قيل في البدء إن اعتماد الأسماء الأجنبية للمحلات التجارية والشركات يأتي من باب تشجيع السياحة وتسهيل الأمور أمام السياح الأجانب.
ظهر هذا المنطق في لبنان قبل خمسة أو ستة عقود من الزمن. وكان من الممكن تفنيد صحته بسهولة من خلال الإشارة إلى أن بلداً مثل اليونان يستقبل سياحاً أكثر مما تستقبل الدول العربية مجتمعة، وحروف لغته الوطنية خاصة به لوحده، ومع ذلك فمن النادر جداً أن يجد الزائر اسم متجر أو شركة في العاصمة اليونانية مكتوب بلغة أوروبية أخرى. ومع ذلك لم يتم تفنيد هذا المنطق ، بل راح يحقق الانتصار تلو الآخر على حساب شخصية المدينة العربية.
اختفت البقالة ليحل محلها السوبرماركت و الميني ماركت ، وتكاثرت الأسماء بالفرنسية والإنجليزية.. ومؤخراً بالإيطالية، وحتى الإسبانية بعدما شاعت الأسماء بتلك اللغات، ولم تعد تشبع رغبات الساعين إلى الاختلاف والظهور بمظهر المتطور اللافت للنظر في تقدمه على الآخرين..!؟
حاولت القوانين أن تسعى إلى الحد من تفشي هذا الوباء.. فنجحت جزئياً هنا أو هناك. إذ، ما العمل عندما تكون الشركة أو المؤسسة التجارية أو المطعم مجرد فرع لشركة أجنبية؟ ثم هل يمكن للقانون أن يمنع صاحب متجر أن يستوحي اسم متجره من اسم مسلسل مكسيكي مبتذل؟ أو أن يحصر استخدام لازمة كو ببعض الشركات دون غيرها فيحول دون تحوّل دكان سيّد إلى سيّدكو و إبراهيم إلى إبراهيمكو ؟
كان يفترض في الثقافة دون غيرها أن تتولى دعم القانون في هذا المجال. ومع ذلك…
ها هي معظم أسماء المطاعم بالإنجليزية من المحيط إلى الخليج، ومتاجر الملابس بالإيطالية والفرنسية، ناهيك عن فروع الشركات الصناعية التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل ولا حيلة في معالجة أسمائها. حتى إن الاسم العربي انقرض تماماً في بعض أسواق بيروت مثلاً، وهو على طريق الانقراض في شوارع أخرى وعواصم عربية أخرى. وبصيص الأمل بإنقاذه يتضاءل يوماً بعد يوم. ففي بعض المدن العربية المتمسكة بقوة بهويتها والأقل انفلاشاً في انفتاحها على الثقافات الغربية والاستهلاكية مثل دمشق، نجد أن الاسم العربي لا يزال حاضراً بقوة، ولكن الأسماء الأجنبية بدأت تطلّ برأسها هناك. صحيح أن هذه الإطلالة لا تزال خجولة (وربما في بدايتها)، ولكنها تكفي للتساؤل: حتى دمشق؟ .
فبعد سقوط المنطق السياحي ، تطل علينا اليوم العولمة كشعار يبرر للمحللين تفشي هذه الظاهرة الوبائية، ويساعدهم على إعطاء صبغة ثقافية لتفسيرها.. ولكن الواقع هو غير ذلك تماماً. الواقع هو أن الأمر لا يتعدى كونه انسحاقاً ثقافياً ناجماً عن عُقد النقص والتنكر بملابس الكِرام سعياً إلى التشبه بهم.. والأمر ليس فضيلة، إنه مثير للنفور.. ولشيء من الشفقة.