزياء والرياضيات، الأمر الذي لم يسبق أن حصل في أي منتدى علمي سابق.
حتى نيمتز نفسه الذي يؤكد الحقائق العلمية في تجربته، يقول إنه لا يستطيع أن يدرك ذيولها، التي تبقى من اختصاص الفلاسفة لا الفيزياء.